وكيل مؤسسي حزب الوسط في مصر: الحركات الإسلامية السلمية تتحمل أيضا تبعة التطرف لكونها لم تمارس نقدا جذريا للرؤى التي تتبناها جماعات العنف

أبو العلا ماضي لـ«الشرق الأوسط»: جماعة الإخوان تمارس السياسة من دون أن تعترف أنها جماعة سياسية * داخل جماعة الإخوان آلية مدمرة لقتل الأفكار يديرها التيار التقليدي * الإسلاميون ينتقدون أي علاقة بالأجهزة الأمنية ويقيمون في الخفاء علاقات معا

TT

وسط الضجة التي اثارتها قضية طلب تأسيس حزب سياسي في مصر عام 1996، تحت مسمى حزب الوسط ومؤسسيه مجموعة من الجيل الوسيط في الاخوان المسلمين ظهر اسم ابو العلا ماضي الذي كان وكيلا للمؤسسين واحد ابرز الشخصيات المتبنية للمشروع.

وقتها قوبل الطلب بريبة في الاوساط السياسية خشية ان يكون الحزب غطاء سياسيا لجماعة الاخوان المسلمين. ولم تفلح بيانات الاخوان النافية لاي علاقة بمشروع الحزب وان القائمين عليه هم خارج صفوف الاخوان في انهاء تلك الريبة والشكوك التي لم تنته الا بعد مرور عدة شهور وبروز خلافات حادة ومعارك صحافية جرت بين مؤسسي حزب الوسط وجماعة الاخوان، اضافة الى الاختلاف الواضح في مضامين الخطاب بين الجماعة ومشروع الحزب.

قبل ذلك كان ابو العلا ماضي من ابرز الشخصيات الشبابية داخل جماعة الاخوان التي انضم اليها عام 1979، بعد ان كان احد الناشطين في الجماعة الاسلامية العاملة داخل الاوساط الجامعية في المدن المصرية في السبعينات.

وقد حقق حضورا كبيرا داخل صفوف الاخوان لقدراته الحركية العالية ونشاطه الفاعل في اوساط الشباب الامر الذي جعل الجماعة تقرر ترشيحه لمجلس الشعب عام 1987، لشعورها بالاحتمالات المرتفعة لفوزه، ولكن حال دون ذلك قانون الانتخاب الذي لا يسمح لمن هم دون الثلاثين عاما الترشح للمجلس وكان ابو العلا ماضي في التاسعة والعشرين من العمر.

عام 1981 برز اسمه في لائحة ابرز المتهمين باغتيال السادات واستطاع التواري والفرار في الاحراش والصحارى لمدة تزيد عن العشرة اشهر حتى ثبتت براءته بقرار من المحكمة العليا وتم الكشف عن الجانين.

اليوم يعد ابو العلا ماضي من المختصين بشؤون الحركات الاسلامية وناقدا للفكر الحركي التقليدي، كتب في ذلك عدة بحوث ودراسات، اضافة الى سعيه المتواصل مع مجموعة المؤسسين للحصول على رخصة قانونية لحزب الوسط.

عن الحركات الاسلامية والحملة الدولية على الارهاب وتفسير التطرف الديني ومشروع حزب الوسط جرى معه هذا الحوار.

* الا تعتقد ان العالم اليوم هو عالم المؤسسات المدنية المفتوحة والمندمجة بالمجتمع؟

ـ بالتأكيد هذا التغير النوعي الذي حدث في العالم، لم يعد مناسبا معه الاساليب القديمة في التربية والحركة، حيث نجحت هذه الاساليب في ظل مجتمعات مغلقة منيعة على الاختراق المباشر، اما الآن في ظل الانفتاح الهائل والتواصل غير المسبوق عن طريق شبكة المعلومات الدولية (الانترنت)، والاطباق اللاقطة الفضائية ووسائل الاتصال شديدة السرعة والوصول في ثوان معدودة الى اي مكان في العالم، يستوجب تغييرا شاملا في الاساليب القديمة ومناهج التربية بما يؤهل الفرد المسلم لتحصين ذاتي ضد الاختراق الاخلاقي والقيمي، مع انفتاحه على المجتمعات والمؤسسات المدنية والعمل من خلالها وتوجيهها وفقا لقيمه ومبادئه فلا يكتفي برد فعل المتلقي، ولكن عليه دور المبادر والصانع للافكار والنشاطات وغيرها.

* العالم يشهد اليوم منذ 11سبتمبر حملة دولية ضد الارهاب تقودها الولايات المتحدة الاميركية وموجهة بالدرجة الاولى ضد التشدد الديني الاسلامي بالشكل والمواصفات التي تحددها وتفهمها الولايات المتحدة مما سينعكس بالضرورة على محاربة بعض التيارات والحركات الاسلامية، التي لا تمارس العنف وتؤمن بالعمل السلمي الديمقراطي فقط، لكونها تقع في خندق المواجهة والرفض للنفوذ الاميركي في المنطقة.. الا تعتقد ان هذه التيارات والحركات الاسلامية المؤمنة بالعمل السلمي والمندمجة بالمشهد السياسي المحلي داخل اوطانها تتحمل بعض العبء لكونها لم تمارس بشكل حقيقي وطوال العقود الماضية نقدا جذريا وفي العلن للرؤى والافكار التي تتبناها الجماعات الاسلامية المتشددة؟

ـ لا بد ان نعترف بأن الادارة الاميركية الحالية هي ادارة متطرفة، بل بالغة التطرف، حيث اصبح اليمين الديني المتطرف واليمين السياسي المتطرف معا يسيطرون على مقاليد الادارة الاميركية، وبالتالي حربهم على ما تسميه الارهاب هي في كثير من جوانبها حرب غير عادلة فهي تعتمد المعيار الصهيوني الاسرائيلي الذي يعتبر المقاومة المشروعة للاحتلال ارهابا، وبالتالي لا استطيع ان اقبل منطق هذه الادارة المتطرفة كاملا.

اما كون التيارات والحركات الاسلامية المؤمنة بالعمل السلمي والمندمجة بالمشهد السياسي تتحمل بعض العبء لكونها لم تمارس بشكل حقيقي وطوال العقود الماضية، نقدا جذريا وفي العلن للرؤى والافكار التي تتبناها الجماعات الاسلامية المتشددة وان هناك خشية من ارتداد النقد عليها فهو صحيح تماما، ولكونها كذلك لم تقم بمراجعة مواقفها هي نفسها لتتعلم ايجابياتها وسلبياتها لكي تعالج هذه السلبيات ولم تعد رؤية متطورة للواقع المتطور حولها، ولم تستعد لهذه اللحظة بأي شكل من الاشكال.

* السائد عند الاسلاميين في سياق تفسيرهم لظهور التشدد الديني هو تحميل العامل السياسي التبعة الكبرى كالانحياز الاميركي الكامل لاسرائيل والتدخل الاميركي في سياسات دول المنطقة وتعامل السلطات السياسية العربية القاسي مع الاسلاميين كما حصل في المرحلة الناصرية، حيث ظهرت بعض الجماعات المتشددة من داخل السجون، اضافة الى عدم اعطائهم الحريات السياسية والمدنية للعمل الحر في بلدانهم. اما التفسير الليبرالي لظهور التشدد الديني فهو يلقي باللائمة على مناهج التعليم والفكر الديني والتراث الفقهي والشرعي الذي ينظر للعنف ولا يعترف بالآخر، وتسيس الدين الذي تمارسه كل الحركات الاسلامية المسيسة. في رأيك ما هو العامل الاهم الصانع للتشدد الديني؟

ـ من وجهة نظري ان كل العاملين لهم دور مهم في صنع هذه الظاهرة، اي ظاهرة التشدد الديني، العامل السياسي الخارجي المتمثل في الانحياز الاميركي الكامل لاسرائيل وكثير من دول الغرب، وكذلك سياسة ازدواجية المعايير في المواقف الدولية، اي تبني مواقف متشددة تجاه العالم العربي والاسلامي، في حين يكون الامر على عكس ذلك عند دول الشمال اي الغرب واسرائيل، كذلك تعامل السلطات المحلية القاسية مع الاسلاميين له دور كبير ايضا، وكذلك الرؤى الفقهية والفكرية المتشددة والمغذية لفكرة العنف والتكفير والتثوير له ايضا دور كبير ومهم، واما فكرة التسيس الديني ففكرة غامضة وغير واضحة، حيث ان الاسلام دين شامل يشمل العقائد والاخلاق والمعاملات والتشريع.. الخ. اي ان السياسة جزء من هذا المفهوم، ولكن بأي وجه يكون ذلك، هناك وجه معتدل مشرق حكم الاسلام في معظم العصور، وهناك وجه متشدد منغلق اضر بالاسلام والمسلمين فيجب التمييز بين هذين الوجهين.

* لننتقل لحزب الوسط.. ما الفرق بينكم كمؤسسين لحزب الوسط وبين الاخوان المسلمين.. هل هناك فروقات في الفكرة؟ ام ان القضية يمكن حصرها بحالة ضجر من القيود التنظيمية التي كان تنظيم الاخوان يفرضها عليكم يوم كنتم من المنتمين اليه، اضافة الى ان لديكم مجموعة من الملاحظات التي ربما لا تتجاوز كونها ملاحظات تنظيمية؟

ـ نعم، صحيح ان المجموعة الرئيسية في حزب الوسط كانت منتمية يوما للاخوان المسلمين وانهم كانوا من الجيل الوسيط في الاخوان وقد عاش بعضنا ما يزيد على العشرين عاما داخل الجماعة.. صحيح اننا كنا نعاني ضجرا تنظيميا، لكن لم يكن هذا فقط هو مبررنا للخروج ولانشاء حزب الوسط.. نحن نظن ان داخل الاخوان مشكلتين رئيسيتين.. مشكلة تتعلق بالافكار وتطوير الخطاب ومشكلة تتعلق بالادارة. اي ادارة الموقف والرؤية لتحقيق الاهداف المرجوة. هاتان المشكلتان لم نكن نحن الوحيدين الذين نشعر بهما، بل ان هناك عددا كبيرا من الذين ما زالوا ينتمون للاخوان يشعرون بهاتين المشكلتين، لذلك يوجد اليوم داخل الاخوان تياران احدهما يمكن ان نسميه تيارا اصلاحيا تجديديا، وتيار آخر منغلق وتقليدي ولا يقبل التجديد والتطوير.

مجموعتنا نحن في حزب الوسط كنا ننتمي الى التيار الاول الذي كان ينادي بتطوير الخطاب والافكار والرؤى وتطوير الادارة وزيادة فعاليتها، كنا نعاني كثيرا من نفوذ التيار التقليدي وسيطرته على مواقع اتخاذ القرار.. فكرة حزب الوسط خرجت الى النور في عام 1996، وقبل ان تخرج الفكرة الى النور بعشر سنوات كنا كتيار تجديدي نضغط في هذا الاتجاه وقد انفقنا من اعمارنا عشر سنوات من اجل اقناع بعض افراد القيادة المتنفذين بأهمية الشروع في تأسيس حزب سياسي.

* اي الفكرة كانت موجودة منذ عام 1986؟

ـ بالفعل هذا التدريج كان يمثل منعطفا لنا كشباب داخل جماعة الاخوان يسعى الى مجموعة من الاصلاحات الداخلية والخارجية. في هذا التاريخ توفي المرشد الثالث للاخوان المسلمين عمر التلمساني وبعد وفاته بدأت تبرز في الجماعة شخصيات اصبح لها تأثير كبير في توجه الجماعة وقرارها ولم يكن لها في حياة الاستاذ التلمساني اي دور او تأثير.. في هذا التاريخ كانت هناك بدايات ظهور لمجموعات شبابية داخل الجماعة تدعو الى التجديد والتطوير، وكانت هذه المجموعات على علاقة مباشرة بالاستاذ التلمساني الذي كان يرعى هذا التوجه داخل الجماعة وينميه. وعند وفاته ـ رحمه الله ـ وبروز شخصيات جديدة كان بعضها خارج مصر ورجعت مع وفاة عمر التلمساني ظهرت هناك اول ملامح الصراع بين هذين التيارين. وتفاقم هذا الامر شيئا فشيئا ومع مرور السنين حتى وصل ذروته في نهاية عام 1995، وبدأت بعد ذلك فكرة الانفصال واكمال فكرة تأسيس الحزب السياسي من خارج الاخوان المسلمين.

اما من ناحية الفرق بين حزب الوسط والاخوان المسلمين فنحن نعتقد ان هناك امرا مهما في رؤيتنا لجماعة الاخوان المسلمين. هو ان جماعة الاخوان تمارس السياسة دون ان تعترف انها جماعة سياسية اي انها دائما ترفع شعار انها جماعة دعوية ومع ذلك فإن العمل السياسي داخل الجماعة يكاد يحظى بالدور الاكبر. هذا الامر اوجد التباسا كبيرا في طبيعة خطاب الجماعة وفي طبيعة الادوار التي تمارسها.. كنا ننادي انه يجب ان يكون هناك للجماعة دوران في العمل وليس دورا واحدا دعويا.. ويجب ان ينفصل هذان الدوران عن بعضهما البعض لأن الخلط بين الدورين هو ما يسبب مشكلات كبيرة للجماعة. لذلك عندما وصلنا نحن كمجموعة الى طريق مسدود داخل جماعة الاخوان، قررنا ان نقوم بفكرة تأسيس الحزب السياسي، وذلك بالخروج من الاخوان من اجل ان تتاح لنا مرونة عالية في تطوير الخطاب والفكر وتطوير الجانب الاداري والتنظيمي دون ان يثقل كواهلنا الارث التاريخي للاخوان والمشكلات المزمنة داخل الجماعة.

* هل افهم من كلامك هذا ان حزب الوسط هو حزب «اخوان تقليدي»؟

ـ لا، طبعا من الصعب ان تطلق عليه ذلك.. صحيح ان ابرز المؤسسين قضوا جزءا كبيرا من حياتهم داخل صفوف الاخوان، الا ان حزب الوسط قد رسم منهجا سياسيا نعتقد انه قد سبق وتطور عن طريقة الاخوان في العمل السياسي. لذلك لا يمكن ان تطلق عليه هذا الوصف.. هذا الوصف يمكن ان يطلق على حزب جبهة العمل الاسلامي في الاردن الذي يمثل واجهة سياسية لنشاط الاخوان المسلمين الاردنيين. اما حزب الوسط فهو يمثل الآن حزبا مستقلا يختلف عن الاخوان المسلمين في الافكار والرؤى وآليات العمل السياسي.

* رفاقكم السابقون والذين بقوا داخل جماعة الاخوان يرون انكم لم تبذلوا من الجهد ما يكفي لمحاولة اصلاح الجماعة من الداخل، خاصة ان التيار الذي يمثل الانغلاق والتقليدية في الاخوان غالبيته الساحقة هم من كبار السن الذين تزيد اعمارهم عن 70 عاما، يعني يمكن ان نقول ان غالب هذا الجيل وبحساب بسيط لن يكون موجودا بعد عشرة او خمسة عشر عاما مما يجعل الطريق مفتوحا للاصلاح؟

ـ هذا ما كان يقال منذ خمسة وعشرين عاما ولم يحدث الى اليوم اي اصلاح يستحق الذكر، ثم يضيف ضاحكا: «ربنا يديهم الصحة والعافية» ابناء جيلنا يموت كثير منهم في الاربعينات وكثير من الشيوخ الاخوان في اواخر السبعينات والثمانينات وما شاء الله في صحة وعافية.

القصة ليست قصة اعمار فهي بيد الله، لكن المشكلة ان هناك آلية داخل الجماعة لقتل الافكار وانتظار الوقت المناسب كما يريدنا البعض ان نفعل يعني ان ننتظر سنين طويلة اخرى حتى يتم القضاء على الافكار الاصلاحية، وانا اعتبر ذلك نوعا من الاستسلام للواقع المرير داخل الجماعة، ماذا فعل التيار الاصلاحي طوال خمسة عشر عاما؟ المحصلة لا شيء يستحق الذكر، بل ان الجماعة من ست سنوات الى اليوم وهي تنتقل من سيئ الى أسوأ. ما اقوله دائما ان داخل جماعة الاخوان آلية مدمرة لقتل الافكار. من المشكلات ايضا التي طرأت على الاخوان من عدة سنين انه لا يقدم الى المراكز القيادية الاكبر سنا فقط كما كان متبعا داخل الجماعة دائما عبر هذه الآلية المهترئة، بل اصبح يقدم الاكثر طاعة وولاء للافكار التقليدية المنغلقة التي تقتنع بها بعض الشخصيات المتنفذة داخل الجماعة وان كان الاصغر سنا.

* اذا ما امكنكم الحصول على رخصة لحزب الوسط كي يعمل بقانونية في الساحة السياسية كيف يمكنكم عندئذ العمل كحزب سياسي وانتم تفتقرون الى اي كوادر عاملة في الاوساط الشعبية. البعض يرى انكم مجرد نخبة مثقفة تفتقر الى اي امتداد او حضور جماهيري، الا ترى انه يمكن بسبب ذلك عزلكم عن العمل المؤثر في الساحة السياسية من قبل بعض الجماعات والاحزاب السياسية ذات الجماهيرية العالية؟

ـ كيف بدأت جماعة الاخوان المسلمين عملها.. كانوا في بدايتهم عبارة عن خمسة اشخاص غالبهم من العمال ويعيشون في الاسماعيلية في طرف القطر المصري، ولكن عمل لهذه الفكرة باخلاص وجد حتى اكتسحت خلال سنوات جميع المحافظات المصرية، كل الافكار الناجحة وذات الجماهيرية العالية بدأت بفكرة في رأس اشخاص محدودين وليس فقط الافكار الاسلامية، بل حتى افكار التحرر الوطني ومناهضة الاستعمار وحتى فكر اللاعنف لغاندي في الهند، كلها افكار بدأت في رأس اشخاص وربما شخص واحد فقط، ثم لاقت جماهيرية كبيرة. المهم ان تكون هذه الفكرة تملك بذور النجاح.

نحن نرى اننا في حزب الوسط نملك مشروعا قابلا للنجاح ونستطيع بإذن الله تكوين تيار شعبي عريض ومؤيد لهذا المشروع، ولذلك نحن نراهن الآن على الشرعية القانونية من اجل ان نعمل بحرية، لدينا تجربة طويلة في العمل السري مع الاخوان وحتى قبل ان ننضم للاخوان، ونعرف جيدا كيف نحشد الجماهير، ولكننا وصلنا الى قناعة ان طريق العمل السري سيكون مسدودا في النهاية، وكل الحركات الاسلامية التي تمارس العمل السري ستصل الى طريق مسدود، لذا نحن نراهن على الشرعية، ونحن من الآن نرى كثيرا من المتعاطفين والذين يقبلون فكرة حزب الوسط، ولكن هناك ايضا من الخصوم الذين يريدون افشال اي تجربة جديدة، لقد سمعنا كثيرا منهم عن كون فكرتنا فكرة نخبوية، وانها لن يكتب لها النجاح، ولكن الحقيقة انهم لا يتمنون لنا النجاح ويريدون ارجاعنا للعمل السري، ولكننا نرفض وهم يعلمون ان لنا تجربة طويلة في العمل الجماهيري واننا نجيد ادوات العمل الشعبي، ونعرف كيف نحشد الجماهير، والا كيف ادخلنا المئات من الشباب للاخوان المسلمين، وهذا الامر يعلمه الجميع وليس سرا، نعم، نحن فكرة نخبوية، ولن تنجح الا الافكار النخبوية الناضجة ونحن نعرف كيف نبسط افكارنا للجماهير. المهم اننا لا نعمل الا في اطار شرعية القانون.

* حسنا اذا حصلتم على شرعية العمل القانوني وبدأتم في عملية تكوين الكوادر، الا تعتقد انكم ستقيمون صراعا مع الاخوان المسلمين لاستقطاب كوادرهم كونها الاقرب الى فكرة حزب الوسط؟

ـ انا لا انكر ان اقرب الشباب المتدين الى فكرتنا هم شريحة كبيرة من شباب الاخوان المسلمين، لكن المشكلة ان معظم الحركات الاسلامية ما زالت تفكر بطريقة القبيلة والعائلة اي انها لا تتوجه بخطابها الا الى جهات محدودة تضمن ولاءها تقليديا، واذا ما كان هناك اكثر من فصيل اسلامي في البلد تبدأ المعارك على استقطاب هذه الشريحة المحدودة. نحن في حزب الوسط نريد ان نخاطب جميع الامة، نريد ان نخاطب في مصر 70 مليون انسان. لذا يجب الا نلتفت كثيرا لبضع مئات او بضعة آلاف يمثلون الاخوان المسلمين ولا نريد ان ندخل في معركة مع احد على هؤلاء، بل نريد ان نتجاوز هذا الانغلاق وان نكسر هذه القوالب القديمة في العمل الحركي.

* بعض الاسلاميين يشيرون الى ان مجموعة حزب الوسط وبالخصوص ابو العلا ماضي الذي بدأ فكرة الحزب واستطاع تكوين علاقات جيدة وممتدة مع مجمل الاطياف الثقافية والسياسية في مصر، وبدأ بالظهور في وسائل الاعلام الحكومية وعدد من الفضائيات العربية وحصل هو ومجموعة الحزب على رخصة لعمل جمعية مركزية يتاح لها العمل وفتح الفروع في كل المحافظات المصرية، ان كل ذلك حصل بسبب علاقات جيدة مع الاجهزة الامنية. ما دقة الذي ذكر؟

ـ هذا الذي ذكرته يؤكد ما قلت ان كثيرا من اخواننا في الحركة الاسلامية ما زالوا اسرى للمقولات القديمة ولقوالب العمل الجاهزة التي نشأوا عليها. نحن ننطلق في حزب الوسط من فكرة ان التصادم مع السلطة واجهزة الامن فكرة مضرة بالعمل والمشروع الاسلامي، ونحن ندعو الى ان تمارس جميع الفصائل والحركات الاسلامية حوارا مع السلطة ومؤسساتها السياسية من اجل محاولة تحقيق الاهداف بصورة سلمية. ومع ذلك سوف تجد ان كل الحركات الاسلامية لها علاقات بالاجهزة الامنية كثير منها يجري في الخفاء. وكنت انا مع بعض الاخوة منذ خمسة عشر عاما مكلفين من قبل جماعة الاخوان بالاتصال والحوار مع السلطة واجهزتها الامنية. وبقية الجماعات الاسلامية ايضا بينها وبين السلطات اتصال وحوار. انا اعتقد ان في هذا الطريق تحقيقا اكبر للمصالح من نظرية التصادم والمفاصلة، ونحن حين نحاور السلطة لا نستجدي منها فضلا وكرما بقدر ما نطالبها بحقوقنا الشرعية في العمل العلني والشرعية القانونية.

* عفوا.. ما يطرح ان علاقتكم مع الاجهزة الامنية اكثر من مجرد حوار؟

ـ لا نريد ان ندخل في ساحة الاتهامات الرخيصة. نحن منهجنا وطريقتنا وتاريخنا معروف ومعلن.. وان تنطوي الخصومة داخل الصف الاسلامي الى اطلاق اتهامات بهذا الاسفاف امر لا يقبل على الاطلاق.. ولا نريد ان نزايد على الآخرين، لأننا نفعل ما لا يفعله الآخرون في الجماعات الاسلامية. نحن ننتقد كثيرا من ممارسات السلطة علنا وبأعلى صوت. ونرفع صوتنا بالاخطاء التي ترتكب بجرأة لا تمارسها غالب الجماعات الاسلامية. ربما نختلف في الوسط الاسلامي بشأن الكثير من الرؤى والافكار عن الجماعات الاسلامية السائدة، لكن يجب ان لا يصل الامر الى درجة التشكيك والاتهام.. من يتهمنا بذلك فعليه بالتدليل.

* الدليل كما يذكرون هو قبول السلطة اعطاءكم رخصة جمعية مركزية ولم يسبق ان اعطت لأي جماعة او فصيل اسلامي رخصة مماثلة؟

ـ هذا دليل ادانة ام دليل نجاح.. انا لا اعلم بأي طريقة يفكر هؤلاء. كان يجب ان يعتبروا قبول السلطة السياسية بانشاء هذه الجمعية نجاحا للاسلاميين وفتح الطريق لقبول جمعيات اخرى تقوم بانشائها جماعات وحركات اسلامية اخرى. يجب ان يعلم الجميع ان انشاء الجمعية لم يأت بالبساطة التي قد يتصورها البعض. لقد تقدمنا مرتين من اجل تكوين حزب سياسي. وفي كلتا المرتين يرفض الطلب. فقررنا ان نتقدم بطلب رخصة لصحيفة اسبوعية اسميناها المستقبل، ولكن السلطة رفضت من جديد.

وفي كل مرحلة من هذه المراحل كنا ندخل في مفاوضات وحوار مع ممثلين للسلطة ونحاول اقناعهم بأننا نريد ان نسلك طريقا قانونيا للعمل ولا نريد ان نمارس عملا سريا. واستطعنا عبر مفاوضات شاقة ان نحظى منهم بقبول انشاء جمعية مركزية تحت مسمى «جمعية مصر للثقافة والحوار». لم يكن انشاء هذه الجمعية سهلا ولم يكن كرما من السلطة بقدر ما اننا استطعنا ان ننتزع حقا من حقوقنا، لكن المؤسف ان يعتبر اخواننا في التيار الاسلامي ان نجاحنا في اخذ بعض حقوقنا دليل ادانة.

* ما دقة ما ذكر من ان رفيق حبيب قد انسحب من مجموعة حزب الوسط وهو الذي يعد من ابرز المنظرين لفكرة الحزب وممن كتب عدة دراسات ومقالات بخصوص رؤية الحزب للقضايا المختلفة، اضافة لكون رفيق «القبطي» الوحيد في مجموعتكم الامر الذي اضاف لفكرتكم بعدا جديدا غير مسبوق في العمل الاسلامي؟

ـ هذا الكلام ايضا غير دقيق ـ وان كان فيه جزء من الحقيقة ـ ورفيق حبيب رجل مبدئي وتحترمه كل الاوساط الثقافية والسياسية وهو متقارب مع الفكرة الاسلامية في العمل، لكن هذا لم يمنع ان نجد مع الوقت بعض الفروقات الاستراتيجية بيننا وبينه في الرؤية واساليب العمل. رفيق كان ممن يتبنى رؤية ان جميع المصريين بما فيهم الاقباط يجمعهم الانتماء للحضارة العربية والاسلامية وقد كتب كتابا في هذا الموضوع، وكان يتوافق معنا في الخطوط العريضة لفكرة حزب الوسط، ولكننا لم نتحاور في كثير من التفاصيل التي بدأت تظهر مع مرور الوقت بعض الاختلاف بيننا وبينه في الرؤية، اما قصة خروجه وانسحابه فهذا ما لم يحصل.

نحن اصلا لسنا حزبا حتى ينسحب منه، نحن مجموعة تريد تكوين حزب. اي مشروع حزب فقط. وسواء اكملنا الطريق مع رفيق او بدونه فسيبقى في كل الاحوال من القريبين منا والمساندين لكثير من افكارنا. اما مسألة كونه القبطي الوحيد فنحن لنا علاقات جيدة مع العديد من الاقباط الذين يوافقوننا في الفكرة، وابدى بعضهم استعدادا للانضمام لنا متى شرع العمل القانوني للحزب.

* هل يمكن ان تذكر لنا نقاط الخلاف الرئيسية مع رفيق؟

ـ اغلب خلافنا كان يتعلق بقضية المشروع السياسي، فمثلا رفيق لا يؤمن بفكرة الاحزاب ويرى ان العمل الحزبي هو حالة اضطرار يجب ان تزول مع مرور الوقت.. وهذا الامر شكل خلافا رئيسيا معنا، فنحن نسعى لتكوين حزب سياسي وندعم فكرة العمل الحزبي المنظم. النقطة الرئيسية الثانية في الخلاف هي ان رفيق يدعم فكرة التمثيل الطائفي في الحزب وفي السلطة اي ان يكون لكل طائفة عدد من المقاعد، وهذا ما نرفضه تماما ونعتقد انه يمثل خطرا على مجتمعنا. هذا هو الخلاف الرئيسي بيننا وتبقى هناك خلافات جزئية متعددة، ولكنها ليست بأهمية النقطتين اللتين ذكرتهما.