مفتي سلوفينيا: أحداث 11 سبتمبر عطلت مشاريع إسلامية في المنطقة

TT

عبر الشيخ عثمان دجوغيتش، مفتي سلوفينيا في بداية حديث لـ «الشرق الأوسط» عن ألمه لما يجري للمسلمين في العراق، حيث «كان المسلمون العرب يتابعون ما يجري في البلقان والقوقاز وكشمير والفلبين وغيرها من البلدان في العالم التي تسيل فيها دماء المسلمين ظلما وعدوانا، فتقشعر ابدانهم، وتدمع عيونهم، وتمتد ايدي الميسورين منهم الى جيوبهم فيتبرعون بما قسم الله للمعذبين في اصقاع الارض، وترتفع أيديهم مبتهلة تدعو الله بأن ينصر المسلمين ويخفف مصابهم، ويقنت بعضهم في المساجد، ويحزم بعضهم حقائبه ويلتحق بقوافل الاغاثة او الجهاد او كليهما. فإذا بتلك المآسي والفواجع والنوازل تنزل قريبا منهم. في العراق وشعبه المسلم الذي يربو تعداده على 26 مليون نسمة». كانت تلك كلمات الشيخ عثمان دجوغيتش في مستهل حواره معنا، لم نجد مقدمة افضل منها. ولأن موضوعنا هو عن المسلمين في سلوفينيا وليس العراق فقد اخذ الحديث مجرى آخر.

* قضية بناء جامع ومركز اسلامي في لوبليانا اخذت ابعادا دراماتيكية واصبحت تثير الكثير من التعليقات داخل الاوساط السلوفينية، ما الذي يجري تحديدا؟

ـ لقد سعينا ولا نزال نواصل نضالنا من أجل اقامة جامعة ومركز اسلامي في لوبليانا، ولكن للأسف لم نحصل حتى الآن على إذن ببدء البناء، وهذا امر يعد مخالفا لحقوق الانسان، وهو ما عبرت عنه جهات حقوقية داخل سلوفينيا وخارجها. وقد بات من المؤكد ان الحكومة السلوفينية أصبحت تدرك المأزق الذي اوقعها فيه بعض المتعصبين والجهلة تجاه الاسلام والمسلمين في سلوفينيا.

* هل اتصلتم بجهات خارجية لمساعدتكم على تنفيذ مشروع المركز الاسلامي في سلوفينيا؟

ـ لقد اتصلت بعدة سفارات اجنبية في لوبليانا منها السفارة التركية، والسفارة الاميركية وسفارات دول الاتحاد الاوروبي، والفاتيكان. ولكن حتى الآن لم نر أي أثر لتلك المحاولات والاتصالات، ومنذ عام ونحن ننتظر تجاوز العقبات الادارية المتعلقة بتراخيص العمل.

* ما هي العقبات الاساسية التي تحول دون الحصول على تراخيص البدء بتنفيذ المشروع؟

ـ هناك جهات سلوفينية تنظر للمركز الاسلامي على انه خطر على الطابع النصراني لسلوفينيا، ونحن قلنا لهم ان غرض المركز ليس دعوة النصارى للدخول في الاسلام وانما خدمة المسلمين في سلوفينيا، رغم انه لا حجر على اي سلوفيني في القوانين المعمول بها في البلاد بأن يعتنق الاسلام. وهناك حزب سياسي سلوفيني يعارض هو الآخر عملية اقامة الجامع والمركز الثقافي. وكنا نظن ان القساوسة أوسع صدرا من الدهماء لكن تبين ان بعضهم لا يختلفون عن الشوفينيين الآخرين، فقد ذكر القس فرانس رودي ان «الجامع في المفهوم الاسلامي من المعالم السياسية» ومع ذلك فإن قوله لا يبرر ابدا منع اقامة المركز الاسلامي لان الحريات بما فيها الدينية والسياسية مكفولة في الديمقراطية الحديثة في اوروبا ومختلف انحاء العالم الحر. وفي اعتقادي ان القضية في حاجة لمزيد من الجهود والحوارات واللقاءات لتوضيح حقيقة مطالبة مسلمي سلوفينيا باقامة جامع ومركز ثقافي في العاصمة لوبليانا.

* من الاصوات العاقلة حسب ما اوردته الانباء محافظ لوبليانا دانيس سيمشيتش الذي ذكر بأن لوبليانا مثلها مثل بقية المدن الاوروبية يمكن ان يقام فيها جامع ومركز اسلامي.. فما تعليقكم؟

ـ هو ذكر بأنه يجب اقامة الجامع والمركز الثقافي الاسلامي، ولكننا لم نحصل حتى الآن كما ذكرت على ترخيص، فالعبرة بالاعمال لا بالاقوال، نحن نطالب باقامة الجامع والمركز الثقافي الاسلامي في لوبليانا منذ 40 سنة وليس منذ الأمس، نحن نطالب بذلك منذ حكم الرئيس اليوغوسلافي السابق جوزيف بروز تيتو. تصريح المحافظ امر ايجابي ويخدم قضيتنا، لكن اخشى ان يكون ذلك مجرد كلام، حيث لا توجد اي مؤشرات على ان الموقف سيتغير والبعض يقول انه لم يأت الوقت للسماح للمسلمين ببناء جامع ومركز ثقافي في سلوفينيا رغم مرور كل هذا الوقت.

* من الذي يطالب باقامة جامع ومركز ثقافي في سلوفينيا، هناك من يقول انها رغبتكم الشخصية وما مستوى الآمال المعلقة على هذه المطالبات؟

ـ جميع المسلمين في لوبليانا يطالبون باقامة جامع يؤدون فيه شعائرهم ومركز ثقافي يتجمعون فيه في المناسبات. والقضية ليست مرتبطة بشخص، المسلمون ومنذ 40 سنة كما ذكرت آنفا يطالبون بذلك والمفتي الذي سبقني الشيخ موريس حاجي باشاوشوفيتش طالب بذلك وائمة سلوفينيا على رأسهم الشيخ اسحاق عيموفيتش والشيخ وحيد لوحار وعامة المسلمين في سلوفينيا. واعتقد بأن الأمل لا يزال يسكننا جميعا والمطالبة مستمرة ويجب ان لا تتوقف، والعمل في سبيل ذلك لا يزال قائما والنتائج بيد الله سبحانه وتعالى.

* ما هو موقف المشيخة الاسلامية الأم في سراييفو، وهل تقوم بمساعدتكم على مساعيكم الحميدة لخدمة المسلمين في سلوفينيا؟

ـ نحن في حاجة لدعم المشيخة الاسلامية في البوسنة، ونعتقد انه بدون تضافر جهود الجميع لا يمكن ان نكسب القضية، ولن تكون النتيجة كما نتمناها ونتوقعها. قدرنا هو مواصلة العمل وبذل المزيد من الجهد وان شاء الله يتحقق ما يأمل المسلمون في سلوفينيا في تحقيقه. المشيخة الاسلامية الام لها دورها، فقد كان اول حديث دار بيني وبين رئيس العلماء في البوسنة الدكتور مصطفى تسيريتش عندما ارسلني الى سلوفينيا لتولي الافتاء بها هو مواصلة السعي لاقامة جامع ومركز ثقافي اسلامي لخدمة المسلمين هناك. والمساعي الدبلوماسية لها مكانتها وضغط مسلمي سلوفينيا كل ذلك بعد عون الله له دور كبير.

* يتساءل البعض عن مدى حاجة المسلمين في سلوفينيا لجامع ومركز اسلامي؟

ـ المسلمون في سلوفينيا يتراوح تعدادهم بين 150 و 200 ألف نسمة أي قرابة %10 من عدد السكان الاجمالي وليس لهم جامع كبير ولا مركز ثقافي وهي من ابسط الحقوق الاثنية التي تتمتع بها الاقليات في العالم، لا سيما في البلاد العربية، حيث لا تشكو الاقليات غير المسلمة من أي عنت يذكر في ما يخص شعائرها الدينية. وهذا غير موجود في سلوفينيا على سبيل المثال. فالمسجد الموجود حاليا في لوبليانا يمتلئ بالمصلين ولا يتسع لاعدادهم في الصلاة. ويكون الوضع صعبا في الاعياد والمناسبات الاسلامية، لا سيما في شهر رمضان المبارك، في صلاة التراويح والجمعة وحفلات الزواج التي تتم بين المسلمين، حيث يحرصون على كتابة عقود الزواج داخل المسجد، وهو ما يدفع المئات للحضور، كما ان شبابنا يبحث عن مكان اسلامي يتجمعون فيه بدل المقاهي والحانات. كل ذلك يفرض علينا ويدفعنا الى العمل على اقامة مركز اسلامي يجمع شمل هؤلاء. وخلال السنوات العشر الماضية كنا نصلي الاعياد والتراويح في مركب رياضي ندفع ايجاره. وكان الآلاف من المسلمين يأتون لاداء الصلاة. والمركز الثقافي الذي نعمل على اقامته نهدف لجعله ملتقى للشباب المسلم وبقية المسلمين في سلوفينيا، يقضون فيه الاعياد وعطل نهاية الاسبوع ويروحون فيه عن انفسهم صحبة اطفالهم وعوائلهم. نريد من المركز ان يكون محضنا فكريا وتثقيفيا لمسلمي سلوفينيا. وتكون بين مرافقه مكتبة عامة يتزود منها الشباب وبقية المسلمين بالمعارف الاسلامية. ويكون مكانا يحفظ فيه ابناء المسلمين دينهم وعقيدتهم، ويكون مكانا لتحفيظ القرآن الكريم وتلقي العلوم الاسلامية الأخرى. والمركز الثقافي من أكثر الاحتياجات والضروريات لمسلمي سلوفينيا فهم يعيشون في بلد صغير ويمكن للمسلمين جميعا ان يكونوا في المركز الثقافي خلال ساعة واحدة بعد اقامة شبكة الطرق السريعة. اقامة المركز فتح كبير ندعو الله ان يحققه، انه نعم المولى ونعم النصير.

* ذكرت في حديثك السابق وجود تنسيق بين دار الافتاء في سلوفينيا والمشيخة الاسلامية في البوسنة فما هو نوع هذا التنسيق؟

ـ تعيين مفتي سلوفينيا يتم من سراييفو، حيث ان المشيخة الاسلامية في ما كان يعرف بيوغوسلافيا السابقة مشيخة واحدة، وقرار انشائها الذي تم في عام 1882 اتخذ في العهد النمساوي. وتعيين مفتي سلوفينيا بناء على ذلك يتم من قبل المشيخة الاسلامية في سراييفو حسب اللوائح المعمول بها منذ ما يزيد عن 120 عاما. وللمفتي صلاحيات واسعة منحتها له المشيخة الاسلامية وهي ادارة الشؤون الاسلامية في المنطقة التي تتبع له. وهناك رئيس الأئمة وهو المرجع الاول بعد المفتي في المنطقة. أما القرارات الاستراتيجية فتعود للمشيخة الاسلامية في سراييفو مثل بناء الجامع والمركز الثقافي في سلوفينيا. وحسب الهرم الوظيفي في المشيخة الاسلامية يأتي المفتي في المرتبة الثانية بعد رئيس العلماء الذي يشغل اعلى الهرم. ولا يمكن للمفتي ان يغير اسم المشيخة او يكون مشيخة موازية مستقلة عن سراييفو.

* هل يوجد مسلمون من اصول سلوفينية؟

ـ يوجد عدد كبير من المسلمين من اصول سلوفينية، والبقية من المسلمين الذين استوطنوا سلوفينيا منذ عقود خلت. وهم الآن سلوفينيون بحكم القانون.

* هل انتم راضون على بقاء البوشناق المتجنسين في سلوفينيا هنا، في ظل احصائيات تذكر ان هناك مليونا ونصف المليون بوسني في الخارج لا يفكر بالعودة منهم الى البوسنة سوى %5 وهم موجودون في اكثر من 100 دولة في العالم حاليا؟

ـ المسلمون البوشناق في سلوفينيا ليسوا مثل بقية المسلمين المنتشرين في انحاء العالم فهم قريبون من البوسنة، وعلاقتهم بدينهم جيدة، ووجودهم في سلوفينيا يخدم المصالح البوسنية على المدى البعيد.

* هل هناك اقبال كبير من قبل المسلمين على المساجد في سلوفينيا؟

ـ هناك عدد كبير من المسلمين يأتون بابنائهم للمسجد، لكن العدد اقل مما ينبغي، وذلك لعدم وجود المكان الذي يتسع للجميع. ويقتصر حضور الكثير منهم في ايام العطل الاسبوعية، فضلا عن رمضان والاعياد، ونحن في حاجة لعمل متواصل وجاد داخل اوساط المسلمين هنا في سلوفينيا.

* ماذا عن علاقتكم بالائمة؟

ـ لدينا حاليا خمسة مساجد صغيرة فقط اي خمس جماعات، وعلاقتي بالأئمة هي علاقة اخوة يعملون جميعا من اجل هدف واحد، ويدركون ان المسؤولية على عواتقهم جميعا، انه عمل لهذا الدين وسط ابناء هذا الدين. والابناء مثل كل الابناء فيهم جميع الانواع البشرية، ولا يمكن لمن يتصدر لمداواة الناس ان يكون عليلا. أما بالنسبة للعمل السياسي فإن كثيرا من الاحزاب السياسية تحاول كسب اصوات المسلمين، ونحن نحاول بدورنا ان نستثمر ذلك لخدمة مصالح المسلمين في سلوفينيا.

* هل اثرت احداث 11 سبتمبر على علاقة المسلمين، خاصة القيادات المسلمة بغير المسلمين في سلوفينيا؟

ـ لقد اثرت احداث 11 سبتمبر في علاقة المسلمين بالوسط الذي يعيشون فيه، واثرت في قضية بناء المركز الاسلامي في العاصمة لوبليانا، وكثير من الصحف كتبت بأن «المركز سيكون قاعدة خلفية للارهاب» وقد اثر ذلك في علاقة المسلمين بغيرهم من غير المسلمين. وقالت الصحافة السلوفينية الواقعة تحت تأثير جهات خارجية ان %70 من السلوفينيين يعارضون بناء المركز بناء على ذلك. وهناك اشياء أخرى يمكن قراءتها بين السطور.