ملتقى خادم الحرمين الشريفين يبحث في جنوب أفريقيا الدعوة الإسلامية بأفريقيا ومؤسساتها

TT

يرعى الأمير عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز، وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء ورئيس ديوان رئاسة مجلس الوزراء، في السعودية، ملتقى خادم الحرمين الشريفين الإسلامي الثقافي السادس بعنوان «الدعوة الإسلامية في افريقيا ومؤسساتها: الخصائص والواقع والتطوير»، الذي تنظمه وزارة الشؤون الاسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في السعودية، بحضور عدد من العلماء والدعاة وكبار الشخصيات الإسلامية في مختلف أنحاء العالم.

وسيفتتح هذا الملتقى بعد غد (الجمعة) في جوهانسبرغ، حيث سيناقش خمسة محاور رئيسية هي: المحور الأول: أسس الدعوة الإسلامية، والمحور الثاني: الخصائص المؤثرة في الدعوة في افريقيا، كما يناقش المحور الثالث مستقبل الدعوة الاسلامية في افريقيا وتطويره، أما المحور الرابع من محاور الملتقى فيناقش التنسيق والتعاون بين المؤسسات الاسلامية في افريقيا، والمحور الخامس يركز على تجارب المؤسسات الخيرية الدعوية العاملة في افريقيا.

وقال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ، وزير الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد، في السعودية، والمشرف العام على الملتقى في تصريحات صحافية، ان ملتقى خادم الحرمين الشريفين الإسلامي الثقافي السادس يبحث أمراً مهماً في موضوعه ومكانه وزمانه، إذ ان موضوعه الدعوة الإسلامية في افريقيا ومؤسساتها: الخصائص ـ الواقع ـ التطوير. وتبرز أهمية الموضوع لمكانة الدعوة في الإسلام ولحاجة الناس إلى توضيح مسائل الدعوة إلى اللّه وأحكامها، وكيفية تبليغ الرسالة، وترتيب الأولويات من حيث المكانة الشرعية. أما أهمية المكان فلأن القارة الافريقية دخل أهلها في الإسلام بالدعوة، وعن طريق العلاقات الثقافية والبشرية والتجارية، وأما أهمية الزمان فلما كثر في هذا الزمن من إلصاق كثير من التهم بالدعوة والدعاة، ووصفهم بأوصاف هم يدعون إلى تفنيدها ومحاربتها، وتحذير الناس منها.

وأبان الوزير ان توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، بعقد هذا الملتقى في افريقيا يأتي في إطار اهتمامه بالدعوة الإسلامية، ونشر الإسلام الصحيح الوسطي، وفي ظل رعايته ومتابعته لأحوال المسلمين، ورغبته بخدمتهم، إذ انه يؤكد دوماً على ان المسلمين في العالم، والأقليات والجاليات المسلمة في أرجاء المعمورة جزء منا لقول الله تعالى: (وإنّ هذه أمّتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)، ولهذا كان اهتمام الملك فهد بالمسلمين اهتماماً وعناية خاصة وعلى وجه الخصوص المسلمين في افريقيا.

وقال إن هذا الملتقى يهدف إلى تحقيق عدة أهداف مهمة، منها ربط الشعوب الإسلامية والجاليات المسلمة في الدول الافريقية، ومدّ جسور التواصل فيما بينهم تعميقاً لمبدأ الأخوّة الإسلامية، إلى جانب استنهاض هِممها، وحثّها على المحافظة على القيم الإسلامية ودعمها في سبيل استمساكها بسماتها المتميزة لها وعدم ذوبانها أمام الحملات التنصيرية الموجهة إليهم من أعداء الإسلام. أما عن الأهداف الخاصة لهذا الملتقى، فهي كثيرة، منها بيان أسس الدعوة الإسلامية والخصائص المؤثرة في العملية الدعوية في افريقيا، وإيضاح مستقبل الدعوة الإسلامية في افريقيا وتطويرها، كذلك التنسيق والتعاون فيما بين المؤسسات الإسلامية فيها، والتعرف على المؤسسات الخيرية الدعوية العاملة في افريقيا مع استعراض بعض النماذج لها وإبراز جهود المملكة العربية السعودية في دعم المؤسسات الخيرية الإسلامية العاملة في افريقيا.

وبمناسبة عقد هذا الملتقى، أكدت شخصيات إسلامية أهمية ملتقيات خادم الحرمين الشريفين في إظهار صورة الإسلام السمحة والرد على الحملات الضارية والشرسة التي تشنها أجهزة الإعلام الغربية وما تطلقه من أفكار تصف فيها المسلمين بالعنف والإرهاب، وتعمد إلى تشويه صورة الإسلام وإلصاق التهم الباطلة بالمسلمين.

ففي البداية أوضح الدكتور محمد علي الجوزو، مفتي جبل لبنان، أن كثيرا من الناس يخطئون عندما يربطون الحملة الإعلامية العدائية الصهيونية على الإسلام، بأحداث نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من سبتمبر، فالحملة على الإسلام ترجع إلى ما قبل الحروب الصليبية، وازداد بعدها، وقد دأب المستشرقون على مهاجمة الإسلام، وتشويه صورة النبي صلى اللّه عليه وسلم، والتشكيك بالرسالة الإسلامية، وبالقرآن الكريم، والبحث عن المثالب والعيوب، بل اختراع هذه المثالب والعيوب للطعن بالإسلام، وقيمه الدينية والأخلاقية والإنسانية، هذه الكتب تملأ المكتبات في الغرب والشرق، وتبثّ سمومها في شتى أنحاء العالم.

وأشار إلى أن هذا أمر طبيعي، فالفتوحات الإسلامية، التي حرّرت مناطق كبيرة من العالم من طغيان الاستعمار البيزنطي والروماني، واندحار القوى الاستعمارية أمام بسالة الجيل الأول من صحابة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ووصول الجيوش الإسلامية إلى حدود الصين شرقاً وإلى قلب أوروبا غرباً، جعل العالم الغربي يرتجف خوفاً أمام هذه القوى الإيمانية الضاربة التي انطلقت من قلب الجزيرة العربية، واستطاعت أن تحرّر بلاد الشام وفارس ومصر وشمال افريقيا، وأن تدخل اسبانيا، وتصل إلى حدود فرنسا وإيطاليا غرباً، وأن ترفع راياتها على حدود الصين في بلاد آسيا الوسطى شرقاً، كل ذلك جعل الغرب كله، وجعل الكنيسة الغربية في قلق وخوف واضطراب، مما دفعها إلى إعلان الحرب المقدسة لتحرير مهد المسيح من أيدي المسلمين، كما كان ظاهر حملاتها الصليبية، التي كانت غطاء لأهدافها الاستعمارية، ورغبتها بالسيطرة على البلاد الإسلامية، خاصة القدس وبلاد الشام من حولها.

وأكد مفتي جبل لبنان أن الأمة الإسلامية تحتاج إلى حملة كبرى تسخر فيها كل الطاقات والإمكانات للتأثير في العقل الأميركي والأوروبي في قلب أميركا وأوروبا، مبيناً أنه من أجل أن نضمن استمرارية هذه القنوات في أداء دورها الإعلامي، علينا أن نمزج العمل الثقافي بالعمل التجاري، بأن تكون هذه المحطات والقنوات ممولة بأسهم من كبار الشركات الإسلامية، وأن يتفق معها على بثّ الدعاية لها من خلال تلك القنوات في مقابل إسهامها بالتمويل لهذه القنوات، وفي الوقت نفسه، لا بد من توحيد المراكز الإسلامية، ووضع إطار للتعاون فيما بينها، للقيام بدورها في مواجهة الإعلام المعادي للإسلام، وإقامة دورات ثقافية، وندوات حوارية، بين العلماء المسلمين، وبعض كبار العلماء الغربيين، ونشر النتاج الفكري الذي تقدمه هذه الندوات في أوساط المثقفين الغربيين لتقديم الإسلام في صورته الموضوعية العلمية التي تقنع العقل الغربي بأن الإسلام دين حضارة وعلم وتقدم، وأنه يستطيع أن يحل الكثير من المشكلات التي يعاني منها الإنسان الغربي والمجتمع الغربي في أيامنا هذه، لأن مبادئه الأخلاقية تصون الإنسان من الوقوع في أخطار وأخطاء المدنية الحديثة في الغرب.

أما المهندس محمد يوسف هاجر، الأمين العام للمنظمة الإسلامية لأميركا اللاتينية، فقال: إن المسلمين في العالم أجمع يراقبون ما تعرضه بعض أجهزة الإعلام العالمية المغرضة، وما تطلقه من حملات ضارية ضد الإسلام والمسلمين، هدفها تشويه هذا الدين الإسلامي الحنيف، وإلصاق التهم الباطلة بالمسلمين، ووضعت خطة هجوم فكري تستهدف العقيدة والحضارة الإسلامية ووصف المسلمين بالعنف والإرهاب والهمجية والأشرار، حتى انه لم يعد هناك تفجير أو تخريب أو تدمير إلا ومن ورائه مسلمون، دون إجراء أي تحقيق، فأصبح المسلم في الغرب مهددا في عقيدته وهويته الإسلامية، والتعرض إلى شتى أنواع التفرقة والعنصرية والكراهية، ويواجه تحديات كبيرة بعزيمة وصبر وإصرار، وأن الحملة المسعورة، والهجمة الشرسة لم تزده إلا تمسكاً بدينه، وعودته إلى أصوله، والعمل لمواجهة هذه الحملة الظالمة التي ترتكب أحياناً على جهل، وأحياناً أخرى على تزييف الحقائق، واستغلال بعض الأحداث التي تحصل في بعض الدول، أو التصرفات الخاطئة التي يرتكبها بعض المسلمين، فتكون حجة لتغيير الصورة الصحيحة للإسلام.

واضاف: يجب على المنظمات والمؤسسات الإسلامية العالمية توحيد الكلمة، واتخاذ منهج موحد لصد هذا التيار، وذلك عن طريق الاتصال والاجتماع واللقاء، فملتقيات خادم الحرمين الشريفين الثقافية الاسلامية يمكنها ان تلعب دوراً مهماً في هذا الصدد، وإبراز قيم الإسلام السمحة الحاثة على التعاون والتفاهم بين البشر، وتعريف الناس بالإسلام ومحاسنه، وما ينص عليه القرآن الكريم والسنة المطهرة، لتواجه التحريف والتزييف الذي تقوم عليه الصحافة الغربية اليوم، وفتح باب الحوار المتكافئ مع الغرب، والاحترام المتبادل لتوضيح رسالة الإسلام الإنسانية، الداعية لخير البشرية جمعاء، والتي تسعى إلى التضامن والتآخي والتسامح، وأن الإسلام يحترم تعدد الثقافات والحضارات، ويعتبرها حكمة الله في خلقه، وهو أمر ليس بوسع مخلوق تبديله أو تغييره.

كذلك من خلال هذه الملتقيات نربط جسور التعاون والتقارب الثقافي والفكري مع الساسة والمفكرين الغربيين، ومن يهتمون بالدراسات الإسلامية، لدحض الأكاذيب والحملة العنصرية الجديدة التي تدعو إلى ما يسمى بـ «صراع الحضارات» و«حرب الأديان»، ومقارعتها بالحكمة والعقل، والتفريق بين سلوك بعض الأشخاص، وبين ما يحث عليه الإسلام، لأن هذا الدين ينبذ كل عنف وإرهاب وغلو، وأن معظم المنظمات والجمعيات والمراكز الإسلامية في الغرب وفي جميع أنحاء العالم تعمل جهراً، وهي جمعيات مسجلة رسمياً في دولها، وتعتبر منظمات شرعية، وأغلبها إنسانية وخيرية تقدم المعونات والعمل الإنساني والدعوة عن طريق الإقناع والترغيب والموعظة الحسنة والكلمة الطيبة.

وبعد ذلك تحدث الدكتور محمد عبد الحليم استاذ كرسي الملك فهد في مركز الدراسات الاسلامية بجامعة لندن قائلا: قبل الحديث عن وسائل التصدي للحملات، نقول إن الواجب الأول على المسلمين أن يلتزموا بما وصف الله به المؤمنين في قوله: (فما وهنوا لما أصابهم في سبيل اللّه وما ضعفوا وما استكانوا)، وإذا كان المستهدف هو الإسلام، فعلى المسلمين أن ينهضوا بجهد كبير مدروس مستمر، لفهم طرق ووسائل الحملات، ومواجهتها بطريقة ناجحة، وهم قادرون إن عزموا. وأوضح أن هذه الحملات يشنها غير مسلمين، ويخاطبون بها غير المسلمين بلغاتهم ووسائلهم، وقال: فإذا اجتمعنا وخطبنا باللغة العربية صباح مساء رداً على الحملات فلن يغير هذا قيد أنملة من الوضع الراهن، والواجب أن يكون الرد عليهم بلغاتهم، وبالطريقة التي يفهمونها، والوسائل الناجحة، ويمكن الاستعانة بالمخلصين من غير المسلمين، ومن ينفق سيجد من يسارع إلى خدمته في الغرب وفي كل مكان.

وقال الدكتور عبد الحليم إن عددا قليلا من وزارات الشؤون الإسلامية في بعض بلاد المسلمين، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية تقوم بجهد طيب في الحديث عن الإسلام في الغرب، ودور وزارة الشؤون الاسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد أساسي في هذا، وجوهري، ويجيء في المقدمة، لكن أمر الحديث عن الإسلام في الغرب، أكبر بكثير من أي وزارة شؤون إسلامية، ويجب أن تحتشد له وزارات متعددة بكل خبراتها، وإمكاناتها ووسائلها، وتوضع خطط مدروسة كبيرة مستمرة، فيتحقق النجاح بإذن الله. أما عن الإفادة من المؤسسات والجمعيات المختصة بالقرآن الكريم وعلومه داخل السعودية وخارجها، بيّن الدكتور محمد عبد الحليم أن عليها أولاً الاستفادة من الصحوة التي طرأت بالهجمات الشرسة على الإسلام والقرآن الكريم، لكن يجب أن يتبع الصحوة نقلة في حجم الجهد وأنواعه ووسائله، كما يجب أن ندرس ما يقوله المهاجمون، ونرد عليهم بلغاتهم وطرقهم، ووسائل إعلامهم، نحن بحاجة إلى إعداد علماء في بلاد الأقليات، تتوفر لهم منح دراسية للتخصيص في القرآن ودراسة ما يكتبه الغرب عنه وطرقهم.

وبالنسبة لعضو المجلس الإسلامي الأعلى بتونس، محمد صلاح الدين المستاوي، فإنه يؤكد أن الإسلام والمسلمين يتعرضون إلى حملة لتشويه صورتيهما، وذلك في شكل مقالات وتحقيقات واصدارات وحصص إذاعية وتلفازية يبدو فيها واضحاً جلياً التشويه والمغالطة والتحامل، مشيراً إلى أن هذه الحملة ليست وليدة الأمس القريب، بل تمتد إلى أحقاب طويلة سبقت دخول الاستعمار إلى البلاد الإسلامية وواكبت فترة بقائه في ديار الإسلام ولم تتوقف بعد إحراز الشعوب الاسلامية على استقلالها، لكن هذه الحملة تكثفت في السنوات الأخيرة وبدت في شكل عمل مدروس ومتواصل ومتكامل الأدوار لا تهدأ زوبعة حتى تفجر أخرى، الأمر الذي لا يدع مجالاً للشك في أن منظمات وهيئات معادية للإسلام تقف وراء هذه الحملة، وكم قرأنا وسمعنا وشاهدنا في السنوات الأخيرة من افتراءات وأباطيل لا تستند إلى حقيقة أو واقع من مثل أن الإسلام دين عنصرية، وتمييز بين الأجناس، وهو دين يضطهد المرأة!، وهو يعادي التقدم والتمدن، ويبيح الظلم وسفك الدماء وانتهاك الأعراض، والقائمة طويلة في الأباطيل التي تواتر وصم الإسلام بها.

وقال المستاوي: إنه للأسف الشديد كان مستند المتحاملين على الإسلام والمسلمين بعض الاحداث التي تجد في ديار الإسلام وعلى أيدي بعض المسلمين خارج ديار الإسلام، وقد كانت مثل تلك التصرفات المشينة محل إدانة وتنديد من قبل المسلمين أنفسهم، وعن طريق علمائهم وهيئاتهم العلمية المختصة، ومع ذلك فإن حملات التشويه لم تعتبر تلك التصرفات غير المسؤولة لا تلزم الإسلام وعموم المسلمين، بل اتخذت تلك التصرفات كعلّة وحجة للتخويف من الإسلام وإلصاق شتى التهم به، مما يدل أن الحملة مغرضة والنيات مبيتة، لقد تناست المنظمات والهيئات الواقفة وراء الحملة المسعورة على الإسلام والمسلمين.

وأكد المستاوي أن أول من ينبغي أن يتصدى للرد على حملات التشكيك والتضليل هي المؤسسات الإسلامية والمراكز الإسلامية في بلدان الأقليات، فهي الطليعة وهي الواقفة على الثغر وهي لكي تقوم بهذا الدور العام والدقيق لا بد أن تكون واعية بطبيعة المرحلة التي تمر بها الأمة ودينها فالتحديات عديدة، وعليها أن تبيّن حقائق الإسلام بلغات البلدان والشعوب التي توجد فيها هذه المراكز، ولا بد أن يكون هذا العمل جاداً ومتواصلاً ومتابعاً للصغيرة والكبيرة يلاحقها ويحصل عليها بشتى الوسائل المتاحة ويجند الكفاءات وهي موجودة لإعداد الأجوبة الضافية الشافية ويضعها بين أيدي المعنيين بها في أسرع وقت.