هل تجاوز الخطاب الإسلامي الموجه للمرأة منطق «الحماية» إلى تفعيل دورها؟

نواف القديمي

TT

قد يكون الحديث عن «خطاب إسلامي موجه للمرأة» فيه بعض التجني لكونه يوحي بوجود خطاب ناجز مكتمل الرؤى ومحدد الاتجاهات، وهو ما لا يتوفر في الخطاب الإسلامي لكون صفة «الإسلامية» تُطلق على تيارات تمتد من أقصى اليمين إلى اليسار تشكل كل ألوان الطيف الفكري والاجتماعي والسياسي الأمر الذي يغدو معه الحديث عن «خطاب الإسلاميين للمرأة» أمراً بالغ التعميم يمكن أن يحمل في الوقت ذاته مجموعة من التعارضات والتناقضات والاختلافات بشكل يفقد مفردة «الخطاب» أبرز ملامحها وهي المساوقة والوضوح.

لكن ذلك لا يعني بالضرورة عدم وجود ملامح عامة وخطوط عريضة وأفكار سائدة يتبناها الطيف الإسلامي الأوسع حضوراً وامتداداً واندماجاً بالمجتمع العربي وهو ما يمكن وصفه بـ«التيار الحركي السياسي» الذي وإن كان يحوي بعض التنوع إلا أنه يحمل أفقاً مشتركاً ورؤى متوافقة لكثير من الأفكار والممارسات.

عن هذا نتحدث.. يرى البعض أن الخطاب الإسلامي السائد في قضايا المرأة يحوي كما من التأزمات لكونه يجعل من قضية «حماية المرأة» هي المحور في مجمل مفردات هذا الخطاب، الأمر الذي يُفقد المرأة في كثير من الأحيان خاصية التفاعل والاندماج بالمجتمع. ويجعلها مجرد «إلكترونات» تدور في مجال النواة «الرجل» على مستوى الأفكار والرؤى والمواقف والممارسات والأفق الذهني والقيمي، وهو ما يفقدها أي استقلالية حقيقية للذات.

وقد تبدو هذه التبعية واضحة حين نستعرض قائمة الكتب والرسائل الموجهة للمرأة والصادرة عن المنتمين للتيار الإسلامي لنجد أن النزعة التوجيهية المستحضرة لروح «قوامة الرجل» هي الطاغية في خطاب المرأة. لذا تسود مضامين الحث على الحجاب والحشمة وصون العرض والحياء والفصل بين الجنسين بشكل ميكانيكي لم يكن مألوفاً في التاريخ الإسلامي والحذر من «الذئاب البشرية» والقلق من ظواهر العولمة والانفتاح والحديث عن «حال المرأة في الغرب» بشيء من الاجتزاء والانتقاء الغير أمين. مما يجعل مفردات الحذر والقلق والتوجس والخوف من المجتمع والآخر المتمثل في الذئاب الذكورية هي السائدة في خطاب الإسلاميين للمرأة، الأمر الذي صنع عندها حالة فوبيا من الرجل ومن العالم المفتوح.

ذلك هو ما يفسر تضاؤل ـ وربما انعدام ـ حضور الإسلاميين بجنسيهم في الجمعيات والمنظمات المدافعة عن حقوق المرأة في العالم العربي، ووقوفهم الدائم ضد حقوقها السياسية وتمثيلها النيابي.

المرأة في الخطاب الإسلامي تعيش عزلة عن قضايا المجتمع الكبرى المتمثلة في التنمية والإصلاح السياسي والأزمات الدولية والإقليمية ولا تسهم في تنمية الوعي الحضاري في المجتمع العربي واستنهاضه من حالة الركود والتخلف الثقافي والسياسي لكون وعيها قد نما عبر سنين من التعرض لهذا الخطاب أن مكانها الوحيد هو البيت ورعاية الأسرة وتربية الأبناء، وأن تلك القضايا الكبرى تقع داخل دائرة الواجبات الذكورية.

لكن البعض الآخر يرى أن قياس فاعلية المرأة في المجتمع من منطلق المساواة الكاملة مع الرجل في كل تفاصيل ودقائق الممارسة الحياتية يحمل الكثير من التجني واللاموضوعية لكونه يقصي ويتجاهل أي نوع من التمايزات والفروق البيولوجية والوظيفية بين الرجل والمرأة، ويتعامل على أساس أنهما عنصر واحد متشابه يملك نفس المقومات ويقوم بنفس الوظائف.

ولكون الخطاب الإسلامي ينطلق من حضور هذه التمايزات بين الجنسين يتجه نحو المرأة بتراتبية مساوقة للرؤية الإسلامية تجعل حضور المرأة في البيت والقيام بأعباء الأسرة وتربية الأبناء تحظى بأولوية متقدمة في هذا الخطاب، ولكنها في الوقت ذاته لا تلغي المهام الحياتية الأخرى للمرأة واندماجها في المجتمع الخارجي.

أكبر دليل على ذلك الحضور الكثيف للنساء المتبنيات للخطاب الإسلامي في الأنشطة الاجتماعية المختلفة كالجمعيات العامة والأندية الثقافية والنقابات والاتحادات الطلابية بل وحتى الفعاليات السياسية كما يجري في بعض المجتمعات العربية. بل إن بعض الحركات الإسلامية رشحت المرأة لدخول المجالس النيابية كما حصل في مصر والأردن اخيرا.

ثم لماذا يتم تجاهل أن الخطاب الإسلامي المكتنز برؤية أخلاقية قد أسهم ـ خصوصاً خلال العقدين الماضيين - في الحفاظ على هوية المرأة واندماجها في منظومة القيم الإسلامية ووفر لها مناخات محتشمة تساعدها على العمل والحركة بحرية وانطلاق بعد موجة الانفتاح الأخلاقي التي سادت كثيراً من المجتمعات العربية في الخمسينات والستينات. وهو يواصل إسهامه اليوم في الحفاظ على الهوية الإسلامية مع هذا الانفجار الاتصالي الهائل الذي يشهده العالم والمتمثل بشكل رئيس في الفضائيات والإنترنت مع ما تحمله من مختلف القيم والأفكار الأمر الذي يجعل التركيز على الخطاب الأخلاقي أمراً مبرراً ومطلوباً.

ويبقى السؤال.. هل تجاوز الخطاب الإسلامي الموجه للمرأة لغة «الحماية»؟ وهل أسهم بتفعيل دورها في المجتمع؟