فتاوى الجهاد المعاصرة أصبحت مسوغا شرعيا للقتل

TT

تزامنت نهاية الحرب في العراق، بوقوع تفجيرات في كل من الرياض والدار البيضاء، مما أدى الى مقتل واصابة العشرات هنا وهناك، بالاضافة الى الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمباني والممتلكات. كل هذه الاحداث تستدعي مراجعة الاستخدام غير السليم، دعك عن تسميته الاستخدام الانتهاكي، لمصطلح الجهاد بواسطة افراد ومجموعات خلال السنوات القليلة الماضية، ومن الاسئلة التي تحتاج ان تطرح: هل يمكن لمفهوم «الجهاد» ان يقلص الى مستوى مفهوم دعوة لحمل السلاح للدفاع عن اي احد؟ هل يمكن لأي شخص ان يعلن «الجهاد»؟

إن أول ما زعم بأنها فتوى للجهاد تؤيد صدام حسين جاءت من الارهابي الهارب اسامة بن لادن أو من ينتحل اسمه (في رأيي ان بن لادن قد مات منذ زمن طويل لكن هذه قصة أخرى!) تلك الفتوى، بالطبع، لم يكن لها قيمة لأن ابن لادن الفتى الثري كما كان، حتى لو كان حيا، ليست له مؤهلات دينية لاصدارها.

الفتوى الأخرى، الأكثر اثارة للبلبلة، جاءت من السيد حسين فضل الله، احد علماء الشيعة المتوسطين في المرتبة والذي يعلن عن نفسه بوصفه القائد الروحي للفرع اللبناني لحزب الله. يفتقر فضل الله للمؤهلات الدينية لاصدار فتوى حول موضوع مهم كهذا. وقد جعله تأييده لصدام استثناء بين علماء الشيعة الذين اجمعوا في العراق وايران ولبنان على ادانة النظام البعثي.

إن فضل الله كسياسي، هو بالطبع حر في تأييد صدام. لكن ليس له الحق ان يقدم رأيا سياسيا على اساس انه موقف ديني.

إن السباق لإعلان «الجهاد» تصاعد مع اقتراب الحرب. وبنهاية شهر مارس (آذار) الماضي كانت هناك دعوات للجهاد من صدام حسين ومن ابنه عدي ومن محمد سعيد الصحاف المهرج الذي عمل كوزير اعلام لصدام حسين.

دعوة الجهاد الاكثر مدعاة للاضطراب هي تلك التي جاءت من محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر في مصر. ان الحكومة المصرية التي تمول الازهر وتعين مسؤوليه قد ارتقت بمرتبة الازهر كي يكون بمثابة «المركز للإسلام السني» لكن ذلك لم يكن صحيحا تماما في اي وقت وهو أقل من ذلك اليوم، فهناك مراكز أخرى في أكثر من 12 عاصمة اسلامية تجد من يستمع لكلمتها في اوساط المسلمين السنة.

ان فتوى طنطاوي انطلقت من اطروحة تقول بأن صدام حسين كان «ارهابيا» في غزوه للكويت عام 1990، وقال ايضا إن صدام كان مسؤولا عن الحرب لأنه كان يمكنه تحاشيها بالاستقالة أو بمغادرة العراق، ومع ذلك فإن طنطاوي خرج في نهاية الاطروحة باستنتاج مدهش وهو «إن العمليات الاستشهادية ضد القوى الغازية للعراق يبيحها الشرع»، لكن القانون الشرعي الاسلامي لا يبيح الانتحار تحت اي ظرف.

في الاسلام يعتبر الانتحار ذنبا لا يغتفر يقع في نفس مرتبة انكار وحدانية الله وهذا لأن من ينتحر لا يكون حيا ليتوب ويقوم باصلاح خطئه والتكفير عن ذنبه. والذين ينتحرون لا يدفنون في مقابر المسلمين بل ويدفنون بعيدا عن الاماكن التي يعيش فيها البشر.

إن شيخ الازهر لم يورد قانونا اسلاميا واحدا يزعم بالسماح بالانتحار لأنه لا يوجد قانون كهذا. وهو يبدو غافلا عن قاعدة اسلامية مهمة وهي انه لا يمكن لأحد ان يختار ان يكون شهيدا، فالله وحده هو الذي يختار من سيجعله شهيدا. ولأن الله يختار الشهداء، باقتصاد فليس لنا الا القليل من الشهداء في الاسلام خلال الحروب المختلفة التي شنت في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم سقط العديد من اعز اصدقائه واقربائه ومساعديه في القتال ولم يحظ بمرتبة شهيد سوى عدد لا يزيد على اصابع اليد. أما الذي ينتحر متعمدا وهو يقتل آخرين فإنه دون شك مذنب على نحو مضاعف ومصيره النار وليس شهيدا تقوده خطاه الى الجنة.

إن القاعدة بسيطة وهي ان الله الذي يمنح الحياة هو وحده الذي يملك ان يأخذها. وفي اعادة القراءة للاسلام بالاسلوب الغربي فإن أشخاصا مثل ابن لادن وفضل الله وطنطاوي يساوون مفهوم «الجهاد» بـ «الحروب المقدسة» في المسيحية. انهم يقدمون زادا لتغذية المصابين بالاسلاموفوبيا كي يصوروا المسلمين في العالم أجمع والذين يبلغ عددهم نحو 1.2 مليار نسمة وكأنهم «إرهابيون ومفجرون انتحاريون». لكن في الاسلام ليست هناك حرب مقدسة. والحرب اما ان «تجوز» أو «لا تجوز» على قاعدة الضرورة أو غيرها.

إن مصطلح الجهاد في الإسلام والذي يعني حرفيا «بذل الجهد» يغطي عددا من النشاطات يمكن ان تتضمن حمل السلاح في ظروف محددة ونادرة للغاية لتحقيق اهداف محددة بوضوح.

ولأن الإسلام دين مبادئ فإن حدود استخدام السلاح تخضع لشروط متشددة. فقد منع العلماء الاسلاميون الكلاسيكيون، على سبيل المثال، استخدام الرماح المسمومة وهي نوع من «الاسلحة الكيماوية» في زمانهم وحرموا تلويث وتسميم مصادر مياه الشرب التي يستخدمها العدو. ولا يسمح للمحارب المسلم باحداث الدمار دون تمييز أو بقطع الاشجار وممارسة اساليب الارض المحروقة «العزيزة» لدى جوزيف ستالين. ان مفهوم «حرب كلية» هو اختراع غربي وغريب على الاسلام.

وبعد ذلك، وحتى اذا كانت كل القواعد والحدود محترمة فإن العنف هو الملجأ الاخير وحمل السلاح لا يصل حد ان يكون حربا «مقدسة».

وقد يشن المرء الجهاد بوسائل دبلوماسية وثقافية واقتصادية ولكن ليس ابدا دفاعا عن نظام أو حاكم يقمع المسلمين.

كان نظام صدام مثالا للحكم الذي يعتبر نظاما متجبرا وجائرا في الثيولوجيا الاسلامية. ولأنه لا يوجد نظام حرمان من الانتساب الديني في الاسلام فإن زعم صدام بأنه مسلم، لا بد ان يقبل. لكن أي شخص مطلع على علوم الدين الاسلامية يعرف ان نظام صدام يناسب تعريف «الطاغوت».

إن الدعوة للجهاد يمكن الأخذ بها فقط اذا كانت من أجل توحيد المسلمين وليس من أجل اضافة انقسام لانقساماتهم.

إن السادة الذين اعلنوا الجهاد تأييدا لصدام حسين قد عمقوا في الحقيقة، الانقسامات في اوساط الشيعة والسنة. ان الدين الاسلامي يعتبر اثارة مثل هذه الانقسامات معصية.

هناك نقطة اضافية مهمة وهي ان الشخص الذي يعلن الجهاد يجب ان يكون حاصلا على قدر كبير من الاعتراف به كـ «أعلم العلماء» وسط مجتمعه على الأقل. ويجب ايضا ان يكون في موقع يضعه شخصيا في مقدمة الركب وان يخاطر بحياته هو وحياة الأقربين منه في الهيئة التي ينشط فيها.

من السهل ان نقول للعراقيين أو الفلسطينيين «اذهبوا قاتلوا واقتلوا حتى يمكننا ان نصفق من مسافة آمنة». هؤلاء السادة الذين ناقشنا هنا دعواتهم للجهاد يفتقرون لمثل هذه المؤهلات.

إن بن لادن مغامر منفلت، وفضل الله سياسي أكثر منه رجل دين وهو لا يتمتع بقبول حتى وسط الشيعة اللبنانيين، اما طنطاوي فإنه موظف لدى الحكومة المصرية ويفتقد الى الاستقلالية التي يتطلبها رجال الدين. اما بالنسبة لصدام والصحاف وعدي الهاربين الآن فإن جهادهم احتوى على الركض نحو أول جحر ليختبئوا فيه.

إن الأغلبية العظمى من المسلمين تجاهلت دعوات عديدة للجهاد جاءت من أفراد ليس لهم الحق في اطلاق هذه الدعوات.

إن الافراد احرار في الترويج لأفكارهم السياسية وتحقيق اهدافهم السياسية بالطريقة التي يعتقدون انها مناسبة على ان يكونوا ايضا مستعدين لتحمل النتائج المترتبة على ذلك. اما الذي لا يسمح لهم بفعله فهو تمويه موقف سياسي وتقديمه بوصفه موقفا دينيا.

إن لكل فرد الحق السياسي في تأييد صدام حسن ومعارضة التدخل الاميركي في العراق والصراع ضد حكومة تفرضها الولايات المتحدة في بغداد ولكن ذلك الحق السياسي يجب الا يعرض كواجب ديني.

من الممكن لشخصين مسلمين ان يكون لهما وجهتا نظر متعارضتين حول اي موضوع سياسي وهذه حقيقة اقرت منذ ايام الاسلام الاولى. ان الاجماع في أمور الدين لا ينفي التنوع في وجهات النظر السياسية.

خلال الثمانينات ظل كل من آية الله خميني وصدام حسين يصدران امرا جديدا بالجهاد ضد الآخر كل شهر تقريبا. وبين 1999 و 2000 اعلن سياسيون متنافسون وقادة مليشيات افغان مئات الدعوات بالجهاد احدهم ضد الآخر. وفي كل هذه الحالات تجاهل السادة المتورطون القواعد والحدود وهكذا انتهكوا واساءوا لأحد أهم مفاهيم عقيدتهم.

إن هؤلاء الذين أعلنوا الجهاد لاطالة حكم نظام صدام يجب ان يعملوا كسياسيين وليس كقادة دينيين ويعاملوا بنفس الطريقة التي يعامل بها اي سياسي آخر في اي مكان. انهم يستخدمون مصطلح الجهاد كما يستخدم البعض في الغرب مصطلح «الحملة الصليبية» مثلا بوصفها «حملة ضد الضرائب المرتفعة» أو «حملة ضد الأغذية المحسنة جينيا» وما إلى ذلك.

في المرة القادمة حين تسمع شخصا يعلن الجهاد بالنيابة عن المسلمين تأكد انه سياسي يستخدم عبارات لاحداث اثر جيد وليس رجل دين يعبر عن موقف اسلامي مهم.