حافلات الحجاج تقطع 120 كيلومترا لتصل إلى مكة المكرمة

مدينة الحجاج خيمة كبيرة أشبه بخارطة العالم * القادمون للحج لأول مرة يظنون أن مكة قريبة من المطار وقبر الرسول بجوار الكعبة!

TT

«أين الحرم أريد أن أرى الكعبة المشرفة»، بهذه الكلمات خرجت نظيرة بيجم، الحاجة القادمة من الهند برفقة ابنها، من صالة الركاب، حينما هبطت طائرة تابعة للخطوط الهندية، وهي تحمل على متنها الحجاج القادمين لأداء فريضة الحج لهذا العام، في مدينة الحجاج في مطار الملك عبد العزيز بجدة.

وكان أول شيء نطقت به نظيرة بيجم وهي تلتفت يميناً وشمالاً وتقول «أريد أن أرى الحرم، أين الكعبة». وعندما سألها موظف الأمن الذي يشرف على استقبال الضيوف وتوجيههم إلى صالة الحجاج، كانت إجابة بيجم وهي تحرك يديها في علامة البحث عن المكان، وهي تقول: «لقد قطعت مسافات طويلة وبقيت سنوات لكي أجمع المبلغ الخاص للحج»، اعتقدت بيجم، أن الحرم المكي والكعبة المشرفة على بُعد أمتار من المطار.

وفي مدينة الحجاج، وهو المطار المخصص لاستقبال الرحلات القادمة من الخارج، لشركات طيران أجنبية، يعتقد الكثير من الحجاج، خاصة كبار السن القادمين من دول جنوب شرقي آسيا مثل الهند وباكستان، وكذلك حجاج بعض الدول الافريقية وحتى من دول أوروبية، ان مكة المكرمة والحرم المكي الشريف، وايضا المسجد النبوي الشريف مدينتان متجاورتان يمكن مشاهدتهما من خلال نافذة الطائرة أو الوصول إليهما بعد الخروج من صالة الركاب في المدينة مباشرة. ومدينة الحجاج الواقعة في شمال جدة، تبعد عن مكة المكرمة 110 كيلومترات، ومع ذلك لا يعرف الكثيرون هذه المسافة، ولهذا فإنهم حينما يصعدون إلى الحافلات التي تتولى نقلهم، شركات نقل الحجاج التابعة للنقابة العامة للسيارات، تبقى أعينهم شاخصة تجاه النافذة لعلهم يشاهدون الحرم أو أجزاء من الكعبة المشرفة.

قال نور إلهي، وهو ابن السيدة نظيرة بيجم 80 عاما: إن والدتي ظلت سنوات وهي تنتظر الفرصة لكي تشاهد المسجد الحرام، وأيضا لتؤدي الفريضة واستغرق منها أكثر من 40 عاما لجمع 180 ألف روبية (الدولار 68 روبية) حتى أتيحت لها فرصة الحج. ونور الذي يعمل في كشك صغير في «كلكتا»، إحدى المدن الصغيرة في الهند، ويعيش مع أفراد أسرته المكونة من أم عجوز وزوجة وسبع بنات وابنين، وما يكسبه من خلال المحل الصغير بالكاد يكفيه وأسرته، ويقول نور إن والدته اضطرت إلى بيع مزرعة صغيرة في مدينة «لكنهو» لتتمكن من أداء الفريضة برفقة ابنها.

وكثير من الحجاج، خاصة الأميين وكبار السن الذين يأتون من دول يكون فيها المسلمون أقلية أو من قرى بعيدة ونائية، لا تكون لديهم معلومات كافية عن الحج، هكذا يقول صالح سراج جاوا، حيث يعمل ضمن فريق لمكتب الوكلاء الموحد في استقبال الحجاج ومن ثم ترحيلهم عبر الحافلات الى منفذ استقبال الحجاج على الطريق السريع عند مدخل مكة المكرمة. ويضيف سراج، الذي يتحدث اللغة الأردية وايضا الانجليزية، وهؤلاء الشباب، تستعين بهم مؤسسات الطوافة للعمل كمترجمين لتسهيل مهمة التحدث مع الحجاج ومعرفة متطلباتهم، وغيرها من القطاعات الأخرى التي لها علاقة بالحج.

وفي مدينة الحجاج التي تشبه في تصميمها خيمة كبيرة صنعت من مادة الفايبر جلاس، حيث تم تقسيم مناطق بحسب الجنسيات، فهناك موقع للحجاج الإيرانيين وآخر للعراقيين، ودول عربية وآسيوية.

وقال سراج، إن المشكلة التي تواجه المرشدين والعاملين في الحج هي الضياع المفاجئ للحجاج داخل المدينة بعد دخولهم صالة المدينة، ما يصعّب عملية البحث من بين الآلاف من الحجاج الموجودين في الصالة الكبيرة نفسها. وفي مواجهة الصالات يجلس موظفون من وزارة الدعوة والارشاد لتوزيع كتب وأشرطة عن كيفية أداء الفريضة وطريقة لبس الإحرام، ويجيبون عن أسئلة الحجاج الذين يسألون عن الأمور الدينية، والشيء اللافت هو أن هؤلاء العاملين ايضا لديهم القدرة على الفهم والإجابة بلغات الحجاج. يقول عبد الرحيم بخاري، وهو موظف في وزارة الشؤون الدينية والأوقاف والدعوة والارشاد: عملي مؤقت في الموسم ولمدة لا تزيد على 45 يوما، ومهمتي توزيع أشرطة الكاسيت المترجمة لعدة لغات وكتب أدعية.

ومدينة الحجاج تبقى مستيقظة على مدار الساعة، لأنها موعودة برحلات الطائرات التي لا تقف الحركة فيها، وحسب مسؤولين في المطار، فإن عدد الرحلات التي تستقبلها المدينة في اليوم يتجاوز 40 رحلة لشركات طيران أجنبية، فضلا عن طيران الخطوط السعودية، التي كانت قد وقعت عقداً مع «طابونج حج» منظمة الحج الماليزية، يتمثل في نقل 45 ألف حاج هذا العام، ويعتقد الدكتور خالد بن بكر، مدير عام الخطوط السعودية، أن العقد يمثل العدد نفسه بالنسبة للعام الماضي وليس أقل كما يتوقعه البعض، كما يتوقع أن تنقل «السعودية» أكثر من 850 ألف حاج هذا الموسم.

ورحلة الذهاب إلى الديار المقدسة تستغرق أكثر من ساعة تعبر خلالها الحافلات المتجهة من مدينة الحجاج وهي تبعد عن مطار الملك عبد العزيز الدولي 22 كيلومترا، وتغلق هذه المدينة بعد انتهاء موسم الحج مباشرة ولا تسمح السلطات السعودية لأي أشخاص لا علاقة لهم بالحج بالدخول اليها، كما أنه من الصعب خروج أي حاج إلا عبر الحافلات الخاصة بنقل الحجاج، وتقطع الطريق إلى مكة المكرمة، حيث تتوقف قبل الدخول إلى مكة المكرمة بنحو 20 كيلومترا، في مركز استقبال الحجاج ومن هناك يتم توجيههم إلى مكاتب الطوافة الأهلية، بعد استراحتهم لبعض الوقت.

وخشية من الضياع داخل الحرم يحذر المطوفون حجاجهم بضرورة التعرف على بعضهم، فإما بربط مؤخرة الإحرام مع زميل آخر، أو ربط قطعة القماش التي توضع على الرأس بالنسبة للسيدات في ما بينها.

وأوضح عبد القادر عبد الرحيم مليباري، وهو مطوف، أن الكثير من الحجاج تبهرهم المشاهد الروحانية، خاصة الكعبة المشرفة، وبالتحديد أولئك الذين يأتون لأول مرة، فتأخذهم الرهبة والخوف والسكينة، فينسون أنفسهم، ولهذا يضيعون، لكن ـ والحديث لعبد القادر ـ أن العديد من المطوفين يرسلون مع مجموعة واحدة من الحجاج أكثر من مندوب ومرافق للحفاظ على الحجاج من عدم الضياع.