وزير الداخلية الفرنسي ينجح في إنشاء مجلس لمسلمي فرنسا بعد محاولات إنشاء سابقة فاشلة

صهيب بن شيخ مفتي مسجد مارسيليا: المسلمون مسؤولون عن الصورة السيئة عن الإسلام في الغرب

TT

هل كان لا بد من وقوع أحداث 11 سبتمبر في أميركا حتى يتم الاتفاق على إنشاء مجلس تمثيلي لمسلمي فرنسا؟، أم أن نيكولا ساركوزي، وزير الداخلية الفرنسي، اضحى أنشط وأهم و«أذكى» وزير داخلية عرفته فرنسا في الأعوام الأخيرة، الأمر الذي مكّنه من تقريب مواقف «الاخوة الأعداء» في الدين الثاني في فرنسا ودفعهم إلى صرف النظر عن الخلافات التي أعطت صورة سيئة عنهم؟. كيف تأسس مجلسهم الذي طال انتظاره؟ من هي الأطراف التي وافقت على المشاركة؟ ماذا قال بعض المسؤولين والأئمة المعروفين في الأوساط الإسلامية المتناحرة؟ ما هو مستقبل المجلس؟ وهل يستطيع الصمود أمام الإشكالات القائمة والتحديات المقبلة الأعمق من الاتفاق الديني والرسمي السياسي؟ ماذا عن رد فعل الشارع الشعبي؟.

أسئلة أساسية تفرض نفسها على كل صحافي يحاول فهم الاتفاق المذكور بعيداً عن روح التهليل الاحتفالي والشكلي الذي طبع تصريحات بعض الذين وصفوا الاتفاق بالإنجاز «التاريخي». وكان من الطبيعي في هذا السياق «التبشيري» أن يسبق وزير الداخلية نيكولا ساركوزي الجميع ليصف الاتفاق بالصيغة المذكورة المعبرة عن انتصار سياسي كبير عمّق سلسلة الأهداف التي حققها اليمين الفرنسي بكافة حساسياته واتجاهاته على حساب اليسار الذي طرد من الحكم بطريقة شنيعة.

المجلس الذي أعلن عن ولادته أشهر وزراء الرئيس جاك شيراك ـ بعد أن غطى على رئيس الوزراء رافاران ـ يترأسه الدكتور دليل بوبكر عميد مسجد باريس ويضم المجلس الاتحادات الإسلامية الكبرى التي وقعت على بروتوكول اتفاق يوم العشرين من الشهر الماضي والمتمثلة في مسجد باريس القريب من الجزائر كما هو معروف عند العام والخاص والفيدرالية العامة لمسلمي فرنسا المدعوم من المغرب واتحادات المنظمات الإسلامية القريب من الاخوان المسلمين. والمعروف ان الاتحاد الاخير من انشط الحركات على الصعيد الفكري وما زال يعد مؤتمرها السنوي الذي تنظمه سنويا في ضاحية «البورجيه» بشرق باريس من أهم اللقاءات الإسلامية التي لا يكتفي اصحابها بالدعوة الدينية الضيقة المفهوم والأهداف.

لتأسيس المجلس التمثيلي لمسلمي فرنسا الذي يعد ثمرة عدة شهور من العمل المضني والطويل جدا، على حد تصريح وزير الداخلية لوسائل الإعلام العربية والفرنسية والأجنبية، التقى خلال يومين ممثلو سبعة اتحادات وخمسة مساجد وست شخصيات دينية وفكرية تعد الأكثر تأهيلا وكفاءة في الاوساط الإسلامية بفرنسا، وكان ابرزهم الدكتور صهيب بن شيخ، مفتي مسجد مارسيليا وابن الشيخ عباس، العميد السابق لمسجد باريس، والمعروف عن الدكتور بن شيخ اعتداله ومناهضته للإسلاميين المتشددين، وسبق له أن صرح ان المسلمين هم المسؤولون عن الصورة السيئة التي اعطوها عن الإسلام وليس المسؤولين الفرنسيين، ويعد صهيب ،المدلل في الإعلام الفرنسي، نقيض الفيلسوف والمفكر طارق رمضان، النجم الساطع في اوساط الشباب المسلم الرافض لكل اشكال الاحتواء السياسي الرسمي والتدجين الثقافي المعادي لمصالح المسلمين وللخلط المقصود بين الاسلام السياسي والاسلام والذي تزايد بحدة منذ حوادث الحادي عشر من سبتمبر.

وكان الدكتور صهيب بن شيخ من الشخصيات الاولى التي باركت ولادة المجلس الفرنسي لتمثيل المسلمين، ولم يتردد صهيب في استعمال نفس تعبير وزير الداخلية ساركوزي، بقوله ان ولادة المجلس تعد انجازا تاريخيا مكن مختلف الحساسيات الاسلامية المتصارعة من توحيد موقفها بهدف تمثيل الاسلام في فرنسا على الرغم من تصادم المشارب والمصالح على حد تعبيره. الانجاز التاريخي المذكور ولد هشا كما كان منتظرا ـ الأمر الذي يسعد اعداءه ـ ومن باب النزاهة الادبية والاخلاقية لم يحاول الدكتور بن شيخ اخفاء امكانية تعرض المجلس الحامل لبذور سقوطه لانتكاسة لا تخدم المسلمين، ودعا الى العمل قدر المستطاع للحفاظ على التوازن الحرج حتى وإن كانت حصيلة المجلس الجديد لا تعبر عن نسبة كافية من القبول والاجماع والاقتناع: «ان ولادة المجلس ما هي إلا بداية عمل كبير وشاق يتطلب مشاركة وعمل وتضامن الجميع».

وفسر الدكتور بن شيخ ولادة المجلس ـ كما فعل البعض الآخر في حديثه عن محاربة وزير الداخلية لظاهرة العنف أو اللاأمن ـ بشخصية الوزير اليهودي المجري الاصل الذي انفرد من البداية عن اسلافه شارل باسكوا وجان لوبيه دوبريه وجان بيار شيفمان ـ بأسلوبه الخاص: «لقد فاجأنا الوزير ساركوزي باجتهاده وبانفتاحه، خلافا لما شاع عنه كما كنا نعتقد انه يحاذي اليمين المتطرف ويعادي الاجانب والاسلام».

من جهته، تحدث محمد البشاري رئيس الفيدرالية العامة لمسلمي فرنسا عن الاتفاق الذي ادى الى ولادة المجلس الفرنسي، فقال إنه يضمن لكل الاتجاهات الاسلامية وجودا فعليا داخل الجهاز التنفيذي للمجلس وسيعمل المجلس، حسب البشاري المغربي الاصل، وفق نظام ديمقراطي وسيكلف برئاسة نيابة المجلس الى جانب فؤاد العلوي رئيس اتحاد المنظمات الاسلامية في فرنسا المغربي الأصل ايضا.

البشاري الذي تحدث متفائلا بمستقبل المجلس أكثر من الدكتور بن شيخ «من وجهة نظر علماء التحليل السيميائي أو علم الاشارات»، لم يشر إلى الهشاشة المبدئية التي طبعت ولادة المجلس، كما ركز الدكتور بن شيخ وألح على مدى التزام الاطراف الموقعة على الاتفاق بعملية التصويت الديمقراطي الذي سيحدد طبيعة اتجاه التمثيل الاسلامي في فرنسا، لا سيما ان وزارة الداخلية ـ كما قال ـ بذلت مجهودات كبيرة لتقريب وجهات نظر الاطراف المشاركة، والتزمت هي الاخرى بالسهر على التمثيل الديمقراطي وعلى الرعاية المحايدة باعتبارها ملاحظا اساسيا في العملية الانتخابية المفتوحة على حظوظ كبيرة على حد تعبيره.

«الشرق الأوسط» التي سبق ان عرفت بموقف الدكتور دليل بوبكر من واقع الجالية الاسلامية في فرنسا نزلت إلى القاعدة المسلمة وحاولت معرفة آراء بعض المهاجرين الذين يقطنون الضواحي الفرنسية التي اضحت مرادفة منذ الحادي عشر من سبتمبر للتطرف والإرهاب.

ويرى بعض الطلبة المسلمين في فرنسا ان ساركوزي ينفرد بشخصية متميزة، لكن هذا لا يعني انها كانت العامل المحدد والحاسم في ظهور المجلس، والقضية اعمق من ذلك بكثير، وهي تصب في مجرى معطيات عالمية وفرنسية تفسر المصلحة السياسية المتقاسمة بين اطراف يتهددها الارهاب. ومن شأن المجلس الفرنسي التعبير عن واقع اسلامي تابع بالضرورة لجهات خارجية، لكن لا يمثل خطراً على فرنسا ولا على القوى الأوروبية.

في «برباس» الحي التجاري الجزائري بامتياز، لم يظهر الناس اهتماما بولادة هذا المجلس الذي تعرفوا عليه بالمصادفة لحظة استماعهم إلى اذاعتي «بور افم» و«اذاعة الشرق» باعتبارهما اشهر الاذاعات العربية الملبية لبعض طلبات المهاجرين كتقديم الاعلانات والاستعانة بالمشعوذين لحل مشكلاتهم الاجتماعية والعاطفية مجاناً والاستمتاع بالأغنيات الشرقية بوجه عام وبالأغنيات العصرية الخفيفة بوجه خاص. التجار الذين حاولنا التحدث إليهم اجمعوا بدورهم على شكلية المجلس بسبب عدم ثقتهم في مسجد باريس أساسا المحسوب على الجزائر، كما يعتقدون، وساءهم أن يتم الخلط بين مسلمين لا يمتون بصلة للإرهاب وآخرين يعبرون أكثر عن سخطهم للتعجرف الأميركي وللظلم الإسرائيلي.

في موقع آخر من الضواحي المهمشة التي يريد أن يعيد إليها وزير الداخلية القانون بعد ان غُيب لعدة أعوام بسبب التهاون اليساري، اكد لنا مهاجرون من مختلف الجنسيات العربية ان مجلس تمثيل المسلمين لا يمكن ان يصمد امام التحديات العربية القادمة ومنها الحرب المرتقبة ضد الشعب العراقي باسم القضاء على نظام صدام حسين الديكتاتوري العربي الوحيد الحائز على أسلحة الدمار الشامل في نظر واشنطن، ماذا عن إسرائيل؟، سؤال طرحه علينا طالب يسكن ضاحية مهمشة هو الآخر، ماذا سيفعل مجلس تمثيل المسلمين حيال تجاوزات ما زالت تتم يومياً ضد المهاجرين المسلمين في مواقع العمل بأشكال لا يمكن محاربتها لأنها متجذرة في الذاكرة الاستعمارية؟، سؤال آخر طرحه علينا مهاجر آخر لم نحاول معرفة موقعه الاجتماعي ما دام لا يضيف شيئاً لأهمية السؤال.