الخطاب الإسلامي الموجه للمرأة ينطلق من رؤية «عقائدية» والخطاب الليبرالي المعارض ينطلق في نقده من مرجعية «المنظومة الغربية»

د. نوره السعد

TT

أعتقد أن صيغة السؤال فيها الكثير من المغالطات والخلط بين مشروعية النص القرآني وبين الاجتهادات الفردية لبعض المصلحين، وسيادة الأعراف والعادات، التي (لا تمثل الفهم الحقيقي لتعاليم الإسلام) في بعض المجتمعات الإسلامية ومجتمعنا أحدها.. إدراج كل هذا ضمن سلبيات الخطاب الإسلامي، والتغاضي عن إيجابيات ما يطرح من مضامين في الخطاب الإسلامي الحقيقي الذي يتم فيه تمثيل المرأة المسلمة الواعية بقضايا أمتها ودورها في المجتمع وفق مقتضيات التشريع، وتطبيقه على أرض الواقع هي الجزئية التي تم ذكرها في آخر السؤال ربما استدراكاً لحقائق على أرض الواقع. هذا الواقع الذي لا يرضي من يعتقدون أنهم أولى بقضايا المرأة المسلمة، وأن تأطير هذه القضايا ينبغي أن يتم وفق حدود النموذج الغربي!! الذي يناقض في مسلماته نموذجنا الإسلامي ليس في قضايا المرأة بل حتى على المستوى الاقتصادي والثقافي.. رغم خطوط التماس في الدائرة الإنسانية.

وللإجابة عن مضمون السؤال ينبغي علينا أولاً أن نفرق بين حقيقتين، لارتباطهما بدور الخطاب الإسلامي في قضايا المرأة على وجه التحديد، قبل أن نقيِّم مضمون هذا الخطاب، وهاتان الحقيقتان هما: 1 ـ تبعية الخطاب الليبرالي في البلاد العربية والإسلامية للمفاهيم والأفكار الغربية سواءً عن جهل منهم بأحكام الإسلام أو عن عقيدة البعض أو الكثير منهم التي تتصادم مع الإسلام ديناً وشريعة حياة. 2 ـ الحقيقة الثانية هي جهل المتبوعين ـ وهم العالم الغربي ـ جهلاً كاملاً بالإسلام وأحكامه. ولذلك فإننا عندما نناقش ونحاور الفكر أو التيار الليبرالي في العالم العربي والإسلامي مقابل الفكر الإسلامي فيجب أن نناقش مصدر أفكارهم ومنبعها وهو المفاهيم والأفكار الغربية التي هي في حقيقتها تجهل ديننا الإسلامي وأحكامه كما قلنا بل نستطيع أن نقول بأنها معادلة له جملة وتفصيلاً. وإذا كان السؤال يرى أنه في نوع من الخطاب الإسلامي ـ فيما يتعلق بقضايا المرأة ـ يحوي كماً من التأزمات ويجعل قضية (حماية المرأة) هي المحور بمجمل مفرداته إلى آخر تلك المصفوفة من الاستطرادات المعتادة التي يُتهم فيها هذا الخطاب، فإن ( حماية المرأة ) في الخطاب الإسلامي لم تنشأ قوانينها وضوابطها من مجتهد أو عالِم إسلامي وإنما منبعها ومصدرها هو القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم. إذن ( حماية المرأة ) أمر بها الخالق سبحانه وتعالى وأصبحت واجب على الخطاب الإسلامي أن يهتم بها غاية الاهتمام ويلتفت إليها دائماً في حركة المجتمع المسلم ويتكلم عنها ويحذر من الخروج عليها لأن الخروج عليها هو في حقيقته معصية لله سبحانه وتعالى يؤثم فاعلها. هذه المعصية وهذا الإثم ليس له مكانة في الخطاب الليبرالي الموجه للمرأة العربية تماماً مثل الخطاب الغربي. وفي المقابل نجد أن الخطاب الليبرالي أيضاً يجعل من قضية (تحرر المرأة) المحور في مجمل مفرداته، وهذا التحرر أفقد المرأة المسلمة مكانتها في الغالب الأعم فبقيت في مرحلة التبعية للنموذج الغربي الذي ينطلق من مرجعية دينية وتاريخية وفلسفة تناقض (مرجعتنا) نحن المسلمين.. وإذا كان هناك من يرى أن الخطاب الإسلامي المهتم بحماية المرأة جعل المرأة مجرد إلكترونات تدور في مجار النواة (الرجل).. فإن الخطاب الليبرالي في المقابل جعل المرأة نواة (تسويق) منتجات مصانعة حتى لو كانت إعلاناً عن (السيارات والإلكترونيات ومبيض الغسيل).

وما يراه البعض أنه مكثف في الخطاب الإسلامي عبر النزعة التوجيهية المستحضرة لروح ( قوامة الرجل) هي الطاغية في خطاب المرأة وأنها تحث على الحجاب والحشمة وصون العرض والحياء والفصل بين الجنسين بشكل ميكانيكي لم يكن مألوفاً في التاريخ الإسلامي إلى آخر ما جاء في مضمون السؤال!! ذاك يحدث لأن مضمون الخطاب الليبرالي هو (المساواة بين الرجل والمرأة) في المسؤوليات والواجبات مما يخفف من عبء مسؤوليات الرجل كما هي محددة في واجباته في النسق الحقوقي في الإسلام الذي هو ديننا الذي لا نرضى عنه بديلاً ونحن مأمورون بالطاعة لتعاليمه سواءً فيما يخص بدور المرأة أو الرجل في الحياة.. ومساواة المرأة بالرجل في هذا السياق ليس (عدلاً) وإن كان أصحاب الخطاب الليبرالي يعلنون ذلك.. وإنما هو (تخفيف لأعباء الرجل ) وفي الوقت نفسه ( ظلماً يقع على المرأة). وما يحدث من رفض (لقوامة الرجل) لم يكن يحدث لو أن الرجل أدرك ماذا تعني (القوامة، حيث هي (تكليف) وليس (تسلط أو استبداد).. بل هي مسؤوليات عظيمة ينبغي محاسبته على عدم الوفاء بالتزاماتها وليس (مساعدته على تجريده منها) وإطلاق حريته منها.. فالقوامة ليست الاستبداد في معاملة الزوجة أو التحكم في حقوقها المالية والاقتصادية.. والحل ليس في إلغائها وإنما في (محاسبته) عليها.

أما مضامين الخطاب الإسلامي للحشمة والحث على الحجاب فهو ( نص قرآني) لم يكن خاص بنساء الرسول صلى الله عليه وسلم فقط، بل كان خطاباً عاماً للنساء المسلمات.. والحجاب ليس (حرية شخصية) بل هو (تعاليم تشريعية) والاستشهاد بما كان (مألوفاً في التاريخ الإسلامي) ولا ينطبق على الواقع اليوم من مجالات تم فيها تخويل النساء إلى (أشياء جميلة للعرض) وتم فيها استثمار أنوثتهن بل وعوراتهن مع الأسف في كل المواقع.. ورفض هذا الحجاب والمناداة بإقصائه هو خروج عن إطار حركة المرأة المسلمة في المجتمع المسلم وفق النص القرآني وليس وفق الاجتهادات التي أصبح الخطاب الليبرالي يطالب باتساع مجالاتها!! دونما ضوابط..

أما ( صون العرض ) فهو مطلب سماوي وليس في الدين الإسلامي فحسب بل في جميع الشرائع السماوية.. وهو (مطلب إنساني) بعد أن يكون مطلبا (دينيا).

بعيداً عن كل هذه الدوائر التي يتضمنها الخطاب الليبرالي والتي يجيء بعض أنواع الخطاب الإسلامي كردة فعل على جسارتها وعلى تناقضها مع النسق الثقافي الإسلامي لمشاركة المرأة المسلمة في المجتمع والتي (ترفضها) كل امرأة مسلمة واعية (بالخطاب الشرعي) الذي وفق مساراته تكون حركتها وتعاملها مع الرجل زوجاً وأباً وابناً.. وأيضاً مسؤولاً مثلها عن تحمل الدور التنموي في المجتمع.. بعيداً عن التقليد والتبعية.. ويبقى السؤال هل ما نادى به الخطاب الليبرالي حقق للمرأة في العالم الإسلامي ـ وليس الغربي فقط ـ الأمن والاستقرار النفسي والاجتماعي والاقتصادي؟ هل تعيش المرأة المسلمة في كل مجتمع في أمن على شرفها وأسرتها وأطفالها.. هل ما تنادي به بعض الاتفاقيات العالمية من إباحة للشذوذ وحرية الجنس وتغيير شكل الأسرة وإلغاء ولاية الوالدين على الأبناء هو البديل للخطاب الإسلامي.. هل معصية الخالق الذي شرع هذه الضوابط للسلوك ووضع الحدود في تعاملات البشر جميعاً رجالاً ونساء وهو الأعلم بدواخلهم وما تكن نفوسهم وما هو الصالح للبشرية.. هل الخروج عن هذه التعاليم وفق عبارات فضفاضة تهاجم الخطاب الإسلامي ستكون هي الملاذ لتحقيق أمن المرأة وسعادة الرجل والمرأة؟ بل نجاح أي مجتمع في تحقيق نموه؟