ندوة في الخرطوم تناقش حوار الحضارات من منظور إسلامي

TT

عقدت في الخرطوم أخيرا ندوة عن «حوار الحضارات: تصادم أم نقاش» شارك فيها بعض الفعاليات ـ الفكرية والسياسية السودانية. وقال الصادق المهدي رئيس حزب الأمة السوداني: ان العالم يشهد صراعا في الرؤى والافكار التي تحدد مسار تطور البشرية، كما ان هنالك ترجيحا واضحا لكفة القوى والافكار المؤمنة بالحوار والديمقراطية لان هذا هو المنطق السائد في العالم، ونحن علينا ان نغذي هذه الذهنية لانها من مصلحة الاسلام والحضارات الاخرى لان في ذلك ذخيرة في اتجاه الحوار وفي الوقت نفسه هزيمة للانكفاء والتقوقع. ولا شك في ان الاديان لعبت دورا مهما في الحضارات الانسانية ولكن اسوأ ما في الفكر الديني ـ للاسف ـ انه في مرحلة تدهوره يلغي الانسان ودوره وهذا هو السبب في ردة الفعل نحو العلمانية بشكل تعسفي وضار.

اولا: ابدأ بالحديث عن الاسلام فأقول من الناحية المعرفية نرى ان الاسلام يبيح معارف تعطي قيمة حقيقية للمعارف الانسانية عبر التاريخ والممثلة في ثلاث ركائز (العقل ـ التجربة ـ الالهام).

ثانيا: من الناحية الخلقية نجد ان قيمة الاخلاق هي قيمة عالية جدا في الدين الاسلامي، كما لا بد من الاعتراف والتأكيد على الحقيقة الغيبية باعتراف تام بذات اعترافنا بالحقائق الاخرى، وعلى هذا الاساس اقول ان كل الحضارات مطالبة بأن تبلغ هذا الاعتدال في الفهم فلا يلغي (الغيب) الانسان.. ولا يلغي (الانسان) الغيب، خاصة اذا اخذنا في الاعتبار ان كل الحضارات في تاريخ البشرية كانت احادية تريد ان تبتلع الاخرى، هناك من يظن ان الاعتزاز بالنفس وبالذات لا يتم الا بتهميش الآخر، وهذا خطأ.. نحن محتاجون الى نظرة معتدلة مع الآخر وذات هذه النظرة التي تسعى لتهميش الآخر التي نجدها عندنا هي موجودة لدى الغرب في افكار فراتيس فوكوياما وهنتنغتون وهذه هي مشكلة الحضارات الحقيقية. اذن القوى والافكار المؤمنة بالحوار مطالبة بثورة ثقافية تعزز وتعلي من قيم الحوار والاعتراف بالآخر وبالمقابل فإن الغرب محتاج ايضا لاصلاحات منها: 1 ـ ان يعترف بأن حضارته الماثلة الآن انما هي نتاج تفاعل لحضارات كثيرة.

2 ـ ان يعترف الغرب بحق الآخر في الاختلاف والتنوع.

3 ـ ان يدرك الغرب وندرك نحن ايضا ان الآخر يمتلك شيئا يمكن ان يعطيه.

واختتم المهدي حديثه قائلا: ان الانسانية في مرحلة احتياج حقيقي للحوار، حوار بين الاديان وحوار بين الحضارات وحوار بين الشعوب، ولكن وفق شروط موضوعية تنقلنا من خانة الركود والانكفاء الى خانة التحرك والابتكار، وذات هذه الشروط الموضوعية تنطبق على الغرب بان يتخلى عن نظرته الاستعلائية في نظرته للآخرين، وكل هذا في ايدينا جميعا كبشر، فإما ان نمهد لاستنارة انسانية حقيقية، واما ان نمهد لظلامية انسانية ترجع بنا قرونا كثيرة الى الوراء.

أما الدكتور عصام احمد البشير استاذ علم الحديث في جامعة قطر سابقا، فقال: اشير اولا الى جملة من القضايا ونحن نتحدث عن (حوار الحضارات) واولى هذه القضايا هي مسألة الاختلاف بين الشعوب التي لا تقف على اللون او اللسان او العرق ولكنها جزء من وجود الحياة.

ثانيا: ان الاوروبيين استفادوا من فكر اليونان وصنائع الرومان وفكر الهند والصين في صنع حضارتهم، كما استفادوا من العرب في الاندلس وبالمقابل فإن العرب والمسلمين استفادوا من الحضارة الاوروبية، لذا لا يمكن التسليم بمقولة ان الحضارات تنشأ احادية. لكن هذه النهضة تنشأ نتيجة للتراكم المعرفي، وكل الحضارات هي مجموعة تفاعلات.

واضاف: للمسلمين نظرة تجاه الحضارة الاوروبية وتتبع هذه النظرة مواقف حقيقية للمسلمين في نظرتهم وتعاملهم مع هذه الحضارة وأرى انها تنحصر في مواقف ثلاثة:

1 ـ تيار الرفض الكامل لمقاومة كل حضارة مع ميل الى الانكفاء والانزواء والعزوف عن مقتنيات الحضارة ومحاولة الاحتماء بالإرث التاريخي مظنة انه يشكل الملجأ والملاذ، ويمكن ان نسمي هؤلاء بتيار (الماضويين).

2 ـ تيار الانبهار بالحضارة الوافدة تبعا وانزلاقا في ثقافتها وبالتالي لا يكون التمسك كثيرا بالاصول بقدر ما يكون الاهتمام بالتقليد الاعمى.

3 ـ تيار التوفيق بين التيارين الاول والثاني، بمعنى انه غير منكفئ على ذاته وفي الوقت ذاته غير منبهر بالحضارة الغربية، والواقع ان محاولة التوفيق لهذا التيار هي محاولة للتوفيق ولكنه توفيق قائم على السذاجة. واستنادا الى ما سبق فإنه لتحديد ملامح نوع من التعامل مع الحضارة الاوروبية فأنا اقرب الى مصطلح (التدافع) الذي هو في رأيي عراك اجتماعي ثقافي حضاري وفيه تنافس، والتدافع لا يلغي الآخر ولكنه يحوله من موقف العداوة والصراع الى موقف الولي الحميم.

واوضح انه ليس هناك من سبيل لتصادم الحضارات وذلك لجملة من الاسباب اولها: ان الوضع الاسلامي الآن غير مؤهل للمنافسة الحضارية نظرا للتخلف الاجتماعي والاستبداد السياسي والتردي الاقتصادي والتأخر العلمي.

ثانيا: الحضارة الغربية هي السائدة في دنيانا رضينا ام ابينا والتصادم معها يكلفنا الكثير، حيث لا قدرة لنا على مواجهة الحضارة الغربية المتفوقة علينا. والحضارة الغربية نفسها تحتاج إلى ان تتعامل مع الإسلام.. فوجود أكثر من (خمسين مليون مسلم) في مختلف البلدان في الغرب قد يفرض عليهم قدراً من التعايش، بل ان بعض البلدان يمثل الإسلام الدين الثاني فيها، وبجانب ذلك نجد ان المجتمع الغربي يعيش الآن تحللاً وخواءً روحياً وتفسخاً اجتماعياً على الرغم من تقدمه الحضاري المادي وهذه فرصة حقيقية للمسلمين لتقديم بديل حضاري حقيقي لأن الحضارة الغربية رغم تطورها المذهل في الجانب المادي الا انها بقيت متخلفة في مستواها الاخلاقي.

وأشار إلى ان للحوار مع الغرب واجهات تتمثل في الآتي:

1 ـ الحوار الديني: الحوار الإسلامي ـ المسيحي وهو حوار له آفاق عديدة لانه يقف أمام الالحاد والمادية التي تعادي كل الرسالات وهو إلى جانب ذلك فرصة لتنقية العلاقات من الرواسب التي خلفها الاستعمار.

2 ـ الحوار الفكري: مع المستشرقين لتنقية الاجواء ولخلق واقع أفضل يزيل عقدة تفوق الانسان الغربي.

3 ـ الحوار السياسي: الظاهر والمستتر مع صناع القرار وقادة العمل السياسي في الغرب.

وهذا الحوار له مرتكزات ومقتضيات أهمها:

أ ـ ضرورة الإيمان بالتعددية الحضارية.

ب ـ ضرورة الاعتراف بأن لكل إنسان ولكل أمة ولكل حضارة حق الاختيار وحق الحرية ولا ينبغي ان يمارس عليها أسلوب القهر أو الغزو الفكري.

ج ـ التعايش بين المختلفين هو الوسيلة الوحيدة لبقاء الجنس البشري ولا ينبغي النظر إلى الآخر كعدو ولكن كإنسان ينبغي التعايش والتعامل معه.

د ـ رسالة الإسلام ليست قومية ولا عنصرية ولكنها رحمة للعالم جميعه، يستظل ويتفيأ بها كل من يعيش في كنفها سواء كان مسلماً أو غير مسلم تأسيساً على وحدة الاصل الانساني.

هـ ـ لم تجد في تاريخ الإسلام مفاهيم التصادم الحضاري أو المقاطعة الاقتصادية أو تجويع المجتمعات، مما يؤكد أن الإسلام لا يسعى لهدم الحضارات.

أما دفع اللّه الحاج يوسف رئيس القضاء السوداني الاسبق فيرى ان اي حضارة نجدها تقوم على حد أدنى من القيم، بجانب أن الحضارة مرتبطة تاريخياً بعنصر الاستقرار (شواطئ الانهار) ـ الآشورية ـ البابلية ـ كرمة ـ مروي، والعلاقة بين الحضارات هي علاقة صراع مصحوب بالاستقطاب ما عدا الحضارة الاسلامية. وإذا نظرنا لحضارة اليوم فإننا نجد أن الفكر السائد والحضارة السائدة هي الحضارة الغربية التي هي وليدة فكرة الصراع. عنصر آخر نجده أصيلاً في الحضار الغربية وهو عنصر الاستغلال ذلك بأنها بنت تنميتها الاقتصادية على موارد البشر الأخرى. والحضارة الغربية نجدها الآن هي الغالبة وتمثل الجنس المتطور الذي يمتلك القدرة الأكبر من النفوذ والسلطان السياسي والاقتصادي والعسكري، وهو الشيء الذي يتبلور في فكرة (العولمة) التي نعيشها ونباركها في الوقت الراهن شئنا أم ابينا.

وقال ان الحضارة الاسلامية لها خصائص لم تتوفر في الحضارات الأخرى منها:

1 ـ الحضارة الاسلامية لم تعرف شكلاً ثابتاً للدولة.

2 ـ لم تكن الحضارة الاسلامية مُستغلة للامم والشعوب التي خضعت لها.

3 ـ الحضارة الاسلامية تحافظ على خصائص الشعوب التي تقع في إطار نشاطها الدعوي.

4 ـ هي حضارة لم تنشأ على (شواطئ الانهار).

5 ـ تقوم على مثل أعلى (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر).

ولذلك فان للحضارة الإسلامية دوراً مهماً في مستقبل البشرية للعوامل الآتية:

أ ـ الموقع الجغرافي (الوسطي).. و(جعلناكم أمة وسطا).

ب ـ منطقة تحكم استراتيجية لحركة الاتصالات والمواصلات في العالم.

ج ـ تمتلك ثروات جبارة (بترول ـ ماء... إلخ).

د ـ مهبط رسالات سماوية. وهي بذلك تمتلك ارثاً تاريخياً لا يتوفر في اي بقعة في العالم.

ولكل ما سبق اعتقد ان اعادة تأهيل الشعوب والحكومات الاسلامية وفق منطق الحرية ضرورية، ولا يتم ذلك الا بنظام تعليمي تربوي جديد.

=