ندوة في الإسكندرية: ضعف الخطاب الديني يساهم في اضطراب مبدأ المواطنة

TT

حول موضوع «المصرية كمواطنة» شهدت اخيرا مدينة الاسكندرية «شمال مصر» لقاء فكريا اقيم في اطار البرنامج المشترك بين منتدى حوار الثقافات بالهيئة القبطية الانجيلية للخدمات الاجتماعية، ووزارة الاوقاف المصرية، بحضور اكثر من 130 من المفكرين واساتذة الجامعات ورجال الاعلام في مصر، مع مجموعة من شباب الدعاة والقساوسة، وبعض القيادات النسائية استمر ثلاثة ايام.

وعرض المشاركون في هذا اللقاء عدة أوراق عمل قام بإعدادها مجموعة مشتركة من شباب الدعاة والقساوسة من الاسكندرية، تحت اشراف امل محمود امين ملتقى الهيئات لتنمية المرأة، وتناقش الأوراق وضع المرأة المصرية من الناحية الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية.

واوضح المهندس نبيل صموئيل آبادير مدير عام الهيئة القبطية الانجيلية للخدمات الاجتماعية، ان الشرائع السماوية، والقوانين الوضعية كفلت للمرأة العديد من الحقوق والواجبات، لكن المشكلة تكمن في المورثات الثقافية والاجتماعية السلبية المنتشرة في العديد من الدول العربية، والتي ترجع في المقام الاول الى تفشي ظاهرة الامية، وضعف فرص التعليم امام المرأة خاصة في الريف.

وقال ان العديد من المؤسسات الرسمية والاهلية في مصر تعمل حاليا على تعزيز مشاركة المرأة في كل نواحي الحياة في مصر، خاصة الحياة السياسية، فبالرغم من ان المرأة في مصر تشغل اكثر من 50% من المجتمع الاداري فما زال تمثيلها السياسي لا يتجاوز 5% وبالتالي تأثر دورها الاجتماعي والاقتصادي.

وأكد مايكل زكي في ورقته التي تحمل عنوان «مواطنة المرأة المصرية»، ان هناك حاجة ماسة لتفعيل دور المجتمع، كي تستطيع المرأة المصرية ان تحصل على جميع حقوقها كمواطنة، وان تمارس دورها في الانتاج، واتخاذ القرار، كذلك حقها في الحصول على فرصتها في سوق العمل مثلها مثل الرجل. فعلى الرغم من الطفرات التي تحققت مؤخرا للمرأة المصرية، ودخولها لعالم القضاء، الى جانب العمل العام، فانها ما زالت تواجه العديد من الصعاب، والمعاناة التي تحتاج للمزيد من التشريعات التي تخدم قضيتها بكل جوانبها.

وحول «حق المرأة المصرية في المواطنة من الناحية الاقتصادية» تعرضت الورقة المقدمة من فريق عمل مشترك ضم الشيخ خالد حسن، والقساوسة ايهاب حليم رأفت رؤوف، بالاضافة إلى جان كامل، وسلوى فخري، لموقف القانون المصري من المرأة، والتأكيد على حقها في المواطنة من الجانب الاقتصادي، كما عرضت ايضا لوجهة النظر الاسلامية والمسيحية بشأن حقوق المرأة الاقتصادية، في ما يتعلق بالزواج، والطلاق، والميراث.

ورصدت الورقة ايضا بعض الصور ذات التأثير السلبي على وضع المرأة اقتصاديا، من اهمها: حقوق المرأة المنقوصة في الميراث، خاصة في الريف، وانتشار ظاهرة المرأة المعيلة، والتي تعدت نسبتها حاليا 22% من عدد الاسر، وانتشار ظاهرة الامية، واولوية التعليم للذكور وارتفاع تكاليف الخدمات المطلوبة لمساعدة المرأة على الخروج لسوق العمل، مما يدفعها للتنازل عن هذا الحق، واشارت الورقة الى ضعف دور الخطاب الديني في ترسيخ مبدأ المواطنة، مبينة ان كل هذه الصور ساهمت في تفشي هذه الظاهرة، وطالبت الورقة بضرورة الوقوف في وجهها والعمل على اصلاح احوال المرأة في مصر، واستيعابها في سوق العمل وان ترتبط مساهماتها في القضية الاقتصادية، بمنظومة من الاصلاحات الاقتصادية.

وقدمت اوراق العمل بعنوان «الدور السياسي للمرأة المصرية» والتي عرضها ايضا فريق مشترك ضم الشيخين عبد الحكيم شعبان، ومحمد وهدان، والقس رفعت فتحي، والدكتور ابراهيم الصاوي، حيث اشارت الى ان تهميش دور المرأة في العمل السياسي يؤدي بها الى فقدان الشعور بالمواطنة، والاغتراب في الوطن الذي تعيش فيه. وفي ما يتعلق بدور المرأة السياسي من الناحية الدينية، نجد ان القاعدة العامة في المسيحية هي التشاور الكامل بين كل افراد المجتمع، بصرف النظر عن الجنس، أو اللون، أو الدين. وقد اقر الكتاب المقدس دور المرأة ومكانتها، واحقيتها في تولي المناصب القيادية، على اساس كفاءتها وامكانياتها، دون ان نجعل من انوثتها عائقا امامها في ان تبدع أو تتميز، مؤكدة ان الوضع في الاسلام، انصف المرأة انصافا كبيرا، واعطاها الكثير من الحقوق. فبالنسبة لولاية المرأة، هناك رأيان في هذا الامر، احدهما يقبل الولاية لعدة اسباب، منها ان الاسلام لم يرفض الولاية اذا كانت المرأة تمتلك الكفاءة، ايضا لم يعترض القرآن على وجود امرأة تحكم وتملك من منطلق ان الشورى واجب اسلامي، اما الرأي الاخر الذي يرفض ولاية المرأة، فانه يستند الى ان المرأة لا يجوز لها الامامة الكبرى وهو امر متفق عليه بالاجماع.

وأوضحت الدراسة ان نسبة تمثيل المرأة في المجالس النيابية ضئيلة للغاية، لا سيما في مجلس الشعب، والشورى حيث بلغت 2% بالنسبة لمجلس الشعب في انتخبات 2000، كذلك الوضع في مجلس الشورى، حيث بلغت حوالي 5%. وفي ما يتعلق بالقيد في جدول الانتخاب، فقد بلغت النسبة عام 2000 حوالي 35% بينما لا تتعدى نسبة شغل المرأة لمواقع دبلوماسية نسبة 20%.

وطالبت الورقة بتصور مستقبلي لحل هذه المشكلة، وبضرورة تطبيق الدستور تطبيقا عادلا، ووضع خطة قومية حقيقية لمحو الامية في مصر، وابراز الفكر الديني المستنير واختيار القيادات في كل المجالات على اساس الكفاءة، وليس على اساس الجنس، وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني، وتدريب المرأة على القيام بدورها السياسي.

وحول وضع المرأة في القانون المصري، تحدث القس راضي عطا الله من خلال ورقة عمل تحمل عنوان «المرأة كمواطنة ـ القضايا الاجتماعية» فقال: نصت المادة 40 من الدستور المصري على ان جميع المواطنين لدى القانون متساوون في الحقوق والواجبات، كما نصت المادة 11 ايضا، على ان تكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو اسرتها، وعملها في المجتمع كذلك مساواتها للرجل في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، لافتا الى انه على الرغم من ذلك هناك بعض المواد في بعض القوانين المعمول بها حاليا، تظهر نوعا من التمييز ضد المرأة، مثل قانون الجنسية، والمشكلات التي يتعرض لها ابناء الام المصرية المتزوجة من غير مصري، كذلك الحال في «قانون العقوبات» وما يختص بجريمة «الزنا» بالنسبة للمرأة، كذلك ما يختص بجرائم «الاغتصاب، الدعارة، السب والقذف»، ونفس الامر بالنسبة لقانون الاحوال الشخصية وما ترتب عليه من حقوق غير متساوية للرجل والمرأة مثل: حق الطاعة، والطلاق الفوري ورد الزوجة وتعدد الزوجات، كذلك حضانة الاطفال الاكبر من 10 سنوات، وحق الاعتراض على عمل الزوجة، واستكمال تعليمها.

وفي تعقيب للمشاركين في اللقاء، اكد الدكتور طه أبو كريشة النائب السابق لرئيس جامعة الازهر، على ضرورة الكف عن استعمال كلمة «رجال الدين»، واستبدالها بكلمة «علماء الدين» لان بعضاً من علماء الدين الاسلامي نساء اثبتن علما واسعا في العديد من امور الدين، منذ العصور الاولى للاسلام فقد كان هناك المرأة الفقيهة والمرأة المفتية.

وقال الدكتور أبو كريشة ان مكانة المرأة في المجتمع لا خلاف عليها، فهي نصف المجتمع، وهي مربية الاجيال، وهي التي اثبتت نجاحات كثيرة في العديد من المواقع القيادية التي شغلتها.

ودعت الدكتورة سامية الساعاتي استاذ علم الاجتماع في جامعة عين شمس الى ضرورة تصحيح ثقافتنا وموروثاتنا السلبية، مشيرة الى ان أي انتقاص من حقوق المرأة، يعود الى البشر، وليس للدين، وعلينا تصحيح مفهوم النظر للمرأة على انها كائن بيولوجي، في حين النظر للرجل على انه كائن اجتماعي.

واوضحت الدكتورة سعاد كامل الاستاذة بكلية الاقتصاد بجامعة القاهرة ورئيس لجنة التنمية في مجلس الشورى المصري، ان الحقوق الاقتصادية للمرأة تشمل حقها في العمل سواء من خلال مشروعات تديرها بنفسها، أو لدى الغير، كذلك حقها في الحصول على اجر مقابل هذا العمل، والاحتفاظ به لنفسها، كما يشمل هذا الحق تدرجها في المناصب الادارية حتى وصولها الى اعلى المناصب، القيادية، كذلك لها الحق في توصيل صوتها الى متخذي القرار والتعبير عن رأيها بمنتهى الحرية.

وقال الشيخ ابراهيم محمد رضا امام احد مساجد شبرا بالقاهرة، انه لا يوجد في مصر من يفضل الرجل على المرأة فقد جاء الاسلام بتكليف للرجل بأن يقضي حوائج المرأة، من ناحية الانفاق والرعاية مشيرا الى ان الفهم الخاص «بالميراث» بين الرجل والمرأة، هو الذي جعل البعض يتهم الاسلام بالتمييز بينهما، مؤكدا ان هناك العديد من الحالات تتساوى فيها المرأة بالرجل، كما ان هناك حالات اخرى تزيد فيها المرأة عن الرجل، مشيرا الى ان الاسلام اعطى المرأة الحق في ان تكون لها ذمة مالية مستقلة عن الرجل.

واكد السفير نبيل بدر مساعد وزير الخارجية السابق، ان الفقر والجهل هما اهم العوائق التي تعترض تقدم المرأة، مؤكدا على ضرورة وقوف المؤسسة الدينية الى جانب المرأة ومساعدتها في معرفة حقوقها وواجباتها.