د. التركي: ندعو لبرامج مشتركة للتعاون مع المنظمات المسيحية الأميركية لاحتواء تداعيات 11 سبتمبر

البروفيسور يوليت أستاذ التاريخ الاجتماعي في جامعة كولومبيا: من الصعب التكهن بنهاية العداء بين الأميركيين والمسلمين نتيجة للأحداث الأخيرة في أميركا

TT

التقى الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي الأمين العام لرابطة العالم الاسلامي ورئيس الوفد الاسلامي العالمي، الذي يزور الولايات المتحدة الاميركية حاليا، والوفد المرافق له بقادة الكنيسة الكاثوليكية في نيويورك للتباحث معهم حول أوجه التعاون والتنسيق لاحتواء تداعيات أحداث 11 سبتمبر (أيلول) الماضي، والعمل على معالجة التأثيرات السلبية والتوترات القائمة في العلاقة بين المسلمين وغيرهم في اميركا.

واستهل الدكتور التركي حديثه في الاجتماع بشرح وافٍ عن مهمة الوفد الاسلامي، الذي يزور بعض المدن الاميركية، بهدف لقاء المسؤولين في الأجهزة الحكومية والمنظمات والمؤسسات الدينية والثقافية لاجراء حوارات تجلي الحقائق وتساعد على ازالة سوء التفاهم وتوتر هذه العلاقات، مشيرا الى ان رابطة العالم الاسلامي هي منظمة اسلامية شعبية عالمية تمثل الشعوب والاقليات المسلمة في العالم، هدفها تبيان وجهات النظر المتعلقة بالاسلام والمسلمين تجاه العديد من القضايا والاشكالات.

وأكد رئيس الوفد الاسلامي ان بعض القضايا الخلافية التي تثيرها وسائل الاعلام الغربية لا تعكس حقيقة العلاقات بين المنظمات الاسلامية ونظيراتها المسيحية، ولكنها تحدث بلبلة في أذهان العامة من الطرفين، لذلك من المهم لقاء قيادات هذه المؤسسات والمنظمات من أجل الوصول الى اساليب وبرامج مشتركة لمواجهة تداعيات سوء الفهم، والعمل على ايجاد ارضية مشتركة للتعاون في معالجة القضايا ذات الاهتمام المشترك.

وقال الكاردينال كارتنلو: اننا نحرص على الحوار مع المسلمين حول الكثير من القضايا ضمن حواراتنا مع الاديان والمذاهب الأخرى، فالحوار يهدف الى التفاهم مع اتباع هذه الديانات. وكان من المفيد ان يتم تركيز الحوار بعد احداث 11 سبتمبر على كيفية احتواء تداعيات هذه الاحداث وتأثيراتها السلبية في علاقة المسلمين والمسيحيين. ولا تقتصر على اللقاءات التي تنظم بين المؤسسات والمنظمات المسيحية ومثيلاتها الاسلامية في الحوار فقط، بل يتم الاتفاق على برامج مشتركة تهدف الى تعميق جوهر الرسالات الالهية في الدعوة الى السلام.

أما الدكتور احمد كمال ابو المجد وزير الاعلام المصري الاسبق وعضو الوفد، فقد اشار الى ان وفد رابطة العالم الاسلامي الذي يزور العديد من الدول الاوروبية والاميركية يهدف الى التوعية بقيمة الحوار بين المؤمنين بالرسالات الالهية والدخول فيه للوصول الى تفاهم مشترك حول ما يثار من قضايا هنا وهناك، وان المتطرفين والغلاة سواء بين المسلمين أو المسيحيين لا يمكن ان تترك لهم الساحة لوحدهم، بل يجب مواجهة القضايا والاشكالات بطرحها ومناقشتها وتوعية كل طرف بحقيقة دين الآخر بالرجوع الى المصادر الاساسية.

وقال الدكتور ابو المجد ان الهدف من الحوار الاسلامي ـ المسيحي تحقيق الاعتراف الثقافي والحضاري لكل واحد منهما واظهار الاحترام. فالحوار لا يهدف بأية حال من الأحوال محاولة تغيير دين أحد، ولكن يهدف الى تحديد اجندة العمل المشترك لخير البشرية. فقد ذكر القرآن الكريم اسم محمد صلى الله عليه وسلم اربع مرات، بينما ذكر اسم المسيح عليه السلام أكثر من 20 مرة، وذكر مريم 33 مرة، وذكر موسى عليه السلام 85 مرة. كما انه لا يكتمل اسلام المسلم الا بالايمان بجميع الرسالات الالهية والايمان بالرسل والانبياء لقوله تعالى «آمن الرسول بما أنزل اليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك المصير». فنحن نعتقد ان الناس لا يمكن ان يعيشوا متفرقين متناحرين، فالدين دعوة للعيش في سلام. فمن هنا يجب علينا ان نعمل معاً من أجل حماية الطفل والاسرة، ولا بد ان يكون هناك حوار مستمر لمعالجة المشكلات التي تواجه مجتمعاتنا نتيجة لسوء الفهم.

وقال الدكتور التركي ان قضية الحوار تشكل قضية محورية في حياة الامم والشعوب، فلذلك كثرت مؤتمرات الحوار سواء في العالم الغربي أو العالم الاسلامي، وتعددت الجهات التي تنظم هذه المؤتمرات والندوات التي تعنى بقضايا الحوار الثقافي والحضاري. فرابطة العالم الاسلامي ترحب بأي تعاون في هذا الخصوص، ولكن من الضروري تحديد أجندة هذا الحوار، ولقد تحدثت قبل شهرين مع الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر حول ان الكثير من مؤتمرات الحوار تتسم بالمجاملات فلا تخرج بموجهات عملية لمعالجة القضايا التي تثار فيها، فعليه أرى ضرورة مراعاة ابجديات الحوار، واتفقت مع شيخ الازهر على توسيع دائرة الحوار وتحديد الاهداف المرجوة منه، فهناك مؤتمرات حوار كثيرة عقدت في اليونان وايطاليا والمانيا وبريطانيا وغيرها، ولكنها لم تخرج بنتائج محددة وخطط مستقبلية.

ويرى الكاردينال كارتنلو ان الحوار الديني والحضاري يجب الا تحصر نتائجه على المشاركين فيه، بل لا بد من تعريف الناس بنتائج هذه الحوارات لأن الهدف الاساسي منها ايجاد تفاهم مشترك وازالة اي سوء فهم، ومن الضروري تعميق ثقافة الحوار لتعزيز القيم المشتركة لتحقيق التفاهم والسلام.

من جهة أخرى اجتمع الدكتور التركي والوفد المرافق له بالدكتور بوب ادغار الامين العام للمجلس الوطني للكنائس في نيويورك وعدد من المسؤولين في هذا المجلس، حيث قدم الدكتور ادغار تعريفاً مختصرا عن المجلس واهدافه، مشيرا الى ان جزءاً مهما من نشاطات هذا المجلس الاهتمام بحوار الاديان، لذلك عقد سلسلة من الحوارات مع المسلمين والمسيحيين من اتباع المذاهب الأخرى. وقال ان احداث 11 سبتمبر جعلت للحوار بين المسلمين والمسيحيين أهمية قصوى لتقوية العلاقات وازالة أي سوء فهم بين الجانبين. لهذا فإن اجتماع اليوم يكرس هذه الاهمية، ويؤكد ضرورة استمرار هذا الحوار لنتعلم من بعضنا بعضا. وان لجنة حوار الاديان في هذا المجلس ركزت على اجراء حوارات مع المسلمين بعد احداث 11 سبتمبر لاجلاء بعض الحقائق والعمل على احتواء التوترات الناجمة عن هذه الاحداث.

وقال الدكتور التركي ان رابطة العالم الاسلامي معنية بقضية الحوار مع الكنائس، وقد بدأت هذا الحوار منذ زمن بعيد، ولكن للأسف لم تكن هناك متابعة لتلك الحوارات. فالإسلام بطبيعته دين حوار. وان الايمان بالانبياء والرسالات الالهية جزء من ديننا، وان كانت هناك خلافات بينهما، لكن جوهرها عبادة الله. فالشيء المؤسف ان العلاقات بين الاديان والمؤسسات والمنظمات المعنية بالاديان لم تنم، مما أتاح للجهلة ان يسيئوا لهذه العلاقات. ونحن نسر كثيرا عندما نسمع من مسؤولين في الكنائس انهم يفهمون الاسلام ويحترمونه، ونعتقد ان هذه بداية طيبة لايجاد تفاهم مشترك. ونلاحظ ان الخطأ الذي يقع في بعض وسائل الاعلام الغربية وفي كتابات بعض المستشرقين ينجم عن عدم وجود اتصالات مباشرة للرجوع الى المصادر الأصلية.

وأضاف اننا نلاحظ ان التعاون بين الدول ركز على المجالات السياسية والاقتصادية وتجاهل الجانب المهم وهو المجال الديني. فإن الاهتمام بهذا المجال يساعد كثيرا على حل المشكلات، مشيرا الى انه قبل 11 سبتمبر كان العالم يواجه مشاكل عديدة منها المشاكل الصحية ومشاكل الفقر والجوع، وهذه ليسست مسؤولية دين معين، لكن بعد أحداث 11 سبتمبر، الأمة الإسلامية ساءها هذا التطرف وطالبت بمعالجة هذا الأمر من جذوره لأنها لا تريد ان يحكم على الاسلام بتصرفات بعض المسلمين، فالرابطة بحكم انها من أكبر المنظمات الاسلامية غير الحكومية تبدي استعدادها للتعاون مع الجهات المختلفة في معالجة المشكلات التي تعمق الخلافات وتسبب سوء الفهم وتعمل جاهدة على تقوية العلاقات بين الشعوب لتحقيق الاستقرار والأمن والسلام للمجتمعات الانسانية.

على صعيد آخر زار الوفد الاسلامي جامعة كولومبيا في نيويورك، حيث التقى بعدد من اساتذة الجامعة، وتحدثت البروفيسورة ليزا اندرسون عميدة معهد الشؤون العامة والدولية في الجامعة عن الجامعة قائلة: ان جامعة كولومبيا تعتبر من الجامعات الاميركية العريقة التي تعنى بالدراسات المتعلقة بمنطقة الشرق الاوسط. ولقد ركزت الجامعة بعد 11 سبتمبر على الدراسات التي تناقش تداعيات هذه الاحداث وتأثيرها في علاقة المسلمين بغيرهم في اميركا.

وقال البروفيسور بيتر استاذ دراسات مقارنة الاديان في الجامعة إن دراسة مقارنة الاديان تهتم بتدريس الاديان المختلفة، لأن الطلاب يأتون من خلفيات دينية متعددة، مؤكدا ان موقف الدفاع الذي يتخذه المسلمون تجاه احداث 11 سبتمبر غير مفيد، فعليهم شرح موقف الاسلام من بعض القضايا شرحاً مقنعاً. وكذلك توضيح حقيقة ماذا يعني للانسان ان يكون مسلما ليتمكن من تقديم اجابات للعديد من الاسئلة التي طُرحت بعد هذه الاحداث المؤلمة.

أما البروفيسور بوليت استاذ التاريخ الاجتماعي في جامعة كولومبيا، فقال انه أعد مقرراً دراسياً عن الإسلام لحاجة الطلاب لمثل هذا المقرر الدراسي. لقد شاب العلاقات بين المسلمين وغيرهم في اميركا الكثير من التوجس والخوف بعد احداث 11 سبتمبر، لأن الذين شنوا هذا الهجوم ادعوا بأنهم فعلوا هذا باسم الاسلام.

وأضاف البروفيسور بوليت ان المجتمع المسلم الاميركي يتألف من المهاجرين ومن الاميركيين السود. وان أميركا بدأت تتعرف على الاسلام من خلال الياجا محمد زعيم المسلمين السود، وبدأت تتضح الصورة عن الاسلام والمسلمين بالنسبة للاميركيين البيض من خلال هذه الجماعة وبعض الرياضيين المشاهير الذين اعتنقوا الدين الاسلامي، ومن أشهرهم وأبرزهم محمد علي كلاي، وعلى الرغم من ان الاسلام في اميركا بدأ بمجموعتين هما المهاجرون والاميركيون السود، الا انهما لم تعملا مع بعضهما بعضا في ابراز قضايا الاسلام وتوعية المجتمع الاميركي بماهية الدين الاسلامي وتوضيح مواقفه ومصادره الاساسية، كما برزت في اميركا مجموعة ثالثة من المسلمين سواء من المهاجرين أو السود وهي مجموعة تعود خلفياتها الدينية الى الاسلام، ولكنها لا تمارس الشعائر الدينية من صلاة وصيام وما الى ذلك. فمن هنا تكونت صورة الاسلام للاميركيين من هذه المجموعات الثلاث.

أما بالنسبة للسؤال الذي طُرح من أحد أعضاء الوفد عن: الى متى يظل العداء بين الاميركيين والمسلمين نتيجة احداث 11 سبتمبر؟ فأجاب البروفيسور بوليت بأن ذلك يتوقف على ما يبذل من جهود في وسائل الاعلام الاميركية في هذا الصدد، لأن الاعلام وخاصة التلفزيون يعتبر المصدر الاساسي لتلقي المواطن الاميركي للمعلومات وتشكيل رأي محدد تجاه القضايا التي تواجه مجتمعه، لذلك من الصعب التكهن بنهاية هذا العداء الذي كان نتيجة مباشرة لتداعيات احداث 11 سبتمبر. ولكن لا بد من القول ان المؤسسات الاكاديمية تبذل جهدا مقدرا في هذا الصدد من أجل تحسين الصورة النمطية السلبية في الاعلام الاميركي عن الاسلام والمسلمين.

وقال البروفيسور لويس بورتيلو الاستاذ في الجامعة إنه من الواضح ان احداث 11 سبتمبر زادت من نشر الصورة النمطية السلبية عن الاسلام والمسلمين في وسائل الاعلام الاميركية. وغالبا ما يكون هناك سوء فهم من قبل الاميركيين نتيجة اعتقادهم ان المسلمين وحدة واحدة، ولكن في الحقيقة ان المسلمين على اختلاف في كثير من الوجوه العرقية والثقافية. فالتعددية في الاسلام الممثلة في المذاهب الفقهية والمدارس الفكرية لا يفهمها كثير من الاميركيين، فمن الضروري ملاحظة هذه التعددية في الاسلام اذا أردنا ان نفهم الاسلام والمسلمين. وبالنسبة لنا كاكاديميين تتضح هذه التعددية في الاقليات المسلمة في نيويورك.

كما زار الوفد الاسلامي مقر الكنيسة الانجليكانية في نيويورك، حيث التقى بعدد من مسؤولي هذه الكنيسة وحاورهم في عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك. وكان الكاردينال كريستوفر ايبتيتغ قد تحدث عن اهمية عقد مثل هذه اللقاءات بين المؤسسات والمنظمات الدينية لازالة سوء الفهم وبناء الجسور وتقوية العلاقات بين المسلمين وغيرهم.

وقال الدكتور التركي: نحن نحرص على ان يفهم الآخرون الدين الاسلامي الذي نؤمن به، وان دين الله حلقة متواصلة من آدم عليه السلام الى محمد صلى الله عليه وسلم، ومصدر الرسالات الالهية واحد، فيجب ان نبتعد عن أي خلافات ونتعاون من أجل البشرية، ولا بد ان تطوق الجهات الدينية الصراعات من خلال الحوار والتعاون على الخير، والتأكيد على ان الرسالات الالهية كلها متفقة على تحريم الظلم وتدعو الى وجوب تحقيق العدل، وانها وحي من الله تعالى لانبيائه ليبلغوه للناس جميعا.

وقال الدكتور جمال بدوي الاستاذ في جامعة سانت ميري في هيلفاكس بكندا وعضو الوفد: انني اريد ان ابدأ حديثي بآية من القرآن الكريم تنظم علاقة المسلمين بغير المسلمين وهي «ولا تجادلوا أهل الكتاب الا بالتي هي أحسن». وعندما يخاطب القرآن الكريم النصارى واليهود بعبارة أهل الكتاب، فذلك للتعبير عن الاحترام. واننا نؤمن بما يؤمن به أهل الكتاب من الوحي وان رسالتهم رسالة الهية، ولكن هناك اختلافاً في الرسالات الالهية في ما يتعلق بالاعتقاد والشعائر الدينية. وانه لا يمكن البدء في الحوار مع النصارى واليهود الا من ارضية مشتركة. ولكي يكون هذا الحوار مستمراً ومثمراً فلا بد من الاعتقاد بوحدانية الله تعالى لأن كل الانبياء يدعون اتباعهم الى هذا. ولا بد من توضيح الحقائق عن الاسلام والمسلمين بالرجوع الى المصادر الاسلامية الصحيحة للرد على الحملات الجائرة التي تشنها بعض وسائل الاعلام الغربية ضد الاسلام والمسلمين، خاصة بعد احداث 11 سبتمبر. وانه من خلال الحوار لا بد من الوصول الى تفاهم مشترك تجاه بعض القضايا ذات الاهتمام المشترك.

وأضاف الدكتور بدوي ان هناك جهوداً بذلت من قبل مجموعة من الدعاة لاحتواء تداعيات احداث 11 سبتمبر، فيجب دعم مثل هذه الجهود، مشيرا الى ان الحوار بين الاديان لا بد ان يتطرق الى ظاهرة تنامي نفوذ المجموعات اللادينية في الغرب، وذلك من خلال دراسة لهذه الظاهرة، والاتفاق على خطة مشتركة للحد من نفوذها وتأثيرها على صناع القرار.

وقال الدكتور شيخ أحمد ليمو عضو الوفد: ان مشكلتنا الاساسية هي أخذ النصوص خارج صياغها سواء بالنسبة للمسلمين أو المسيحيين، مما يحدث البلبلة والارباك للمتلقين. واننا اذا اردنا للحوار الديني ان يكون مثمرا وفاعلا، فعلينا ان ننطلق من فهم مشترك، كما يجب علينا ان نركز في هذا الحوار على معالجة القضايا التي تكون موضع الاتفاق حسب الاولويات ونرجئ القضايا الخلافية الى مرحلة لاحقة حتى يكون حوارا مستمرا ومفيدا.

=