رئيس لجنة استكمال تطبيق الشريعة في الكويت: المطالبة بتغيير المناهج الإسلامية يجب أن لا يستجاب لها

د. خالد المذكور لـ«الشرق الأوسط»: مسؤوليتنا كوزارات تربية أن نحول دون أن يخرج الشاذ من المناهج والتطرف في الممارسات

TT

أكد الدكتور خالد المذكور، رئيس اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق احكام الشريعة الاسلامية في الكويت ان اللجنة حققت الاهداف التي انشئت من أجلها، وانها قطعت شوطا كبيرا في عملها تمثل في عدة انجازات شملت الجانب التشريعي والتربوي والاعلامي والاقتصادي والاجتماعي. وعن الغزو الفكري والثقافي للأمة الاسلامية، قال يجب ان ننظر لهذا الغزو نظرة عالمية وليس نظرة محلية، فهي عبارة عن ثقافات وحضارات مختلفة تأتينا من كل صوب وعلينا ان نأخذ منها النافع ونتجنب الضار، رافضا الدعوة التي اطلقتها اميركا تطالب فيها بتغيير المناهج التعليمية في الدول الاسلامية.

* هل حققت اللجنة اهدافها والرسالة التي انشئت من أجلها؟

ـ بعد مرور 12 عاما على انشاء اللجنة، يمكنني القول ان اللجنة حققت الاهداف التي انشئت من اجلها، وحققت كذلك النموذج الذي تقدمه دولة الكويت من خلال هذه اللجنة للعالم والذي اصبح العالم العربي والاسلامي وحتى في اوروبا واميركا يتحدثون عنه، واصبحت الدراسات والاستفسارات تردنا حول قضايا عديدة تطرقت اللجنة لها، واصبح التواصل والتراسل والتدارس بيننا وبين الجهات العلمية والجامعات والمراكز الاسلامية متينة والحمد لله، وهذا هو الهدف الاول. والكويت دولة تتمتع بايجابيات كثيرة، بحجمها ومساحتها الصغيرة وقلة عدد سكانها، وليست فيها طوائف متعددة او ديانات او تنازعات عرقية او حتى لغات متباينة مما يسهل تطبيق احكام الشريعة الاسلامية فيها. ولكل بلد ظروفه السياسية والاجتماعية والاقتصادية ونحن اذا اردنا ان نتبين تطبيق احكام الشريعة في الكويت هناك معطيات وايجابيات كثيرة قد يختلف فيها النموذج والطريقة والوسيلة عندما تطبق في بلد غير الكويت. وتتمثل الاهداف في وضع تصور لبيئة مهيأة لاستكمال تطبيق احكام الشريعة الاسلامية، واستكمال احكام الشريعة في النظم السارية المخالفة للشريعة، ووضع تصور لمعالجة ما قد يحدث من ممارسات فيها مخالفة لاحكام الشريعة. والمقصود بالاستكمال، هو ان الكويت بلد مسلم اهله وشعبه مسلمون ودستوره ينص على ان دين الدولة هو الاسلام، وهو المصدر الرئيسي للتشريع، لكن المهم ان نستكمل هذه المسيرة بتعديل القوانين والنظم وفقا للشريعة الاسلامية وهذا ما نص عليه مرسوم انشاء اللجنة.

والهدف الثاني ان تعطي الكويت نموذجا لتطبيق احكام الشريعة، يتميز عن النماذج الأخرى التي طبقت او تم محاولة تطبيقها في العالم الاسلامي حتى يتبين الفارق بين هذه النماذج، وهناك فرق بين النموذج والتجربة، فالشريعة الاسلامية لا تجرب ولكن تطبق، والكويت تقدم للعالم نموذجها لاستكمال تطبيق الشريعة. والهدف الثالث هو ان يعرف العالم الاسلامي ما تنوي الكويت من استكمال تطبيق الاحكام مع الاخذ بمعطيات العصر مع دراسة جميع ما يتعلق بالناحية الوطنية والاقليمية والعالمية.

* استراتيجية اللجنة

* هل هناك نية لتغيير استراتيجية اللجنة وفقا للمعطيات الجديدة؟

ـ قمنا بوضع الاستراتيجية بعد ان قطعنا شوطا في العمل، وتبين من خلال العمل ومواكبة الاحداث ان نضع استراتيجية فيها كل ما يتعلق بالمتغيرات. استراتيجية تبين الرؤية والرسالة وتبين السياسات، ومن خلالها اخذنا الظواهر التي توضع لكل استراتيجية عمل، اخذنا في الحقيقة ما يتعلق بتطبيق احكام الشريعة في الكويت بمعطيات وايجابيات المجتمع الكويتي وكذلك نظرة الى العالم الاسلامي ونظرة الى القضايا المعاصرة والى التقنية الحديثة التي تجعل من العالم قرية صغيرة لما لها من ايجابيات وسلبيات وكيفية عبور هذا الخضم باستراتيجية مناسبة. فأخذنا من الشريعة الاسلامية مرونتها ويسرها وثوابتها والنظرة الانسانية العامة وبينا كيفية استكمال تطبيق الاحكام بمبدأ التشاور والتريث وعدم التسرع. ومن خلال العمل تبين لنا اننا مطالبون باستكمال تطبيق احكام الشريعة في جميع مناحي الحياة، ولذلك تم انشاء اللجان المختلفة، التشريعية، الاقتصادية، الاعلامية، التربوية، والاجتماعية. فللجنة رؤية، وهي «ان تستكمل دولة الكويت تطبيق احكام الشريعة الاسلامية» ورسالتها «وضع خطة لاستكمال تطبيق احكام الشريعة في جميع المجالات بما يراعي واقع البلاد ومصالحها»، من خلال المبادئ والسياسات، التي تشمل «العمل وفق خطة محددة الاهداف، والشمولية، والتشاور ومراعاة واقع البلاد ومصالحها، والاستفادة من رحابة سعة الفقه الاسلامي، والتدرج والتأني والتثبت، والاخذ بمبدأ التقنين، التعاون المؤسسي، واخيرا مراعاة عامل الحداثة والتطور».

* ما المدى الذي بلغته اللجنة في استكمال تطبيق احكام الشريعة؟

ـ لقد حققت اللجنة الكثير وكنا بين أمرين، بالنسبة لتعديل القوانين السارية او تعديل النظم الموجودة بين ان نضع قوانين جديدة وهذا يحتاج الى مدة اطول، او ان نراجع القوانين السارية ونطرح البدائل عما نجده مخالفا للشريعة الاسلامية، وتم هذا بعد المشاورات وبعد الاستئناس بآراء العلماء والمختصين سواء في الكويت او خارجها من خلال الندوات وحلقات النقاش وزيارة بعض الدول والالتقاء ببعض المراكز والمراجع وارتأينا ان نضع البدائل وفق القوانين الموجودة بمعنى ان نراجع هذه القوانين السارية وهذه المراجعة تكون مراجعة اولى لطرح البدائل من خلال فريق عمل يقوم بمراجعة جميع مواد هذه القوانين ثم بعد ذلك نعدل المذكرة الايضاحية للقانون ويتم تحديد المواد المقترح تغييرها او تبديلها وتعاد صياغتها ويوضع البديل عنها ويستعان فيها بتجارب كثيرة وقوانين وتشريعات في الدول العربية والاسلامية.

وفي الجانب التربوي والاجتماعي قد نجد احيانا قصورا في التشريع فنكمله من خلال عمل اللجنة، على سبيل المثال تم تقديم مشروع قانون للمسنين خاص بالرعاية الاجتماعية وهو بقصد زيادة الاهتمام بشريحة امر الله سبحانه وتعالى بتكريمهم، واللجنة قدمت ايضا مشروع قانون المصارف الاسلامية لتنظيم عملها وايجاد مظلة قانونية تستظل بها، بالاضافة الى انجازات أخرى شملت برنامج ادخال مادة القرآن الكريم على الخطة الدراسية في مختلف مراحل التعليم، ومشروع مواجهة استقبال البث المباشر عبر الاطباق «الدش»، قانون الاثبات، وتعديل قانون المرافعات، ومشروع قانون الجزاء.

* الغزو الفكري

* تعاني الامة الاسلامية من غزو فكري وثقافي نال من اصالتها وهويتها، برأيكم.. كيف للأمة ان تجابه هذا الغزو؟

ـ مصطلح الغزو الفكري والثقافي، مصطلح شاع في بداية القرن الماضي نتيجة الثورة الصناعية في اوروبا وتخلف الدول الاسلامية في ذلك الوقت لاسباب سياسية وبالتالي اصبحت الثقافات الأخرى تأتينا عن طريق الكتب والمجلات والطباعة، كل هذه اثارت مسألة الغزو الثقافي، الآن المسألة اعقد واعظم، فأنت في بيتك وفي مخدعك تتكالب عليك هذه الثقافات من كل حدب وصوب، بمجرد الضغط على زر، تجد امامك اميركا، اوروبا، الصين، عبادات مختلفة، بوذية ومسيحية ويهودية، بالصوت والصورة وبالحوار، الآن نحن تجاه هذا الغزو الذي يخترق عليك بيتك ويبهر اولادك بالصوت والصورة، فالانترنت اصبح يوفر لك خدمة الاطلاع على المواقع المختلفة بلا قيود ولا سدود ولا حدود. ونحن في اللجنة مطالبون بتهيئة الاجواء، فيجب ان ننظر لهذا الغزو نظرة عالمية وليس نظرة محلية، وهذه النظرة التي ادعو اليها ان ما يسمى بالغزو الثقافي والفكري ووجود ثقافات وحضارات كثيرة تأتي الينا من كل صوب يكون فيها النافع والضار، النافع نأخذه، والضار فيه مقاييس قد يكون ضارا لمجتمع دون غيره، ولكن هناك اضرارا متفقا عليها في كل العالم، فأنت الآن تستطيع من خلال المؤتمرات والندوات العالمية التي تنظم تحت مظلة الامم المتحدة ان تتفق مع ما عندك من معطيات ومن تراث ومن تقنية تسخرها وتحاول ان تقتحم الآخرين كما اقتحموك وان تغزوهم كما غزوك، وهذه في الحقيقة بحاجة الى تنسيق ما بين الجهات العلمية والمراكز الاكاديمية في جميع البلاد الاسلامية وهذا ما نحاول تحقيقه حتى نعرّف العالم بما عندنا من حضارة وتراث، وبالتالي نحمي الامة من هذا الغزو التقني الضار بمشاركة العلماء والحكماء من جميع انحاء العالم الذين ينظرون نظرة سلبية لتلك الثقافة الضارة. واللجنة لها علاقات مع مراكز عالمية كثيرة، منها مركز اكسفورد للدراسات الاسلامية، ومع جامعة هارفارد في بوسطن تتعلق ببعض المواضيع الاقتصادية والاجتماعية، ولها اتصالات مع مجلس الافتاء الاوروبي ومع المجلس الاسلامي الاميركي، وسبق واستضفنا كثيرا من قادة هذه المراكز وزرناهم واحداث 11 سبتمبر في اميركا فرضت علينا ضرورة مضاعفة الجهد.

* ما رأيكم في الدعوة التي اطلقتها اميركا أخيرا وطالبت بتغيير المناهج التعليمية في الدول العربية؟

ـ في زمن الاحتلال الاستعماري كان المستعمر يتدخل بتغيير مناهج التعليم او بتطعيم المناهج، والآن تعاد الكرة، واصابع الاتهام توجه الى مناهج التربية، خاصة بالمملكة العربية السعودية مفادها «هذه مناهجكم تؤدي الى الارهاب غيروا المناهج»... ماذا نغير؟ نغير اسلامنا! نغير تشريعنا! لن نغير هذا ولا ذاك. وبالتالي هذا يحملنا مسؤولية كوزارات تربية في العالم الاسلامي، لكي لا يخرج الشاذ من مناهجنا، يجب ان يكون هذا المنهج واضحا، فالشذوذ في الافكار والتطرف في الممارسات وتفسير بعض الامور هذه ليست منهج المدرسة الواحدة التي تعتمد عليها وزارات التربية في دول العالم الاسلامي، خاصة في الدول العربية ومنطقة الخليج، والمناهج في دول مجلس التعاون الخليجي واحدة ومأخوذة من اصولنا ومن الشريعة الاسلامية والنظرة لجميع الناس نظرة واحدة. فالمطالبة بتغيير المناهج يجب ان لا يستجاب لها، ولكن نناقشهم ونبين ونشرح لهم، ونحن نعاني من قصور، قد يكون في قلة اللقاءات والندوات المفتوحة التي تشرح وتبين الاسلام يشارك فيها مفكرون من العالم الغربي، فمؤتمراتنا تقتصر على المسلمين فقط، المسلمون ليسوا بحاجة لنشرح لهم الاسلام، يجب ان ندعو في تلك اللقاءات من يشاركنا ويوصل ما فهمه الى الغرب، ونستغل امكانياتنا التقنية ونقوم بترجمة ذلك ونشره على مواقع الانترنت وبثه عبر الفضائيات، فنحن للآن لا نملك فضائية باللغات الحية كالانجليزية والفرنسية والألمانية، تبث الهوية الاسلامية التي يحتاجها العالم الغربي، رغم امتلاكنا للامكانيات المادية والبشرية التي تمكننا من ذلك.

* العمل الدعوي والإغاثي

* تعرض العمل الدعوي والاغاثي في الفترة الاخيرة لجملة اتهامات، برأيكم ما هي المعوقات التي تعترضه داخل وخارج العالم الاسلامي؟

ـ العالم الاسلامي جزء من العالم، والعالم كله يزخر بالعديد من المنظمات الاغاثية والدعوية، وايضا به منظمات تنصيرية، لها اموالها ورجالها، بل ان هناك منظمات وعصابات منظمة لا يقرها العالم ولكنها موجودة، ولها اموال فبعضها يتاجر في الممنوعات كالمخدرات والدعارة وغيرهما ولها ميزانيات تفوق ميزانيات دول. فيجب علينا ان لا نجلد انفسنا ونتقبل هذا الاتهام ونشكك في جهودنا، نحن مع العالم، هذا العالم المنظم التقني الكبير حتى صاحب الفساد ينظم نفسه، فكيف لا ننظم امورنا ونحن نهدف الى خير الانسانية من خلال اطعام الجائع وكسوة العاري وشفاء المريض، ونحاول ان نضع ايدينا بأيدي من يساعدنا على المستوى الاقليمي والعالمي ولا نتقبل هذا الامر، فإذا كانت هناك فئة قد تكون خارج النطاق فالارهاب ليس له زمان ولا مكان ولا دولة، فكل دولة من الدول فيها من العصابات والارهاب ونحن نحكم على العالم كله من خلال الخير لا من خلال الشر. ونحن في مواجهة اتهامات كثيرة من دولة تعتبر اقوى دولة في العالم ولها طريقتها في محاربة ما يسمى بالارهاب حتى بالقتال، ما مدى تقبلنا لهذا وما هو الدفاع الذي يجب ان ندافع به عن انفسنا، اننا نريد ان نبين مزايا الاسلام لكل العالم و«رب ضارة نافعة» فبعد احداث سبتمبر اقبل الناس على دراسة الاسلام، فقد يكون بنية ان يتوقوه، ولكن هذا الامر قد يساعد على معرفة الاسلام معرفة حقيقية بعكس الصورة المخالفة التي يبثها الاعلام الخارجي. فأقول يجب ان نثبت ان ديننا الاسلامي يحثنا على التراحم والتلاحم ورعاية اليتيم واطعام الجائع من خلال توضيح الصورة الحقيقية.

* برأيكم، ما الدور الذي ستؤديه اللجنة العليا لتنظيم العمل الخيري، وهل العمل الخيري في الكويت بحاجة للجنة عليا؟

ـ استحداث لجنة عليا تنظم العمل الخيري في الكويت هذا الامر مطروح منذ زمن، بعد ان كثر عدد اللجان الخيرية. ومن الطبيعي ان يكون هناك تنظيم، وبعد احداث سبتمبر دخلت الفكرة حيز التنفيذ، والهيئة الخيرية الاسلامية العالمية تقوم في حال حدوث مجاعة او فيضانات او ما الى ذلك من الكوارث في اي دولة، تقوم بالتنسيق مع جميع اللجان الاغاثية العاملة في الكويت لكي يوجه العمل الى تلك الدولة، الآن عندما حدثت احداث سبتمبر ووجهت اصابع الاتهام الى العمل الخيري، احتاج الامر الى تنظيم، ينظر اليه نظرة ايجابية وليست نظرة سلبية وهي حماية هذا العمل الخيري وهذا الامر مطلوب بالنسبة للتدقيق بالاموال والزكاة ومصارفها، والمشرفون على اللجنة العليا هم انفسهم رجال الدعوة والعمل الخيري.

* الإعدام العلني

* تنفيذ حكم الاعدام العلني الذي تم اخيرا بحق ثلاثة بنغاليين ادينوا بتهمة اغتصاب وقتل امرأة، ما الهدف منه برأيكم؟

ـ نحن نبارك هذه الخطوة، التي تأتي انصياعا لامر الله تعالى «ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون» وتنفيذا لأمره جل وعلا «وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين» فالشريعة الاسلامية تدعونا الى ان يكون القصاص امام جمع من الناس لكي يعتبروا، والمقصود بالعلانية تحقيق الردع وهي وسيلة من وسائل تقليل وتحجيم الجرائم، وكان في السابق يتم تنفيذ الاعدام علنا في قصر نايف، ومنذ فترة اكتفت الجهات المسؤولة بتنفيذ الحكم في السجن المركزي. واللجنة من جانبها قدمت مشروع قانون الجزاء وعدلناه ورفعناه الى امير البلاد وهو الآن يناقش من قبل اللجنة القانونية في مجلس الوزراء.

=