علماء أزهريون يفتون برفع سن حضانة الأبناء إلى 15 عاما في مصر

المؤيدون: لا توجد نصوص قطعية تحدد سن الحضانة والمسألة متروكة للاجتهاد حسب تطورات العصر * المعارضون: التعديل مخالف للنصوص الثابتة في القرآن والسنة ويجامل الحاضنة على حساب الأب

TT

أثار قرار مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر برفع سن حضانة الأمهات للأبناء إلى 15 عاما بدلا من عشرة أعوام للأولاد و12 عاما للفتيات ردود فعل متباينة بين أساتذة الفقه والشريعة والقانون. فقد أكد بعض العلماء رفضهم لرفع سن الحضانة، موضحين ان ذلك يخالف نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية ويحابي الحاضنة ويمنحها ما لا تستحق ويؤدي إلى تحمل الأب أعباء لم يفرضها عليه الشرع، وفي نفس الوقت قد لا يحقق القرار مصلحة الأبناء. وكان مجمع البحوث الاسلامية قد وافق بالاجماع على اقتراح بمشروع قانون برفع سن حضانة الأم للأبناء إلى سن 15 عاما بعد أن كان 10 سنوات للأولاد و12 عاما للبنات بناء على مذكرة مشتركة تقدمت بها لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية ولجنة الشؤون الدينية بمجلس الشعب المصري (البرلمان). من جانبه أشار الدكتور محمد رأفت عثمان عضو لجنة البحوث الفقهية بمجمع البحوث الإسلامية في الأزهر. إلى أن الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب المصري، أرسل اقتراحا تقدمت به الدكتورة زينب رضوان عضو المجلس إلى الدكتور أحمد محمد الطيب مفتي مصر بتعديل الفقرة الخاصة بسن الحضانة، وتمت مناقشته في مجمع البحوث الاسلامية لأخذ الرأي الاسلامي فيه، ووافق أعضاء المجمع على التعديل، موضحا أن سن الحضانة لم يثبت فيها نص صريح يبين انتهاء مدتها، كما أن سن الحضانة يجب أن ترتبط بمصلحة الصغير والمصلحة قد تختلف من عصر إلى آخر.

وأكد ان التعديل لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية لعدم وجود نصوص قطعية تحدد سن الحضانة، مشيرا إلى ان تلك المسألة متروكة للاجتهاد حسب متغيرات الزمان والمكان. وأكد الشيخ فرحات السعيد المشرف العام على مدن البعوث الإسلامية بالأزهر، ان قرار مجمع البحوث برفع سن الحضانة إلى 15 سنة يتماشى مع روح العصر لأن سن الإعالة أصبحت مختلفة عما كانت عليه في الماضي، فالفتاة مثلا كانت تتزوج في الثانية عشرة من عمرها والفتى كان يعتمد على نفسه في تلك السن وقد ينفق على أبويه، بل كان يقود الجيوش وهو لم يبلغ العشرين بعد. أما الآن فلم يعد قادرا على اعالة نفسه حتى بعد تخرجه من الجامعة. ولا يعرف كيف يتصرف، وكذلك الفتاة لم تعد بنفس درجة النضج والرشد التي كانت عليها في الماضي، لذلك أصبح من الضروري رفع سن الحضانة بحيث يتمكن الابن أو البنت من الاختيار الصحيح اذا تم تخييرهما. وقال الشيخ فرحات ان الأم بطبيعتها راعية ومربية صالحة، لذلك فهي الأولى بتربية الأبناء الصغار وحضانتهم ولا ينبغي حرمانها من هذا الحق طالما كانت متفرغة ولم تتزوج بآخر. أما اذا كانت تعمل فهي تستطيع ترتيب أمورها والموازنة بين العمل والبيت ورعاية الأبناء، موضحا ان الأب من الطبيعي أن يكون مشغولا فضلا عن انه لا يستطيع تربية الأبناء فهو غير مؤهل لذلك. وفي حالة ما اذا كانت الحاضنة غير الأم يرى الشيخ السعيد ان هذه حالات نادرة ويستطيع القاضي ان يختار الأصلح والأفضل للأبناء، فإذا كانت أم الزوجة مثلا هي الحاضنة وكانت كفيفة أو مسنة تحتاج إلى من يرعاها ولا تستطيع رعاية غيرها يرفع الأمر للقاضي ليحكم بما يراه يحقق مصلحة الصغار. وأوضح الدكتور أسامة عبدالسميع الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، ان الفقهاء ذهبوا إلى ان سن الحضانة تنتهي عند البلوغ، والبلوغ يبدأ من سن التمييز، أي عند سبع سنوات قياسا على الأمر بالصلاة، وقد اعتبر بعض الفقهاء ان البلوغ بالنسبة للولد يكون مع بداية الاحتلام، وبالنسبة للبنت عند بداية الحيض. وأشار إلى ان فقهاء الحنفية قالوا ان الحضانة تنتهي عند سن 15 سنة كحد أقصى اذا لم تظهر علامات الحيض عند البنت، أو الاحتلام عند الولد، ثم يرد الولد أو البنت إلى الأب من دون تخيير ويرجع تحديدهم لسن الخامسة عشرة إلى ان الطفل يستطيع أن يعبر عن نفسه وعن رغباته اذا خيره القاضي، موضحا ان مشروع القانون الذي وافق عليه مجمع البحوث له سند شرعي حيث تمتد سن الحضانة إلى 15 سنة، ثم يخير الولد أو البنت ليختار من يريد الإقامة معه الأب أو الأم، وقد ورد ان النبي صلى الله عليه وسلم حينما جاءه زوجان يختلفان حول رعاية طفل (ولد أو بنت) بعد طلاقهما أجلس كلاً منهما في جانب وقال لهما «ادعواه» وبذلك اختار الطفل من أراد . وأكد ان مد سن الحضانة حتى لو كان يضيف أعباء على عاتق الأب فهذا انما هو لمصلحة الصغار وهذه المصلحة هي الأولى بالرعاية، بجانب ان الأب يستطيع أن يتكسب وأن يشتري شقة أخرى غير تلك التي تركها لأولاده وللأم. كما ان الأم هي الطرف الضعيف ولذلك لا بد من الوقوف إلى جانبها. وهنا يجوز ارتكاب أخف الضررين، وكما يقول الفقهاء «درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة» أي ان حماية الصغار والحيلولة دون انحرافهم أولى من تحمل الأب لمسؤولية إضافية. وأكد الدكتور محمد كمال امام الأستاذ بكلية الحقوق في جامعة الاسكندرية رفضه لرفع سن الحضانة، مؤكدا عدم وجود مبررات لهذا التعديل بجانب مخالفته للشريعة الإسلامية لقوله تعالى: «لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده» وهذا التعديل يضر بمصلحة الأب ويحمله أعباء لم يفرضها عليه الشرع. كما أنه يجامل الحاضنة، لأنها تحصل على نفقة من الزوج من دون وجه حق وتبقى في مسكن الزوجية الذي قد يكون الزوج في أشد الحاجة إليه، وقد لا يحقق مصلحة الصغير. وقال ان مصلحة الصغير محمية في كل الأحوال لأن القانون ينص على ان للقاضي سلطة تقديرية يستطيع من خلالها مد سن الحضانة اذا كانت هناك ضرورة لذلك أو اذا كانت مصلحة الصغار تتطلب ذلك، وعلى سبيل المثال يجوز للقاضي مد فترة الحضانة للفتاة حتى تتزوج وبالتالي لم تكن هناك ضرورة للتعديل. وأكد الدكتور امام ان رفع سن الحضانة يضع على عاتق الأب التزامات جديدة غير واردة في القرآن الكريم أو السنة النبوية، موضحا ان الذين يتصورون ان اطالة مدة بقاء الأبناء مع الأم أثناء فترة الحضانة يحقق مصلحتهم مخطئون فقد تكون مصلحتهم في الاقامة مع الأب وليس الأم. وأعرب الدكتور امام عن دهشته لموافقة مجمع البحوث بالإجماع على هذا التعديل رغم ان هذا التعديل (في رأيه) يحمي الحاضنة وليس الصغير رغم ان الحاضنة ربما لا تكون لها صله بالموضوع، فليس بالضرورة ان تكون الحاضنة هي الأم بل قد تكون الخالة أو الجدة ونحو ذلك، وفي هذه الحالات يلزم الأب بالإنفاق واعداد المسكن لامرأة أجنبية. وخلص الدكتور امام إلى القول ان هذا التعديل يخالف النص القرآني ولا أساس له من الشرع ولا بد من اعادة النظر فيه مرة أخرى قبل دخوله حيز التطبيق. وأشار الدكتور زكي عثمان الأستاذ بكلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر، إلى ان الحضانة مرتبطة بالبلوغ، وما زاد عن سن البلوغ فإن الحاضنة لا يجوز لها أخذ النفقة لأن حقها الشرعي يقف عند سن البلوغ، واذا زادت عن ذلك فهي ظالمة وليس لها حق في المطالبة بالنفقة لأنه لا يجمع لها بين الحضانة ومطالبة الأب بالنفقة على هذا الأساس. وقال ان رفع سن الحضانة ينبغي ان يترك لتقدير القاضي بحيث اذا وجد مبررا لهذا المد فلا بأس. أما اذا لم يكن هناك مبرر فتنتهي الحضانة في السن التي حددها الفقهاء. وفي كل الأحوال يجب مراعاة الأفضل للصغير. وأكد ان رفع سن الحضانة يتعارض مع الواقع الاجتماعي الذي تعيشه البلاد الإسلامية حيث أصبحت المرأة تخرج إلى العمل وتشارك في مختلف مظاهر الحياة العامة وربما لا يتوفر لها الوقت لرعاية الأبناء، موضحا ان قرار مجمع البــــحوث كان ينبغي أن يأخذ في اعــــتباره تلك التغيرات التي لم تكن موجودة في عصر تدوين الفقه حيث كانت الأم هي الأولى بحضانة ورعاية الصغار لأنها كانت محبوسة في البيت ولا تخرج للعمل. وأوضح ضرورة عدم تغليب مصلحة طرف على الطرف الآخر أو مجاملة المرأة على حساب الرجل موضحا ان الشريعة الاسلامية لم تضع نصوصا قاطعة في هذا الصدد وانما تركتها للمصلحة ولظروف الحياة وتغير العصور، ولذلك اختلف الفقهاء حول الحضانة فقال الإمام الشافعي «يخير الابن بعد سبع سنوات». وقال الإمام مالك «الأم أحق»، وقال الإمام أبو حنيفة «الأم تأخذ البنت والأب يأخذ الولد».