ندوة الإيسيسكو في الشارقة تدعو إلى تعميق ثقافة حقوق الإنسان من منظور إسلامي

TT

لم تمنع الظروف الإقليمية والدولية الدقيقة التي يمر بها العالم، المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو)، من تنظيم ندوة دولية في الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، حول موضوع «الرؤية الثقافية الإسلامية إلى معالجة قضايا حقوق الإنسان»، بالتعاون مع جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، ودائرة الثقافة والإعلام في حكومة الشارقة، لسببين اثنين: أولهما أن موعد الندوة كان مبرمجاً منذ أشهر، وثانيهما أن موضوع الندوة يُعد من موضوعات الساعة التي تستقطب اهتمامات الرأي العام في العالم الإسلامي وفي العالم بأسره.

وعقدت الندوة في قصر الثقافة بالشارقة تحت رعاية الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة. وحضر الندوة الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، والدكتور حمد عبد الرحمن المدفع، وزير الصحة الإماراتي، والشيخ عبد الله بن سالم القاسمي، رئيس الديوان الأميري، والشيخ عصام بن صقر القاسمي، رئيس دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، وإبراهيم الربو مندوب جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، وعدد من المفكرين والاكاديميين والحقوقيين وعلماء الشريعة الإسلامية وأساتذة الجامعات والمثقفين ورجال الإعلام والصحافة المهتمين بحقوق الإنسان.

واستهدفت الندوة تبيان العناصر الرئيسية المكوّنة للرؤية الثقافية الإسلامية، إلى معالجة قضايا حقوق الإنسان، وإبراز الخصوصيات والإضافات التي تميّز هذه الرؤية، وتوفير وثائق مرجعية للباحثين في ميدان حقوق الإنسان من وجهة نظر إسلامية، كما تسعى الندوة إلى تصحيح المفاهيم الخاطئة والمسيئة إلى الإسلام في هذا المجال. وارتكزت الندوة على مجموعة من المحاور تشمل مفهوم حقوق الإنسان، وعلاقة الحق بالحرية من منظور إسلامي، وخصائص الرؤية الإسلامية لهذه الحقوق ومزاياها، وحقوق الرجل والمرأة والآباء والأبناء، وحقوق الفئات ذوي الاحتياجات الخاصة كاللاجئين والمستضعفين والأقليات والمعاقين والمشردين.

وأبرز المدير العام للإيسيسكو في كلمة ألقاها في افتتاح الندوة، ان اهمية البحث في موضوع الرؤية الثقافية الإسلامية في معالجة قضايا حقوق الإنسان، تكمن في المضامين الإسلامية الرفيعة التي تتناول تلك الحقوق في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية المطهرة، كما تكمن هذه الأهمية، في الريادة التشريعية التي يمثلها التراث الإسلامي في تفصيل هذه الحقوق والدفاع عنها، بما يشمل تنظيم العلاقات الإنسانية وفق رؤية منصفة وعميقة، تتناول الجوانب الاجتماعية والثقافية والتربوية، وغيرها من جوانب الحياة الإنسانية التي تُعطي للإنسان حقوقه في الحياة الكريمة كاملة غير منقوصة، بدون أن تهمل تذكيره بواجباته فيها، وهو ما يمنح الإنسان الحرية والمسؤولية في آن واحد، ويجعل لخلافته في الأرض معنى سامياً، ركيزته الأخلاق، وضابطه العدل، وهدفه تضافر الجهود لإعمار الكون وحمايته من الفساد والظلم، وإظهار المعاني السامية التي هدف إليها الإسلام في قوله تعالى: «ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا».

وأوضح الدكتور التويجري ان الهدف من هذه الندوة هو تقديم هذه القيم والمفاهيم الإسلامية بأسلوب عصري، وفي لغات مختلفة يسهل بواسطتها تعريف الآخرين بمنظور الإسلام في هذا الشأن، لتتجلى أمامهم ملامح الخصوصية الحضارية والثقافية المتميزة التي تتمتع بها ثقافتنا الإسلامية، ولتظهر للعيان أوجه العلاقة بين هذه الخصائص، وبين نظائرها من التشريعات والمواثيق الدولية والإنسانية.

وأشار إلى أن الإيسيسكو تسعى مع الجهات المتعاونة إلى إغناء هذا الموضوع الذي يستأثر هذه الأيام باهتمام المجتمع الدولي، كما تسعى إلى الإجابة عن تساؤلاته المتوقعة أمام التشويه المتعمد من بعض الوسائل الإعلامية المغرضة عن حقيقة وجود منظومة إسلامية متكاملة لحقوق الإنسان، وعن أسلوب الإسلام في معالجتها، ونحن نأمل أن تجيب هذه الندوة وغيرها عن مثل هذه التساؤلات بما يمحو الصورة النمطية المحرفة التي يرسمها أولئك المغرضون للإسلام والمسلمين.

ثم ألقى إبراهيم الربو ممثل جمعية الدعوة الإسلامية العالمية كلمة حيا فيها الحضور وأشاد بجهود الشارقة وحاكمها في العناية بالثقافة العربية الإسلامية، وبالتعاون بين الجمعية والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة في أنشطة عديدة تهدف إلى خدمة الإسلام والمسلمين في بقاع شتى من العالم الإسلامي، مشيرا إلى جهود جمعية الدعوة الإسلامية في تعزيز الثقافة الإسلامية والحفاظ على هوية الأمة والدفاع عن انتمائها الحضاري، كما أكد أهمية الندوة ونوه بالتعاون الذي أبدته دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة في الإعداد لهذه الندوة المتعلقة بقضايا حقوق الإنسان في الإسلام.

وألقى بعد ذلك الشيخ عصام بن صقر القاسمي كلمة دائرة الثقافة والإعلام في حكومة الشارقة التي استهلها بتحية الحاضرين، وركز فيها على شكر الجهات المنظمة على تناولها لهذا الموضوع المهم، وأكد حرص حكومة الشارقة على رسالتها الثقافية التي دأبت على أدائها خدمة للإسلام والمسلمين، ورحب بالضيوف المشاركين وبإسهاماتهم العلمية في اعمال الندوة، منوها بأهمية هذه الندوة في ظل المتغيرات الراهنة حيث التبست المفاهيم وتداخلت الرؤى وأصبح البعض يروج لآراء مناقضة للجوهر الأصيل للإسلام. وأشار في كلمته إلى سماحة الدين الحنيف ضارباً المثل بديار الإسلام تاريخياً، حيث كانت تلك ملاذاً وملجأ للهاربين من الظلم والجور.

وجرت بعد ذلك جلسات العمل وفق الجدول المحدد، وتضمنت مناقشة المحاور الآتية: مفهوم حقوق الإنسان من المنظور الإسلامي وعلاقة الحق بالحرية، وخصائص مقومات الثقافة الإسلامية في معالجة قضايا حقوق الإنسان، وحقوق الرجل والمرأة في الإسلام، وحقوق الوالدين والأبناء من منظور إسلامي. ومن الحقوق الإنسانية في الإسلام (القرابة، الجوار، اليتامى، المساكين، أبناء السبيل)، وحقوق الفئات الخاصة (المعاقين، المشردين، المهمشين، العجزة)، والمقارنة بين خصوصية الثقافة الإسلامية في مجال حقوق الإنسان وغيرها من المواثيق والشرائع. واستناداً إلى المحاور المشار إليها، واصل المشاركون مناقشاتهم للمفاهيم والرؤى المرتبطة بالإسلام وحقوق الإنسان، وأكدوا شمولية المفهوم الإسلامي لهذه الحقوق، بحيث يصبح التكليف مكملا للسعي في الأرض والاستمتاع بخيراتها دونما إضرار بالآخرين أو تفضيل فئة منهم على بقية الفئات.

ووصل المشاركون في الندوة إلى توافق بضرورة توصيف الأدبيات الإسلامية حول هذا الموضوع وتصنيفها، مع العمل على نشرها وتعميمها، باعتبار أنه في مثل الظروف الراهنة أصبح لزاماً القيام بعدد من المبادرات الفكرية والثقافية لتوضيح المفهوم الإسلامي لحقوق الإنسان، على أن يتم توصيل هذه المبادرات عبر الإعلام والوسائط المتعددة، ويكون هدفها مخاطبة الآخر، خاصة الذين تلتبس لديهم الرؤية ولا يعرفون حقيقة الدين الإسلامي الحنيف.

وناقشت الندوة عشرين بحثاً، قدمها باحثون من مصر والمغرب والإمارات العربية المتحدة والبحرين والسنغال وليبيا والسعودية وتونس والأردن وسورية ولبنان وعُمان، وباحثون ينتمون إلى بعض الأقليات الإسلامية. ودعت الندوة في توصياتها العلماء والمفكرين المسلمين إلى مواصلة الدراسة والبحث في موضوع ثقافة حقوق الإنسان من منظور إسلامي، لجمع شذرات هذا الموضوع من مختلف المصادر والمراجع الإسلامية الموثوقة، على أن تتم في اجتماع قادم لهؤلاء العلماء، مناقشة المبادئ والأصول والتطبيقات الخاصة بقضايا حقوق الإنسان في الموروث الثقافي الإسلامي، والخروج بمنظور موحد لحقوق الإنسان في الإسلام. وحثت الندوة الجامعات والمؤسسات العلمية في البلدان الإسلامية، وكذلك المنظمات والهيئات الإسلامية المحلية والدولية، على جعل هذا الموضوع ضمن أولوياتها البحثية، وفي صدارة العناوين المطروقة في ندواتها ومؤتمراتها ومنشوراتها، تعريفاً بالمنظور الإسلامي لحقوق الإنسان، وتعزيزا للرؤية الثقافية الإسلامية في معالجة قضاياه.

وأكدت أهمية تعميق الدراسات القانونية والإسلامية في مجال المقارنة بين موقف الإسلام من حقوق الإنسان، وبين الإعلانات والمواثيق والعهود الدولية المتعلقة بهذا الموضوع، وتصحيح التصورات الخاطئة لحقوق الإنسان في الإسلام، من خلال مراجعة الموسوعات والكتب والدوريات التي تناولت هذا الموضوع، مع نشر هذه التصحيحات المهمة باللغات العالمية، في وسائط معلوماتية وقنوات إعلامية واسعة الانتشار. وشددت الندوة على وجوب تضمين مناهج التعليم ومقرراته معلومات كافية عن منظومة حقوق الإنسان في الإسلام وتطبيقاتها على مدى التاريخ الإسلامي، وتربية النشء على الوعي بتلك الحقوق والمواءمة بينها وبين الواجبات، لترشيد سلوكه وتقوية تمسكه بتلازم الحق والواجب.

وأوصت بالاستفادة من القنوات الفضائية في توسيع التعريف بالرؤية الثقافية الإسلامية لمعالجة قضايا حقوق الإنسان، بما يخدم الإنسان المسلم، ويعرّف بحقوقه المكفولة في الثقافة الإسلامية عالمياً، وبالاهتمام بالتراث الإسلامي الذي يكشف الرؤية الثقافية الإسلامية لحقوق الإنسان، وذلك بتحقيقه ودراسته، وتوظيف نتائج تلك الدراسة في بلورة المنظور الإسلامي العام لهذا الموضوع. كما أوصت الندوة بإنشاء مركز لدراسات حقوق الإنسان يتولى الاهتمام نظرياً بثقافة حقوق الإنسان في الإسلام، وعملياً بالتطبيقات الموافقة والمخالفة لهذا المنظور رصدا وتقييما ومعالجة.

وأكدت وجوب احترام الحقوق الأساسية للإنسان المسلم وغير المسلم داخل البلدان الإسلامية وفي البلدان التي ترعى أقليات وجاليات إسلامية، ومن بينها حقه في العيش بكرامة، وحماية نفسه وماله وضمان حرية انتقاله مع غيره من المسلمين في البلدان الأخرى. ودعت الندوة إلى إبراز حقوق الإنسان الأساسية في دساتير الدول الإسلامية وتشريعاتها ومعاملاتها والحرص على تطبيقها وحمايتها، وإلى وضع تشريعات مشتملة على لوائح وقوانين تنظم حقوق الفئات الخاصة، بما يضمن حفظ كرامتها ويسدّ حاجاتها.