عبد العزيز العمار : تناول الشأن السياسي أثناء الجمعة محظور شرعا ولا يجوز الدعاء على اليهود والكفار

وكيل وزارة الشؤون الإسلامية لشؤون المساجد لـ «الشرق الأوسط»: يخضع الإمام غير المنضبط للمراقبة والتقويم والاستغناء عنه آخر الحلول * أحداث واشنطن ونيويورك لم تغير شروط قبول الأئمة والخطباء * 24000 مسجد تتبع الوزارة ولا تحديد لمضمون خطبة الجمعة

TT

تحول منبر الجمعة في بعض المساجد السعودية خلال الفترة الماضية من مكان مخصص للمّ شمل المسلمين وتوحيد صفهم، إلى ساحة حربية تُدار فيها المعارك السياسية وتصفية الحسابات الشخصية والتشهير بجماعات أو أفراد، وأكبر دليل على ذلك أن بعض الكتّاب والمفكرين والفنانين تم تكفيرهم وهدر دمائهم عبر هذه المنابر.

وعلى الرغم من مراقبة ومتابعة الجهات المسؤولة عن إدارة شؤون المساجد في البلاد، إلا أن بعض الأئمة استطاع أن يفرّ من الرقيب، من خلال تقديمه لخطبة جمعة موافقة للشروط المطلوبة خلال وقت الصلاة، وإتباعها بأخرى سياسية محظورة نظامياً بطرق شتى، إما بعد الصلاة أو في أوقات أخرى لا يوجد فيها الرقيب!.

ويتساءل بعض المصلين: لماذا تختلف خطبة الجمعة من مسجد لآخر؟ وما شروط الخطبة الشرعية؟ وهل تُحدد وزارة الشؤون الإسلامية خطبة الجمعة لأئمتها؟ وهل تناول الشأن السياسي أثناء الجمعة محظور شرعاً أم نظاماً؟ وهل أحداث 11 سبتمبر (أيلول) في أميركا أجبرت المسؤولين على تعديل شروط قبول أئمة المساجد والخطباء؟ ولماذا تحظر الوزارة على الأئمة الدعاء على اليهود والنصارى أثناء الصلاة؟.

التقت «الشرق الأوسط» بالدكتور عبد العزيز العمار، وكيل وزارة الشؤون الإسلامية لشؤون المساجد والدعاة، للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها.

* بداية كم عدد المساجد الموجودة في السعودية؟ وما عدد الخطباء والأئمة التابعين للوزارة؟ ونسبة السعوديين فيهم؟

ـ يزيد عدد المساجد والجوامع القائمة في مختلف المدن والقرى السعودية على 42 ألف جامع ومسجد، وقد قامت الوزارة بجهد مضاعف للعمل على إحلال السعوديين مكان غير السعوديين، مراعية في ذلك المصلحة العامة مع عدم تعطيل العمل في بيوت الله، ونتيجة لذلك يمكن تقدير نسبة الأئمة والمؤذنين غير السعوديين الموجودين حالياً بأقل من نصف في المائة.

* ما هي الشروط الواجب توفرها في إمام وخطيب المسجد؟

ـ أن يكون صحيح العقيدة، مراقبا لله في سره وجهره، عالما بأحكام الخطبة والصلاة وشرائطهما، محافظاً على العمل بما أمر به في نفسه وخاصته، قائما بفرائض الله وحدوده، معظّما لحرمات الله وشعائره، محقّراً لمحذوراته ومخالفة شعائره، وأن يلتزم بمنهج التوسط والاعتدال، وأن يكون حسن الأسلوب في الوعظ ومخاطبة الناس.

* هل جميع الأئمة والخطباء يخضعون لهذه الشروط؟

ـ نعم، فجميع الأئمة والخطباء يخضعون لهذه الشروط، لأنه لا يتم تعيين أي إمام أو خطيب ما لم تتوفر فيه هذه الشروط، مع ضرورة اجتيازه للمقابلة الشخصية التي تجرى له من قبل اللجنة الاستشارية الموجودة في فروع الوزارة.

* لماذا إذن يتفاوت مستوى الأئمة والخطباء؟

ـ يتفاوت مستوى الأئمة والخطباء نتيجة لتفاوت الناس أنفسهم، من حيث المقومات والقدرة، لكن يلاحظ أنه في السنوات الأخيرة وبعد تنفيذ هذه الشروط تم تلافي الكثير من السلبيات السابقة.

* ما هي شروط وأركان خطبة الجمعة من الناحية الشرعية؟

ـ يجب أن نعلم أن خطبة الجمعة وسيلة مهمة من وسائل الدعوة إلى الله، فلا يجوز التهوين بها، لا سيما إذا قام بها دعاة ذوو عقيدة سليمة، وعقول نيّرة. وهي تُعنى بمخاطبة مجموعة كبيرة من الناس على مختلف مستوياتهم، لذا لا بد أن تراعى فيها الجوانب التالية: قِصر الخطبة، عدم التطويل، تجنب التخصيص أو التجريح، سواء كان للهيئات أو الجماعات أو الأشخاص، تجنب المبالغة والتهويل لأنها تصرف عن التأثير والسماع، التركيز الدائم على وحدة الكلمة، أن ينطلق الخطيب من إيجابيات المخاطبين والابتعاد عن السلبيات، كما يجب أن تكون الخطبة مشتملة على الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، لأنها أكثر ما يتعظ بها المؤمن، كما يجب على الخطيب أن يُحسن اختيار موضوع الخطبة، وإعدادها جيداً، بحيث تكون مترابطة الأجزاء، مشتملة على الموعظة والحث على التقوى وترقيق القلوب وربط الناس بأصول العقيدة، والتركيز على التوحيد الخالص، والحث أيضا على الأخلاق الفاضلة والمشاركة في بناء المجتمع، والتركيز على أمهات المسائل والابتعاد عن التفاصيل، والحث على تحري الأمانة في الأعمال والوظائف التي يقوم بها الناس، وحتى لا تكون الخطبة مجرد خواطر وانطباعات يتوجب على الخطيب أن يكون قارئاً لواقع الاحداث، مع ضرورة التثبت من مصادر معلوماته، وعدم اعتماده على وسائل الأخبار فقط في الحصول عليها.

* هل تحدد الوزارة خطبة الجمعة لأئمتها؟

ـ لا تحدد الوزارة الخطبة التي يجب أن يلقيها الخطيب، لكنها وضعت منهجا يسير عليه جميع الأئمة، ومن أبرز ملامح هذا المنهج أن يراعي وحدة الموضوع ودقة الخطاب، والبعد عن إثارة الخلاف بين الناس، وأن تكون الخطبة مترابطة الموضوع والأجزاء ووثيقة الصلة بحياة الناس.

* هل يلتزم جميع الأئمة بهذه الشروط؟ وكيف يمكن للوزارة مراقبة هؤلاء الأئمة؟

ـ في الغالب يلتزم جميع الأئمة بهذه الشروط، لكن في حال حصول بعض الأخطاء وهي فردية جدا، تتم معالجتها في وقتها. أما عن مراقبة الأئمة فهي موكولة أولا لأنفسهم لأنهم يعدّون قدوة للناس، ومن ثم هناك مراقبون للمساجد مسؤوليتهم متابعة الأئمة والوقوف على أحوالهم.

* تحظى خطبة الجمعة ذات الطابع السياسي بقبول الكثير من المصلين، ومع هذا يلاحظ أن أئمة هذه المساجد يخضعون لمضايقات الوزارة أو العزل في بعض الأحيان، فهل تناول الشأن السياسي أثناء خطبة الجمعة يعد مخالفة شرعية أو نظامية؟

ـ أعتقد أن هذا الكلام فيه شيء من المبالغة، كون عموم المصلين يُقبلون على المساجد للصلاة وطلبا للذكر والموعظة، كما أنه ليس هناك أي مضايقات للأئمة أو متابعة لهم، لكن يجب التفريق بين أن كثيرا من الأمور هي مثار خلاف ونزاع، لذلك يجب أن تعمل خطبة الجمعة على جمع الأمة على الثوابت وعدم تفريقها وشق وحدتها وإثارة الخلافات فيما بين أبنائها، ومن ذلك إثارة القضايا السياسية التي لا يصح طرحها في خطبة الجمعة، كون الخطبة ليست وسيلة من وسائل نقل الأخبار أو التحدث بها، لذا يقع بعض الخطباء في خطأ كبير وهو أنه ينصاع إلى ما يسمع من أخبار سياسية أو غير ذلك وينقلها على المنبر وهذا مما يشوش على المستمعين.

لذا أقول إن نشر الأخبار السياسية أو تجريح الهيئات أو الجماعات على المنبر، أمر خطير جداً وأعظم ضرراً على الأمة، وقد يبعث على الفرقة، كون أكثر الأخبار السياسية لا تصل إلا إلى الظن في أحسن الأحوال، فكيف يكون هذا المنبر العظيم مكانا للإثارة أو لنشر مثل هذه الأخبار.

* يلتزم بعض الأئمة بالخطبة النظامية أثناء صلاة الجمعة، فيما تكون لديهم خطبة بديلة تلقى على المصلين بعد الصلاة أو بعد صلاة العصر.. ألا تعتقد أن هذا يعد تحايلا على الرقابة المفروضة من قبلكم؟ وألا يشير ذلك إلى رغبة الناس الخوض في الشأن السياسي؟

ـ أنا لا أعرف شيئاً عن ذلك، لكن أحب أن أؤكد أنني اعتقد أن هناك رغبة كبيرة من الناس بمعرفة العلم النافع المرتبط بشؤون حياتهم وصلاح أعمالهم.

* في حال رفض بعض الأئمة الالتزام بشروط خطبة الجمعة، هل يتم ابعاد هذا الإمام؟ وما هي مراحل تقويم الأئمة؟

ـ هناك أنظمة وتعاليم تقتضي استدعاء الشخص وتنبيهه وتذكيره، ومن ثم هناك إجراءات تتخذ إذا اقتضى الأمر، ومنها الفصل، لكن ولله الحمد فإن هذا الإجراء لم يتم إلا في حالات قليلة جداً تكاد لا تذكر.

* لوحظ في الأيام الأخيرة وجود أخبار تتحدث عن نية الوزارة في تعيين نحو خمسة آلاف إمام وخطيب في المساجد السعودية وفق شروط ومعايير جديدة، ما هي ابعاد هذا القرار؟ وهل هذه الخطوة للحد من الأئمة غير الملتزمين بشروط الوزارة؟

ـ هذه أخبار لا أعلم عنها شيئاً، وأحب أن أقول إن الوزارة تقوم بتعيين الأئمة والخطباء وفق شروط محددة تم وضعها، وليس هناك معايير جديدة أو غير ذلك، وتلك الشروط واللوائح تعتمد على الشرع الحنيف، وشرع الله لا يتغير ولا يتبدل.

* يلاحظ أن منبر بعض المساجد فقدَ هيبته وأصبح مشاعا لكل شخص، بحيث يأتي بعد كل صلاة من يستلم مكبر الصوت ويبدأ في الحديث للمصلين عن أمور بها العديد من المآخذ الشرعية أو الرقابية، أين أنتم من هذه الأمور؟

ـ هناك تأكيد دائم من قبل الوزارة على الأئمة ألا يتحدث إلا من هو مؤهل لنفع الناس ويحمل إذناً بذلك، وليست الصورة كما تقول من أن المساجد فقدت هيبتها أو غير ذلك.

* معظم الأئمة والخطباء في المساجد السعودية يعتمدون الدعاء على اليهود والنصارى أثناء خطبة الجمعة، فهل هذا جائز شرعا؟ ولماذا وجهت الوزارة بالكف عن الدعاء على أهل الكتاب؟

ـ الدعاء هو مخّ العبادة، والدعاء يكون لله سبحانه وتعالى، وهناك فضيلة في الدعاء بالمأثور من القول، أما الدعاء على أهل الكتاب فلم أجد في تاريخ المسلمين أنه كان الدعاء عليهم يتم بالعموم، لكن على من ظلم منهم، مع عدم اللعن أو السب أو الشتم. وحتى أن النصارى واليهود والمشركين الذين كانوا حول الرسول صلى الله عليه وسلم، لم نسمع أو نقرأ أنه كان صلى الله عليه وسلم يدعو عليهم بعمومهم، لكن على من ظلم منهم، وكذلك كان أصحابه. لذا يجب أن نتأسى بهدي الرسول الكريم والسلف الصالح من بعده.

* قبل أحداث 11 سبتمبر 2001، كان الدعاء للمسلمين في أنحاء العالم بالتفصيل مثل (اللهم انصر المسلمين في فلسطين وافغانستان والشيشان والفلبين) وغيرها، لكن هذا الأمر اختلف بعد احداث واشنطن ونيويورك، بحيث أصبح الدعاء يتم فقط للفلسطينيين بشكل خاص، ولعموم المسلمين في أنحاء العالم، فهل الدعاء للمسلمين أصبح يخضع للمتغيرات السياسية؟

ـ الدعاء للمسلمين والمستضعفين خاصة واجب على كل مسلم ومسلمة، وهذا من أحكام خطبة الجمعة. ولا اعتقد أن الأمر اختلف عن السابق، لكن يجب أن نوضح أن قنوت النوازل وصلاة الاستسقاء هي من الأمور المناطة بولي أمر المسلمين، ولو تركت لحصل فيها اختلاف كبير، ولذلك أقول إن القنوت في الصلاة على أصح أقوال الفقهاء أنه مرتبط بولي الأمر، والدعاء ليس مرتبطا بالصورة الجماعية، لكن المسلم مطالب بأن يدعو منفرداً في صلاته وتهجده.