الحساب الفلكي لهلالي رمضان وشوال ليس نوعاً من التنجيم الذي نهى عنه الإسلام

TT

يظن البعض، ورعا او جهلا، ان الحساب الفلكي لدخول رمضان وعيد الفطر هو نوع من التنجيم الذي نهى عنه الاسلام، ولهذا يتخذ موقفا عدائيا ضد علم الفلك. والحقيقة هي ان حساب مواقع وفلك القمر ومواقع وفلك كل الاجرام السماوية منهج علمي عصري قطعي في علم الفلك Astronomy والذي ليس له اي صلة علمية على الاطلاق بما يسمى التنجيم Astrology وان سماه البعض انتهاكا بـ «علم التنجيم» وهو ليس بعلم Science على الاطلاق. فبينما نجد ان اصل كلمة Astronomy اغريقي من Astronomos والتي تتكون من Astron اي نجم وNomos والتي تعني نظاما او توزيعا، نجد ان كلمة Astrology تتكون من Astro والتي تعني نجما وLogy والتي تعني مبدأ او كتابات او معرفة او علما. هذه اللاحقة في اللغة الانجليزية لا تعني علم Science، بل تعني مجموعة ما تعارف عليها، مثل Mythology اي مجموعة الاساطير ولا يعقل ان يقال علم الاساطير، واحيانا اخرى لا تترجم مثل Technology والتي تعني التقنية. فالتقنية تعني مجموعة التطبيقات العلمية ولا يقال علم التقنية.

ممارسو التنجيم يدعون ان هناك علاقة بين يوم ولادة انسان وبين مواقع الشمس والقمر والنجوم و5 كواكب (عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل وهي الكواكب التي ترى بالعين المجردة) من مجموع 9 في المجموعة الشمسية، الآن لماذا وقت الولادة؟ لمَ لا يكون وقت التلقيح؟ طبعا لم يكونوا يعرفون ذلك. وماذا لو ولد توأمان متطابقان بفارق بضع ساعات، الاول في نهاية وقت برج والآخر في بداية البرج التالي؟ حسب زعم المنجمين، انهما مختلفان، ولكن الحقيقة انهما غير ذلك. الآن خذ العكس، توأمان غير متطابقين احدهما ولد في الشرق والآخر في الغرب ولكنهما ولدا في نفس البرج ونفس اللحظة، حسب زعم المنجمين، فإنهما متطابقان ولكن الحقيقة انهما غير ذلك. وماذا عن الكواكب الثلاثة الاخرى؟ لم يعلموا بوجودها! واين كوكب الارض؟ لم يأخذوه في الحسبان! وماذا عن اقمار المشتري الـ 28 واقمار زحل الـ 30؟ لم يعلموا بها في حينه. عدم علمية هذه العلاقة المزعومة لشرح والتنبؤ بسلوك الفرد هو عدم بنائها على اسس علمية وعدم قابليتها للفحص.

واتخذ هؤلاء من بعض النجوم، التي تظهر كخلفية للارض في فلكها حول الشمس خلال سنة كاملة، ابراجا اي 12 برجا، لماذا 12؟ لأن السنة فيها 12 شهرا، ولكن هذه المنازل وهم، مجرد خلفية للوجه المظلم للارض، واذا وجد كسوف كلي للشمس رأينا برجا او خلفية سوف نراه بعد 6 أشهر، وهكذا يوجد برجان في يوم واحد: واحد نراه في الليل والآخر يحجبه نور الشمس عن اعيننا. فهل ابراج الليل لا تؤثر؟ الاقدمون ظنوا ذلك والمعاصرون تبعوهم والعلم كشف جهلهم، فإن قال المعاصرون: ولكن برج النهار تزيد مسافته بمقدار 300 مليون كيلومتر. وجوابه: وما نسبة الـ 300 مليون كيلومتر الى عشرات ومئات التريليونات التي تفصل الارض واي برج؟ وتلك التي تفصل نجوم كل برج عن بعضها بعضا؟ ونجوم اخرى تحول بيننا وبين اي برج؟ انها تريليونات الكيلومترات.

وعيب هذه الـ 12 برجا هو ان ممارسي التنجيم صنفوا كل الشخصيات البشرية في 12 شخصية، وهذا ابعد ما يكون عن الواقع. وماذا عن النجوم التي لم تصنف في اي برج او ابراج اخرى ليست في خريطتهم؟ الا ينبغي ان يكون لها تأثير على البشر؟ لا جواب. وماذا عن المجرات التي بجوارنا والتي تحتوي كل واحدة منها على بلايين النجوم؟ هؤلاء المنجمون ليس لديهم اجوبة عن الاسئلة السابقة.

والحقيقة هي، ان البروج ما هي الا خطوط وهمية عشوائية بين عدة نجوم ـ كل مجموعة من نجوم اوصلت بخطوط وهمية وسميت، من قبل شعوب عدة، باسماء حيوانات وطيور وغيرهما. تختلف هذه النجوم وعددها وخطوطها واسماؤها من شعب الى آخر ومن وقت الى آخر، اخيرا، في عام 1354 هجرية الموافق 1933 ميلادية، قرر الاتحاد الفلكي الدولي في باريس جعل عدد البروج 88 برجا علما بأن اشكال واسماء البروج هي اعراف بشرية وليس لاشكال او اسماء هذه البروج اي قيمة علمية. هل بقية الـ 76 برجا لم تكن موجودة من قبل؟ بل كانت موجودة وما زالت، لماذا لم يأخذها ممارسو التنجيم في دجلهم؟ اسألوهم.

ويدعي ممارسو التنجيم ان كل الاشخاص الذين ولدوا في برج معين، وان نجوم هذه البروج والكواكب وتشكيلاتها التي تظهر في هذه البروج (هناك تريليونات الكيلومترات التي تفصل بين هذه الكواكب وهذه الابراج وبين نجوم كل برج، وهذا يظهر لك مدى علمهم) لها نفس التأثير على مستقبلهم وحياتهم وحتى على الطقس ونظم اخرى. ويستخدم ممارسو التنجيم علم الفلك والرياضيات وحتى الحاسوب للتدليل على أهمية وحتى «عِلمية» ما يفعلون. لكن، هل اذا استخدم مجرمون بعض قوانين الفيزياء وحواسيب يجعل منهم علماء فيزياء ومن عملهم عملا علميا أو عملا صالحا؟ أو يجعل صلة بين الأجرام والعلم؟ والجواب هو النفي القاطع. وهو نفس النفي لوجود علاقة بين التنجيم وحساب مواقع وأوجه القمر. فالحقيقة هي، ان الاثر الوحيد الذي لا يوجد غيره لكل هذه النجوم وكل اعضاء المجموعة الشمسية (ما عدا الشمس والقمر) وتشكيلاتها على كل سكان الكرة الارضية وبالتساوي هو الجاذبية وليس هناك اي تأثير آخر غير الجاذبية على الاطلاق على كل نظم الحياة في الارض. ان للشمس تأثيرات هائلة على كل الارض. بالاضافة لتأثير جاذبية الشمس على الارض. توجد تأثيرات هائلة يومية بل آنية أخرى للشمس على كل انواع ونظم الحياة ونظم اخرى على سطح الارض وليس لهذه التأثيرات اي دخل لما يدعيه هؤلاء المنجمون. بينما القمر له تأثيرات اقل على كل الحياة الفطرية على سائر الارض.

اما النجوم ولبعدها الشاسع عن الارض اي ثبات المسافة النسبي، فإن جاذبية هذه النجوم على الارض تعتبر ثابتة على مدار السنة، وجاذبية هذه النجوم هي من الصغر المتناهي بحيث ان جاذبية شاحنة تمر من جنبك وانت تسوق سيارتك هي اكبر بكثير على اي انسان من جاذبية اقرب نجم الى مجموعتنا الشمسية. أما الكواكب الخمسة بدون اقمارها، فكانت هي كل ما يستطيع المنجمون في زمانهم ان يروها بالعين المجردة وكأن الكواكب الاخرى والاقمار والمذنبات والأجرام السماوية الاخرى ليس لها دور.

أما من حيث جاذبية اي كوكب منها وزاوية موقعه، فإن جاذبية بناية كبيرة تقف انت بجانبها هي اكبر بكثير على ذرات وجزيئات جسمك من جاذبية اي منها. إن الحقيقة العلمية هي ان هناك علاقة عكسية بين الجاذبية والمسافة، فكلما زادت المسافة ضعفت الجاذبية، وان المسافة بين الارض وكل هذه الكواكب غير ثابتة، فمرة يكون الكوكب على الجهة الأخرى من الشمس كما يرى من الارض، ومرة يكون الكوكب الآخر خلف الارض. إن هذا الفرق المتغير الشاسع في المسافة (فمثلا، تختلف المسافة بين الارض والمريخ بمقدار ثمانية اضعاف) يجب ان يعني تغيرا شاسعا فيما يسمى تأثير الكواكب على الافراد، لكن المنجمين كاذبون وجاهلون لأنهم يثبتون هذا التأثير المزعوم ويجعلونه مستقلا عن المسافة بينه وبين الار، ـ لأنهم لم يعلموها من قبل ولا يجرؤون على فعلها الآن. وهناك حقيقة اخرى جهلها المنجمون وهي: ان كل المجموعة الشمسية تدور حول الشمس وليس حول الارض وان كل النجوم لا تدور حول الارض.

أما من حيث افلاك هذه الكواكب والنجوم فقد أكد هؤلاء المنجمون انهم يدورون حول الارض لأن الارض مركز الكون، وهما خطآن واضحان لطلبة المدارس الابتدائية. ولم تقتصر معرفة المنجمين الاوائل على عدم وجود هذه الكواكب الثلاثة (أورانوس ونبتون وبلوتو) فقط، بل تعدته الى عدم علمهم بوجود اجرام سماوية اخرى كالمجرات والثقوب السوداء والسدم والتي قد تظهر للرائي كنجوم، وهذا يظهر مبلغ علمهم. وهذه المجموعة التي اتخذها المنجمون الاوائل هي نفسها التي يستخدمها المنجمون المعاصرون. وهذا يخبرك شيئا عن حقيقة دجلهم ورغبة البعض في تصديقهم وحتى اغنائهم بالمال.

لو كان التنجيم بهذه الدقة، وهو قطعا ليس كذلك، لما اقتصرت مواضيعه على العلاقات العاطفية والرزق والسلطة والصحة والموت بين الافراد؟ واذا كان التنجيم له قوة التنبؤ هذه، وهو ليس له ذلك، لِمَ لم تأخذ به دوائر وأجهزة الاستخبارات العالمية المتقدمة بدلا من استخدام الاقمار الاصطناعية واجهزة الكومبيوتر الخارقة والتكنولوجيا الحديثة وتوظيف العلماء الافذاذ ووفروا على أنفسهم بلايين بل تريليونات الدولارات؟ هذا يظهر مدى صحة هذه الممارسات.

أخيرا، لم يعلم هؤلاء الكهنة ان «ثبات» مواقع النجوم كان نسبيا. فالنجوم، وبالتالي تشكيلاتها اي الابراج، تسبح كل في فلكه. فبعد مرور اكثر من 4.000 سنة تغيرت مواقع كل برج ونجومه في السماء نسبة الى الارض. الابراج التي يدعي المنجمون ان لها شأنا في تسيير حياة الفرد الذي ولد فيها تغيرت مواقعها نسبة الى الارض وذلك لأن محور الارض يترنح مشكلا محورا ذا شكل مخروطي فوهته في القطب السماوي الشمالي وتكتمل دائرة المخروط في السماء كل 25.800 سنة. فمثلا، قبل 2.000 سنة كان الاعتدال الربيعي، (والذي يؤرخ حاليا في 21 مارس أو 1 الحمل) يحدث في برج الحمل بينما هو الآن حقيقة يحدث في برج الحوت وليس الحمل وسوف يحدث في برج الدلو بعد 2.600 سنة، وهكذا كل البروج الأخرى، فهل هي الابراج او المواقع التي في السماء التي تؤثر في حياة الناس أم هي ادعاءات المنجمين المضلين الضالين غير العلمية؟ هذا الخطأ العلمي لم يصححه هؤلاء المنجمون حتى الآن ولا يجرؤون. ولم يعلم هؤلاء الكهنة ان جاذبية مجرتنا درب التبانة على كل المجموعة الشمسية وبالتالي الارض هي اكبر بكثير من اي كوكب أو نجم رأوه. لقد احتاجت البشرية الى الانتظار حوالي 4.000 سنة لكي تعلم ان هناك مجرات واجراما سماوية اخرى لا تحصى تملأ هذا الكون الفسيح. وان تعلم ان عدد نجوم مجرتنا فقط يفوق الـ 200 بليون نجم، منها حوالي 9.000 نجم يرى بالعين المجردة، ولعل بعض مسلمينا يعلمون الآن أن لا علاقة بحساب موقع الهلال بتخريفات التنجيم.