مفتي مصر السابق: ليس بيني وبين شيخ الأزهر خلاف في الفتاوى

د. واصل لـ«الشرق الأوسط»: سعيت لإنشاء قمر صناعي لتوحيد بداية الصوم والأعياد بين البلدان الإسلامية

TT

الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر السابق تولى منصب الافتاء في مصر لمدة خمس سنوات أصدر خلالها عديداً من الفتاوى التي أثارت جدلاً واسعاً، وقيل أيضاً انه على خلاف دائم مع شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي في فتاوى عديدة أصدرها، وأن هذا الخلاف هو السبب الرئيسي وراء عدم بقائه في منصب الافتاء طويلاً، حيث انتهت مدة خدمته القانونية ولم يجدد له، بالاضافة الى عدد من القضايا التي أثيرت حول فتاوى الدكتور فريد واصل وعلاقته بالمفتي الجديد والخلاف حول رؤية هلال رمضان في البلاد الاسلامية وكيفية حسم هذا الخلاف. «الشرق الأوسط» التقت الدكتور واصل للتعرف على مزيد من آرائه فكان هذا الحوار:

* لماذا لم يتم تمديد خدمتك مفتيا لمصر كما يحدث مع الكثيرين؟

ـ لقد بلغت السن القانونية التي تنتهي عندها خدمة أي موظف أو مسؤول في موقع المسؤولية، ومسألة مد الخدمة تتعلق بأصحاب القرار.. والذي يجب أن يعلمه الجميع أنني توليت منصب الافتاء بأمر تكليف ولم أسع اليه ولم أبد رغبة فيه كما أنه عندما عرض علي المنصب رشحت غيري من زملائي الأساتذة في جامعة الأزهر وحرصت على وحدة الصف والكلمة.

* لكن البعض أرجع سبب عدم تمديد خدمتك وبقائك في منصب الافتاء لوجود خلافات بينك وبين شيخ الأزهر بحكم منصبه الذي يعطيه الولاية على جميع المؤسسات الدينية في مصر؟

ـ لم يكن بيني وبين شيخ الأزهر أي خلافات فهو شيخنا واستاذنا ونقدره وهو رمز للاسلام، وفي كل مرة كنت أتعرض فيها للسؤال عن وجود خلافات كنت أنفيها، وقلت أيضاً اننا جميعاً نلتزم بما يحقق المصلحة العامة والخاصة في اطار الشريعة الاسلامية.

* لكن هناك بعض الفتاوى التي اصدرتها كانت مخالفة لفتاوى الأزهر أو ما يمكن وصفه بصراع الفتاوى الذي كان قائماً بينك وبين شيخ الأزهر؟

ـ أبداً لم يحدث بيننا صراع وهناك اتفاق عام على ان الفتاوى التي تصدر عن مجمع البحوث الاسلامية وليس عن دار الافتاء هي فتاوى مسبقة وعلينا الالتزام بها وما يصدر عن دار الافتاء من أحكام على المجتمع الالتزام بها وذلك من أجل توحيد الفتاوى، وأنا كعضو في مجمع البحوث الاسلامية كنت حريصاً على عدم حدوث تعارض بيننا، وخاصة في الفتاوى العامة.

* ما تعليقك على ما يقال ان فتواك بتعويض ضحايا قطار الصعيد بواقع 160 ألف جنيه مصري لكل ضحية بينما ما قدرته الحكومة كان 3 آلاف جنيه لكل فرد، وهذه الفتوى كانت السبب الرئيسي وراء اقالتك؟

ـ أولاً عندما أفتي بشيء كنت أدعمه بالدليل الشرعي، فجميع الفتاوى التي أصدرتها كانت مصحوبة بالدليل الشرعي، فاذا انتقلنا من القصاص الى القتل العمد فان الدية في مجال القتل تتفق مع دية القتل الخطأ، ووضع الشرع معايير لذلك وتصل الدية الشرعية الى 2450 غراماً من الذهب أو قيمتها وقت وقوع القتل الخطأ هذا. اذا لم تكن هناك تنازلات من جانب أصحاب الحق في الدية: ولم يحدث اعتراض على هذه الفتوى فهذا حكم شرعي لا يمكن رفضه.

* على أي أساس يصدر المفتي فتواه؟

ـ تعاون المفتي مع مجموعة من الباحثين ولكن القرار النهائي يكون له لأن الفتوى في النهاية ستنسب اليه ولو كان هناك خطأ من الناحية الفقهية والشرعية سيرجع اليه ولكن مهمة الباحثين هي التجهيز لنصوص شرعية فقهية قانونية وتعرض أمامه الدراسات لابداء الرأي واستخلاص الحكم الشرعي منها وهذا عامل مساعدة من أجل تسهيل سرعة اخراج الفتوى الشرعية وخاصة الفتاوى الخاصة التي تحتاج للبحث والدراسة ولكن هناك فتاوى تقليدية ثابتة ومعروفة وفتاوى للضرورة مثل وجود بعض القضايا المستجدة التي تستحدث لظروف العصر.

* كيف تنظر الى منصب المفتي بعد ان تركته؟

ـ أعتبر الفترة التي تشرفت فيها بتولي مسؤولية الافتاء فترة اعارة داخلية فقد كنت أقوم بعملي كأستاذ في الجامعة وأشرف على رسائل الماجستير والدكتوراه، وكانت المسؤولية ثقيلة لأنها تتعلق بجوانب كثيرة سياسية واجتماعية وأهواء شخصية وجوانب علمية. كما أنني كنت أضحي بالكثير من الجوانب الشخصية والاجتماعات الخاصة من أجل المصلحة العامة سواء للدولة أو للمسلمين عامة ولا أترك صاحب مصلحة أو فتوى دون أن أقضيها له.

* وماذا عن علاقتك بالمفتي الحالي؟

ـ الدكتور أحمد الطيب زميل فاضل من صفوة العلماء الاتقياء وهو يحظى بمكانة علمية كبيرة والعلاقة بيننا متصلة والحب عميق ولقد زارني زيارة خاصة في منزلي والتقيت به بعد توليه المنصب أكثر من مرة.

* هناك من يتحدث عن تسييس الفتوى بمعنى أن بعض الأحكام تصدر بناء على توجيهات لخدمة أهداف معينة فما حقيقة ذلك؟

ـ الافتاء في مصر مستقل تماماً عن الدولة ولا دخل لها في أي فتوى، وهذه قضية يراد من ورائها افساد العلاقة بين الناس وابعادهم عن الجانب الديني وعن علمائهم وعن كل من له صفة بيان الحكم الشرعي وتوضيح أمور الدين للناس. والهدف من اثارة مثل هذا القول هو ايجاد عازل بينهم وبين الدين، وهذه دعوى باطلة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب وهي مبنية على أمور تاريخية بعيدة جداً كان الهدف معروفاً من اثارتها وهو احداث الفرقة بين المسلمين، والفترة التي توليت فيها الافتاء كانت كل القرارات والأحكام الفقهية بعيدة كل البعد عن أي تأثيرات من الجهات العليا السياسية أو من الولاية العامة والخاصة. وتاريخ مصر وأزهرها وعلماء الدين فيها يؤكدون على مدار الأعوام أن أي فتوى أو حكم ديني لم يخرج أبداً عن الحكم الشرعي وأن هذه الأحكام لم تكن أبداً من أجل سلطان أو حاكم، فعلماء الدين لم يقولوا الا كلمة الحق والصدق لأن الفتوى تكون لوجه الله سبحانه وتعالى ولا يمكن لعالم الدين أن يكذب على الله أبداً من أجل حاكم أو سلطان.. وللحقيقة أقول انه لم يحدث طوال فترة وجودي على رأس هذا المنصب أن تدخلت الدولة في أي فتوى من الفتاوى.

* هل كنت تحلم يوماً أن تكون مفتياً لمصر؟

ـ لم أكن أحلم بذلك أبداً ولم أفكر في هذا المنصب، بل كنت دائماً أشفق على من يتولى مسؤولية الافتاء لأنها مسؤولية كبيرة تتعلق بأهم دستور يحكم حياة الناس واخرتهم وهو الدين. ولم أكن أخطط في حياتي لان أكون عالماً في أمور الدين وانما كنت أميل الى الناحية العملية حيث كنت أتمنى أن أكون طبيباً أو مهندساً، ولكن والدتي كانت تتمنى أن أكون أزهرياً. وحتى أحقق لوالدتي ما أرادت قمت بحفظ القرآن الكريم خلال 6 شهور فقط ومضيت في دراستي الأزهرية حتى وصلت الى مرحلة الجامعة وكنت أحب الشعر والأدب وكان مخططاً لي أن ألتحق بكلية اللغة العربية في الأزهر ولكن قبل أن أتقدم بأوراقي علمت بتعديل الدراسة بكلية الشريعة وأدخلت عليها شعبة الدراسات القانونية وأصبحت كلية الشريعة والقانون، حيث أنني كنت أميل الى الدراسات القانونية في ضوء الشريعة الاسلامية. وعندما عرض علي تولي منصب الافتاء ترددت طويلاً في قبول هذا المنصب لأن الافتاء مهمة صعبة، وأنا حريص على أن تكون أحكامي الشرعية قائمة على الدراسة والبحث وكنت أخشى التدخل في عملي، ولهذا ترددت ستة أشهر في قبول المنصب حتى تم تكليفي به فاستخرت الله تعالى وتوكلت عليه فأعانني سبحانه وتبددت مخاوفي، حيث لم أجد أي تدخل من ناحية أية جهة في عملي.

* في رمضان من كل عام يتردد سؤال دائم بين المسلمين المقيمين في الخارج وخاصة البلاد التي لا يسهل فيه الوصول لتوقيت بداية الصوم أو الافطار بسبب طول فترات الليل، فما هي المواقيت التي يمكن أن يلجأوا اليها لضبط مواعيدهم؟

ـ هذه النقطة تشغل بالفعل بال اخواننا المسلمين في البلاد الأجنبية وخاصة تلك القريبة من القطبين، حيث يمتد الليل الى فترات طويلة وفي هذه الحالة يمكن للمسلمين فيها أن يأخذوا بمواقيت أقرب البلاد اليهم أي تلك التي يتقارب فيها الليل مع النهار والقاعدة الشرعية هنا استناداً الى الآية القرآنية «وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الأسود من الفجر ثم اتموا الصيام الى الليل». أما اذا غم عليهم ولم يستطيعوا معرفة التوقيت فيمكنهم الاستناد الى توقيت أم القرى أما في حالة طول النهار إلى درجة يشق معها الصيام فلهم الرخصة في أن يفطروا على أن يخرجوا الفدية إعمالاً للنص الشرعي «وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين».

* وماذا عن الخلافات التي تحدث كل عام حول ثبوت الرؤية وكيف يمكن الاتفاق على رؤية موحدة؟

ـ في مؤتمر الفقه الاسلامي بجدة عام 1419هـ وحضره علماء من 18 دولة اسلامية، وبعد البحث والمشورة تم الاتفاق على الرؤية وعلى التقويم الهجري الموحد مع وضع الضوابط والأسس للرؤية الشرعية بالنسبة للشهور العربية التي فيها مواسم دينية كرمضان وشوال وذي الحجة. والضوابط التي وضعت للتأكد من الرؤية الا تكون هناك غيوم كثيفة وأن يكون الميلاد بعد غروب الشمس، وعندما تراعى هذه الضوابط ستتوحد رؤية المسلمين جميعاً واذا خالف بعض الناس هذه الضوابط فحسابهم على الله. وأحب أن أشير الى أن هناك آلية علمية سوف تحسم كل هذا الخلاف، وهي مشروع القمر الصناعي الاسلامي الذي تبنته مصر ورصدت له الكثير من الأموال وأجريت حوله العديد من الأبحاث والدراسات وتم الاتفاق على تصنيعه مع احدى الشركات العالمية المتخصصة في صناعة الأقمار الصناعية ولكن لم يخرج هذا المشروع الى حيز التنفيذ بسبب الصعوبات المالية فهو يحتاج لرأس مال كبير. ونرجو أن تساهم فيه الدول العربية والاسلامية لأنه سيحقق الخير للمسلمين جميعاً، حيث لن يكون هناك مع وجود هذا القمر مجال للخلاف في بدايات الشهور العربية.

* بعض المرضى المسلمين يضطرون الى تناول بعض الأدوية الضرورية عن طريق الفم دون تناول ماء أو سوائل معها في نهار رمضان فما حكم صيامهم؟

ـ يقول الله تعالى «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياماً معدودات فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر». ومن هنا أجاز القرآن الكريم للمريض الذي يعجز عن الصيام الافطار بعد أخذ رأي الطبيب المسلم الأمين ويدفع الفدية. وبعض المرضى يأخذون بخاخة بها دواء عن طريق الفم فان الدواء يصل عن طريق الفم الى الجوف، وبالتالي يفسد الصيام واذا كان لا يصل منه شيء الى الجوف ولا تحتوي البخاخة على دواء وانما يكون اثرها لتوسيع القصبات الهوائية للمريض فقط فلا يفسد صومه. اما اذا تناول المريض أقراصاً أو شراباً عن طريق الأنف أو الفم أو أحد المنافذ الطبيعية للجسم فان صيامه فاسد ولكن أخذ الحقنة تحت الجلد لا تفطر.