علماء مغاربة: توعية الحجاج أصبحت ضرورة ملحة وواجبة على كل الدول الإسلامية

TT

تشهد فترة الحج العديد من الحوادث، وأخطاء في أداء المناسك تنم عن جهل بعض الحجاج بأمور دينهم مما ينعكس ذلك في بعض السلوكات الخاطئة التي لا تليق بشخصية المسلم.

«الشرق الأوسط» استطلعت آراء عدد من العلماء والفقهاء المغاربة حول تحديد الجهة المسؤولة عن توعية الحجاج، وهل تقع فقط على عاتق الدولة المستقبلة للحجاج (المملكة العربية السعودية)، أم على الدول التي يفد منها الحجيج. وهل هناك إمكانية لاجتهادات فقهية تجعل أداء المناسك أكثر يسرا وأمانا، خاصة في المواقع التي تشهد ازدحاما مثل رمي الجمرات والطواف.

وقال الدكتور إسماعيل الخطيب الفقيه المغربي في أصول الدين والمحاضر بكلية الشريعة في جامعة تطوان إن توعية الحجاج هي مسؤولية الحاج نفسه في المقام الأول، لأن الواجب على كل مسلم أن لا يقدم على أي عمل حتى يعرف حكم الله فيه، وأن يسعى جاهدا إلى تلقي مجموعة من الدروس والتوجيهات من علماء بلاده ليعرف أحكام الحج بصفة شاملة ومفصلة، وبهذا يكون الحاج على وعي تام بجميع الأعمال التي ينبغي عليه القيام بها في الديار المقدسة سواء تلك التي تدخل ضمن المناسك أو في السلوك العام للحاج.

واقترح الخطيب أن يكون شهر رمضان، هو شهر التوعية الدينية عامة، ومعرفة أحكام الحج بصفة خاصة، لأن شهر رمضان يمتاز بأن الناس تقبل فيه على المساجد والندوات، والدروس الدينية عامة، ولهذا من الأفضل أن يخصص شهر رمضان بكامله لإلقاء الدروس على الحجاج، وهذه مسؤولية الوزارة المعنية بالحج في كل بلد مسلم، مضيفا أن مسؤولية الحاج لا يجب أن تقضى عن مغادرة الحاج لبلده، فمن الضروري أن ترسل كل دولة مسلمة علماء وموجهين يصحبون الحجاج أثناء رحلتهم إلى الأراضي المقدسة، ويتابع كل واحد منهم مجموعة من الحجاج في كافة مراحل الحج.

ويرى الشيخ إبراهيم سيد عبد المجيد الرفاعي عضو لجنة الصدقات في دولة الكويت، أن الوعي الديني مطلوب في المسلم في أي زمان ومكان، وبالتالي عندما يأتي الحجاج إلى الأراضي المقدسة، يجب أن تسبقهم حملة توعية وتتواصل وهم في الطائرة، وفي الحافلات، وأماكن سكناهم في المملكة العربية السعودية، ليشرح لهم كيفية أداء المناسك على الوجه الأكمل بدون رفث ولا فسوق ولا جدال. وبهذا تكون مسؤولية توعية الحجاج مسؤولية مشتركة، فالمهمة الأولى تتم في بلد الحاج، والتالية تتم في الأراضي المقدسة تساهم فيها سلطات المملكة العربية السعودية بقسط مهم.

وقال الدكتور يوسف الكتاني الأمين العام لجمعية الإمام البخاري في المغرب إن مسؤولية توعية الحجاج مسؤولية مشتركة، تقع على المملكة العربية السعودية كدولة مستضيفة للحجاج، وأيضا على عاتق الدول الإسلامية الأخرى، فعندما يأتي الحاج إلى الأراضي المقدسة يجب أن يكون مدركا لأمور دينه، وواعيا بكل تفاصيل الشعائر، ومفرقا بين ما هو يفسد الحج وما لا يفسده. وقد التقيت مرة أثناء تأدية فريضة الحج، بحاج من إحدى الدول الافريقية، قال لي إنه لم يذهب إلى عرفة، لأنه كان يظن أن الصعود إلى جبل عرفات يتم أثناء الطواف في مكة المكرمة.

وحول اجتهادات علماء المسلمين في ما يتعلق برمي الجمرات، وتوسيع المساحة الزمنية لهذه الشعيرة لتخفف العبء على الحاج للحد من الحوادث التي تقع أثناء أدائها، يقول الدكتور إسماعيل الخطيب ينبغي أن ننوه في البدء بالمجهودات التي تبذلها المملكة العربية السعودية لتسهيل الحج وخاصة في ما يتعلق برمي الجمار، ونحر الأضاحي وغير ذلك، وهذه أمور وقعت فيها تطورات مفرحة للقلب. ومع ذلك نرى الأمر مازال يحتاج إلى مجهودات أخرى خاصة في شأن توسيع وقت رمي الجمار. وهذا لا يتنافى مع الفقه، لأنه يجب الأخذ بمختلف الاجتهادات والمذاهب في هذا المجال بدون أن نخرج عن نص الكتاب والسنة، وأن تكون النتيجة، توسعة وقت رمي الجمار، ليشمل الليل بصفة خاصة، وفي هذا الصدد يجب نبذ التعصب لدى بعض المذاهب التي تأمر برمي الجمار في وقت معين وضيق. ونحن على يقين إذا اتسعت مدة الرمي، ومرت من الزوال إلى منتصف الليل، فهذا لا شك سيخفف من الزحام ويحد من الحوادث.

ويرى الشيخ إبراهيم الرفاعي، أن المملكة العربية السعودية فعلت خيرا عندما خصصت لكل دولة حصة معلومة من الحجاج، ولولا ذلك، لوقعت الكثير من الحوادث المؤسفة. ونعتقد أن ما يزيد العدد حاليا ويكثر من الزحام، هم حجاج الداخل من المواطنين السعوديين والمقيمين، ولهذا يمكن وضع تراتيب لأداء حجاج الداخل ويخف عددهم ليكون متوازنا مع المساحة والمكان. كما يجب الاهتمام بالنقل الجماعي، بدلا من انتشار السيارات الخاصة. أما في ما يخص الاجتهاد برمي الجمرات، يؤكد الرفاعي أنه لا مجال لاجتهاد في تبديل النص الشرعي أو إبطال هذه الشعيرة الدينية، بل فقط يمكن لاجتهاد في تقديم وتأخير وقت أداء المناسك. وفي نهاية المطاف يبقى وعي الحاج هو الحل الأمثل، لأن أي اجتهادات أو حلول أخرى، سيكون لا معنى لها إذا غاب الوعي والإرشاد الذي ينشر روح التسامح بين الحجاج.

ويرى الكتاني أن رمي الجمرات يجب أن تسبقه حملة في بلد الحاج حول كيفية أداء هذه المناسك في يسر، وتعلم التناوب، واحترام الشيخ، والمرأة، والمريض، والمعاق، وهذا ينطبق أيضا على مناسك الطواف. ونوه بالتجربة التي تقوم بها وزارة الأوقاف المغربية سنويا في أفق حملة توعية الحجاج، والمتمثلة في وضع نماذج ومجسمات شبيهة بتلك التي في الأراضي المقدسة، كي يتدرب عليها الحاج المغربي في مدينته أو قريته ويستوعب أيسر السبل لأداء المناسك عند سفره إلى الأراضي المقدسة.