عجز إسلامي تجاه القضايا المصيرية

العالم الإسلامي لم يحرك ساكنا في مساعدة الشعب العراقي على التخلص من وحشية نظام صدام

TT

إن الله تعالى يريد منا أن نقف صفاً واحداً أمام التحديات السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، لأنه تعالى يريد لنا أن نكون أمة واحدة لنواجه الأعداء من موقع واحد، لا سيما مع التحديات الكبرى التي تواجه العالم الإسلامي في هذه المرحلة الصعبة التي تعيشها الأمة، ومن ذكرى المولد النبوي الشريف نرى ما يلي: العالم الإسلامي.. والافتقاد لحرية القرار أولا: ليس هناك عالم إسلامي ـ على مستوى الأنظمة ـ يلتقي على عنوان إسلامي سياسي واقتصادي وأمني وثقافي، من خلال خطة مدروسة متكاملة في نطاق استراتيجية ثابتة، بل هناك دول متناثرة، ومصالح متضاربة، ومحاور خاصة لأكثر من محور دوليّ، وخلافات حادة قد تتحول إلى قطيعة سياسية أو اقتصادية أو إرباكات أمنية واحتلالات مجنونة، واستعانة بالدول الكبرى للتدخل في شؤونها ضد ظلم بعضها لبعض..

إن مشكلة هذه الدول الإسلامية أنها لا تملك حرية التحرك لحل مشاكلها بقرار مستقل، بالرغم من ترسانة السلاح الهائلة التي أهدرت ميزانياتها الاقتصادية من أجل شرائها لتتحوّل إلى قطع جامدة لا نفع فيها بعد حين، لأن قرار الحرب والسلم والحلول السياسية والإقليمية خاضع لقرار الاستكبار العالمي ـ ولا سيما الأميركي ـ وهكذا رأينا كيف أن منظمة المؤتمر الإسلامي، التي أُريد لها أن تكون حلاً للواقع الإسلامي، أصبحت مشكلة له لتتحوّل إلى موقع من مواقع الآخرين لحماية مصالحهم؟! عجز إسلامي تجاه القضايا المصيرية: هكذا، رأينا كيف أن العالم الإسلامي ـ وفي مقدمته العالم العربي ـ لم يستطع أن يحقّق للقضية الفلسطينية شيئاً، ولم يتمكّن من منع اليهود من تدمير الشعب الفلسطيني بشكل كامل، بل انه خضع للضغوط الأميركية ـ الإسرائيلية في سقوطه أمام السياسة الموضوعة لتصفية الانتفاضة، وللدخول في متاهات الطروحات الأميركية ـ الدولية، التي تحسب حساب إسرائيل في كلّ تحفّظاتها واعتراضاتها، ولا تحسب حساب العرب والمسلمين لأنهم كفّوا عن أن يكونوا قوة ضاغطة، بل تحوّلوا إلى قوة خاضعة مضغوطة.

وهذا ما لاحظناه في الحديث عن «خريطة الطريق»، التي رفضتها إسرائيل، حتى ان «شارون» اعتبرها غير موجودة، ولم يصدر أيّ صوت دولي يعترض على ذلك، حتى من اللجنة الرباعية الدولية صاحبة المشروع، لأن إسرائيل تعتبر أن قوتها هي قوة أميركا التي تؤيدها بالمطلق، ولذلك أصبحت الدولة المخيفة للعالم، المحتقرة للأمم المتحدة، لأن أمريكا بالمرصاد لكل من يعارضها! ولعلّ من اللافت أن بعض الذين يرأسون منظمة المؤتمر الإسلامي، يلتقون مع وزير خارجية العدو، في عملية إيحاء بإقامة علاقات ديبلوماسية معه، في الوقت الذي يسقط فيه الشهداء والجرحى من الشعب الفلسطيني، وتدمّر بيوته على رؤوس أصحابها، وذلك تحت عنوان «خدمة السلام وإنقاذ القضية الفلسطينية»، مما تضحك معه الثكلى! ثم ان هذا العالم الإسلامي ـ ومعه العالم العربي ـ لم يحرّك ساكناً في مساعدة الشعب العراقي على التخلّص من وحشية نظامه، على أساس إنقاذ المصير العربي والإسلامي من احتلال جديد تحت تأثير شعار خادع وهو «تحرير العراق من الحكم الطاغي».. وهكذا، رأينا كيف دخل هذا البلد العربي والإسلامي في النفق الأميركي المظلم الذي يريد السيطرة على كلّ مقدّراته، ويتدخل في صياغة مستقبله الاقتصادي والسياسي والأمني، ليكون قاعدة للمصالح الأميركية في المنطقة.. ولا يزال الشعب العراقي يعيش في داخل الدوامة، وفي المتاهات الضائعة في الضباب، لأنه لا يملك القيادة الميدانية على أكثر من صعيد، ولا يملك الخطة الواسعة لصنع المستقبل، لأن أمره ليس بيده بل بيد المحتل، الذي يعمل ـ ولو تحت الضباب ـ لصنع القيادات السياسية التي تحمي مصالحه..

وهكذا، ننتقل إلى أكثر من بلد من بلدان الإسلام، لنجد أمامنا المشاكل والمآزق التي يتخبط فيها، وفي مقدمتها كشمير التي لم تجد حلاً، وأفغانستان التي لا تزال تعيش في داخل الفوضى، وباكستان التي تهتز بين وقت وآخر، بالإضافة إلى أن ثروات العالم الإسلامي خاضعة للاقتصاد الاستكباري وإلى حفنة من الناس الذين صادروا ثروات الشعوب عائلياً وشخصياً، وتركوا الشعوب تعيش الجوع والحرمان.

الوحدة الإسلامية مصدر القوة:

ثانيا: أما واقع الأمة الإسلامية في الساحة الشعبية العامة، فهناك الكثير من الإيجابيات في الوحدة الشعورية العاطفية تجاه القضايا الإسلامية المصيرية، وفي الأجواء العبادية الجماعية التي يلتقي فيها المسلمون في صلاة الجمعة أو الجماعة، وفريضة الحج والعمرة، وغير ذلك من المناسبات الإسلامية المرتبطة بالتاريخ الإسلامي والشخصيات المقدّسة في الوجدان الإسلامي، ما يعطي للعالم صورة الأمة في أكثر من بُعد روحي واجتماعي وعاطفي. ولكننا إلى جانب ذلك، نلاحظ العصبيات المذهبية المتجذّرة في الواقع الإسلامي، بحيث تحوّلت المذهبيات إلى حالات طائفية عصبية تختزن التكفير والتضليل لاختلاف في رأي أو اجتهاد، أو في قضية تاريخية مثيرة للجدل، حتى ان المذهبية تركت تأثيرها على وحدة المسجد الإسلامي، فأصبح لكلّ طائفة مسجدها، الذي يلتقي فيه أتباعها بعيداً عن أتباع الطائفة الأخرى.. وهكذا استطاع الكفر والاستكبار أن يستفيد من ذلك في تعميق الخلافات، وتحويلها إلى فتن وحروب تأكل الأخضر واليابس، وأصبح دعاة الوحدة الإسلامية بالطريقة الواقعية يُتّهمون بانحرافهم عن خط الالتزام بمذاهبهم بفعل عصبية الغوغاء والمتخلّفين. إن على المسلمين أن يعرفوا أن الوحدة الإسلامية هي مصدر قوتهم الثقافية والسياسية والاقتصادية والأمنية، فعليهم أن يلتقوا على ما اتفقوا عليه، ويتحاوروا موضوعياً بالعودة إلى الكتاب والسنّة في ما اختلفوا فيه، انسجاماً مع قوله تعالى: «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم»، وقوله تعالى: «فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول»..

استنطاق المنهج القرآني: هناك مشكلة أخرى، وهي مشكلة السلفية المتعصّبة المختنقة بالجمود والتخلّف، بعيداً عن الاجتهاد المنفتح على مقاصد الشريعة وعن دراسة الواقع في سلبياته وإيجابياته، وهذا ما نتمثّله في اعتبار العنف وسيلة للوصول إلى الأهداف من دون دراسة للنتائج في الواقع، ما قد يؤدي إلى إيقاع المسلمين في أكثر من مشكلة سياسية واقتصادية وأمنية، لا سيما عندما يستهدف العنف هؤلاء المدنيين الذين لا علاقة لهم بالهدف السياسي الذي يواجهونه، كما حدث في أميركا في 11 سبتمبر (ايلول) 2001، وكما حدث في الرياض أخيراً، وكذلك في المغرب، ما أدّى إلى اتهام الإسلام بالإرهاب والعنف، والاضرار بالإسلام والمسلمين على أكثر من صعيد.

إننا ندعو إلى استنطاق المنهج القرآني الذي يضع للعنف في مواجهة العنف قواعده، وللرفق موارده، ويجعل للجهاد ساحاته وظروفه في خط المواجهة للاحتلال والدفاع عن الأمة، لكنه يستنكر قتل المدنيين الأبرياء خارج ظروف الحرب الحارة.. إننا نريد أن نعيش مع العالم من خلال مبادئنا وأخلاقياتنا ومناهجنا الإنسانية، بعيداً عن التطرف الذي يبتعد عن الخط المستقيم على قاعدة التوازن.

التخطيط لحل المشاكل ونصرة القضايا:

ـ ثالثا: إن على المسلمين في ذكرى المولد النبوي الشريف أن يجدوا السبيل الى وحدتهم، ويخطّطوا لحل مشاكلهم، ولنصرة قضاياهم، ولا سيما مواجهة الاحتلال اليهودي لفلسطين، الذي مرّ عليه خمس وخمسون سنة، والاحتلال الأميركي للعراق. ولنصرة الشعبين الفلسطيني والعراقي بالموقف الحاسم، والقوة العاقلة، والنظرة الواقعية للحركة في عملية صنع المستقبل، والحذر من العناوين الخادعة التي يطلقها المستكبرون والتي تجتذب مشاعرنا لخداع واقعنا.

كما ندعو الدول المستهدفة أميركيا في المنطقة العربية والإسلامية، ولا سيما سورية ولبنان وإيران والسعودية، إلى وحدة في الموقف، وتخطيط للحركة، وتعاون على مواجهة الأخطار المحدقة بالأمة. لأن القوم يخططون فعلينا أن لا نرتجل، ولأن القوم يفكّرون فعلينا أن لا ننفعل، ولنجمّد الكثير من القضايا التي يمكن لها أن تنتظر من أجل القضايا المصيرية الكبرى.

* المرجع الشيعي اللبناني