ضائقة مالية تعصف بأقدم الجمعيات الخيرية في الوطن العربي

رئيس المقاصد اللبنانية لـ«الشرق الأوسط»: بفضل الدعم السعودي صمدت الجمعية حتى عام 1996

TT

يتواجد في الأراضي السعودية هذه الأيام، الرئيس الـ13 لجمعية المقاصد الخيرية اللبنانية، إحدى أقدم الجمعيات العربية، التي يمتد تاريخها لأكثر من 125 عاما، وساهمت في تعليم وتخريج أكثر من 150 ألف طالب وطالبة من مختلف أقطار الوطن العربي، فمنهم من أصبح رئيس حكومة أو نائبا أو وزيرا أو رجل أعمال، ومع هذا فهي اليوم تعاني من ضائقة مالية، ساهمت بشكل كبير في تقليص دورها التربوي والصحي والاجتماعي في الوسط اللبناني المسلم. «الشرق الأوسط» التقت أمين الداعوق رئيس الجمعية ووجهت له الأسئلة التالية:

* ما هي جمعية المقاصد الخيرية؟ وما الهدف من تأسيسها؟

ـ تعد جمعية المقاصد الخيرية من أقدم الجمعيات في البلاد العربية باستثناء مصر، وجاء تأسيسها في بيروت عام 1878، حين بدأت الإرساليات الأوروبية تصل إلى لبنان أواخر القرن الـ19، وأنشأت أول مدارس خاصة بها. ونظرا لأن المجتمع الإسلامي في ذلك الوقت لم يكن يمتلك مدارس قادرة على تحضير الطلاب للمراحل العليا من الدراسة، فكانوا يلحقون أبناءهم في تلك المدارس، وبالتالي فقدوا تعليمهم وتربيتهم الإسلامية. وقد تنبه لهذا الوضع قلة من أهالي بيروت، فنبعت فكرة تأسيس جمعية خيرية تقوم برعاية وتربية أبنائهم عبر مدارس معدة لهذا الغرض.

* وكيف كانت البداية؟

ـ كانت البداية في أول عام لتأسيس الجمعية إنشاء مدرسة للبنات، كون الأبناء كانوا مرتبطين بأمهاتهم في ظل انشغال الآباء بالعمل في الجيش، وفي العام الثاني تم إنشاء مدرستين الأولى للبنات والأخرى للأولاد، وبعد ذلك توالى افتتاح المدارس العادية والداخلية، التي تهتم بتأكيد دورها في التربية والتعليم، واستمر الحال على هذا النحو حتى أصدرت السلطنة العثمانية آنذاك قرارا بإغلاق جميع الجمعيات الخيرية في لبنان، لشعورها أنها خرجت عن الطريق الذي كانت تريدها أن تسير فيه.

* متى عادت الجمعية إلى ممارسة دورها التعليمي والتربوي؟

ـ بقي حال الجمعيات الخيرية على وضعها السابق حتى العام 1920، حينما زار «المقاصد» الملك فيصل بن عبد العزيز، وكان آنذاك أميراً على الحجاز، وقدم لها تبرعا ماليا سخيا، كان النواة لبناء أول مدرسة تعليمية في ذلك الوقت، وجزء من هذا المبلغ تم استثماره في مشروع تجاري، ليدر دخلا ثابتا يغطي نفقات التعليم.

وكان هذا الاستثمار وغيره القاعدة الأساسية التي بنتها المقاصد لتمويل برامجها التعليمية والصحية والاجتماعية، وأصبح لديها العديد من المشاريع الاستثمارية العقارية التي تدر دخلا عاليا للجمعية يغطي نفقاتها الدراسية والاجتماعية.

* هل تقبل المدارس المقاصدية الطلاب غير المسلمين السنة؟

ـ بالنسبة للمدارس المقاصدية كانت تنتشر في جميع المدن والقرى اللبنانية، وبالتالي كانت تقبل كل الطلاب اللبنانيين على اختلاف مذاهبهم الدينية أو العقائدية. وقبل أن تنشط المؤسسات الشيعية في لبنان كان 40% منهم يتلقون تعليمهم في هذه المدارس، ومن هؤلاء رئيس المجلس النيابي الحالي السيد نبيه بري وغيره من الوزراء والمسؤولين الحكوميين. ولك أن تعلم أن الوثائق الأولى لتأسيس جمعية المقاصد تشير إلى أن 20 في المائة من المتبرعين كانوا مسيحيين.

* وماذا عن الطلاب العرب؟

ـ ما ينطبق على الطلاب اللبنانيين ينطبق على نظرائهم العرب وأبناء البعثات الدبلوماسية وبعض العوائل الخليجية التي كانت تبعث أبناءها إلى هذه المدارس لتلقي علومهم المنهجية والتربوية فيها، ومنهم الأمير الوليد بن طلال، وأبناء الأمير مساعد بن عبد العزيز، وغيرهم من الأمراء ورجال الأعمال الحاليين.

* ما أسباب الضائقة المالية التي تعاني منها جمعية المقاصد الخيرية منذ سنوات؟ ـ ينص عقد تأسيس المقاصد الخيرية على أنها جمعية غير ربحية، وعليه فإن جميع الطلاب الذين يتلقون علومهم فيها، إما أن يكون ذلك برسوم تبلغ نصف ما تتقاضاه المدارس الأخرى، أو بسعر رمزي يوازي غالبا عُشر التكلفة الفعلية، وذلك كون سياسة المقاصد تعتمد على ضرورة إشراك العائلة في تعليم أبنائها ولو بسعر رمزي، وذلك لتحفيزهم على الاهتمام بأبنائهم، ولإشعارهم بأن الجمعية ليست ذات فضل على أبنائهم. وكون الاقتصاد اللبناني يمر بأزمة خانقة منذ العام 1980، علاوة على أن الحرب الأهلية ألقت بظلالها على نشاط هذه الجمعية، وبدأت مواردها المالية تتأثر بشكل كبير. لكن بفضل الدعم السعودي الذي استمر حتى العام 1996، صمدت «المقاصد» واستطاعت أن تؤدي دورها في المجتمع.

* ماذا حدث بعد عام 1996؟ ـ بعد العام 96 أصبح هناك تقلص في الدعم الخارجي، وبات من الضروري على المقاصديين أن يعتمدوا على أنفسهم في توفير الموارد المالية اللازمة لاستمرار نشاط الجمعية، وكون الاستثمار في لبنان ما يزال يعاني، فقد بات من الضروري البحث عن مصادر تمويل جديدة. من هنا فقد سعى مجلس الإدارة إلى دعوة جميع المقاصديين في لبنان والسعودية والدول العربية والأوروبية والأميركية إلى دعمها مادياً لإعادتها مرة أخرى إلى ساحة العمل التطوعي.

* هل تتوقع أن تحظى دعوة المقاصد بقبول بعد أحداث نيويورك وواشنطن؟

ـ لا شك أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، أثرت بشكل سلبي على كل الجمعيات الخيرية، عدا جمعية المقاصد، وزيادة في الثقة فقد زارها قبل نحو أسبوعين السفير الأميركي في لبنان، وتجول في مدارسها ومراكزها المهنية والمستشفى الجامعي على قدميه. كما حضر احتفالاتها بمرور 125 عاماً على تأسيسها السفير البريطاني في لبنان. ونحن نتوقع أن تحظى دعوتنا باستجابة كبيرة من قبل جميع المقاصديين اللبنانيين والعرب.