المصابون بالإسلاموفوبيا في الغرب يفتقدون الثقة بقوة الحضارة الغربية

الكاتب الفرنسي دي لافال: «الكسكسي» وموسيقى «الراي» ولهجة «الفرانكفو ـ أمازيغية» تهدد الحضارة الفرنسية

TT

«لقد عادوا لكي يستأنفوا غزواتهم، لكي يثأروا للهزيمة التي ألحقناها بهم منذ 1200 عام»، هكذا كتب الكسندر دي لافال، في اشارة الى المسلمين، الذين يرى الكاتب انهم يعودون الى أوروبا حتى يواصلوا مسيرتهم التي توقفت حين هزم تشارلز مارتل قوات عبد الرحمن في موقعة بواتيير بوسط فرنسا في القرن الثامن الميلادي. و«دي لافال» هو اسم الشهرة لأحد أكثر الكتاب المناصرين لفكرة اسلاموفوبيا انتشارا في أوروبا اليوم، كما انه أحد «الخبراء» الجدد في الاسلام، الذين يشهد عددهم تزايدا ملحوظا، والذين برزوا في أعقاب هجمات 11 سبتمبر الارهابية على نيويورك وواشنطن.

وهذه المجموعة من الكتاب، الذين يروج لهم الاعلام في فرنسا والمانيا وايطاليا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي، تأتي خلفا لجيل أسبق من المتخصصين في الشؤون الاسلامية، الذين بحثوا في الاسلام من موقف اتسم بالتعالي. وقد عاب متخصصو هذا الجيل على الاسلام ما زعموه من انه ينطوي على «تخلف» و«افتقار للقدرة على الاصلاح». كما قللوا من شأن التهديد الذي يمثله الارهاب الاصولي. وزعموا أن تعامل الاسلام بعنف في موقف ما يعود الى شعور أنصاره «بالاذلال»، و«التعرض للإجحاف». وفي هذا الإطار حاول هؤلاء المتخصصون تفسير الحركات الراديكالية، مثل «الخومينية» في ايران و«التكفير والهجرة» في مصر، بأنها ردة فعل لاستبداد الانظمة السياسية، بل ووصل الأمر حد ان اثنين من أشهر المتخصصين في شؤون الاسلام، وهما أوليفر روي وجيل كيبيل، أصدرا كتبا أعلنا فيها ان الاسلام الراديكالي قد اندثر بالفعل، أو في سبيله الى الاندثار.

أما خبراء الجيل الجديد فيزعمون أو على الأقل يتظاهرون، بأن الاسلام، البعيد كل البعد عن الاندثار، يتسم بما يكفي من القوة، لا سيما من الناحية الديموغرافية، لأن يهدد وجود اوروبا من الاساس.

والأمر المثير ان المصابين بالاسلاموفوبيا في الغرب يبدون تماما مثل المتشددين في العالم الاسلامي، ذلك انهم يفتقدون الثقة في قوة الحضارة الغربية، ومن ثم يزعمون ان «تقدم الاسلام لخطوة أخرى» من شأنه ان يقحم أوروبا، بل واميركا الشمالية في عصور الظلام. وينطبق الأمر ذاته على الاسلاميين الراديكاليين، الذين يفتقدون الثقة في مرونة وقوة الحضارة الاسلامية، مما يراكم بداخلهم مخزونا من المخاوف التي يستغلونها في تجارتهم.

وكلا الطرفين يجنح الى خطاب الترهيب من الآخر، وأحد اسباب ذلك ان كليهما يشعر بالذعر، النابع من جهل كل منهما بتراثه، ومن ثم فان كلا الطرفين يعمد الى العنف باسم حضارة تبرأ قيمها من التطرف.

واذا كان دي لافال يعرب عن مخاوفه من ان «الكسكسي»، وموسيقى «الراي»، ولهجة الفرانكفو ـ امازيغية»، التي يتحدث بها ابناء الضواحي، قد تؤدي الى تدمير الحضارة «الفرنسية، فانه بلا شك يقلل من شأن حضارته حين يراها على هذا القدر من الهشاشة.

وبالمثل، تنتاب نظراء دي لافال من الاسلاميين الراديكاليين المخاوف من ان يؤدي مايكل جاكسون والهامبورغر والقمصان اللامعة، الى تقويض الحضارة الاسلامية، وهؤلاء أيضا لا يعطون حضارتهم حقها من التقدير.

ولكن من هم هؤلاء الخبراء الجدد المصابون بالاسلاموفوبيا؟

الافتراض العام هو ان الاسلاموفوبيا مؤامرة صهيونية ترتبط بالصراع في فلسطين، غير ان ثمة احصاء تم اجراؤه لحصد المنظمات والنشطاء والاصدارات التي تعبر عن هذه الفكرة، أظهر ان الصورة أكثر تعقيدا من ذلك، حيث تقول المؤشرات ان اليهود في غالب الأمر هم المستهدفون من هذه الموجة الجديدة من العداء، الى جانب المسلمين. فأي زيارة الى أحد المواقع التي تعكس الاسلاموفوبيا على الانترنت من شأنها ان توضح بجلاء مدى قوة الموقف العنصري والمعادي للسامية من العرب واليهود، الذين ينظر اليهم مصابو الاسلاموفوبيا الجدد بعين الريبة والكره، وعادة ما يظهر هؤلاء أيضا عداء نحو اميركا، حيث يرون الولايات المتحدة دائما إما واقعة تحت تأثير اللوبي اليهودي أو لوبي الدول النفطية.

ويعرض أحد تلك المواقع نتائج استطلاع للرأي، أظهرت قناعة معظم المشاركين فيه بأن ظاهرة الاسلام الراديكالي هي نتيجة لسياسة الولايات المتحدة الخارجية.

ويرى التحليل التقليدي لمروجي فكرة الاسلاموفوبيا دور الولايات المتحدة كالتالي:

خلال الحرب الباردة شجعت الولايات المتحدة الحركات الاسلامية لخلق توازن يواجه التيارات الشيوعية التي كانت تنظر في معظمها صوب موسكو، وفي ما بعد، ولا سيما في عهد الرئيسين كارتر وريجان، خلقت الولايات المتحدة ظاهرة المد الاسلامي وروجتها كوسيلة لاضعاف الاتحاد السوفياتي آنذاك ثم القضاء عليه، ويعود الفضل الى بريجينسكي مستشار الرئيس كارتر للأمن القومي في ابتكار نظرية «الرهان الاخضر» الاسلامية لاحتواء الاتحاد السوفياتي، والتي تحولت في عهد ريجان الى شرك للايقاع بالاتحاد السوفياتي.

وقد جسد المجاهدون الافغان رأس الحربة في خطة اميركية لتفكيك الاتحاد السوفياتي، ومن ثم بسط هيمنة واشنطن على قلب آسيا، ومنذ ذلك الحين، والولايات المتحدة تلعب بالورقة الاسلامية، فقد استخدمت واشنطن المسلمين في البلقان لتدمير يوغوسلافيا، وخلق قواعد اسلامية مثل البوسنة وألبانيا وكوسوفو، وأخيرا مقدونيا، داخل أوروبا، ولا تزال الولايات المتحدة حتى الآن تلعب بالورقة الاسلامية لاضعاف من تشاء من الدول، بما في ذلك روسيا، ومن هذا يجيء دعمها للحرب التي يقودها الشيشانيون من أجل الانفصال.

مثل ذلك التحليل الذي ينطوي على عداء للولايات المتحدة يوفد عددا من المفاتيح لهوية المروجين لفكرة الاسلاموفوبيا، فبعضهم يناصر فكرة القومية السلافية التي لا تزال تحمل تراثا مشتركا بين السلاف والروس يمتد الى مائتي عام سالفة، ويملي عليهم ان يكونوا حماة المسيحية في مواجهة الاسلام، وهؤلاء يعتبرون موسكو «روما الثالثة»، التي أراد لها القدر ان تغزو العالم كله دفاعا عن «المسيحية الحقة». فهم يرون ان روما الأولى يعمها الفساد لوجود بابا الفاتيكان والكنيسة الكاثوليكية على أرضها. أما روما الثانية فهي اسطنبول، التي تقع الآن في أيدي المسلمين.

ومن الواضح ان عددا من مواقع الانترنت والنوادي والاصدارات التي تعبر عن ظاهرة الاسلاموفوبيا تمول من قبل أثرياء الصرب، تليهم المجموعات الكرواتية التي تعيش في فرنسا وكندا واستراليا.

والعديد من المدافعين عن فكرة الاسلاموفوبيا لديهم تاريخ طويل من العداء للولايات المتحدة، ومن بين هؤلاء جيلام بيغوت وغوين دوميانسكي وجوليان اوغست وديمتري زيوسكي ورينهولد كرال ومايكل ميسيك.

وقد انضم بعض الشيوعيين السابقين الى زمرة أنصار القومية السلافية، الذين جسدوا حبهم للاتحاد السوفياتي المندثر الآن في تعلقهم بروسيا، وهؤلاء أيضا لهم حلفاء في اليونان، وفي الغالب داخل مؤسسات أثينا، وفي الجزء اليوناني من قبرص. وفي كلتا الحالتين، فان النزاع اليوناني ـ التركي هو السبب الجوهري لمشاركة اليونانيين في ظاهرة الاسلاموفوبيا، فاليونانيون يأملون، من وراء تصوير الاسلام على انه الخطر المدمر لأوروبا، في ان يحولوا دون انضمام تركيا الى عضوية الاتحاد الاوروبي. ومن الأفكار الراسخة التي يفترضها هؤلاء ان انضمام تركيا، بتعداد سكانها البالغ 70 مليون مسلم، الى الاتحاد الاوروبي يشكل خطرا على الحضارة الاوروبية.

وتمثل الشخصيات والمجموعات القريبة من نظام الرئيس العراقي صدام حسين عنصرا آخر لظاهرة الاسلاموفوبيا، فمن بين ابرز من ساهموا في ظهور هذه الظاهرة الجنرالان السابقان سالفان وروندوت، وهما صديقان شخصيان للرئيس العراقي.

كما ان آخرين مثل جان ماري لوبان وكارل لانغ، وهما من زعماء الجبهة الوطنية في فرنسا، قد قاما بزيارات متعددة لبغداد، وهناك ايضا جورج حيدر الزعيم النمساوي اليميني المتطرف، الذي يتباهى بأنه صديق للرئيس العراقي صدام حسين، والذي قام اخيرا بزيارة لبغداد، واضافة الى ذلك، فقد اتهمت الصحافة البلجيكية جناح اليمين المتطرف المعادي للمسلمين هناك بتلقي أموال من العراق.

ويمكن تأصيل صلة العراق في هذا السياق بأنه في حين تشكل حملات الهجوم على السعودية والكويت ملمحا دائما للدعاية المصاحبة للاسلاموفوبيا، يتم تصوير العراق على انه «المدافع عن قيم الثورة الفرنسية»، و«نموذج العلمانية في العالم الاسلامي»، وتشكل جماعة مجاهدي خلق الايرانية، التي تتخذ من بغداد مقرا لها تفسيرا آخر لصلة العراق بهذه الظاهرة، فهؤلاء المجاهدون الذين يستهدفون الملالي في طهران، يروجون لفكرة «المؤامرة الاسلامية العظمى»، التي تقف ايران وراءها بصورة ما. ومن المحتمل، رغم عدم وجود دليل لدينا، ان يكون جزء من الأموال التي تستخدمها جماعات الاسلاموفوبيا قادما من بغداد.

أما العامل الثالث في صناعة الاسلاموفوبيا فيتمثل في الملحدين من ذوي الاصول المسلمة، والذين يؤمنون بأن الاسلام هو السبب الاساسي، إن لم يكن الوحيد، للتخلف والتدهور اللذين تعاني منهما الدول الاسلامية حاليا. ويتضمن هذا القطاع عددا من المنظرين الذين يكتبون تحت اسماء مستعارة مثل ابن وراق، وعمر فاروق، وجولي بقراط.

ويمكن القول بأن هناك طروحات مماثلة يعرضها مفكرو اليمين في بريطانيا وفرنسا والمانيا والنمسا وايطاليا وهولندا من خلال مؤسسات مثل نادي كلوك، والمنظمة السياسية الجغرافية، وجماعة بن ابيل، والتي تركز في معظم الأمر على هجرة المسلمين الى اوروبا، وتأثير ذلك على الطبيعة الديمغرافية، والتي ترى أن المسلمين والغرب يتنافسان من خلالها على الهيمنة على العالم خلال الخمسين عاما المقبلة.

وأخيرا، فإن هناك عددا من الارساليات المسيحية المسلحة التي تؤمن بأنها تخوض منافسة على امتداد العالم مع الاسلام، لتحويل كل البشر الموجودين على سطح الأرض، ومن بين هؤلاء ارساليات سانت ديو، قريبة الصلة بالقس الاصولي مونسيجنور لوفيبيفر. وقد وجدت جماعات الاسلاموفوبيا كظاهرة سياسية في أوروبا منذ سنوات دون ان تجذب اهتماما كبيرا، غير ان المرحلة الفاصلة لهذه الظاهرة جاءت بعد هجمات 11 سبتمبر الارهابية على نيويورك وواشنطن، وبدأت كبرى محطات الاذاعة والتلفزيون تستضيف رموز هذه الظاهرة، وتسعى وراء أخبارهم، وتطلب مشاركتهم في البرامج والحوارات، مما وفر لهم منتدى لعرض آرائهم ما كانوا يحلمون به.

وفي تعليق مثير يقول رودين سكوليسكي، أحد رموز هذه الظاهرة بشيء من السخرية «انه مدين بالعرفان لاسامة بن لادن، الذي يجب ان يدخل التاريخ بوصفه الرجل الذي أنقذ الغرب، فقد دأبنا منذ سنوات على تحذير أبناء حضارتنا من الأخطار التي يمثلها الاسلام، ولكن لم ينصت لنا أحد، ولكن بن لادن وأعوانه أفاقوا أبناء حضارتنا، وبامكاننا الآن ان نخوض المعركة الأخيرة مع عقيدة ظلت تمثل تهديدا لوجودنا منذ 14 قرنا».

والحقيقة الأكيدة ان انصار الاسلاموفوبيا يمثلون وجهين لعملة واحدة، فكلاهما يحاول ترويع الآخر لان كلا منهما يقع صريعا لمخاوفه التي تتخطى حدود العقل والمنطق، وكلاهما أيضا يفتقر الى سياسة أو فلسفة متماسكة، لا شيء سوى الكره والضغينة، وكلاهما أعداء لحضارة مشتركة، يمثل الاسلام والغرب وجهين مختلفين لها.