معاون وزير الأوقاف السورية: الخطاب الإسلامي ضعيف والإشكالية في القائمين عليه

البعض يجير الإسلام لنفسه ويكفر الآخرين * التيار التجديدي هو تيار الغلو والجهالة * جمود الخطاب الديني وتخلفه يرجع للقائمين عليه

TT

يعاني الخطاب الإسلامي منذ سنوات طويلة من الضعف والترهل مما أثر على فاعلية هذا الخطاب في نفوس متلقيه في وقت تحتاج اليه الأمة الى خطاب اسلامي متوازن قائم على الحجة والبرهان يساهم في صياغة واقع الأمة ومستقبلها.

حول هذا الموضوع التقت «الشرق الأوسط» بالدكتور عبد الرزاق المؤنس معاون وزارة الأوقاف السورية.

* كونك أحد العاملين في مجال الخطاب الإسلامي كيف تقيم واقع الخطاب الإسلامي خلال المرحلة الماضية ؟

ـ الخطاب الإسلامي بطبيعته خطاب كامل فيه الجمال والحسن والحجة والبرهان والتناسب مع خلق الله روحياً وعقلياً من حيث التكريم البشري الذي يحتاج الى أن يتزيا بهذا الزي المنهجي المطلوب بحسن سلوكه وخلقه وسيره في تعامله مع بني البشر جميعاً دون تفضيل إلا بمعيار الإيجابية والعطاء. وحقيقة الإشكال التي حصلت كانت ليس في الخطاب وإنما في من يحمل هذا الخطاب الذي لم يتهيأ تماماً لحمل هذه الرسالة العالمية التي تتفق مع الحاجات البشرية في كل زمان ومكان. فمن يحمل هذا الخطاب ينبغي أن يكون على مستوى الكمال الذي عليه هذا الخطاب المتكامل وفي الفترة الماضية كان كثير من هؤلاء ليسوا على المستوى المطلوب.

* إذاً ترجع إخفاق الخطاب الديني في الوصول للمتلقين من القائمين عليه ؟

ـ لا شك الفشل ليس في الخطاب بل في القائمين عليه والحاملين له. وكان ينقص هؤلاء أن يتربوا على أيدي علماء أمناء على الأمة وعلى الحمل الصحيح لهذا الخطاب ليكونوا قدوة حسنة لمن حولهم، من حيث صدق اتباعهم واقتدائهم بنبيهم عليه الصلاة والسلام، ولو توفر في حامل هذا الخطاب الإخلاص وحب الرسالة والعناية النفسية والروحية لنجح الخطاب. وعلى القائم بالخطاب أن يتحلى بهذا الخطاب قولاً وفعلاً وأن يتفهمه تماماً ومشكلة من يتعاملون مع الخطاب الديني الآن هي الثقافة السطحية وثقافة الكلام فقط دون الممارسة الفعلية لما يقولون ويتعلمون ولهذا يأتي خطابهم غير مؤثر وغير ناجح.

* يقع المسلمون في حيرة من كثرة الخطابات الدينية المطروحة على الساحة وبعضها مغاير للآخر فأي خطاب إسلامي يحـــتاجه المسلمون الآن ؟

ـ فعلاً هناك حيرة وضياع من الكثير من المسلمين تجاه أي خطاب ينتقون لكثرة الضبابيات المختلفة التي تتحدث باسم الإسلام فكل خطاب يدعي أنه هو الأصل لذلك فأقول أن يبتدأ بالتعمق بمفاهيم القرآن والسنة النبوية والأحاديث الشريفة وكيفية معاملته لمن حوله من المسلمين وغير المسلمين وكيف كان يعامل أعداءه وعليهم اتباع خطابه عليه الصلاة والسلام لأنه هو النبع الأساس لكل من يريد التخلص من الحيرة التي وقعوا فيها جراء كثرة الخطابات المطروحة على الساحة.

* هل يعاني الخطاب الإسلامي من العجز ومن تحديات مواجهة الآخر؟

ـ لا يوجد شيء يتحرى الخطاب الديني الحقيقي لأنه مع الصدق ومع الوعي ومع العلم والحقيقة، وإنما الشيء الذي يعانيه هو الذين يمتثلون هذا الخطاب، حيث يدعي كل واحد منهم أنه يمتلك الحقيقة وربط هؤلاء الناس بأشخاصهم ولم يربطوهم بالأصل الديني لهذا الخطاب فأصبح الإسلام يعرف بالأشخاص. ونحن المسلمين لا يوجد عندنا رجال دين ولا يوجد أحد يتعبد باتباعه إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، فجميع هؤلاء تحت مظلة التشريع الإسلامي الحقيقي ولا يوجد أحد يستطيع أن يملي على الدين شيئا من آرائه لذلك فالمشكلة الخطيرة أننا عندما نتكلم بالخطاب الديني لا نتكلم عنه بحقيقته كما أنزله الله تعالى كريماً طيباً صادقاً معطاء حضارياً متطوراً وإنما المشكلة أننا ندخل آراءنا الشخصية فيه ونجعلها تتدخل في هذا الخطاب ونقول هذا هو الإسلام. حقيقة الخطاب الإسلامي الصحيح لا يعاني من العجز ومن التحديات، بل هو قوي ويخيف الآخرين. وللإعلام دور كبير في إيصال الخطاب الإسلامي للآخر وللأسف الإعلام العربي لا يزال عاجزاً عن القيام بهذه المهمة الآن.

* يواجه المسلمون خطابات اسلامية متنوعة المضمون بعضها اصلاحي وبعضها تجديدي وبعضها سلفي وبعضها متشدد. ألا يعيش المسلمون حرب خطاباتهم فيما بينهم؟

ـ الحقيقة هؤلاء خلطوا بين المقدمات والنتائج فجعلوا النتائج والغايات هي الوسائل، من حيث انهم قالوا اننا نتكلم في سبيل الإسلام وهذه الكلمة غاية استخدمت لوسيلة حيث أنها عطفت على أنفسهم من أجل تقوية بعض القضايا السياسية والمادية في حياتهم وبعض الانتماءات وهؤلاء لبسوا على الناس الخطاب الديني وأنا أدعو هؤلاء لإخلاص النية لله والتجرد من حظوظ نفسه ومصداقاً لحقيقة التوكل على الله وما يحدث بين هؤلاء من تفسيق لبعضهم قد تصل لحد التفكير فهي مشكلة خطيرة لأنه لا يجوز لأحد في الإسلام شرعاً أن يكفّر أحداً أو أن يتهمه بفجور أو فسق وللأسف لا زلنا نخلط بين الفاسق والفسق ينبغي أن نذم الفسق والفجور لا أن نذم الفاسق أو الفاجر وهي أخطاء للأسف نقع فيها تجاه بعضنا فنعامل المخالفين لنا بروح القسوة بل ينبغي معاملتهم برحمة وأخوة حتى نخلصهم من انحرافهم واخطائهم.

* هذا الخلاف وروح المشاهدة التي تحصل بينهم ألا تؤثر على نجاح الخطاب الإسلامي عموماً؟

ـ نعم، يؤثر سلباً وكل من يشاهد هذا الخلاف ودعوات التفسيق والتكفير التي يطلقها البعض تجاه الآخرين من غير المسلمين ستجعلهم يتوخون البعد عن الإسلام لأنهم لا يرغبون أن يصبحوا من إحدى التجمعات، خشية أن يصادروا أيضاً أمام هذه التيارات المتغيرة اللاهبة في سعيها لتفرض اسلاماً كما تريد. وفي الحقيقة.. ما هكذا الإسلام ولا هكذا يكون المسلمون. والله تعالى يقول لنبيه الكريم «فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمسيطر». فالدين لله وعلينا مسؤولية التبليغ فقط وأنا أقترح على هؤلاء المتحزبين لآرائهم أن يتركوا هذا المجال لأنهم يسيئون للإسلام بعملهم هذا لأن انتشار الإسلام لا يحتاج لمثل هؤلاء لكي يحتكروه لأنفسهم.

* ألا ترى أن هذه الخلافات وما ينتج عنها من تشنج البعض وتفسيق الآخرين مردها أننا لا نؤمن بالرأي الآخر مهما كان؟

ـ الرسول الكريم احترم الرأي الآخر والدين الإسلامي فتح لنا سبيل المحاورة. فقد حاور الله سبحانه وتعالى الملائكة عندما أنزل آدم الى الأرض، ولكن لماذا لا يحترم البعض الرأي الآخر؟ لأن البعض يريدون تجيير الحق لصالحهم وكأنهم يحتكرونه فقط وللأسف الكل يرى ان الصواب معه. والحل يكمن في الاتفاق على نقاط الخلاف وأن نحتكم للحقيقة وأن نصدق في أن نسلم عقولنا لها لا للآراء الشخصية وإذا فعلنا ذلك انتهى التشنج والخلاف وهذه الظاهرة ليست اسلامية ولم تكن موجودة عند السلف الصالح، والدين الإسلامي علمنا قبول الرأي الآخر وقال لنا «لا إكراه في الدين».

* لماذا يتجاهل هذا الخطاب واقع المسلمين ولا يزال يتحدث بنفس لغة القرون الماضية؟

ـ جمود الخطاب الديني وتخلفه يرجع للقائمين عليه، والقرآن دائماً يقول لنا «قل سيروا في الأرض فانظروا» فهو يدعونا للتطلع للأمام وكل النصوص تحثنا على أن نكون أمام الزمن لا أن نكون وراء الزمن فالمسلم الحقيقي ينبغي أن يفقه عصره وأهل عصره وينظر نظرة مستقبلية تقدمية. فيجب أن نهتم بالخطاب الديني برؤية شمولية لا من زاوية المحراب فقط فالمحراب والعبادة هي عبارة عن منطلقات لأجل أن نمارس حقيقة الدين في سلوكنا الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والعلمي والتربوي وفي الحياة العامة.

* لماذا لا يزال بعض الناس ينفرون من الخطاب الديني الموجه لهم؟

ـ لأن الذين يمثلون الخطاب الديني لم يكونوا محبذين من خلال أقوالهم وشخصياتهم ولأن كثيراً من هذه الخطابات كانت تدعوهم للزهد بالدنيا وأنها عالم الغرور وكأن الحياة الدنيا لا تعنينا نحن المسلمين.

* تيار الخطاب الديني التجديدي ينظر إليه بعين الريبة وكذلك إلى الفتاوى الدينية الصادرة منهم، كيف تنظرون لهذا التيار الجديد على الساحة الإسلامية؟

ـ الواقع لا يوجد في الإسلام تيار محافظ وآخر مجدد وإنما هو تيار متجدد متطور على تأجيل ما عليه أمر الإسلام والحديث الشريف يقول «إن الله ليبعث على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها» والتجديد لا يعني الإلغاء بل إزالة ما علق على هذا الدين من شوائب تسمى أحياناً حزبيات وتجمعات وتيارات، فيجدد الخطاب الديني على الطريقة التي تناسب العصر. والحقيقة التجديد لا يكون في جعل النصوص القطعية نصوصا ظنية أو العكس والتجديد هو الإظهار لما هو ثابت قطعاً وما هو متفق مع روح الشرع ونصوص التشريع وهو ليس أن أدخل على الإسلام شيئاً يلغي أحكاماً فقهية قطعية في الدين لا تحتاج الى تأويل. وهؤلاء الذين يسمون أنفسهم مجددين هم من أصحاب الغلو والبطل والجهالة ولو قرأوا اللغة العربية ومدلولاتها لعرفوا آيات الربا ماذا تعني ولعرفوا آيات الحجاب على ماذا تدل، هؤلاء ليس لهم أن يحللوا أو أن يحرموا، ولكن للأسف الآن الكل ينصب نفسه مفتياً والفتوى الحقيقية هي ما تتفق مع متطلبات البشر ومقتضيات العصر من غير أن تلوي عنق النص.

* هل تعتقدون بأن المسلمين بحاجة إلى خطاب ديني جديد وما هي المعالم الجديدة التي ترتأونها لهذا الخطاب؟

ـ في ظل الأوضاع التي نمر بها أدعو المسلمين للتمسك بدينهم والإعتزاز به وأن يكونوا قدوة للعالمين والله تعالى قال لموسى وهارون «فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى» فأمرهما بضرورة مخاطبة ذلك الطاغية باللين ونحن أولى أن نخاطب الناس بالقول اللين والمقنع وأن نتمثل ما نقول لنكون أشخاصا مقنعين ويجب ألا يعيش هذا الخطاب في أجواء محرابية فقط. فالدين يكون في المصنع والمدرسة وفي السياسة والاقتصاد وفي كل مكان وفي التوسع الكوني وهذا الخطاب الجديد يجب أن يشارك في تقدم ونهوض الأمة وأن يشارك في كل مواقع الحياة والوجود والعلم والعمل والتقنية والابتكار حتى يكون خطابنا الجديد مقنعاً ومنفتحاً ومشاركاً في بناء الأمة حتى نصبح مصدر اشراق على العالم لأن ديننا هو الرحمة المطلقة للعالمين.