يجب الفصل بين الخطاب الإسلامي المرتكز على «التقاليد» و«القيم الاجتماعية» وبين الشريعة الإسلامية كما جاء بها النص

ناهد باشطح

TT

يقول الدكتور هشام شرابي في بحثه «مقدمات لدراسة المجتمع العربي»: «لا يستطيع المجتمع الذي يرمي إلى تغيير ذاته النجاح دون أن ينفذ أولاً إلى عملية معرفة الذات المعرفة النقدية القادرة على اختراق الفكر السائد والنفاذ إلى قلب القاعدة الحضارية التي ينطلق منها سلوكنا الاجتماعي». ولن تستطيع المجتمعات الإنسانية معرفة ذاتها دون التطرق إلى معرفة كينونة المرأة فيها، كما أن اختراق الفكر السائد هو معضلة، فما فتئ حراس الفضيلة يحاولون باستمرار تقديس السائد.

بالرغم من الضجة حول موضوعات المرأة المثارة في كل مكان إلا أن صورتها في المجتمعات مازالت تعاني من الضعف في وسائل الإعلام فهي لا تخرج عن القالب الممتهن لجسدها كما في الإعلانات التجارية والأفلام أو القالب التقليدي النمطي الذي يسلبها تأثيرها الإنساني. بالإضافة إلى أن صورتها في وجدان المجتمعات العربية ليست دائماً على مستوى من التقدير والاحترام يتجلى ذلك في استعراض بسيط للأمثال الشعبية المبرزة لأخطائها وضعفها دون التركيز على أسهاماتها.

في تشكيل هذه الصورة النمطية يبرز خطابا ذا صيغة مشوشة يتراوح بين حماية المرأة عن طريق تبكيتها وقمعها أو إغوائها للممارسة الهامشية مما نتج عنه ضعف في دور المرأة وتغييب لإسهاماتها.. وهذا الدور الذي تمارسه المجتمعات ليس حديثاً بل قديم قدم الإنسانية.

وعلى المستوى الإسلامي كان الإسلام رمزا لعصر تنوير المرأة، غير أن المؤرخين في عصر الازدهار الإسلامي ساهموا في عدم إنصاف المرأة، حيث غيب المؤرخون الرجال تدوين سير النساء البارزات، بينما حفلت بعض المؤلفات بأخبار الجواري والمغنيات.

والباحث يجد بصعوبة سير النساء العظيمات أمثال السيدة نفيسة بنت الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسين بن علي بن أبي طالب التي كانت دارها مزارا للعلماء، ويعتبر الإمام الشافعي من أكثر العلماء جلوساً إليها وأخذاً منها، كما كان للإمام أحمد بن حنبل نصيب في الأخذ عنها.

وحفصة بنت سيرين وهي من السيدات التابعيات، اشتهرت بالفقه والحديث وقراءة القرآن، وقد كان إذا أشكل على أخيها محمد بن سيرين شيئاً من القرآن قال لطلابه «اذهبوا فاسألوا حفصة كيف تقرأ». إنها أمثلة ليست للحصر، لكنها غيبت الآن عن ذاكرة المجتمعات العربية الحديثة وتشكل خطابا يناسب الصورة التقليدية.

ساهم في تغييب الخطاب لقوة المرأة غيابها المحلوظ في المؤتمرات الإسلامية وغياب صوتها المتوازن تجاه قضاياها في وسائل الإعلام.

الأهم هو الخطاب الإسلامي الذي يعول عليه مسؤولية جسيمة والذي مازال يتراوح بين الشدة والتطرف وبين التقليدية وهو في الحالتين لم يستطع أن يحقق التوازن الذي خطه الإسلام في تعامله مع المرأة كإنسان كامل الأهلية.

مشكلة بعض الخطاب الإسلامي أنه استند بقوة إلى القيم الاجتماعية والعادات غير منتبه إلى نسبية استمرارها، فالقيم الاجتماعية والتي تُعرِّفها «شهيدة الباز «في بحثها» المرأة العربية ونظام القيم في الحقبة النفطية»: «بأنها مجموعة من المعتقدات التي تتسم بقدر من الاستمرار النسبي والتي تمثل موجهات للأشخاص نحو غايات، وتنشأ هذه الموجهات عن تفاعل بين الشخصية والواقع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي».

والسؤال.. هل يحتاج الخطاب الإسلامي إلى إعادة صياغة نتيجة لتغير بعض قيمنا الاجتماعية تجاه المرأة؟

العالم اليوم أصبح قرية كبيرة، والثقافات سوف تنصهر ولن ينفعنا إلا معرفة قوية بذواتنا.. بتاريخنا حتى ننطلق من قاعدة معرفية وليست تبريرية.

وعلينا ألا نستند كثيراً على التشبث بموروثات قديمة اختطت من قبل الرجال في العصر الأموي ليبدأ تاريخ تهميش النساء.

ففي موضوع المرأة دوماً يلوح البعض بأن دور الرجل حماية المرأة المسلمة من التيارات الغربية والملاحظ أن المرأة لم تطلب يوماً هذه الحماية التي تحولت بفعل التراكم التاريخي إلى قيد.

مفهوم الرعاية والرفق في المعاملة الذي أوصى بهما الرسول الكريم مختلف تماماً عن مفهوم الحماية إلى حد القمع، إلى حد أن يتحكم الأخ بمستقبل أخته ويجني الأب على ابنته ويضع الزوج حاضر ومستقبل زوجته في ظل تعتيم المجتمع لحوادث يدينها الإسلام بينما يظل المجتمع شاهراً سيفه على المرأة لمجرد أنها في نظره الكائن الأضعف.

وكأبسط مثال حين يساوي الإسلام بين الرجل والمرأة في عقوبة الزنا فهو ينظر إليهما كفردين مسؤولين، لكن المجتمع يغض الطرف عن الزوج الذي يمارس الخيانة بينما يعاقب الزوجة ويجرمها، لكنهما في الإسلام مخطئان دون تفرقة ويستحقان العقوبة إذا ثبتت الواقعة.

ونحن نتحدث عن الخطاب التقليدي الموجود في وجدان شريحة في بعض المجتمعات لا يجب أن نهمل دور المرأة في شيوع مثل هذا الخطاب حيث أنها ارتضت وضعاً سلبياً ومضت تقنع نفسها بأنها في أفضل حال.

أو أنها لبست رداء التمرد فكفرت بالتشريع الإسلامي دون وعي بأن الدين في كل زمان ومكان هو منظم الحياة فكيف بأكمل الأديان وأتمها.

إن تشكيل وعي المرأة من الأهمية بمكان أن يساهم في تطور المجتمع، فهي من يبني أجياله، وعلى المرأة أن تعي ذاتها أولاً ثم الوعي الاجتماعي المتمثل في طبيعة دورها وأهمية مشاركتها المجتمعية، كما أن الوعي السياسي مهم في فهمها لنظام السياسة وقضايا العالم أجمع. فهل تدرك المرأة هذه المسؤولية وتساهم في تشكيل خطاب ناضج وتنويري لمرحلة حاسمة؟