الأردن يطور مناهجه الدراسية بإدخال مفاهيم حقوق الإنسان وثقافة السلام واشتقاقها من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية

TT

يواصل الأردن تطوير مناهجه الدراسية من خلال تعزيز المهارات والمعارف والاستراتيجيات المستخدمة في التعليم بما ينسجم مع التطور التربوي، الذي يشهده تكنولوجياً ومعرفياً وثقافياً. وتسعى وزارة التربية والتعليم الأردنية، ضمن خططها التربوية، اعتباراً من العام المقبل إلى ادخال وتعزيز مفاهيم التفاهم الدولي والسلم العالمي المبني على العدل والمساواة والاحترام المتبادل وبناء القيم الإنسانية التي تتضمن حماية حقوق الإنسان وكرامته ورعاية الشيخوخة ومحاربة الوساطة والمحسوبية وحماية البيئة إلى المناهج الدراسية بما يراعي خصوصية الأردن والاهتمام ببقية أجزاء العالم.

وقال فواز جرادات، مدير ادارة المناهج والكتب المدرسية في وزارة التربية والتعليم، إن تعزيز وادخال مفاهيم حقوق الإنسان وثقافة السلام والقيم الإنسانية التي تعتمدها وزارة التربية والتعليم منذ نشأتها وحتى اليوم، تم اشتقاقها من الآيات القرآنية الكريمة ومن الأحاديث النبوية الشريفة ومن القيم والمبادئ الموجودة أصلا في حضارتنا العربية وتاريخنا العربي والإسلامي.

واضاف ان هذه المفاهيم تأتي تأكيداً للدور الحضاري والتاريخي للأمة العربية والإسلامية التي جعلها الله سبحانه وتعالى، خير أمة جمعت بين العلم والإيمان، وربطت الدنيا بالآخرة لتورث لهذا العالم حضارة عالمية متوازنة تهدي البشرية وتقدم الحلول لمشكلات الحضارة المادية مساهمة في الجهود البشرية المتعلقة بحقوق الإنسان وغيرها من المفاهيم المعاصرة التي تهدف إلى حماية الإنسان وتأكيد حريته وحقوقه في الحياة الكريمة بما يتفق والنظام الإسلامي. وقال إن وزارة التربية والتعليم قامت بإعداد وثيقة مشروع حقوق الإنسان وثقافة السلام والقيم العالمية المشتركة بالتعاون مع منظمة اليونسكو، حيث سيتم ادراج مفاهيمها الى المناهج الدراسية اعتبارا من العام الدراسي المقبل.

واضاف ان هذه الوثيقة أعدت لتسبر غور المفاهيم العالمية وتقف على ما يتوافق منها مع قانون التربية والتعليم، الذي يحث على الانفتاح على الثقافات الاخرى مع المحافظة على الهوية العربية والاسلامية والاعتزاز بتراثنا وقيمنا وحضارتنا.

وأشار إلى أن هذه الوثيقة تأتي لتغطية المفاهيم المعاصرة التي لم تكن قد عولجت بشكل كاف في الكتب المدرسية بوصفها مفاهيم مهمة في بناء القيم الإنسانية، مثل مفهوم ضمان حق رعاية الشيخوخة ومفهوم محاربة الوساطة والمحسوبية وترسيخ مفهوم العدالة ومفهوم حماية البيئة.

وقال إن الوثيقة التي اعدها خبراء اردنيون تشتمل على انشطة تعليمية لادخال وتعزيز هذه المفاهيم لدى الطلبة وتوظيفها في حياتهم العملية لحاجة الأجيال القادمة الى سند ايماني لحضارتها والى وازع ذاتي يحرس حرياتها، ويؤكد حقوقها، ويحث الطلبة على استخدام أساليب واستراتيجيات تسمح لكل من الطلبة والمعلمين توظيف عملية التعليم المستمر والرغبة في البحث والاكتشاف.

واضاف: لقد تم تطوير هذه المفاهيم بمراجعة المعاهدات والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الانسان والطفل والمرأة والكتب والمراجع التربوية التعليمية وتجارب المنظمات غير الحكومية محلياً وعالمياً وبرامج التوعية التي نفذت في الأردن.

وأوضح إلى أن الوثيقة تتكون من ثلاثة أجزاء هي: حقوق الإنسان وثقافة السلام والقيم العالمية المشتركة.. ومن مفاهيم حقوق الإنسان التي ستركز عليها الوثيقة المساواة والكرامة والأمن والتملك والملكية والمشاركة والتأمينات الاجتماعية والعمل والتعليم والتنمية الكاملة لشخصية الإنسان والتكافل وحق تكوين الأسرة والإنسانية والعدالة والحماية القانونية.

وتشمل مفاهيم السلام التسامح ونبذ العنف والتعريف برموز وطنية وعالمية اهتمت بالسلام وتعريف النزاعات وابعادها وآليات صنع السلام والتعاون والتنوع الحضاري والحوار، أما مفاهيم القيم العالمية المشتركة فتشمل التربية والحداثة والديمقراطية وحماية البيئة وحماية التراث.

واوضح ان مساهمة اليونسكو في اعداد هذه الوثيقة جاءت استجابة لطلب تقدم به الأردن بصفته عضواً في هذه المنظمة وله الحق في الاستفادة من مشاريعها وسبل التعاون معها.

وقال جرادات إن تطوير المناهج الدراسية في الأردن هو عملية مستمرة ومتواصلة تعتمدها الوزارة كل عام، وبما ان الكثير من المفاهيم التي بات يتعامل بها العالم لم تكن موجودة أو واضحة في الكتب والمناهج الدراسية ارتأينا اعداد مثل هذه الوثيقة.

وقال ماهر جويحان، أمين سر اللجنة الوطنية الأردنية لليونسكو، ان كل دولة عضو في اليونسكو ان تطلب 12 مشروعا وطنيا في العام لتمويلها من قبل اليونسكو، حيث تقدم الأردن بطلب لإعداد مشروع مصفوفة مفاهيم السلام منذ عام 2000 وتعد هذه الوثيقة معلماً تربوياً مهماً سيعمل على إكساب الطلبة مهارات ومعرفة مميزة وبشكل حضاري ومبسط.

وقال ان المناهج الدراسية في العديد من الدول العربية بحاجة إلى توضيح وتعزيز وادخال مثل هذه المفاهيم ونأمل أن يكون الأردن مرجعا لها ومثالا يحتذى في عملية التطوير التربوي.

واوضح الدكتور حمدي مراد، استاذ الشريعة في جامعة البلقاء التطبيقية، ان التوازن في طرح المفاهيم وتعليمها مهم جدا ولا يجوز إنشاء وتعليم مفاهيم خاطئة كأن يعتبر الجهاد في سبيل الله إرهابا. وقال إن من الواجب والضروري ان يفهم ابناء هذا الجيل حقيقة مفاهيم السلام في الإسلام وان يفرق بينها وبين مفاهيم الاستسلام أو عدم الرد على العدوان.

واضاف ان السلام اسم من أسماء الله تعالى، وصفة من صفاته، لقد اراد سبحانه للمجتمع الانساني ان يعيش بأمن واستقرار وسلام ودعا الله الناس جميعا لتحقيق السلام بينهم بكل الوسائل المشروعة الممكنة.

وقال إن الله تعالى حرّم الصراع والقتال ولم يجزه إلا عند الضرورات وهي دفع الظلم ودفع العدوان ورفع الاحتلال والقهر، فالأصل إذن هو السلام والضرورة الدفاع واستعمال القوة من اجل تحقيق السلام.

وأوضح أن ذلك يتطلب من المعنيين والمسؤولين عن تربية وتعليم الاجيال توضيح مفاهيم السلام، بحيث لا نبقي مجالا للشك في ان يُساء فهم هذا المفهوم او ذاك، وبالتالي نعرض ديننا وحضارتنا ومفاهيمنا القيمة الى التشويه وبشكل لا يخدم مصلحة الأمة العربية والإسلامية.

وقال الدكتور احمد الخطيب، استاذ الادارة التربوية في جامعة اليرموك، انني اخشى ان تكون الدعوات للتغيير دعوات حق يراد بها باطل، فمفاهيم السلام التي يتحدثون عنها هي بالأصل قيم إسلامية وعربية باقية عبر التاريخ وهناك اضاءات كثيرة في تاريخ العرب والمسلمين لتأكيدهم لهذه القيم التي على المجتمعات الاخرى ان تفهمها قبل ان تقحمنا برؤيتها لمفاهيم السلام وحقوق الانسان.

واضاف: اخشى ان يكون لهذه الدعوة انعكاسات سلبية فأحياناً تكون العولمة تهديدا للهوية الثقافية للمجتمع كما يمكن ان تكون التشاركية في النظام التربوي مليئة بالظواهر السلبية. وقال ان ذلك يتحقق بنظام تربوي من نوع جديد قادر على اكساب الافراد المتعلمين والكفاءات القيم والاتجاهات التي تؤهلهم للتكيف مع المتغيرات وتوفر لهم فرص الاقناع والتأثير بشكل إيجابي.