من المسؤول عن الأفكار السيئة في المجتمع؟

سعود السرحان

TT

تنظر كثير من المجتمعات المحافظة الى نفسها نظرة تطهرية، لذا فهي تبادر الى نسبة اي ظاهرة او فكرة شريرة الى الخارج، وهي بهذه الطريقة تحاول تبرئة نفسها من معرة هذه الظاهرة والفكرة كما انها ترتاح من البحث بجدية وعلمية في الاسباب الكامنة خلف هذه الظاهرة او الفكرة، فكون الظاهرة آتية من الخارج وغريبة على المجتمع يعني ان اسبابها خارجية لا علاقة للمجتمع بها فلا يكون العيب في المجتمع (الأنا) بل العيب في الخارج (الآخر).

كما ان نسبة هذه الظاهرة السيئة الى الخارج تضفي صورة «شيطانية» عليها، لأن الآخر في المجتمعات التقليدية (بل غالب المجتمعات) هو شيطان، وهذا يكفي في ادانة هذه الظاهرة كما ترى هذه المجتمعات.

ان هذا الهروب التبريري الذي تلجأ اليه المجتمعات التقليدية لا يقدم الحلول لأية مشكلة او ظاهرة، لكنه يرضي غرور هذه المجتمعات ويخرجها بصورة الضحية لمؤامرة خارجية.

وتتغافل هذه المجتمعات عن سؤال ينبني على التسليم بكونها ضحية فكرة وافدة من الخارج، وهذا السؤال هو: اذا كان المجتمع سليما ومطهرا وملائكيا وهذه الفكرة شريرة وشيطانية، فكيف وجدت تلك الافكار الشيطانية مستجيبين ومتحمسين لها داخل المجتمع؟ اي كيف وجدت تلك الظواهر تربة خصبة في المجتمع؟ هذا السؤال هو ما تتحايل هذه المجتمعات على الاجابة عنه، لأنه لا يمكن لها ان تلقي تبعته على الخارج كما ألقت تبعة خروج تلك الظواهر السيئة على الخارج.

ولو رجعنا الى التاريخ لوجدنا مسألة طريفة تتعلق بظهور الفرق والمذاهب الاسلامية ترتبط بموضوعنا هذا، ففي معرض التأريخ لهذه الفرق يبادر مؤرخو العقيدة والمذاهب الاسلامية الى نسبة المذاهب الضالة (من وجهة نظرهم) الى الخارج، ويزعمون انها لم تكن وليدة مجتمعها الاسلامي، وكذلك ينسبون المقالات الضالة (أي الافكار المخالفة) والاشخاص الضالين (المخالفين) الى اصول وتأثيرات خارجية. فمن ذلك: نسبت بعض الروايات نشأة المذاهب الشيعية الى كونها صنيعة رجل يقال له: ابن السوداء، وهو يهودي أسلم ظاهرا! اما مقالة نفي الصفات فقد وضع لها مؤرخو الفرق اسنادا طريفا، اذ يزعمون ان الجهم بن صفوان اخذها من الجعد بن درهم الذي اخذها من بيان بن سمعان الذي اخذها من طالوت اليهودي ابن اخت لبيد بن الاعصم الذي اخذها من خاله لبيد بن الاعصم اليهودي الذي سحر النبي، صلى الله عليه وسلم، الذي اخذها من يهودي باليمن.

والقول بالقدر (اي اثبات الحرية الانسانية في الفعل) يرجعه مخالفوه الى رجل دين نصراني او رجل اعجمي بالبصرة يسمى سوسن او سيسويه. والقول بامكان تكليف الله الانسان ما لا يطيق يدعي المعتزلة ان اول من قال به هو يوسف السمتي الذي اخذه من رجل ضرير بواسط كان زنديقا ثنويا، ولاحظ وصفه بكونه ضريرا زنديقا.

اما ابن الراوندي الذي كان معتزليا، ثم تحول شيعيا ثم تزندق، فقد زعموا ان أباه كان يهوديا وقد أفسد على اليهود دينهم، وان ابنه (ابن الراوندي) ادعى الاسلام ليفسده على أهله.

وكذلك اتهام الجهم بأنه تأثر برهبان بوذيين يسميهم مؤرخو الفرق السمنية.

واتهم بشر المريسي بأن أباه كان يهوديا صباغا قصارا ـ والقائمة طويلة جدا وهي تدعم القول ان المجتمعات المحافظة تبادر الى تبرئة نفسها من اي فكر او ظاهرة شريرين، وترمي تبعة ذلك على الآخر الشرير الشيطان الذي يغار منها ويتربص بالأمة.

وليس معنى هذا هو عدم صحة اي تأثير خارجي، بل المؤثرات الخارجية موجودة بلا شك، وأي مجتمع مهما بلغت محافظته وانغلاقه فهو خاضع للمؤثرات الخارجية، لكن المقصود من هذه المقالة انه يجب البحث بصدق وجد عن اسباب وجذور اي ظاهرة او فكر، وعدم مصادرة البحث بالمبادرة الى القاء التبعة على الآخر الخارجي، بل لا بد من التحلي بالشجاعة في البحث عن الاسباب والشجاعة بالتصريح بنتائج البحث، عندئذ يمكن مواجهة والقضاء على اي فكر ضار سواء كان مصدره داخليا او خارجيا.

[email protected]