جدل مستمر في مصر حول تفسير القصص القرآني من منظور علمي

د. زغلول النجار: تناول القصص القرآني من منظور علمي يخدم القرآن * د.عبدالله مبروك: ثوابت العلم يعتريها التغير وهذا يجافي حقائق الدين

TT

أثار اعلان المفكر الاسلامي الدكتور زغلول النجار عن عزمه تناول القصص القرآني من منظور الاعجاز العلمي ردود فعل متباينة بين العلماء والمهتمين بمجال الاعجاز العلمي. فقد أكد بعض العلماء تأييدهم لهذه الخطوة غير المسبوقة وأكدوا انها تخدم الدعوة الاسلامية وتساهم في تحسين صورة الاسلام في الخارج وزيادة الوعي الديني في الداخل، في حين ذهب فريق آخر الى ان تطبيق المنهج العلمي سوف يؤدي الى تشويه القصص القرآني خاصة اذا تناوله من ليست لديه خبرة كافية باللغة العربية، وقالوا ان محاولة اخضاع القصص القرآني للحقائق العلمية سوف يصرف الناس عن مقصود الشارع الحكيم من سياق القصص القرآني الى مآرب أخرى تجافي حقائق الدين وتصادر على الذين أدلوا بآرائهم في هذا القصص عبر قرون طويلة.

وكان الدكتور زغلول النجار قد قرر تناول الآيات التي تتحدث عن الأمم والأقوام السابقين وغيرها في إطار المنهج العلمي.

في البداية توجهنا الى الدكتور زغلول النجار وسألناه فأكد ان تناول القصص القرآني من منظور الاعجاز العلمي يخدم القرآن الكريم خدمة كبيرة جدا، مشيرا الى انه تحدث على سبيل المثال عن اكتشاف «إرم ذات العماد» وقال ان هذا الاكتشاف يخدم القرآن ويؤكد انه من عند الله سبحانه وتعالى، لأن أغلب المؤرخين كانوا يقولون ان قوم عاد مجرد قصة خيالية ساقها القرآن من قبيل الاستفادة منها وأخذ الدرس والعبرة ولم يكونوا يتوقعون ان يتم اكتشافها، وبالتالي فإن اكتشافها يعد لطمة لمن كانوا يكذبون بها وفي نفس الوقت يؤيد ما ورد في القرآن الكريم.

ويوضح انه سيتحدث عن الكشوف العلمية التي تؤكد الروايات القرآنية عن الأمم السابقة مثل قوم عاد وقوم ثمود، مشيرا الى ان هذا القصص القرآني لو حقق تحقيقا علميا دقيقا لأصبح ورقة دعوة راقية جدا لأن ذلك يقدم دليلا ماديا ملموسا لا ينكره عاقل ابدا فعندما يقول القرآن «إرم ذات العماد» وتأتي الكشوفات العلمية لتؤكد ان هذه المدينة كانت عظيمة وان سورها ضخم للغاية وعليه ابراج ثمانية الاضلاع مقامة على أعمدة طول العمود تسعة أمتار وسمكه ثلاثة أمتار، وهذا جعل الاجانب يعترفون بأن وصف القرآن للمدينة في غاية الدقة وهذا فيه تأييد للقرآن.

ويشير الى ان القرآن عندما يقول «وثمود الذين جابوا الصخر بالواد» ويأتي العلم ليؤكد ان الصخور المنحوتة احضرها قوم ثمود الى بطن الوادي فهذا كلام عظيم.

وحول مبررات التخوف من جانب بعض العلماء من تطبيق المنهج العلمي على القصص القرآني يرى الدكتور النجار ان هذا التخوف ليس له ما يبرره، مشيرا الى انه لايرى ما يدعو للتخوف وهؤلاء الذين يعربون عن تخوفهم فعلوا نفس الشيء عندما تم تطبيق العلم على شرح الآيات الكونية رغم ان الآيات الكونية في القرآن لايمكن أن تفهم فهما دقيقا في إطار اللغة وحدها، وإنما لابد من توظيف الحقائق العلمية حتى تفهم دلالة هذه الآيات ويكتشف سبق القرآن الكريم بالاشارة إليها فاذا لم نوظف الحقيقة العلمية فلن نفهم هذه الآية وسنظل ندور في دائرة مغلقة تتعلق باللغة ولن نصل من خلالها الى شيء.

ويوضح ان اللغة رغم أهميتها لكنها لا تكفي وحدها لشرح الآية الكونية خاصة في هذا العصر الذي لابد فيه من توظيف الحقائق العلمية وهذه الحقائق تكون بمثابة دليل مادي ملموس بالنسبة للقصص القرآني فعندما يقول القرآن «إرم ذات العماد» ثم تكتشف مدينة مقامة المباني فيها على أعمدة ضخمة جدا وعندما يقول القرآن «وثمود الذين جابوا الصخر بالواد» ثم يكتشف العلماء ان الصخور التي استخدمت في بناء قصور هذه المدينة كلها عبارة عن كتل ضخمة احضرها قوم ثمود الى بطن الوادي ونحتوها وبنوا فيها البيوت فهذا دليل لاينكره إلا جاحد لأنه واضح كالشمس لكل ذي بصيرة.

ويعد الدكتور عبدالله مبروك النجار الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر من أشد المنتقدين للتوجه الجديد للدكتور زغلول النجار حيث يرى ان ما يتصوره د. زغلول في تفسير كتاب الله ابرازا لجوانب الاعجاز العلمي في القرآن من خلال تفسير بعض الآيات على ضوء ثوابت العلم التي يعتريها التغيير يعبر عن خيال واسع واحلام عريضة لايقتنع بها عاقل، مشيرا الى ان التناول العلمي للقصص القرآني بحجة إظهار وجوه الاعجاز فيها سيجعل الدكتور زغلول يفعل بالقصص ما فعله بالآيات الكونية، أي اختلاق أمور علمية لا يقرها أحد.

ويؤكد د.مبروك ان هذا التعامل لايليق بكتاب الله لما فيه من أخطاء وأخطار لأن الأمر لن يكون كلاما يرجع الى حقائق كونية يراها الناس ويفهمها أهل العلم بما يفضح قول الجاهلين ويكشف أباطيلهم، كما انه سيظل وصفا لظاهرة تعتمد على التخمين، موضحا ان التعامل مع القصص القرآني من منظور الاعجاز العلمي أشد خطرا على أمن الناس وعلى كتاب الله لانه يصرفهم عن مقصود الشارع الحكيم من سياق هذه الآيات الى مآرب أخرى تجافي حقائق الدين وتصادر على الذين تحدثوا عن القصص القرآني طوال القرون الماضية.

ويضيف د.عبدالله مبروك ان الله لم يحك قصص السابقين في القرآن لمجرد التسلية وقتل الوقت ولكنه ذكرها لمقاصد تشريعية تتصل اتصالا مباشرا برسالة القرآن الكريم في هداية الناس وتوجيه سلوكهم نحو طاعة الله سبحانه وتعالى.

ويرى ان ترك هذا المقصد الأسمى والتركيز على المضمون المادي والأحداث القصصية فيه مصادرة على المقصود من تشريعه وهذا ضرر لايجوز الانزلاق إليه لأن التعامل مع القصص القرآني على هذا النحو سوف يصرفه عن مقاصده التشريعية السامية ويجعله يركز على ما قد ينطوي عليه من انحراف فيضخمه لاثارة الغرائز أو يبرز الظلم لاثارة الآخر وطغيان القادرين أو يزين الترف للناس ابتغاء صرفهم عن العمل للآخرة والاغراق في متاع الدنيا.

ويشير الى ان التعامل مع القصص القرآني بهذا المنطق لن يكون مجرد تعامل مع ظواهر كونية مادية ينضبط فيها الكلام بانضباط مادتها وثبات حقيقتها ولكنه سيكون تعاملا مع أحداث زمنية لايتوافر تحت أيدي الناس مصادر تبرزها أو كتابات تدل عليها سوى حديث القرآن الكريم وبالتالي فان تفسيرها بالرأي سيكون حديث هوى وميول تتلون بميول صاحبها ويخلص الى ان خطر هذا التوجه سيضرب عقيدة المسلمين في مقتل لانه سينال من أنبياء الله ويتعامل معهم تعامل المؤرخين مع رجال الأمم السابقين، وهذا يؤدي الى الخلط بين أنبياء السماء وأدعياء التدين في الأرض، وبين ملوك يتعاملون بالسياسة والهوى وبين رسل وأنبياء يبلغون الوحي ولا ينطقون عن الهوى ويمتزج التاريخ بالدين ويصبح الدين تاريخا لا قدوة فيه ولا هداية ترجى منه.

ويؤكد الدكتور محمد كمال امام استاذ الشريعة الاسلامية بكلية الحقوق جامعة الاسكندرية ان الدكتور زغلول النجار عالم في العلوم الطبيعية خاصة في الجيولوجيا وما يقدمه هو مجرد نظرات وليس تفسيرا للقرآن، واذا كنا استمعنا إليه سواء بالقبول أو الرفض فيما يتعلق بنظراته في المسائل الكونية فاذا دخل في موضوع قصص القرآن الذي يتعلق بلغة القرآن وبيانه وهو ليس له من ذلك علم كبير فينبغي على الدكتور النجار ألا يدخل في مجال القصص القرآني.

ويوضح ان القواعد العامة تقتضي انه طالما كان الانسان ليس لديه اختصاص في المسائل الشرعية وفي علوم التفسير فلا ينبغي له ان يدخل في مجال التفسير، ونحن نعتبر ان ما قدمه زغلول النجار ليس تفسيرا وإنما هو نظرات يربط فيها بين بعض الآيات الكونية والمخترعات العلمية لكنه ليس تفسيرا بحال من الأحوال.

ويشير الى ان القول بتطبيق المنهج العلمي على قصص القرآن مسألة غير مفهومة لأن المناهج العلمية متعددة وكثيرة، موضحا ان المنهج العلمي الخاص بعلوم اللغة وعلوم البيان والنحو والصرف هذا شيء جائز وقد طبقه القدامى ويطبقه المحدثون لكن اذا كان المقصود تطبيق النظريات العلمية على القصص القرآني فهذا مرفوض.

ويرى الدكتور احمد شوقي ابراهيم عضو المجلس الأعلى للشؤون الاسلامية وأحد أقطاب الاعجاز العلمي في القرآن والسنة ان تطبيق الحقائق العلمية على القصص القرآني يجب ان يتم بنية خالصة وبطريقة علمية سليمة فلا يصح ان أقول ان اينشتاين مثلا قال كذا وهذا ينطبق على ما ورد في القرآن في موضع كذا.

ويؤكد ان القرآن لو كان من عند بشر لذكر الاخطاء العلمية القديمة فهل يمكن لانسان ان يتوقع حقيقة علمية لم تكتشف إلا بعد أربعة عشر قرنا، هذا مستحيل، موضحا ان الاكتشافات العلمية الحديثة اثبتت ان هذا القرآن من عند الله ولايمكن أن يكون من عند بشر لذلك تجد الناس مبهورة بالاعجاز العلمي.

ويعارض الدكتور شوقي اخضاع القصص القرآني للحقائق العلمية، مؤكدا ان ذلك لن يخدم القرآن ولن يخدم الدعوة الاسلامية.