مفتي مسلمي أوكرانيا لـ«الشرق الأوسط»: عدد المسلمين في أوكرانيا في تزايد وعلاقاتهم جيدة بالسلطات

TT

يعتبر الشيخ أحمد مطيع تميم مفتي مسلمي أوكرانيا من الزوار الدائمين للمغرب كل سنة خلال شهر رمضان. وأثناء وجوده في المغرب في الاسابيع الاولى من هذا الشهر الكريم هذه السنة أجرت معه «الشرق الاوسط» لقاء حول واقع المسلمين في أوكرانيا وعلاقتهم ببقية المكونات الاخرى للمجتمع الاكراني.

* هل يمثل المسلمون نسبة مهمة داخل جمهورية أوكرانيا؟

ـ في البداية لا بد من الاشارة الى أن أوكرانيا هي دولة من الدول التي كانت تشكل ما كان يعرف بالاتحاد السوفياتي وهي تقع وسط أوروبا وعدد سكانها 63 مليون نسمة يتكونون من خليط من القوميات المختلفة ويزيد عدد المسلمين في أوكرانيا على مليوني مسلم، في العاصمة كييف وحدها 45 ألف مسلم، وقد حصلت جمهورية أوكرانيا على الاستقلال سنة 1990، وفي سنة 1993 تأسست أول ادارة دينية لمسلمي أوكرانيا، وقد استمر الوجود الاسلامي في هذا البلد نظرا لوجود قوميات مسلمة مثل التتار الذين كانوا يحافظون عل هويتهم الاسلامية تحت غطاء الحفاظ على العادات والتقاليد فكانوا يحفظون القرآن ويؤدون واجباتهم الدينية سرا، لكن بعد الاستقلال وخصوصا بعد أن أصبحت للمسلمين ادارة دينية تعمل بقواعد معترف بها من طرف القوانين الأوكرانية عملنا على جمع شمل المسلمين من جميع القوميات واهتممنا بإظهار الشعائر الاسلامية عن طريق فتح المصليات والمقابر الاسلامية ، كما أولينا أهمية خاصة بتغيير نظرة المجتمع الاوكراني غير المسلم للمسلمين من خلال القاء المحاضرات وطباعة بعض الكتب باللغة الروسية والحمد لله أصبحت لدينا الان مدرسة للبنين والبنات وهي الاولى في المنطقة التي تعمل على تدريس التربية الاسلامية في هذه المجتمعات، ولدينا معهداً لتعليم الدين، وأخذنا موافقة لبناء أول مسجد في العاصمة كييف، وهو المسجد الاول بعد 103أعوام على بناء آخر مسجد قبل العهد الشيوعي.

* ما هو سر هذا الاستقرار الذي يعيشه مسلمي أوكرانيا في منطقة يعاني فيها المسلمون كثيرا؟ وما سبب هذا التجاوب الحكومي الايجابي خصوصا بعد الاستقلال؟

ـ ما ساعد على تنشيط أمر الدعوة عدة عوامل من بينها، صراحتنا في العمل، وعدم انعزالنا عن المجتمع، وأثناء عملنا قمنا بنقل المفاهيم الاسلامية الى اللغة الروسية التي يفهمها المحيط، وعندما صار هذا المحيط يفهمنا ويفهم ماذا نقول زالت الحواجز والاوهام التي كانت موجودة، لقد كانوا يخافون من التطرف والارهاب فأبلغناهم من خلال اعلامنا أننا ضدد التطرف والارهاب وأن الاسلام بريء من هذه الاشاعات.

* هل هناك اعلام قوي داخل أوكرانيا؟

ـ أصبحت لدينا جريدة تصدر باللغة الروسية، أطلقنا عليها اسم «ميناريت» الذي يعني مئذنة، لأننا عندما حصلنا على الموافقة لبناء مسجد اشترطوا علينا أن يكون بدون مئذنة فجعلنا هذه الجريدة مئذنة لنا تبلغ نداء الاسلام. وقد كان لها دور كبير في تصحيح أفكار الرأي العام الاوكراني وفي نشر المفاهيم الصحيحة عن الاسلام، ووافقت الدولة بعد ذلك على بناء مسجد جامع بمئذنة كبيرة ونعتبر ذلك أهم انجاز حققناه، بل اننا اصبحنا نحضر الاستعراض العسكري ونقف في المنصة الى جانب رئيس الدولة في عيد الاستقلال، ونحضر افتتاح مجلس الشعب وكل المناسبات الرسمية، وصار للمسلمين وزن داخل الدولة الاوكرانية حتى أن وزير الدفاع عندما كان يودع كتيبة أرسلت الى لبنان في مهمة سلمية طلب مني أن أرافقه في هذا اللقاء مع جنود أوكران.

* هل لديكم ممثل سياسي في مؤسسات الدولة؟

ـ في البرلمان يوجد اثنان من المسلمين لكنهما يمثلان شعب القرم، لأن شعب القرم له حكم ذاتي، وهناك مجموعة من النشاطات التي يرتبط فيها الديني والسياسي والاجتماعي، أما الدولة الاوكرانية فقد فتحت المجال على كافة الاصعدة للتعبير عن الرأي، وهي تساعد المسلمين ليعرفوا حقوقهم وواجباتهم داخل المجتمع.

* اذا كان الامر بهذا المستوى الجيد من الانفتاح بالنسبة للسلطات المحلية فكيف ينظر المجتمع الاوكراني للمسلمين؟

ـ في البداية كانت هناك بعض المضايقات من المجتمع بسبب عدم معرفته بالاسلام، أما الان فهم يدعوننا لإلقاء المحاضرات في بعض الاحيان، حتى أن الكنيسة البروتستانتية طلبت منا ـ تلبية لرغبة عامة الناس التابعين لها ـ أن يلقي مسلم داخلها محاضرة عن الاسلام، كما أننا نلقي محاضرات أيضا في العديد من الجامعات، والان سمحت لنا السلطات بالدخول الى السجون والدعوة داخلها، ودائما هناك من يدخل الى الاسلام.

* إذن عدد المسلمين في تزايد؟

ـ نعم لأن الناس لديهم قابلية كبيرة للاسلام، حيث أننا لم نجد الجفاء والصدود، بل وجدنا عندهم رغبة في التعرف على هذا الدين، وسرعان ما تتغير نظرتهم بعد أن يستمعوا الى الدعاة، حيث اعتنق الاسلام من الاوكران الاصليين في العاصمة وحدها عشرة آلاف شخص، وصار لدينا دعاة يتكلمون باللغات المحلية، وينشرون الاسلام بواسطتها. ومن بين مظاهر انفتاحنا على المجتمع أننا أصبحنا نوجه تهنئة الى المسلمين عبر التلفزيون الرسمي في كل المناسبات الدينية منذ عشر سنوات.

* قبل الاستقلال كيف كان المسلمون يعيشون في عهد المد الشيوعي؟

ـ كانوا يعيشون في ضائقة كبيرة، حيث كان يمنع تداول المصحف أو أي كتب دينية أخرى كما هو الحال في كل دول الاتحاد السوفياتي ولكن وجود مسلمين أصليين في أغلب المدن الاوكرانية ساهم في الحفاظ على الدين الاسلامي، لأنهم كانوا يجرون عقود النكاح وغيرها سرا، وكانوا يطالبون بمطالب معينة باسم قومياتهم، كأن يطلبوا مثلا مقبرة للقومية الفلانية، وهكذا.. ويستغلون المناسبات الاجتماعية مثل ذكرى وفاة أحد المسلمين ليقرؤوا القرآن، ويمارسون شعائرهم.

* هل لديكم علاقة مع مسلمي باقي دول القوقاز؟

ـ هناك تنسيق متكامل مع الادارات الدينية لبلدان اتحاد الدول المستقلة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وهناك تعاون وتبادل معلومات وتناصح ومشاركات في الدعوة الاسلامية على المستويين الرسمي والشعبي.

* هل تربطكم علالقات أوسع مع باقي دول العالم الاسلامي عموما والعالم العربي على وجه الخصوص؟

ـ علاقاتنا مع باقي دول العالم الاسلامي ضعيفة، والسبب يرجع الى أن دولة أوكرانيا استقلت قبل عشر سنوات تقريبا، والسفارات العربية والاسلامية ما زالت في بداياتها، وعلاقتنا مع العالم الخارجي أساسا ضعيفة، ونحن بحاجة الى التواصل، وقد تكون بعض الهيئات والدول ليست لديها فكرة عن نشاط الدعوة في أوكرانيا وجيرانها مثل مالدوفيا، روسيا البيضاء وغيرهما، رغم الوجود الاسلامي المتميز في هذه الجهات، فهو غير معروف لدى بقية المسلمين، فمثلا هم لم يعرفوا بوجود المسلمين في البوسنة الا بعد الحرب ونفس الشيء بالنسبة للشيشان.

* ما هي المصاعب التي تعترض نشر الاسلام في الديار الاوكرانية؟

ـ امكانياتنا ضعيفة جدا، ففي البداية كنا نستأجر مكانا معينا ساعة واحدة لأداء صلاة الجمعة، ثم أصبحنا نستأجره لإقامة درس ديني مرة في الاسبوع، وفي البداية كانت السلطات تمنعنا من ذلك، وكنا نصلي صلاة العيد في قاعة رياضية مستأجرة، واستمر الوضع كذلك الى أن وجدنا ملجأ تحت الارض، ونحن الان نقيم فيه منذ عشر سنوات وكان هذا الملجأ هو نقطة انطلاقنا، ومن خلاله تعرف الناس علينا، حتى أن امرأة عجوز تعرفت علينا بعد رؤيا رأتها، حيث رأت السيد المسيح يأخذها بيدها الى مكان تحت الارض، وبعد سنة عندما عرفت عنوان هذا الملجأ وزارتنا قالت: هذا هو المكان الذي أخذني اليه السيد المسيح، واعتنقت الاسلام، ونعتبر هذا الامر من البشائر الجميلة التي تحفزنا على الاستمرار.

* ما هي الاولويات التي تضعونها كدعاة داخل المجتمع الاوكراني؟

ـ نقوم الان بنشر العلم الضروري أو ما نسميه نحن بـ«علم حال» أي ما نحتاجه كل يوم، لأنه هو المشترك بين عامة المسلمين وفق قول النبي صلى الله عليه وسلم: «طلب العلم فريضة على كل مسلم». فطلب العلم الواجب هو الفريضة، وإذا انتشر هذا العلم سينتشر الخير إن شاء الله، وببركة هذا العلم تتحسن الاحوال، وانشغالنا بذلك يجعلنا منقطعون عن العالم الخارجي، لأن عدد الدعاة قليل وخاصة من يتكلم اللغة الروسية بطلاقة مع إيجاد التعابير والمصطلحات الدينية، لأنه مما هو شائع عند المسلمين أن منهم من يحب الاسلام ولكن عدم المامه الجيد باللغة وبالمفاهيم الاسلامية يجعله يوزع كتبا عن الاسلام صادرة عن غير المسلمين، مثل كتب الحركة القاديانية. ولذلك هدفنا بالاساس هو حماية ما تبقى من المجتمع الاسلامي بأن يتعلم العلم الصحيح وأن نكثر من عدد الدعاة، والحمد لله لدينا الان دعاة يتكلمون باللغات المحلية ونحن بصدد بناء أول مسجد وهناك فاعلو خير يساعدوننا في هذا الامر، أما حجم العمل والطاقة التي عندنا فهو غير متوافق مع امكاناتنا .

* هل تتلقون مساعدات من هيئات لجهات معينة؟

ـ لا توجد أي هيئة أو منظمة عالمية أو غيرها تساعدنا، لعدم اتصالنا بهم، وعدم معرفتنا بهم أيضا، ولأننا غير مسيسين لأن بعض الجهات تعرض مساعدتها لنا لكن بشروط سياسية معينة لا نملك إلا أن نرفضها لأننا لا نريد أن نخلط بين الدعوة الإسلامية والسياسة وان كنا في أمس الحاجة الى المساعدة، فنحن نريد ممن يقدمها أن يقدمها لوجه الله فقط.

* ما دمتم لا تتوفرون على دعم من الدولة وليست لديكم أية جهة تمول نشاطكم فكيف تسيرون أمور الدعوة؟

ـ أغلب الدعاة متطوعون يبحثون عن أســــــباب العيش اضــــافـــة الى نشـــــاطهم الدعــــوي، اننا كاليتيم الذي لا كفيل له، لكـــــن رغم ذلك نعتبر أن الاساس هـــــو العلم والعمل وفق العلم، واذا كانت هناك تقوى سيــجعل الله لنا مخرجا، ونتمنى أن نجد من يلتفت الينا، لأننا اضافة الى المجهود الشخصي، الدعم الوحيد الذي نتلقاه هو من الفلاحين المسلمين في القرى المجاورة حيث أنهم يساعدوننا بزكاة محاصيلهم.