هلال ذي الحجة واختلاف المطالع

عدنان عبد المنعم قاضي

TT

يحل على المسلمين شهر الحج وفيه شعيرتان دينيتان في يومين متتاليين: يوم الوقفة في عرفات، ويوم عيد الأضحى. ومن العجب أن يتحد المسلمون، سيادياً، في الوقوف بعرفات ويتفرقون في عيد الأضحى. واقعياً، تحتفل كل دولة وجماعة إسلامية وحتى الأفراد بعيد الأضحى كل حسب رؤيته، أو ما يسمى اختلاف المطالع. فهل اختلاف المطالع يطبق في رمضان ولا يطبق في الحج؟ بشكل أدق، هل اختلاف المطالع يطبق في دخول رمضان وعيد الفطر ولا يطبق في يوم الوقفة بعرفات، لكن يطبق في عيد الأضحى؟.

تظهر هذه التفرقة في تفرّد يوم الوقوف بعرفة، لكن تعدد صومه وتعدد عيد الأضحى في بقية المجتمعات المسلمة ـ شعيرة واحدة يفصل بين مناسبتيها يوم واحد في حساب الزمن، وهوة عميقة وتفرقة في حساب الاتجاه المذهبي وتأصيل فقه السيادة. وكأن المسلمين أمم متعددة متفرقة وليسوا أمة وسطاً، وربهم العزيز يقول: (ربّنا واجعلنا مسلمَيْنِ لك ومن ذريّتنا أمة مسلمة لك وأرِنا مناسكنا..) البقرة 128، ثم يكرمهم المولى سبحانه: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس..) البقرة 143، لكننا عكسنا الآيتين فكنا أمماً شتى وشهد الناس على تفرقنا (وحتى تخلفنا ونعتوا به ديننا) وتداعت علينا الأمم.

هناك أمم فلقت الذرة وحتى البروتون، ونزلوا على المريخ وحللوا تربته وأرسلوا صوراً وبيانات له، وتحروا موقع وفلك صخرة (قطرها 4.5 كيلومتر)، في الفضاء السحيق، ووصلوا إليها وأخذوا عينات لها وأرسلوا تلك العينات إلى الأرض كي تحللها مختبراتهم ليعرفوا أصل مكونات الكون. وهناك في أمتنا من جعل من وسائل كونية، عبادة شرعية باسم الدين، وخطأوا من قال غير ذلك باسم الدين أيضاً.

ولنعط مثلاً على سلوكنا هذا، لنظل هنا على كوكب الأرض ولنحدد زمن حج هذا العام لعلنا نجد من يتقبل هذا النهج العلمي. لنبدأ بالسؤال التالي: على ماذا يعتمد دخول الشهر القمري؟ يعتمد تحديد دخول الأشهر القمرية على ظاهرة طبيعية خلقها الحق سبحانه هي وجود الهلال في وقت ومكان معينين: بعد غروب الشمس وفي جهة الغرب. هذا المقال يتبنى المعايير التي وضعها علماء مسلمون في الفلك والشريعة الإسلامية في مؤتمر اسطنبول الذي انعقد في 26 من ذي الحجة 1398 (27 نوفمبر 1978) لتحديد أوائل الأشهر القمرية.

ولإمكانية رؤية الهلال عند بزوغه في أول ليلة لا بد من توفر ثلاثة شروط، وبهذا التسلسل: أولا: أن يولد الهلال، ثانيا: ان تغرب الشمس قبل أن يغرب الهلال، ثالثا: أن يكون هناك وقت كاف بين الغروبين. هذا الوقت الكافي يحدد: بأن لا تقل زاوية ارتفاع القمر عن الأفق بعد غروب الشمس رأساً عن 5 درجات، لتعذر الرؤية لأقل من 5 درجات نظراً لكثافة الغلاف الجوي ودرجة الحرارة وتصاعد الرطوبة والغبرة والأبخرة والغازات والتلوث الجوي وانعكاس وانكسار الأضواء ومدى حدة بصر الرائي. وبأن لا يقل البعد الزاوي بين الشمس والقمر بعد غروب الشمس رأسا، عن 7 درجات، لأن ضياء الشمس الهائل يغطي نور الهلال النحيل كلما اقترب القمر من الشمس الذي يؤثر في الرؤية حتى مع حدة البصر.

وعلى هذا الأساس وحده، يمكن رؤية الهلال بالعين المجردة لعموم البشر في الأحوال العادية، حينما تتحقق هذه الشروط يبدأ اليوم والشهر والسنة القمرية في الوقت نفسه عند مكان واحد معين.

لنجعل من مكة المكرمة هذا المكان الذي يبدأ عنده اليوم والشهر والسنة أي خط التاريخ، تقع مكة المكرمة على خط الطول 39 درجة و36 دقيقة قوسية شرقاً وخط عرض 21 درجة و19 دقيقة قوسية شمالا، وارتفاع 300 متر عن سطح البحر. يولد الهلال في يوم الخميس 22 يناير (كانون الثاني) 2004، الساعة 12.06 صباحاً (ويتحقق الشرط الأول، هذا يعني أن من ادعى رؤية الهلال يوم الأربعاء ليلة الخميس فهو واهم أو جاهل، فالهلال لم يولد بعد). وتغرب الشمس الساعة 6.06 مساء، بينما يغرب الهلال الساعة 6.46 مساء، بفارق 40 دقيقة. ويكون عمر الهلال عند الغروب 18 ساعة و40 دقيقة، (ويتحقق الشرط الثاني). هل هناك وقت كاف بين الغروبين؟ لنر ذلك. يبتعد الهلال عن الأفق بمقدار 6 درجات و57 دقيقة قوسية، بينما زاوية انفصال الهلال عن الشمس تبلغ 10 درجات و32 دقيقة قوسية (ويتحقق الشرط الثالث). ان رؤية الهلال سوف تكون سهلة وواضحة، وبالتالي فالوقوف بعرفة هو يوم السبت 31 يناير 2004، وعيد الأضحى يبدأ يوم الأحد 1 فبراير (شباط) 2004 . انه لمن الحسرة أن يتعرف المسلمون على مناسباتهم الدينية بتواريخ غير إسلامية، لأن هناك من اختار أن يجعل من تقويمهم الإسلامي تقويماً غير يقيني.