في عمل الحركات والأحزاب الإسلامية هل يجب الفصل بين «الدعوي» و«السياسي»؟

تساؤلات حول تسييس الدعوة الإسلامية وتحميل العمل الدعوي والشرعي والإغاثي مضامين سياسية

TT

ما موقف الناخب عندما يجد ان امام وخطيب المسجد المجاور لبيته والذي ما فتئ يأمره في خطبة الجمعة بالصدق والتقوى والصلاح والبعد عن الشبهات هو مرشح دائرته الانتخابية للمجلس النيابي ممثلا لاحدى الكتل السياسية؟

قد تلخص الجملة السابقة «السؤال الأهم» لطبيعة العلاقة بين «الدعوي» و«السياسي» في عمل الحركات والجماعات والاحزاب الاسلامية التي تمارس عملا سياسيا ودعويا في آن واحد.

هذا التساؤل يطرحه البعض للاشارة الى ان تسييس الدعوة الاسلامية وتحميل العمل الدعوي والشرعي والاغاثي مضامين سياسية الامر الذي يجعل من «الداعية» الذي يدعو الناس الى البر والتقوى والعمل الصالح والقرب من الله هو يدعوهم ايضا في «اللاشعور» لنصرة حركته واتجاهه السياسي. ان هذا العمل يخل بمبدأ تكافؤ الفرص لجميع الفرقاء في العمل السياسي ويقحم الدين بوضوحه وصفائه وخيريته في المعترك السياسي الذي يعتمد بطبيعته على المراوغة والتكتيك والتحالفات والحسابات والواقعية والبراغماتية، الامر الذي قد يضفي الصفة «الدينية» على معارك وخلافات هي في حقيقتها سياسية، ويجعل لغة «الانحراف الديني» و«الفسق» و«البدعة» و«اللادينية» وسواها هي الحاضرة في الاجواء السياسية بدل ان تسود لغة البرامج الانتخابية والمشاريع الاصلاحية ومدى القدرة على خدمة المجتمعات والشعوب.. وذلك يدعو الى وجوب الفصل الكامل بين الحركات والاحزاب التي تمارس عملا سياسيا وبين المنظمات والهيئات والجمعيات التي تمارس عملا دعويا واغاثيا وتعليميا، دون ان يعني ذلك اخلالا من كلا الفريقين بالتزامه المرجعية الاسلامية.

لكن البعض يرى في هذه الدعوة محاولة للقضاء على مكامن القوة والتأثير والنفوذ عند الاسلاميين من خلال تحييد الاوساط الدعوية والاغاثية التي هي بطبيعتها رديف تقليدي للاسلاميين. في الوقت الذي لا تتردد فيه التكتلات والقوى السياسية الاخرى من استخدام كل وسائل القوة والنفوذ في السلطة السياسية وتوظيف ماكينة اعلامية ضخمة «يفترض ان تكون نزيهة ومحايدة» في توجيه الرأي العام نحو اتجاهاتها السياسية ولخدمة قضاياها ومرشحيها، وفي تشويه «الآخر» السياسي.

ثم لماذا الاصرار على الفصل بين العمل الدعوي والسياسي اذا كان الاسلام بطبيعته دينا شموليا ويحوي كل انماط السلوك الانساني وتتداخل فيه مجمل جزئيات الحياة، الامر الذي يجعل من وجود فاصل ميكانيكي بين «السياسي» و«الدعوي» أمرا أشبه بالمستحيل. اضافة الى ان لكل انسان أيا كان موقعه وطبيعته «موقفا سياسيا» يصعب مطالبته بالتجرد منه في ممارساته الحياتية المختلفة. ويبقى السؤال.. هل يجب الفصل بين «الدعوي» و«السياسي» في عمل الحركات والجماعات والاحزاب الاسلامية؟