خادم الحرمين الشريفين يؤكد في افتتاح أعمال المجمع الفقهي الإسلامي أن الإسلام نسب إليه ما ليس فيه نتيجة استغلال انحراف المغالين من شباب الأمة

TT

أكد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ان أمة الاسلام تعيش اليوم في ظروف متغيرة تحيط بها برامج عالمية جديدة مرتبطة بتيارات العولمة وتحدياتها الثقافية والاعلامية والاقتصادية وغيرها من التحديات التي تتطلب من الأمة وعلمائها التعامل معها وعلاج آثارها واستيعاب برامجها وتطويعها لخدمة الاسلام الذي استوعب عبر التاريخ المتغيرات التي طرأت على حياة المسلمين، وقد أحسن علماء الامة وفقهاؤها التعامل معها وتقديم الحلول لها مستفيدين من يسر هذا الدين الذي تقوم قواعده على وسطية اوجدت توازنا فريدا بين الواجبات والحقوق في المجتمع المسلم، كما اوجدت توازنا في العلاقة بين الانسان وأخيه الانسان حاكما ومحكوما، غنيا وفقيرا.

وقال خادم الحرمين الشريفين في الكلمة التي القاها نيابة عنه امس (السبت) عبد الله بن داؤد الفايز وكيل امارة منطقة مكة المكرمة في افتتاح اعمال المجمع الفقهي الاسلامي التابع لرابطة العالم الاسلامي، ان متغيرات هذا العصر واجهت الامة بحملة شرسة على اسلامها، وعلى اخلاقها، وعلى ثقافتها، وعلى علمائها، وقد نسبت الى الاسلام ما ليس فيه مستغلة انحراف المغالين من شباب الامة، فكالت التهم للاسلام، وتطاولت على القرآن، ومست بشخص نبينا صلى الله عليه وسلم، مظهرة عداوتها للدين الاسلامي، ومعلنة كراهية اتباعه «قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر».

وأضاف انه مع التحدي الذي يمثل منعطفا تاريخيا في حياة الامة، ظهرت تحديات داخلية تمس أمن الامة، وتشوه الصورة الناصعة للاسلام امام الامم، وهذا التلازم بين التحديات الداخلية والخارجية، سجله التاريخ مرات عديدة، فقد شهدت الامة مع كل هجمة على كيانها تحديات داخلية، حاولت المس بالتوازن بين الواجبات والحقوق، وبالعلاقة بين الناس من خلال فكر منحرف مغال، لكنها تلاشت واندثرت واصبحت اثرا بعد عين.

وأوضح ان من أخطر التحديات الداخلية التي عادت اليوم للظهور مع المستجدات العالمية، اضطراب الرؤى بسبب الجهل، وهذا تحد خطير، يتصل علاجه بمهمتكم في هذه الدورة، فأنتم العلماء الاجلاء والفقهاء وقادة البحث العلمي والوعي بحال الامة، وبما تحتاج اليه، لتكون حياتها وفق نهج الاسلام الصحيح. ولقد ظهرت بسبب مشكلة الجهل في المجتمعات المسلمة تحديات عديدة، من اخطرها تسلل الخلل الى تصورات البعض، حول احكام الشريعة الاسلامية، وهذا يحدث اضطرابا في فهم النصوص، والامر الجلل الذي يتصل بهذا الشأن نشوء مشكلة الفتاوى الفردية، فيما يتعلق بمصالح الامة كلها، والغلو في الدين، وهذا امر في غاية الخطورة، لما قد يسببه من اخطاء بالغة في الاعتقاد، ومخاطر جمة في السلوك والتعامل مع الناس، وشق صف المسلمين، وتكفيرهم، واستباحة دمائهم، وليس شيئا اخطر على جسد الامة الواحد من فتنة التكفير وتفريق الامة في دينها «إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون». ولقد استغلت منظمات الارهاب جهل بعض شباب الامة بأحكام الدين الصحيح، فأوقعتهم في شباكها، وسخرتهم لقتل النفوس المحرمة، وقد استهدفت فتنهم طهر هذا البلد الامين وأمته، دونما استشعار لجسيم الإجرام فيه، وللوعيد الالهي بالالحاد فيه: «ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم» ـ الحج 25.

وقال ان المملكة العربية السعودية التي فتحت صدرها منذ تأسيسها على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن ـ رحمه الله ـ للعلماء والفقهاء والدعاة المخلصين تدعوكم اليوم لمعالجة مشكلة الجهل بأحكام الاسلام الصحيحة، من خلال ايضاح الفقه الاسلامي بالاسلوب الذي يتيح للمسلمين وعي احكامه ويساعدهم على ربط تصرفاتهم بها ويعرفهم بالتعامل مع القضايا المستجدة في حياتهم ويرشدهم الى السلوك السليم، وهذا يحتاج الى تعاون بين مجامع الفقه وكليات الشريعة وأقسام الفقه واصوله في الجامعات الاسلامية ومراكز البحوث فيها. والامل ان تتولى رابطة العالم الاسلامي التنسيق لتحقق ذلك، وستدعم المملكة هذا التعاون وما يحتاج اليه والامل ان تضعوا في هذه الدورة مرتكزات وقواعد وتعريفات للمشكلات التي تحتاج الى ايضاح وخاصة في ما يلي:

اولا: تصحيح الخلل في مناهج التفكير التي ظهرت لدى بعض المسلمين من خلال الحوار عبر الندوات والمؤتمرات ووسائل الاعلام ونشر الكتاب الاسلامي.

ثانيا: التصدي للفتاوى الفردية الشاذة بالحجة الشرعية وإبطالها ومعالجة سوء الفهم والاستباط عند اصحابها، وقد يكون من المناسب اتفاق المجامع الفقهية في العالم الاسلامي على اعلان ميثاق للامة بشأن الفتوى يوضح ضوابطها وشروطها ويبين صفات أهلها كما يبين خطر الفتاوى الفردية الشاذة على عقيدة المسلم وعلى سلوكه.

ثالثا: تعريف الغلو وتوضيح انواعه وبيان خطره على عقيدة المسلم وعلى سلوكه والتحذير من خطره على شخصية الامة المسلمة، وبيان علاجه.

رابعا: معالجة فتنة التكفير التي تطل برأسها في بعض المجتمعات الاسلامية.

خامسا: تحديد دلالات المصطلحات الشرعية التي تثار بشكل خاطئ بسبب الجهل بحقيقتها مثل جماعة المسلمين والطائفة المنصورة ودار الاسلام ودار الحرب والولاء والبراء والجهاد والحوار. وهذا قد يحتاج الى اعلان تصدره دورتكم هذه يكون مرجعا لشباب الامة لاستيعاب معاني المصطلحات المذكورة ودلالاتها الشرعية وعلاقة المسلمين بها.

وأضاف: لقد تابعنا جهودكم المباركة في دورات المجمع السابقة وقد سرنا تعريفكم للارهاب الذي تضمنه بيان مكة المكرمة الصادر عن الدورة السادسة عشرة للمجمع، فقد كان تعريفا موفقا ولله الحمد وها قد التأم شملكم اليوم في أم القرى لمتابعة القضايا المستجدة في حياة المسلمين، واننا نترقب ان تقدموا علاجا شرعيا للتحديات التي اوجدها الجهل بجوهر العقيدة والشريعة عند بعض شباب الامة، فأساءوا الى دينهم وإلى أمتهم وقدموا الذرائع للجهات المعادية لتكيل التهم للاسلام وتنال من مبادئه العظيمة. كذلك سرنا اعلان رابطة العالم الاسلامي اعتزامها تكوين ملتقى لعلماء المسلمين من اجل تدارس المشكلات الكبرى ومعالجة التحديات الطارئة، وإذ نعلن تأييد المملكة لقيام هذا الملتقى، فانن أدعوكم ايها الاخوة العلماء للتعاون مع الرابطة في قيامه والمشاركة في مهامه لما في ذلك من تحقيق للتعاون بين علماء الامة في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. كما أدعو الرابطة الى بذل المزيد من جهود التنسيق بين المنظمات الاسلامية الرسمية والشعبية من خلال لجنة العمل الاسلامي المشترك في مجالات الدعوة التي اسندت رئاستها للرابطة في الاجتماع الثالث عشر للجنة. ولعل هذا يتيح للرابطة الدعوة الى مؤتمر عاجل للتنسيق بين المجامع الفقهية في العالم وتدارس كل حدث وكل قضية تتصل بالاسلام وبحياة المسلمين مما يوحد رؤى المسلمين ويوحد الفتوى في العالم الاسلامي، وقد ترون ان هذا من أولويات العمل في هذه الفترة.

كما القى الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ المفتى العام للمملكة العربية السعودية ورئيس مجلس المجمع الفقهي الاسلامي التابع لرابطة العالم الاسلامي كلمة في حفل الافتتاح، حيث قال ان الامة الاسلامية بحاجة الى علماء مخلصين صادقين لتبيان ميثاق الحق. وعلى هؤلاء العلماء واجب النهوض بأمانة العلم، محذرا من الافكار البعيدة عن دين الله.

واضاف ان اجتهاد العلماء في المجامع وغيرها يساعد في حل نوازل الامة وقضاياها، تبصيرا للامة في دينها ومعاملاتها، مشيرا الى ان الارهاب عمل اجرامي تدينه الشرائع السماوية لانه ترويع للآمنين، لذلك على العلماء واجب تبيان اسبابه وحكم الدين فيه. ولا بد من وقفة حازمة وصادقة ضد هذا الوباء.

وأشار مفتي عام السعودية الى انه لا بد من وقفة حازمة امام الحملات الشرسة ضد امة الاسلام التي تريد زعزعة امنها، ثم السيطرة عليها للاستيلاء على خيراتها واعادتها الى الذل والهوان، مؤكدا ان شباب الامة أمانة في اعناق علماء الامة لتجنيبهم الانزلاق في خطر الافكار الواردة، يحملها من لا أمانة عنده، والاخذ بأيديهم وتوجيههم وتربيتهم ليكونوا يدا واحدة.

وأشاد بدور رابطة العالم الاسلامي في هذا الخصوص، مشيرا الى ان للرابطة أياديها العظيمة من خلال مؤتمراتها. وأعرب عن شكره وتقديره لخادم الحرمين الشريفين وولي العهد لرعايتهما للرابطة، وكذلك الشكر موصول للامير عبد المجيد بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة لدعمه نشاطات الرابطة ورعايتها.

بعد ذلك ألقى الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، الامين العام لرابطة العالم الاسلامي، كلمة جاء فيها ان مسؤولية النهوض بالامة من ازمة حقيقية استحكمت بكيانها، تقع على علماء الشريعة، باعتبارهم ـ على طول خطها التاريخي ـ في مقدمة صفوفها، شعورا بآلامها، وغيرة على حرمتها، وحرصا على صيانة حقوقها ومصالحها.

وقال الدكتور التركي ان أمتنا ضعفت ماديا، فهي ليست مسؤولة عن الشقاء الذي آلت اليه البشرية في عصرنا الحاضر والذي تسببت فيه التجارب البعيدة عن هدي الرسل وسلطان الدين.

ودعا الدكتور التركي الى النظر، الى واقع المسلمين ضمن معادلة تجمع بين طرفين.

وألقى الدكتر صالح بن زابن المرزوقي البقمي الامين العام للمجمع كلمة في الافتتاح، حيث قال: لقد حفل جدول اعمال هذه الدورة بموضوعات متعددة ومتنوعة وهي:

أولا: التهديدات والتفجيرات الارهابية، اسبابها، آثارها، حكمها، وسائل الوقاية منها. ولا يخفى على من عرف عقيدة الاسلام وشريعته وأخلاقه وتاريخ دوله وشعوبه على مدى اربعة عشر قرنا ورزق حظا من الانصاف والحياد في الحكم ان الارهاب ليس من الاسلام في شيء، بل هو مضاد للدين، ومحادة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم. وحينما نقول ان الاسلام بريء من الارهاب فاننا لا نقول ذلك ردة للفعل، ولا إرضاء لأحد من الناس، ولكننا نقول ذلك بناء على الحقيقة التي نعرفها من احكام هذا الدين، ويعرفها المفكرون الاحرار المنصفون في العالم.

لذا فان الامانة العامة للمجمع تعتقد ان من انجح الاساليب في مكافحة الارهاب ان تبحث اسباب هذه الظاهرة، وتبين آثارها، وحكم الشريعة الاسلامية في مرتكبيها وفي اعمالهم، ووسائل الوقاية منها، مؤملة ان تظهر وجهة النظر الاسلامية في هذه الاعمال الارهابية من خلال مجلسكم الموقر واضحة جلية بالقدر الذي يكشف عن حقيقة هذه الظاهرة، ومحاصرتها وان لا تقف عند دفع الشبه والاباطيل الملفقة ضد ديننا وأمتنا.

ثانيا: حكم ضريبة الدخل.

ثالثا: حكم التورق كما تجريه المصارف الاسلامية في الوقت الحاضر.

رابعا: الخلايا الجذعية ومدى جواز الاستفادة منها.

خامسا: مدى مشروعية الالزام بتوقف عقد الزواج في الوثائق الرسمية على شهادة طبية بخلو الخاطبين او احدهما من الامراض الوراثية.

سادسا: حكم استعمال الدواء المشتمل على شيء من نجس العين كالخنزير وله بديل اقل منه فائدة كالهيبارين الجديد.

سابعا: مجموعة من الموضوعات المتنوعة.

كما تحدث في الحفل الدكتور وهبة الزحيلي نيابة عن المشاركين في اعمال الدورة السابعة عشرة للمجمع قائلا:

اننا نحن المشاركين في هذه الدورة السابعة عشرة للمجتمع الفقهي الاسلامي من اعضاء وخبراء وباحثين، في اشرف وأعز البقاع الطاهرة، والديار المباركة، مهبط الوحي الالهي ومبعث الرسالة الخالدة، لنرفع من اصائل قلوبنا اخلص آيات الشكر والتقدير وعرفان الجميل للمملكة العربية السعودية ملكا وحكومة وشعبا، على دعوتنا لهذه الدورة وعلى ما أتيح لنا من كرم الضيافة والاستقبال والاقامة، لإنجاح هذا الاجتماع المبارك في رحاب الرابطة ومظلة المجمع الفقهي الاسلامي.