علماء مغاربة: لا علاقة للفكر السلفي بالتطرف والعنف

TT

اتسع الجدل في المغرب اثر الاعلان عن اكتشاف جماعة متطرفة وصفت بـ«السلفية الجهادية»، وحاول البعض أن يربط بين هذه الجماعة وفكر الداعية الاسلامي محمد بن عبد الوهاب تارة وتارة أخرى بتنظيم القاعدة، وما زال هذا الجدل يتفاعل في وسائل الاعلام المغربية والذي يطلق على هذه الجماعة أسماء متعددة «كالصراط المستقيم» و«التكفير والهجرة»، وغيرهما من الاسماء. «الشرق الأوسط» استطلعت آراء علماء ومختصين في الفكر الاسلامي حول هذه الجماعة وفكرها والجدل المثار حولها، فأكدوا عدم سلامة الحديث عن فكر هذه الجماعة في الوقت الحاضر لعدم وضوح معالمها، واكتفوا برفض أي تطرف وغلو في الدين.

وقال الدكتور يوسف الكتاني، رئيس جمعية الامام البخاري» بالمغرب، ان كل ما دار ويدور حول مسألة ما يسمى بـ«الجماعة السلفية الجهادية» يشوبه الغموض، لأنه ليست هناك جماعة معينة معترف بها في المغرب تمارس نشاطها الديني، تعرف بهذا الاسم، ولا يعرف حتى من يقود هذه الجماعة وما هي برامجهم، فقط كل ما نعرفه أنه تم القبض على أشخاص بتهمة انتمائهم لتنظيم «القاعدة» ونسب اليهم انتماؤهم لجماعة الجهاد السلفي وحتى الذين ألقي القبض عليهم تبرأوا أمام الشرطة من انتماؤهم لهذه الجماعة، وبالتالي لا يمكن الادلاء بأي وجهة نظر حول فكر هذه الجماعة في الوقت الحالي حتى تتضح الأمور، ويجب عدم الانسياق وراء تهويلات بعض الصحف حول هذا الموضوع.

واضاف الكتاني أن محاولة البعض الربط بين هذه الجماعة والفكر الوهابي غير منصف ويكتنفه نوع من الضبابية وخلط المفاهيم، مشيرا الى ان المذهب الوهابي قائم منذ عشرات السنين وله رائده وهو فضيلة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي نحترمه، ولا أعتقد أن ما ورد من تعابير قيلت على لسان هذه الجماعة التي يثار الحديث عنها أي علاقة بالفكر الوهابي الذي له معالمه الواضحة في خدمة الاسلام السلفي التوحيدي بعيداً عن أي تطرف او دعوة لسفك دماء الآخرين.

ويؤكد الكتاني أن الاسلام بصفة عامة يرفض أي تطرف أيا كان شكله، لأنه انحراف وشذوذ ولا يصدر عن الأسوياء من الناس لقوله صلى الله عليه وسلم «من شذ شذ في النار» وكل من يمارس التطرف في الدين فهو مريض، والغلو هذا يقضي على صاحبه ويدفعه الى اعلان الحرب على الجماعة وتهديداتها واستقرارها لفرض رأيه، أو الوصول الى الحكم للتسلط على الناس.

أما الدكتور محمد يتيم، الكاتب الاسلامي، فله رؤية واضحة في الموضوع، ويؤكد أن أي تطرف وغلو في الدين أيا كان اسمه ولونه وشعاره لا يعود الى الدين نفسه، بل الى خلل في البناء النفسي للفرد الذي يكون حسب تركيبته النفسية ميالا الى التشدد في تصرفاته الشخصية، وأيضا في مجال الدعوة، وتبقى مع ذلك هذه الحالة محدودة في أوساط المسلمين، وهي حالة لم يسلم منها حتى المجتمع النبوي، اذ أن بعض الأحاديث الشريفة وصفت هؤلاء بالمتشددين كما في حالة ذلك الرجل الذي أراد أن يزايد على الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: سيخرج من صلبي هذا قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرامية، وكان يشير في ذلك الى الخوارج.

وأضاف يتيم، أن الغلو هو ظاهرة اجتماعية سياسية «قد نجد تفسيرها عندما تكون لدى جماعة ما رغبة الرفض والجنوح الى الغلو سواء على المستوى الديني أو السياسي أو الثقافي، ولا تعود هذه الجماعات ترى في العمل السلمي الهادئ والاصلاح التدريجي والحوار مع المخالفين أو التسامح الفكري أي جدوى.» واردف قائلا: «وعموماً كل تطرف وغلو فهو جنوح عن الوسطية سواء كان تنطعاً أو مزايدة باسم الدين، أو كان انحرافاً وتحللا عن قيم الاسلام».

وحول هذا الموضوع يتساءل أحمد البوكيلي الباحث في الفكر الاسلامي عن طبيعة ما يسمى بـ«السلفية الجهادية»، وما هي منطلقاتها؟ وهل تعتمد على أطروحة نظرية ونسق منهجي، أم أن الأمر لا يعدو كونه حالة نفسية تعبر بوسائلها الخاصة عن قمة الانفعال الروحي وغياب القدرة على التفكير بناء على الانتماء للأمة بدلالاتها الشرعية والحضارية؟، مشيرا الى انه اذا كانت هذه الجماعة تعتمد في خطابها على عقيدة «الولاء والبراء» فانها تكون قد وقعت في مأزق رفض الاخر بمؤسساته السياسية. وهو خطاب يترجم الوضعية المأساوية لخطة الاصطدام بين الذات وللآخر، ونقل دائرة الصراع من حدودها الجغرافية في المغرب والعالم العربي الى صراع ضد الغرب، وبات التيار الجهادي يعتبر الجهاد ضد الأنظمة جهاداً ضد الغرب.

ولاحظ البوكيلي أن أزمة الحركات المتطرفة مثل جماعة السلفية الجهادية التي تناولت الصحف المغربية تداعياتها بأسباب تكمن في الأساس في عدم توفر مثل هذه الجماعات على مشروع حضاري يساهم في الاجابة على أسئلة نهضة الأمة، وأخطر من ذلك فان تفكير مثل هذه الجماعات يتزلق بها نحو الشعور بأنها تمتلك الحقيقة المطلقة باعتبار أنها تمثل ببساطة نهاية التاريخ.

وفي ما يخص مصطلح «السلفية» نفسه، قال البوكيلي انه ظل رائجا في كتابات علماء المغرب، موضحا انه خلافاً لما يعتقد البعض من أن الحركة السلفية ولدت في المغرب بتأثير من الحركة الوهابية، ذلك أن السلطان المغربي مولاي سليمان، الذي بويع بعد وفاة والده محمد بن عبد الله سنة 1791 (القرن الثامن عشر)، ورث النزعة السلفية عن والده وليس بسبب تبادل رسائله مع ملوك السعودية آنذاك.

واضاف البوكيلي أن الفكر السلفي الجهادي حسب ما ذكر عن هذه الجماعة يدعي الانطلاق من الأحوال الشرعية لبناء دائرة الأحكام السلفية التي تعفى بدورها الانطلاق من الأحوال الشرعية لبناء دائرة الأحكام والمواقف، في حين أن السلفية الحقيقية هي التي تتحرك وتفكر من خلال نسق منهجي، بدرجة اعتماده على المنطق الشرعي، فهو يعتمد كذلك على الوعي بالمعطيات الوافقية والاستشراف المستقبلي، فضلاً عن التحرك من خلال استيعاب مجمل التوازنات الدولية.