تخفيض قوات حلف شمال الأطلسي يقلق البوسنيين من تعثر عمليات إعادة توطين المسلمين المهجرين

مستقبل المسلمين في البلقان بين التحرشات الصربية والمضايقات الدولية

TT

عاشت منطقة البلقان في الاشهر القليلة الماضية فصلا جديدا من التدافع، والحراك السياسي، والثقافي، والعسكري، وهو ما عكس التموجات التي تشهدها منذ اثنتي عشرة سنة مضت. ورغم توقيع اتفاقية دايتون في البوسنة، وقرار مجلس الامن بخصوص كوسوفو ومقدونيا، والعلاقة الجديدة بين صربيا والجبل الاسود اللتين لم يعد يجمع بينهما سوى وزارة خارجية فضفاضة، ووزارة للدفاع تكاد تكون خاصة بصربها، رغم ذلك كله لا تزال هناك فجوات كبيرة، وخروقات تحدث هنا وهناك لكل تلك الاتفاقات، خاصة في البوسنة، ومن قبل الصرب في بلغراد. فلا يوجد امن للعائدين المسلمين لديارهم، ولا التزام بالتعهدات الدولية التي قطعها الصرب على انفسهم، لا سيما اعتقال وتسليم المتهمين بارتكاب جرائم حرب. واحترام السيادة الترابية والحدود الدولية للبوسنة. وفي هذه الظروف اعلنت القوات الدولية عن تخفيض كبير في عدد قواتها العسكرية في البوسنة، فهل هي نذر الحرب، ام الاشارة الى تغاضي القوات الدولية عن مبدأ اعتقال مجرمي الحرب، أم مجرد تقليل من النفقات وتوفيرها لحرب محتملة في مناطق اخرى، ودليل على انتشار الامن والسلام في البوسنة.

واعلنت القوات الدولية العاملة في البوسنة والهرسك «إس فور» التابعة لحلف شمال الاطلسي عن تخفيض كبير في عدد قواتها العاملة في البوسنة. وقالت مصادر القوات الدولية انه «بداية من شهر يناير (كانون الثاني) الحالي لم يبق في البوسنة سوى 12 الف جندي تابعين لحلف شمال الاطلسي»، وكان الحلف قد ارسل 60 الف جندي للبوسنة سنة 1996، من بينهم 20 الف جندي من الولايات المتحدة الاميركية. وفي سنة 1999، بدأ العدد التنازلي لعدد الجنود الدوليين في البوسنة حتى بلغ العام الماضي 17 الفا فقط. وبعد سبع سنوات من الوجود العسكري الاميركي الكثيف في البوسنة لم يبق في البوسنة سوى 1800 جندي اميركي. ويشارك في مهمة الحلف العسكرية من البوسنة جنود من عدة دول غير اطلسية، فالى جانب الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي وتركيا توجد قوات روسية وسلوفينية واوكرانية. من جهته قال الجنرال وليام وارد قائد القوات الدولية في البوسنة (اميركي) «تخفيض القوات الدولية العاملة في البوسنة رمز للنجاح الذي حققته قوات «إس فور» التي حققت اهدافها، ولكنه هام ايضا بالنسبة للسكان في البوسنة والهرسك»، واشاد بقوات «المارينز» التي وصفها بأنها كانت في مستوى المهمة التي انيطت بها. وتخشى جهات عديدة في البوسنة من تأثير عمليات التخفيض المستمرة في عدد القوات الدولية، في ضياع فرصة اعتقال المتهمين بارتكاب جرائم حرب في البوسنة والهرسك.

ويخشى المراقبون من تعثر عمليات اعادة توطين المهجرين، وتوحيد وزارتي الدفاع والداخلية في البوسنة، في حال اصبح الوجود العسكري لحلف شمال الاطلسي رمزيا بعد الثقل الذي مثله في السنوات الماضية على الصعد السياسية، والعسكرية والامنية. كما تأتي عملية تخفيض عدد القوات الدولية في البوسنة في الوقت الذي جدد فيه صرب البوسنة رفضهم الاستجابة لطلب اللورد روبرتسون الامين العام لحلف شمال الاطلسي، بضرورة توحيد وزارتي الدفاع في البوسنة في كل من القطاع الصربي في البوسنة، والفيدرالية البوشناقية الكرواتية. كما تزامنت مع تصريحات لرئيس وزراء صربيا الراحل زوران دجنجيتش ذكر فيها ان «استقلال كوسوفو سيعيد النظر في مستقبل البوسنة»، مشيرا الى امكانية تقسيم البوسنة وضم الجزء الذي يسيطر عليه الصرب منها الى صربيا، ورغم ان عضو مجلس الرئاسة الصربي ميروكو شاروفيتش قد اعتبر «تغيير الحدود الدولية لعبا بالنار» و «صعب التحقيق» الا ان جهات دولية، وبوسنية رأت فيه تهديدا للاستقرار، وعودة لمربع الرئيس اليوغسلافي السابق «سلوبودان ميلوسوفيتش».

ودفعت تصريحات دجنجيتش الى اعلان خافيير سولانا المنسق الاوروبي للشؤون الامنية والعلاقات الخارجية بالاتحاد الاوروبي لزيارة البوسنة، ورفض سولانا التصريحات التي ادلى بها زوران دجنجيتش لصحيفة «دير شبيغل» الالمانية والتي ذكر فيها بأن «خسارة صربيا لكوسوفو ستكون على حساب البوسنة والهرسك، وتستوجب عقد مؤتمر دولي جديد حول البلقان». وقالت كريستينا غالياك الناطقة باسم خافيير سولانا لا توجد اي ضرورة لعقد مؤتمر دولي جديد لتغيير الحدود في البلقان. واضافت لا توجد اي علاقة بين الوضع في كوسوفو واي دولة مستقلة في المنطقة. واعربت عن امتعاض خافيير سولانا من التصريحات التي ادلى بها زوران دجنجيتش لصحيفة المانية. ونفت ان تكون هناك اي اشارات دولية بنى عليها دجنجيتش تصريحاته وقالت «الموقف الدولي واضح وهو لا تغيير في الحدود الدولية داخل البلقان». وتعد تصريحات زوران دجنجيتش الثالثة التي تحدث فيها عن تسوية في كوسوفو على حساب البوسنة بضم اجزاء منها لصربيا. ومن المتوقع ان يصل خافيير سولانا الى سراييفو لزيارة البعثة الامنية للاتحاد الاوروبي، كما انه من المتوقع ان يرد على تصريحات رئيس الوزراء الصربي زوران دجنجيتش في مؤتمر صحافي يعقده بالعاصمة البوسنية سراييفو.

ومن جهته استهجن الرئيس البوسني سليمان تيهيتش تصريحات رئيس الوزراء الصربي وطالب الحكومة اليوغوسلافية بالتبرؤ من تصريحاته والتعليق على جاء فيها بما يخدم حسن الجوار ويتماشى والاتفاقات الموقعة بين الطرفين. وقال «تصريحات رئيس الوزراء الصربي دجنجيتش، اعتداء صارخ على دولة البوسنة والهرسك المستقلة والعضو في الامم المتحدة، وخرق لكل الاتفاقات الدولية والثنائية الموقعة من قبل الدول الكبرى والثنائية التي تمت بين سراييفو وبلغراد». وقال «هذه ليست المرة الاولى التي يطلق فيها دجنجيتش تصريحات معادية للبوسنة، ولذلك ننتظر من الحكومة اليوغوسلافية ردا عليها» وكشف عن ان مجلس الرئاسة البوسني سينعقد في اليومين المقبلين لاصدار بيان مشترك يشجب فيه تصريحات دجنجيتش ويدعو المجتمع الدولي للقيام بواجباته بهذا الخصوص، وقال المتحدث باسم الامم المتحدة في البوسنة «جوليان برايفايت» إن تصريحات دجنجيتش تعد خرقا لمبادئ الامم المتحدة، وتهديدا للسلام في المنطقة، وقال «صربيا ليست دولة ممثلة في الامم المتحدة، وانما يوغوسلافيا، بينما البوسنة دولة مستقلة ممثلة في الامم المتحدة، ولذلك لا ينبغي لكيان غير ممثل في الامم المتحدة ان يرسل رسائل خاطئة». واعتبرت عدة مصادر بوسنية وغيرها تصريحات دجنجيتش لا تخرج عن خطاب الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوسوفيتش، متهمة اياه بأنه يريد خوض حرب جديدة من اجل صربيا الكبرى على حساب البوسنة. وفتحت بعض المصادر ماضي رئيس وزراء صربيا وعلاقته بزعيم صرب البوسنة السابق رادوفان كراجيتش المتهم بارتكاب جرائم حرب. فيما اعتبرت المصادر الصربية ان دجنجيتش يحاول اعادة شعبيته بعد ان فقدها بعد تسليمه ميلوسوفيتش للاهاي مقابل مائة مليون دولار.

ومن حفظ السلام الى ترويع اهل السلام، هكذا يرى عدد كبير من مسلمي البلقان لا سيما البوسنيين والكوسوفيين الذين يتعرضون لقسوة القوات الدولية العاملة فيهما بعد المضايقات التي تعرض لها عدد من خيرة ابناء البلدين من قبل القوات الدولية، حيث ذكر ابو حمزة الناطق السابق باسم المقاتلين العرب في البوسنة ان «15 اسلاميا من العرب والبوسنيين اعلنوا الرحيل عن قرية قريبة من مدينة «بريتشكو» بالشمال البوسني بعد مضايقات تعرضوا لها من قبل القوات الدولية». وقال ابو حمزة «للفرقان» :القوات الدولية ومنذ شهر اكتوبر (تشرين الاول) الماضي تحاصر القرية، وتضايق سكانها وذلك بسبب اتهامها احد السكان وهو صباح الدين فليانين بأنه ينتمي لتنظيم القاعدة، وانه كان يتجسس عليها، ولا تزال تعتقله بالقاعدة الاميركية بشمال البوسنة والهرسك، وقال ابو حمزة «جميع الشباب الخمسة عشر متزوجون ولديهم ابناء وهو ما يرفع عدد افراد العائلات الى 60 فردا» وعن الجهة التي سيتوجه لها الافراد، اضاف: سيتوزعون في اماكن مختلفة، ويبدو ان القوات الدولية لا ترغب في رؤية الشباب المسلم متجمعا في مكان واحد، وهو ما حدث لشباب قرية بوتشينا الذين تم تفريقهم بطرق واساليب مختلفة، وقال لقد ارسل الشباب بيانا الى الشرطة البوسنية يفيد بأنهم سيتركون مساكنهم، للتخلص من مضايقات القوات الدولية التي كتمت انفاسهم وازعجتهم ليلا نهارا.

وعن الاتهامات التي وجهتها القوات الدولية لصباح الدين فليانين والمتعلقة بتنظيم القاعدة قال: لقد قالت لهم منظمات الدفاع عن حقوق الانسان، ومحامي المتهم، اذا كانت لديكم اي ادلة فيجب ان تقدموها لمحكمة شرعية تنظر فيها، ولكن يبدو ان القوات الدولية لا تعترف بقانون ولا بعرف، وهناك اسباب اخرى تدفعها للاحتفاظ بصباح الدين فليانين من بينها طلبها منه معلومات عن زملائه وعمن يعرف من المقاتلين العرب وغير ذلك من المعلومات الاستخبارية التي لا علاقة لها بقانون ولا حقوق انسان ولا غيرها من الممارسات الشرعية، واضاف: «يبدو ان صباح الدين لم يستجب لطلباتهم ولذلك استمروا في اعتقاله لاجباره على قول ما يرفض قوله» وعن دور الحكومة والشرطة البوسنيين قال «اذا كان الامر يتعلق بعمل القوات الدولية فلا حكومة ولا شرطة محلية، حيث يمكن لأي مسؤول او شرطي ان يفقد وظيفته في البوسنة اذا كان ليس على مزاج المسؤولين الدوليين».