في إطار سلسلة الدروس الرمضانية بالمغرب

السياسة الأسرية الإسلامية هي الأقدر على تحديد كونية نظام الأسرة

TT

في اطار سلسلة الدروس الرمضانية التي تلقى أمام العاهل المغربي الملك محمد السادس، ألقت رجاء الناجي مكاوي أستاذة التعليم العالي في جامعة محمد الخامس محاضرة عن موضوع كونية نظام الأسرة في عالم متعدد الخصوصيات انطلاقا من قول الله تعالى يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبا الآية (1) من سورة (النساء).

وقد عمدت الأستاذة الناجي إلى تحليل المنهاج المعتمد لمقاربة مشاكل الأسرة في العلوم الاجتماعية الحديثة ومقارنته بالمنهاج المعتمد في السياسة الإسلامية الأسرية ومقارنتهما وتحديد أيهما أقدر على تحديد كونية الأسرة والانسجام مع خصوصية المجتمع وضمان انسجام الأسرة.

وأكدت أن الأبحاث أبانت عن مجموعة من الاختلالات في تناول موضوع الأسرة أولها فلق مشاكل الأسرة ومعالجة مشكلة كل فرد على حدة بمعزل عن انتمائه الأسري وجعل أفراد الأسرة بعضهم ضد بعض وثانيها تجزئة قضايا ومشاكل الأسرة دونما تنسيق ولا تحديد لأوجه التفاعل ولا استجلاء للأسباب الحقيقية لتمزق الأسرة ولا رسم لمقاصدها البعيدة المتمثلة في تماسكها وثالثها اعتماد العقلانية المتطرفة واللادين ورابعها نبذ الأخلاق والقيم والآداب اضافة الى إدماج قانون الأسرة في القانون المدني.

وأوضحت أنه كان لهذه الاختلالات تداعيات تتمثل في إخراج ثوابت الأسرة من النظام العام السماح بالمخادنة والزواج المثلي واختلال النسب والإنجاب وما أدى إليه من فسح المجال أمام تحكم الشهوانية والفردانية والأنانية في العلاقات الأسرية وإذكاء التنافسية داخل الأسرة والصراع بين الجنسين والاستخفاف بالتكاليف والالتزامات الأسرية وما أدى إليه من استخفاف طرف بالحياة الأسرية وعزوف الثاني عن الزواج أصلا بل وأفضت إلى تداعي الأسرة النووية نفسها. وفسرت هذا التداعي بالانهيار الخطير في الإقبال على الزواج وتراجع معدل الخصوبة وكثرة الطلاق وتنامي العزوبة وشيخوخة الساكنة واضطرابات خطيرة في سلوكيات الأطفال والشباب.

وعرجت رجاء الناجي على تداعيات المقاربة الحديثة على الأسرة المسلمة وأوضحت أن طريقة تناول الأسرة وأسلوب الطرح يتوحدان في العلوم الاجتماعية الحديثة مما أدى إلى تشابه الأعراض في الأسرة العالمية وأهمها ارتفاع نسبة الطلاق والسلوكيات الفردانية والحريات غير المنضبطة والعزوف عن الزواج وفقدان المسنين لمكانتهم داخل الأسرة وارتفاع نسبة الأطفال غير الشرعيين وهي مشاكل زاد من حدتها في الدول الإسلامية إحجام الدراسات الوطنية عن إيلاء الأسرة المكانة التي تستحقها. وأوضحت رجاء الناجي مكاوي الانفطام الذي حصل بين الموروث والمستورد وما أدى إليه من التصاق متصلب بالموروث أو التهجم على القيم والثواب ومعاداة مجانية لقيم الأسرة وفوضى في المعاشرة وعبثية وتنويع لأشكال المساكنة دون ضوابط . وخلصت إلى أن ما تسعى الحداثة المادية إلى إشاعته وكونيته ليس نظاما وإنما فوضى وعبثية لتنتقل إلى تحليل المنهاج الشمولي الإسلامي وتطبيقاته على الأسرة.

وبسطت الحديث في تفسير الآية الأولى من سورة النساء مؤكدة على كونية الخطاب فيها والتشديد على تقوى الله وما ينطوي عليه تأنيث لفظ النفس فيها من تكريم للأنثى وإقرار لغاية الزواج وكون غايته حفظ النوع البشري.

كما أكدت الاية على حدود الله وكون الأسرة مؤسسة على قواعد وحدود مضبوطة وعلى الأرحام وما يتضمنه من تكريم للمرأة باعتبارها سبب العلاقة الرحمية.

وبعدها أجملت الأصول الكبرى المؤطرة للأسرة المسلمة في جملة أمور أولها التناول الشمولي لقضايا الأسرة من جهة بتحديده حقوق الأفراد من داخل الأسرة وليس من خارجها ومن جهة ثانية بوضع سياسة عامة تعالج كافة جوانب الحياة وتوظف كل الآليات الممكنة.

أما الأصل الثاني فهو اعتبار أحكامها من النظام العام من خلال حرص النصوص على تنظيم الأسرة وحصرها في الزواج وثانيا وصف الزواج بالميثاق الغليظ. والأصل الثالث هو ضمان السلم الاجتماعي أولا من خلال التركيز على التكاليف مقابل الحقوق وثانيا من خلال الدعوة إلى التخلق بالإحسان في أداء التكاليف.

والأصل الرابع إقامة العشرة على أساس العدل لا المساواة فقط ودحضت الغمز في مبدأ القوامة. والأصل الخامس وهو ابتغاء الحكمة حتى عند فض النزاعات الأسرية.

وخلصت إلى أن هذه البنود تشير إلى أنها تحيط بكافة الأوضاع وتوظف كافة الآليات من قواعد تربوية وأخرى أخلاقية قيمية وثالثة تشريعية مقرونة بالجزاء.

وأجابت الناجي بالنفي عن سؤال استهلت به درسها حول ما إذا كانت هناك أنظمة أسرية عديدة موضحة أنه ليس هناك إلا نظام وحيد يستحق أن يسمى نظاما وهو الذي يستحق الكونية وكونيته نابعة من شموله لكافة الشرائع والملل والنحل والخروج منه خروج من حالة النظام والفوضى.

وقالت إن وصف سياسة أسرية لا ينطبق إلا على نظام يستوفي شرطين أولهما الشمولية وثانيهما التطلع إلى التأليف بين أفراد الأسرة وإشاعة المودة بينهم مؤكدة أن ما توصلت إليه العلوم الاجتماعية لا يستحق أن يوصف بنظام الأسرة.

وأكدت أن ما أعلن عنه العاهل المغربي بخصوص مدونة الأسرة ينطبق عليه وصف نظام الأسرة من منطلق حرصه على حماية الحقوق وموازنته بين الحقوق الفردية والمصلحة العليا للأسرة المتمثلة في وحدتها. وقالت الناجي إن خطاب العاهل المغربي راعى التحولات التي يعيشها العالم والمواثيق الدولية دون أن يهدر خصوصية المجتمع كما تضمن عناصر سياسية أسرية أبدعت وسائل لرفع الحيف عن الأسرة.

وأضافت أنه أضحى لزاما على الفاعلين في مجال الأسرة إبداع نظام ذاتي نابع من ثقافتنا .. يؤلف بين أفراد الأسرة ويضمن تماسكها في حرص على مقاصد الشرع وتدارس قضايا الأسرة بحكمة وتصحيح الشكل الذي يطرح به الموضوع والحرص على حسن تطبيق النصوص ووضع مساطر خاصة بتطبيق نصوص الأسرة وإحداث مؤسسة التحكيم وإنشاء مؤسسات للأسرة تعوض أدوار الأسرة الممتدة.