الشيخ محمد بن عبد الوهاب بدأ دعوته بقواعد التوحيد

الشيخ محمد هاشم الهدية *

TT

ولد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، بمدينة العيينة 1115هـ ـ 1703م، حفظ القرآن بها، ولما اكتمل عوده رحل في طلب العلم إلى المدينة المنورة وتلقى العلم من علمائها ثم رجع إلى نجد، ثم رحل إلى البصرة وأقام فيها مدة درس العلم عند عدد من علمائها في جميع فروع العلم باختصار للظرف الحالي للكتابة، ثم رجع إلى نجد وفي طريقه للأحساء أخذ من علمائها، ثم رجع إلى بلاده بعد رحلة شاهد فيها خرافات وبدعا واستغاثات بالموتى باسم الدين، وكذلك وجد كثيراً من الضلالات، ولم تنج من هذه المخالفات المدينة المنورة ولا مكة المكرمة، وكان يراجع كثيراً من شيوخه الذين تلقى منهم العلم عن رأيهم في هذه الأمور التي شوّهت سماحة الإسلام، فلا يجد عندهم غير الاستنكار، ولا يقدمون أي جهد في تغييره. ولما عاد إلى نجد بلده وجدها مرتعاً للخرافات والعقائد الفاسدة، التي تتنافى مع أصول الدين الصحيحة، والمؤسف أنه لم يجد في بلده ومواطنيه من ينكر هذه الشركيات أو يقدم الدليل من الكتاب والسنة تصحيحاً، وعلم أن من يتعرض لهذه العقائد بالنقد يعرض نفسه للضرب والزجر ولا يجد من الحاكم نصراً بل يجد عقوبة.

ويذكر أن داعية تركياً أتى إلى مصر كما ذكره الجبرتي في تاريخه أنه أخذ يحذر الناس من الاستغاثة والطواف بالقبور والنذور للموتى والدعوات الشركية فقاموا عليه وآذوه وضربوه، وطلب الحكم بينهم وبينه أمام القاضي وأيده القاضي لصحة حجته، ولكن الجماهير لم تقتنع بحكم القاضي ووشوا به إلى الحاكم بأنه مبتدع ضال فأبعده من البلاد.

بعد هذه الرحلة الطويلة التي طاف فيها كثيرا من بلاد المسلمين ورأى هذه المنكرات في جميعها عاد إلى الدرعية موطنه وبدأ الدعوة في نقل الناس إلى الدين الصحيح وبدأ بقواعد التوحيد أولا توحيد الربوبية الذي يقر به المنحرفون مع السلفيين، وأراد نقلهم إلى توحيد الألوهية الذي هو عبادة الحق، وأن توحيد الربوبية وحده لا ينجيهم من غضب الله، وقدم لهم الآيات الدالة على ذلك لأنه هو التوحيد الذي جاءت به الرسل جميعاً وقدم الآيات البينات:

قال الله تعالى: (ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه إني لكم نذير مبين أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم) هود 25 ـ 26، وقال: (وإلى عاد أخاهم هوداً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون) هود 50، وقال: (وإلى ثمود أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) هود 60، وقال: (وإلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) هود 84.

وقام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالدعوة في بلده (حريملاء) برفق ولين متبعاً قوله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) النحل 125، وحذرهم من دعاء غير الله والذبح والنذر لغير الله، وأن عقيدتهم في تلك القبور والأحجار والأشجار واعتقاد النفع والضر، ضلال وزور، وقدم لهم الآيات القرآنية وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعال الصحابة من بعده.

وكانت هناك قبيلتان كل منهما تدعي الزعامة وليس هناك من يحكم الجميع ويأخذ حق الضعيف، حرّض هؤلاء الزعماء أتباعهم أن يفتكوا بالشيخ وكادوا ان يتسوروا عليه الجدار، ولكنهم هابوه لما رأوا بعض الجيران يحمونه.

ولما كثر الضغط عليه، ولم يجد من حامي العيينة وهو تابع للدولة التركية ونصحه بالخروج، خرج إلى الدرعية وكان حاكمها يومئذ الأمير محمد بن سعود، الذي رحب به وبايعه على الدعوة إلى الله والجهاد في سبيل الله، والتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الشعائر الدينية والحدود الشرعية، وصبر الشيخ وظل يجد الحماية التامة مع توفر أسباب الحياة مما جعل طلبة العلم يفدون إليه من كل مدينة أو قرية، ثم لما أحسّ الناس بكثرة الدعاة والعاملين بالدرعية، جاءها التجار وطلاب المال فتوسعت وكبر حجمها وأصبحت ذات شوكة قوية يهابها كثير من خصوم الدعوة، لا سيما المتجرون بالدين، الذين كتبوا للدولة التركية وإلى أشراف الحجاز بأن الشيخ الوهابي لا يحب الرسول ولا الأولياء ويهدم القباب، تلك القباب التي بنيت على قبور من يظن أنهم أولياء، وجاء بمذهب خامس يخالف المذاهب الأربعة، وأن تمادي مذهبه هذا يذهب بهيبة الدولة ويحط من مكانتها.

وما زالوا يستنصرون بالدولة العثمانية وبقوتها وبجيشها وأنها هي حامية الحرمين الشريفين وحامية الإسلام، ولما رأت الدولة العثمانية توسع الدولة السعودية وبسطت نفوذها على نجد، لا سيما وقد فتحت السعودية مكة المكرمة سنة 1218هـ، أمرت محمد علي باشا والي مصر أن يحارب النجديين (السعوديين)، وأوعزوا إلى بعض العلماء الذين اتخذوا الدين صنعة للعيش أن يؤلفوا كتباً، وقد تم ما أرادوا فألفوا كتباً شحنوها بالأكاذيب والترهات وحشوها بالأحاديث الضعيفة والموضوعة، لا سيما (زيتي دحلان)، الذي نزّل الأحاديث الواردة في الخوارج على دعوة الشيخ، في كتابه «الدرر السنية» و«الفتوحات الإسلامية» فعلوا ذلك تنفيراً للناس حتى لا يتبعوا الشيخ، لكن رد عليهم الشيخ عبد الكريم السهسواني الهندي بكتاب (صيانة الإنسان من وسوسة الشيخ دحلان).

* رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية في السودان