المسلمون بين الفهم القاصر للإسلام وفشلهم في تبليغ الدعوة

سليمان العبد الهادي *

TT

الجيل الحالي من المسلمين يعاني من ضحالة المعرفة بأركان الإسلام وأساسياته. فلا يكاد الواحد منا اليوم يفقه ابسط تعاليم دينه. فإذا وجدت هذه المعرفة فهي منقوصة ومشوشة وهي تبدو نتفاً كرقع الثوب البالي لا يربط بينها رابط. فلا يكاد الواحد منا يدرك معنى الشهادتين، ولا معنى الصلاة ولا الزكاة ولا الصوم ولا الحج. وحتى لو أدى المسلم هذه الأركان فلا يكاد يحسن منها الا الشيء القليل. فإذا كان هذا هو حالنا مع الاسس الضرورية للإسلام فما هو نصيبنا من فهم الجزئيات الاصغر. فالترتيب من حيث الاهمية أي درجات الفرض والواجب.. الخ. نزولا الى درجات المستحب والمندوب والاستحسان والاستصحاب. فالبعض قد لا يكون قد سمع بها قط. ويحق للمرء ان يتساءل عن اسباب ذلك.

لا شك ان ذلك نتاج طبيعي لأسلوب تعلم وتعليم منقوص. ويقول المثل «فاقد الشيء لا يعطيه»، فشخص بهذه المواصفات لا يمكن ان يقوم بتبليغ دعوة الإسلام التي هي فرض على كل مسلم (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) الحديث، وفي رواية أخرى (خير من الدنيا وما فيها). فما بالنا نقرأ القرآن فلا نفهم معانيه. لا نعرف اسباب نزول الآيات، ولا وقت نزولها ولا مكان نزولها وإذا قرأنا الاحاديث النبوية الشريفة تجدنا لا نعرف المعنى المقصود. واحيانا يطرح علينا ابناؤنا اسئلة بسيطة عن اساسيات الدين فلا نستطيع الاجابة عليها فنحيلها الى العلماء والمشايخ فنشغلهم بمسائل كان ينبغي ان نفهمها نحن. فإلى متى يظل هذا الجهل يطبق علينا؟

لا شك ان الله سبحانه وتعالى ارسل الرسول (صلى الله عليه وسلم) رحمة للعالمين وهادياً ومبشراً ونذيراً. وقبل البعثة أعد الله نبيه إعداداً خاصاً يليق بعظم المهمة التي اختاره لها. وأنزل عليه القرآن لبيان رسالة الإسلام للناس كافة.

نرى ان ازالة جهلنا ومن ثم تحسين فهمنا للقرآن والسنة والإسلام بصفة عامة، يمكن ان يكون بالعودة الى دراسة السيرة وتتبع مراحل حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم) من قبل بعثته مروراً بكل لحظة من لحظات حياته وسلوكه خلال اليوم والليلة، ليس مروراً خاطفاً سريعاً مركزين على الاحداث العظيمة فقط كالغزوات مثلاً، وإنما مرور اقتداء بسنته التي ترويها السيرة العطرة عملاً وقولاً وتوجيهاً. ومن خلال تلك الدراسة التي يجب ان تكون الزاد اليومي لكل واحد منا، نستطيع التعرف على أوقات وأماكن وأسباب نزول آيات القرآن الكريم، التي ما نزلت مفرقة الا لمعالجة الاحداث في حينها، من أجل التثبيت والتأييد.

وهكذا نتدرج في ترتيب واعادة صياغة فهمنا ونتمكن من ربط الاجزاء المتناثرة داخل ذاكرتنا ربطاً يؤدي الى فهم جديد ونستطيع ان نملأ الفجوات التي تمنع حدوث التسلسل المنطقي في عقولنا. ونستطيع كذلك فهم تلك الكلمات والمفردات اللغوية التي نراها غريبة ونشعر احيانا عند طرحها علينا بالدهشة والحرج الشديد مع ان القرآن وتفسيره بين ظهرانينا. ولعل قراءتنا للقرآن الكريم بل وحفظ بعضنا له ولله الحمد، دون ربط ذلك ربطاً محكماً بأحداث السيرة النبوية هو الذي أوجد تلك الفجوة الكبيرة في فهمنا للدين والتي تزداد اتساعاً كل يوم مما جعلنا نبدو غرباء عن ديننا.

وسوف تتيح لنا دراستنا للسيرة النبوية دراسة متأنية ان نستجلي ما أشكل علينا من معاني الاحاديث النبوية الشريفة وهي السنة المكملة للتشريع، وهي ايضا وردت في سياق احداث السيرة المترابطة من حيث طبيعتها، ولكنها تبدو مبعثرة في اذهاننا، وهناك فائدة أخرى نحصل عليها عن طريق عودتنا لدراسة سيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) دراسة مستفيضة، ألا وهي امكانية فهم الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم الذي يشكل معضلة كبيرة في اذهان الكثيرين منا حتى يكادوا يظنون وجود تناقض في بعض آيات القرآن الكريم.

ونود ان نشير الى وجود ترجمات لمعاني القرآن الكريم تميل الى الحرفية كثيراً. فإذا كنا نحن العرب لا نستطيع فهم اساسيات ديننا بسبب ما ورد ذكره سابقاً فكيف بمن لا يعرف العربية ان يفهم القرآن بل الإسلام كله من خلال ترجمة منقولة من العربية غير مربوطة بالتسلسل المنطقي التاريخي لأحداث السيرة النبوية.

وبعد العودة المتأنية الى السيرة النبوية نتمكن بإذن الله من عرض الدعوة على الآخرين عرضاً وافياً مرتباً متدرجاً وفقاً لطبيعة المدعو وفهمه دون الانتقال به بسرعة فائقة إلى الامام وإلى الوراء في تذبذب وقصور فهم اصبح سمة مكتسبة لدينا، فلا ينبغي ان ننقلها الى الآخرين ونظن انها هي الصواب الذي لا يقبل النقاش أو الحوار.

ونستطيع من خلال الولوج الى بواطن الامور في السيرة العطرة للرسول (صلى الله عليه وسلم) ان نبرز عظمة الاسلام وقيمه وتعاليمه السمحة التي نفتقر اليها في حاضرنا، ونتمثلها تطبيقاً وفهماً، فعندئذ نقيم الحجة على من يجادلنا أو يعادينا، لا سيما ان كثيراً من خصومنا يثيرون الشبهات الواهية في حقيقتها ولكننا نعجز عن الرد عليها بسبب فهمنا القاصر للإسلام.

ولا يظنن أحد ان هذا الامر ليس بعاجل، كلا، بل هو من الاهمية بحيث يجب ان نشرع فيه اليوم قبل الغد. فهل يا ترى سنبدأ فوراً أم نتجاهله كما تجاهلنا أموراً كثيرة فنزداد بعداً عن ديننا وجهلاً بأموره.

* نائب رئيس الغرفة التجارية الفرنسية لدول الشرق الأدنى والأوسط