حاجة الواقع الإسلامي لطرق تفكير جديدة

د. نجاح كاظم

TT

يعتمد الفكر الاسلامي التقليدي السائد على نظم معرفية قديمة ويقوم على ابراز تفوق الذات واظهار نقائص الآخر مع الفشل في رؤية نقائصه وحاجاته مما يجعله ينطوي في ابراج عاجية غالبا مفصومة عن الواقع، ونظرية بعيدة عن انسانية او احتياجات الجانب العملي ما يجعل البعد الانساني غائبا عن الطروحات الفكرية والاسلامية. وقد يقال وماذا عن التيارات الفكرية المتعددة التي شهدتها المنطقة العربية والاسلامية في اغلب القرن العشرين مع كتاباتها واصداراتها؟

فأغلب هذه الكتابات كانت علمانية ومعظمها كانت مترجمة ونابعة من الواقع الأوروبي وليس من الواقع العربي والاسلامي. فانتزاع النظرة الانسانية في نظم التعليم للبلدان العربية والاسلامية، على سبيل المثال لا الحصر، كما في الدروس الحياتية والتربية والدين التي تظهر التفوق المفترض للفكر من جانب وعدم التعامل والتفاعل مع حاجات الانسان ودوره في الأمور العملية من جانب آخر.

معارف الفكر في اغلبه قد تكون ذات تطويرات لغوية وادبية مع عدم وجود توثيق واحصاء لهذه المعارف، وجوهرها في الأعم الأغلب يزيد من ترسيخ وتقليد الافكار القديمة الدائرة في رحاب المنهج القديم والمتولدة من ارحام وادوات الماضي، والمركزة على التراث وعلم الرجال وغير ذلك مع إهمال تام لعلوم الاجتماع والنفس والقضايا الفكرية والفلسفية.

فكر قائم على اختلال العلاقة بين العقل والنص، فالعقل غير قادر على تفهم النص واستيعابه وتحسين تطبيقه (والأخذ بأبعاد الزمان والمكان) وربطه بالواقع ولا النص قادر على ارشاد العقل ومنع عملية الوصاية العقلية المكبلة لميكانيكية التفكير واستيعاب الخلل في العلاقة بين الفهم والقوة كما في العقل والعضلات. وهذا ما يجعل الفكر قابلا للوصف والشرح وغير قادر على التحليل او التصميم. والانعكاسات العملية لهذا التفكير هي انهزام العقل المقبل في الايمان بنظرية المؤامرة دوما ليس من قبل العموم، بل من النخب الثقافية كما في تعليلنا لاحداث 11 سبتمبر/ايلول. الغاء العقل في فهم الأسباب والمبررات وتقييم الحقائق القائمة على ارض الواقع ما يعقد وضعنا المزري ويمنع تشخيص ابتلاءاتنا.

معارف هذا الفكر تحرم الخوض في اللا مفكر فيه وتربط احيانا ما بين العاطفة والعقل كما في تحليلها للفترة الاستعمارية ورؤيته للابعاد الثابتة في الهوية فقط وتجهل الابعاد الحركية وحتى الثوابت الحيوانية المكونة للهوية الانسانية. فكر قائم على حنين مستمر للماضي وعدم العيش في الحاضر والتطلع للمستقبل. فكر انعكاسه واضح على ضعف المنظومة الاخلاقية عندنا والثقافة السائدة التي تحكم افعال واعمال العرب والمسلمين. فكر اصل مصادر معرفة قائم على فهم تقليدي لنصوص دينية. وفكر لا يسمح بتغير الرأي مع تغير الظروف وكأن الرأي غاية بحد ذاته، والمثال العملي لذلك هو عدم السماح للطلاب بابداء رأيهم عن مناقشة رسائل الماجستير والدكتوراه في الدراسات الاسلامية، حيث يتوقع من الطالب الغاء عقله وعملية تفكيره عند رفض هذه المناقشات في السماع لرأيه وتصوراته.

لا يوجد عندنا شيء اسمه العصف الفكري لبلورة قضايا وامور جديدة. فكر مصاغ من رؤى وتصورات قديمة ويعيد انتاجه حسب مناهج التراكم الاجتماعي والتخلف السياسي.

فكر وليس الخطاب فقط، لا زال يستخدم كلمات الغزو مثل الغزو الفكري او الافكار الدخيلة وغير ذلك.

وما يثيرني هو معنى كلمة الغزو اي المطاردة او الجري.. اليست تلك هي صفات البدو!! ومعنى الدخيل هو الجديد وغير المألوف ـ عكس عادات البدو القائمة على الرتابة والمألوف.

والسؤال الثاني يفرض نفسه على الواقع العربي والاسلامي: هل الفكر العربي والاسلامي، كحال البدوي الرافض للجديد، يعيش حذرا وترقبا واحتراسا من الافكار الجديدة، خصوصا تلك القادمة من خارج الديار لاشعارها اياهم بالضعف والتدني والهزيمة. اكثر ما نحتاج له فكر يناقش القضايا الملحة كابتلاءات العلم الحديث في مواضيع الاستنساخ وأسلحة الدمار الشامل والمخدرات وغير ذلك. فكر يساهم في تشخيص عناصر الخلل في الثقافة العربية والاسلامية. فكر يقوم على تجديد الافكار وافرازاتها المستمرة في توليد الادوات الذهنية والمادية لتعميق استمرارية التفكير وميكانيكيته المعقدة.

فكر يعيش المعضلات والتحديات ويجابهها بقوة، وبدون تردد، ويعالجها من زاويتها العصرية وليس البحث عن هذه الحلول عبر ادوات ومنهجية ومعارف الماضي.

استخدام المنهجية الواقعية اي دراسة الواقع في تشخيص المشاكل والتحديات، ثم فرز الأدوات وآليات العمل. وهذا ما يسمح بولادة افكار كبيرة تخالف المتعارف عليه وتنقل الواقع نقلة نوعية جديدة وتفرز طرقا جديدة لتفكير وأطر حديثة للعمل وتبلور ادوات التحليل والتصميم ليس في ابعادها المادية، بل الذهنية او العقلية.

والأهم من كل ذلك فكر ينبع من قراءات متجددة للنصوص الدينية التي تعطي تصورات حديثة وتفهما واقعيا لمعاملات المسلمين فيما بينهم ومع الآخرين. وستفرز القراءات المتجددة الاطارات الضرورية للنصوص الدينية وتسحب منها الرؤى الجامدة التي جعلتها بمرور الزمن ذات سلطات استبدادية في بعض الاحيان اشد من سلطات الحكم. ما يمكن حالة التجديد الفعلية للخطاب الديني والضروري لواقع المسلمين.