فتوى شرعية تعطي الحق للزوج المسلم في تطليق زوجته المدخنة ومن حق المرأة أيضاً أن تخلع زوجها المدخن

TT

حالة من السعادة وإثبات الذات انتابت الفتاة والمرأة العربية حينما استطاعت ان تجلس على المقاهي العامة لتدخين الشيشة جنبا الى جنب الرجل. وأصبحت السيجارة بين أناملها الرقيقة عنوانا للرقي والتحضر، ولتؤكد المرأة انها ذات عقلية متفتحة تواكب المجتمعات الغربية حيث كل سيدة أعمال ناجحة مدخنةا وكل طالبة متمردة مدخنةا وكل فنانة مشهورة مدخنة، وكل من تعاني مشاكل نفسية وعاطفية مدخنة، ولكن ماذا سيكون وضع المرأة المدخنة اذا ما علمت ان تدخينها يمكن أن يكون سببا مباشرا لطلاقها من زوجها.. نعم.. الطلاق أصبح الآن مرادفا حيا للمرأة المدخنة اذا لم تطع كلام زوجها وتمتنع عن التدخين.

الفتوى التي أثارت جدلا واسعا في الأوساط النسائية، خاصة المشاهير والفنانات والمطربات منهن واللاتي اعتدن التدخين بشكل مستمر، صدرت عن دار الإفتاء المصرية إثر سؤال تقدم به رئيس مجلس ادارة الجمعية المصرية الدولية لمكافحة الإدمان حول مشروعية التدخين وهل يحق للرجل تطليق زوجته المدخنة اذا نصحها بالاقلاع ولم تلتزم بنصيحته؟

الاجابة جاءت غير متوقعة بالمرة حيث اجابت دار الافتاء ان متعاطي المحرمات التي ثبتت حرمتها بيقين وبدليل شرعي، كالتدخين أو المخدرات أو الخمور، يكون مرتكبا لكبيرة من الكبائر المنهي عنها شرعا وذلك لأن تعاطي مثل هذه المحرمات مضر بالانسان ومهلك للنفس والمال.

وأكدت الفتوى ان التحريم جاء بنص القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: «ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة» وقوله تعالى: «ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما» (الآية 29 من سورة النساء) وقوله تعالى: «وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين» (الآية رقم 31 سورة الاعراف)، وقوله تعالى: «ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين» (الآيتان 36 و37 من سورة الاسراء).

وبناء على الآيات الكريمة السابقة فإن التدخين بموجب هذه النصوص يعد من الكبائر التي أوجب الله فيها الحد.

وتضيف الفتوى انه من المعلوم في الدين ان الطلاق أبغض الحلال عند الله، لما روى الثعلبي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن أبغض الحلال إلى الله الطلاق»، وعن ابي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ولا تطلقوا النساء إلا من ريبة فإن الله عز وجل لا يحب الذواقين والذواقات».

لكن الطلاق قد يكون هو المخرج الوحيد اذا وصلت الحياة الزوجية الى الطريق المسدود وكانت جحيما لا يطاق واستنفد الزوج كل وسائل الاصلاح فيكون من حق الزوج استعمال حقه في الطلاق.

وبناء على ذلك أيضا فانه يحق للزوج، اذا ادمنت زوجته الخمور والمخدرات والتدخين وأصرت على ذلك بعد نصحها وهجرها في المضاجع وكان التدخين سببا في وقوع الضرر على زوجها وأولادها، طلاقها والانفصال عنها لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تطلقوا النساء إلا من ريبة» وهذا بشرط إلا يؤدي هذا الطلاق الى ضرر أشد، سواء كان ذلك يتعلق بها أو بأولادها أو بالزوج أو بهم جميعا، والله أعلم. وفي المقابل تؤكد الفتوى أيضا انه يحق للزوجة أن تطلب الطلاق للضرر الذي يقع عليها من زوجها اذا ثبت وقوع الضرر عليها من ادمانه التدخين.

الدكتور هشام عباس، رئيس الجمعية المصرية الدولية لمكافحة الإدمان التي تقدمت بطلب للحصول على تلك الفتوى، يقول لـ«الشرق الأوسط»: على الرغم من ان الفتوى صدرت برقم 429 لسنة 2000 إلا انها لم تستطع ان ترى النور طوال تلك الفترة الماضية بسبب ما يمكن ان نطلق عليه «مافيا شركات التدخين» التي حالت بكل سبل الاغراء والتهديد أيضا دون نشر الفتوى.

ويضيف د. عباس ان الفتوى لم تقتصر على اباحة الطلاق بل شملت ايضا عدم حق حضانة الأم المدخنة لأطفالها حيث لا يجوز للأم المدخنة ان تطالب بحضانة أطفالها لان تدخينها سيؤدي الى الضرر على الطفل المحتضن، كما انها ستؤثر عليه أيضا سلوكيا بسبب سلوكها الذي يقلده الطفل الصغير.

ويضيف أيضا ان دار الفتوى افتت أيضا ان الصلاة والصوم للمدخن لا يقبلان، حيث أفاد نص الفتوى ان الله عز وجل أخبرنا بأن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر، كما ان الصوم والزكاة والحج وسائر الأعمال يجب ان تكون ثمرتها الخوف من الله والمراقبة له والبعد عمّا حرمه، أما اذا كانت هذه العبادات لا تنهي صاحبها عن الوقوع فيما يغضب الله تعالى كمن يصلي ويصوم ويزكي ويشرب الخمر والمخدرات والتدخين وما الى ذلك مما يعصي به الله تعالى فلا خير في عمل لا ينهي صاحبه عما يغضب ربه تعالى.

ويؤكد د. هشام عباس من ناحية أخرى ان الفتوى لم تقتصر على الدين الاسلامي فقط بل صدرت كذلك فتوى مماثلة من الكنيسة المصرية حيث أكد الأنبا موسى، الأسقف العام للشباب بالكنيسة القبطية الارثوذوكسية، ان صلوات متعاطي هذه الآفات لا تصير مقبولة ما لم ينو صاحبها التوبة الكاملة عنها.

ويقول الأنبا موسى لـ«الشرق الأوسط»: ان المسيحية وحسب الانجيل لا تبيح الطلاق إلا بعلة الزنا، بينما الإدمان في نظر المسيحية انحراف عن الصواب ومرض عضال ويجب على شريك الحياة ان يجاهد مع شريكه الآخر في التخلص من هذه الآفات حفاظا عليه وعلى الأسرة من الدمار الشامل.

والمفاجأة التي لم يتوقعها أحد هي وقوع الطلاق بالفعل لسيدتين لم تقلعا عن التدخين بعد ان عجز زوجاهما عن منعهما من التدخين، وفي المقابل رفعت زوجة قضية خلع على زوجها المدمن وحصلت على حكم لصالحها، كما يقول د. هشام عباس.

ويؤكد أيضا ان منظمة الصحة العالمية تبنت هذه الفتوى كواحدة من دعائم المنظمة للعمل على منع التدخين ومحاربته على مستوى المدخن، المسلم والمسيحي على حد سواء. هذا وقد نشرت منظمة الصحة العالمية أخيرا دراسةً تبين ان المرأة المدخنة قد تؤدي بمشاكل حادة لأطفالها خاصة اذا كانت تدخن وهي حامل حيث أثبتت الدراسة والتي عضدتها دراسات أخرى أجرتها عدة مراكز صحية في فرنسا ان الأم المدخنة تنجب أطفالا يعانون من صعوبة في التنفس والطفل الذي ينقذ من الموت من خلال الاجهاض او الولادة المبكرة فإنه يصاب بشكل أو بآخر بضيق في التنفس يؤدي في حالات كثيرة الى الموت مختنقا أثناء الولادة أو في سنوات عمره الأولى، حيث أكدت الدراسات ارتفاع نسبة وفيات المواليد للأمهات المدخنات.

ومن ناحية أخرى يؤكد الدكتور سيد جاد، طبيب الأمراض الصدرية، انه على مستوى الوطن العربي لا توجد احصائيات محددة عن عدد المدخنات من السيدات ولكن منظمة الصحة العالمية قدمت احصائية عن سيدات مصر المدخنات لأول مرة وجد من خلالها ان 30 في المائة من سيدات مصر يدخّن الشيشة، ويؤكد انه يتوقع ان تزيد هذه النسبة بالنسبة للسيدات المدخنات خاصة مع زيادة نسبة السيدات العاملات في مصر. ويؤكد الدكتور عبد الرحمن حسين، استاذ القانون الجنائي، ان الزوجة لا يحق لها طلب الطلاق إلا بوقوع ضرر، فاذا كانت عادة التدخين أو شرب الخمر تؤثر عليها فإنه يحق لها بالطبع طلب الطلاق نظرا لأنه في هذه الحالة يفقد الرجل الكثير من مقوماته السلوكية فيتصرف بشكل يسيء به لأولاده وزوجته ويقع عليهم الضرر.

أما الدكتور رأفت عثمان، استاذ الشريعة والقانون وعميد كلية شريعة وقانون سابقا، وعضو مجمع البحوث الاسلامية، فكان له رأي مخالف لهذه الفتوى قائلا: مما لا شك فيه ان التدخين حرام، وقد ثبت ضرره على الانسان بصورة كبيرة وأصبحت اضرار التدخين غير قابلة للنقاش أو الجدل في العالم كله، ووفقا لأحكام الشرع فإنه يمنع الانسان من أن يضر بنفسه أو بغيره، وهناك نصوص قاطعة في القرآن الكريم، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم تبين ان الضرر بالنفس أو بالغير حرام مثل قوله تعالى: «ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما» وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار» ومع ذلك فإني لا أوافق على وقوع الطلاق بسبب التدخين لأن الطلاق للرجل حق، سواء كانت المرأة مدخنة أم لا، لكنه ليس شرطا قائما لوقوع الطلاق، كما ان المرأة لا يحق لها ان تطلب الطلاق لنفس السبب، أي اذا كان زوجها مدخنا، لان هذا سبب واهٍ لوقوع أبغض الحلال عند الله وهو الطلاق.