نائب رئيس اللجنة الدائمة للأزهر لحوار الأديان: الحوار ضمن الدين نفسه أصعب من الحوار بين مختلف الأديان

TT

حلّ الدكتور علي السمّان نائب رئيس اللجنة الدائمة للأزهر لحوار الأديان السماوية، ضيفاً على بيروت، فانتهزت «الشرق الأوسط» الفرصة وحاورته في مختلف القضايا الدينية والسياسية ـ الدينية المطروحة على الساحة اليوم، من وضع الحركات الأصولية المتشددة البارزة بقوة على الساحة العربية إلى «فورة» الفتاوى السائدة وصولاً إلى نشاطات اللجنة التي يترأسها.

وأنشئت اللجنة الدائمة للأزهر لحوار الأديان السماوية في عام 1998 يعني قبل ثلاث سنوات من الحادي عشر من سبتمبر، هل أحداث سبتمبر سرعت الحوار أم أضافت عليه؟ أم اننا مجبرون على الحوار؟

ـ لطالما اعتبر شيخ الأزهر أن حوار الأديان أمر طبيعي. وقد بدأ في عام 1994 مع شيخ الأزهر السابق جاد الحق الذي لعب دوراً مهماً في هذا المجال. صحيح كما ذكرت أن اهتمام الأزهر بحوار الأديان بدأ قبل الحادي عشر من سبتمبر، لكن بعد هذا التاريخ اصبحت المسؤولية أكبر ليس على عاتق لجنة الأزهر فقط، إنما على كل المؤسسات الدولية للحوار.

والحمد لله أن هذه اللجنة خلقت قبل تداعيات سبتمبر لأنه لولا ذلك لكان خطر الصدام أكبر.

وبعد الهجمات على نيويورك وواشنطن أصبح هناك عبء على المؤسسات الاسلامية تحديداً، أكبر من قبل. وإن لم نكن مهيئين لهذا الحجم أصبح حالنا كأننا ندخل حرباً لم نستعد لها. ومن معالمها، حرب الإنترنت. يعني إذا لم يتم الرد على ما يرِد على هذه الشبكة خلال وقت محدد سَيردّ آلاف غيرك وبأسلوب معين. يعني الحملة فرضت علينا.

* تأسيس اللجنة في عام 1998 هل أتى لسد فجوة؟

ـ لطالما شعرنا أن هناك رغبة من قبل جانب معين بسبب الخلافات، ولو أن الخلافات داخل دين واحد أهم وأخطر. وجماعة تقتل فتعطي صورة سلبية عن الإسلام تماماً، كما اليهود الذين يدرسون في المدارس الدينية ثم يبادرون الى قتل رابين. دورنا التصدي للتطرف والعنف ومن باب أولى للإرهاب. كل هذه الأمور هي مرادفة للإرهاب وضد لغة الحوار وتقتلها. مسؤولية رجل الدين أن يوضح موقفه بوضوح وبالوقت المناسب بسرعة ردة فعل رجل الدولة.

* برز منذ فترة عدد من الحركات الاصولية المتشددة التي ترتكب أبشع الأعمال باسم الاسلام. ربما لم يسئ أحد للإسلام بقدر ما أساء له أبناؤه وكانت مصر من أبرز البلاد التي عانت من هذا الأمر أيام الرئيس الراحل السادات. هل «ردّة» الشبان على الدين هي نتيجة «الفلتان» الذي شهدناه بالأمس؟ إضافة إلى أن الإحباط والانهزام يساهمان في اعادة الإنسان الى الدين؟ ما الدور الذي يتوجب على رجال الدين وسط هذه «الفورة الدينية»، خاصة بعد أن أضحت الفضائيات منابر للاستعراضات الدينية؟

ـ يجب أن نفرق ما بين العودة للقيم الدينية الصحيحة والعودة للقشور والتطرف الديني النابع من الجهل بمعاني الدين من الخطر.

أخذ جزءٍ من النص وعزله عن البقية يجعله سلاحاً يدعم فكر ما يصبو الشخص إليه. اليوم هناك عودة إلى الدين وشخصياً أفضل تسميتها بـ «الإيمانية». هذا لم يحصل اليوم فقط إنما منذ عام 1967، فعندما احست الأمة بنكسة تعود ثانية للتمسك بالدين ويلجأ العباد إلى ربهم.

* أليس أنور السادات من أطلق هذه الحركات لأنه كان بحاجة إليهم نظرا لخلافاته مع الشيوعيين والمعتدلين؟ يعني عمل على تقويتهم ليحتمي بهم؟

ـ نعم كان بحاجة إليهم بسبب العناصر التي ذكرتها لخلق توازن سياسي. لكننا نبالغ عندما نلقي بالمسؤولية كاملة على هذا المعيار. لهذه الجمعيات تاريخ في مصر من قبل السادات، هو تعاون معهم بهدوء والدليل أنه عندما اصطدم بطموحاتهم اكتشف ان ما يريدونه في نهاية المطاف هو الحكم.

* الهزائم الحاصلة في العالم العربي اليوم والكراهية التي يبديها الغرب حيال المسلمين، هي عوامل أدت إلى ردة فعل ودفعت بالمسلمين إلى التمسك والاهتمام مجدداً بالدين.

ـ حجم ما حصل في الحادي عشر من سبتمبر ضخم جداً ولا يجب ان نقلل من أهميته. حصل ترهيب لأكبر دولة عظمى في العالم من خلال الاعتداء على مقر السلطتين لديها، ومن اعتدوا دافعوا عن ذلك بخطاب ديني. التفجيرات أسبابها دينية وتنتمي الى نظرة محددة للإسلام وتولى مسؤوليتها مسلمون وقد ورد ذلك على لسان بن لادن.

كان الهدف من رد فعلنا (كلجنة منبثقة عن الأزهر) أن يعرف اننا لسنا بمثابة حائط مبكى. دورنا بعد أيام معدودة من الحادي عشر من سبتمبر تجلى بنوعية البيان الذي أصدره إمام الأزهر ثم مجمع البحوث ليحرم الاعتداء ورفض تبريره، وأن ذلك اعتداء على الاسلام وقيمه. هذا ما دفع ببوش بالقول خلال خطابه في الأمم المتحدة: تحية إجلال وإكبار لدور الأزهر.

* هل الموجات الدينية في انحسار؟

ـ أتخيل أن الناس في وقت معين لن يكتشفوا فقط أن هؤلاء ضحكوا عليهم إنما سيكتشفون أنهم ساروا وسمعوا لطرف غير مؤهل. اعتقد أن هذا الأمر سيستغرق وقتاً إلى أن يثبته الواقع.

* عموماً هل الحركات الإسلامية المتشددة من حولنا إلى انحسار أم أن ذلك يتوقف على الظروف المحيطة بنا؟

ـ ليس مطلوباً أن يحصل انحسار للفكر الإسلامي. أنا ضد استعمال كلمة «أصولية» كقول «الحركات الأصولية». هذه العبارة مطاطة واستعمالها اختراع اعلامي غربي. نص الكلمة معناه من يتمسك بالأصول واذا كان مسلكه ليس سوى فكر أصولي فهذا مقبول. أما اذا كان في ممارساته يتجلى الفكر الأصولي يعني رفض الآخر أو التطرف أو العنف فحينئذ يصبح متطرفاً وليس أصولياً. وهنا يحصل اللغط لأننا نصف هؤلاء الأشخاص بالأصوليين والصحيح أنهم متطرفون.

* في سورية ما من حركات متطرفة هل لأنهم فرضوا الحكم العلماني؟ يعني رجال الدين لا يتدخلون في السياسة، بينما رجال الدين في لبنان ومصر يتدخلون في السياسة؟ هل أنت ضد تدخل رجال الدين في السياسة؟

ـ نعم أنا ضد تدخل رجال الدين في السياسة والأزهر يمنع نفسه من ذلك.

وحينما يأتي الخطاب من رجل علم بالشيء يعني الاقتراب من الأوضاع العامة، ما مفاده أنه عندما يقول نتصدى للظلم هذا لا يعني سياسة انما قيماً تنادي بانصاف المظلوم، انما عندما يصبح التعبير على مستوى آلاف الخطباء فهنا بالتأكيد يحصل تجاوز. خطاب المسؤول الديني يجب ان يذهب الى قيم معترف بها في الأديان على رأسها التصدي للظلم وانصاف المظلوم، وهذا ليس سياسة. اما عندما يختار الخطيب جماعة ويهاجم جماعة فهذه سياسة وهذا الأمر ممنوع على الإمام ورجل الدين. هذا ما أعنيه بفصل الدين عن الدولة.

وهنا أذكر الامام الأكبر شيخ الأزهر الذي لا يتكلم بالسياسة لأنه دائماً يقول الحياة تخصص والتخصص في السياسة ليس لرجل الدين. من المنطلق نفسه منع الإمام الأكبر رجال الإفتاء الذين حوله من إعطاء فتاوى من نوع «نتعاون أو لا نتعاون مع أفراد مجلس الحكم العراقي الانتقالي».

* بما أنك أتيت على ذكر الفتاوى، نشهد اليوم «موضة» الفتاوى: مرة «زواج فريند» ومرة فتاوى تجيز للمرأة خدمة زوجها مقابل مبلغ من المال وفيما بعد تصدر فتوى تناقض التي قبلها.. ما تعليقك؟

ـ لست مفتياً ولا عالماً بالدين حتى أدخل بتقييم الفتاوى. دوري تحريك الصور نحو التقارب على مستوى الحوار وليس الافتاء. كذلك ابداء رأي العلم الديني له رجاله. أوافقك على أن التعدد والتناقض في جهات الإفتاء أمر غير صحي. أعتقد أن في مصر تعاونا وتقاربا وتنسيقا ما بين الافتاء والأزهر. الإمام الأكبر وضع المؤسسة في حجمها الطبيعي. حصلت هناك تجاوزات وهي نتيجة الخطأ الإنساني في الممارسة.

* كان للبابا شنودة منذ مدة مطالب سياسية، كأنه شعر أن الطائفة القبطية في مصر مغبونة. ما تعليقك؟ هل هذا شعور طبيعي من طائفة أقلية تجاه طائفة أغلبية.

ـ تربطني علاقة وطيدة جداً بالبابا شنودة ولم أقرأ له يوماً تصريحاً يقول فيه ان طائفته تعاني من الظلم أو الاضطهاد. بالأمس أطلعني السفير الأميركي لدى مصر (يهودي الأصل وهو اليوم سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل) على مذكرة بعث بها إلى لجنة الحريات في الكونغرس، قال لهم من خلالها ان استعمال كلمة Descrimination (تمييز) بين المصريين بسبب الدين، تعبير غير صحيح، مثلما ذكرت من الطبيعي أن تشعر الأقلية أحياناً أن ما تملكه قليل.

* ما الدور الذي لعبته لجنة حوار الأديان على ساحة المؤتمرات الدولية؟

ـ أصبحنا طرفاً رئيسياً مع مؤتمر دافوس، إذ أوعزت إرادة الرئيس الألماني أن يضيف إلى قمة دافوس مائدة مستديرة لرجال الدين. الحوار بيننا وبين المؤتمر كان ايجابياً.

* إلى أي مدى نستطيع أن نعتبر أن تداعيات الحادي عشر من سبتمبر أوصلت الدين إلى المحافل الدولية؟ وهل كان مجالاً مغيباً؟

ـ تداعيات سبتمبر أعطت ضرورة لأكثر الفروض براءة. خلقت ضرورة لمحاولة فهم البعد الديني. شاركنا بدعوة من وزير خارجية النمسا في مؤتمر في فيينا حول «الإعلام والحوار» وقدمنا مشروعا كنوع من الميثاق العالمي للحوار. بادرت لجنة الأزهر للذهاب الى فيينا لأن دورنا أن نكون مبادرين. للأسف ما يحصل عادة في المؤتمرات الدولية أن الغرب يبادر ويفكر ويخطط ثم نحضر ونتكلم خطأ. حان الوقت لنبادر وأن لا نترك الفكر المتطرف يترعرع. قبل سبتمبر 2001 استوعبت الولايات المتحدة الكثير من المتطرفين على رأسهم عمر عبد الرحمن تحت مظلة «حقوق الإنسان».

* يعني الغرب هو الذي احتوى واستوعب الحركات المتطرفة وتنبه الى خطورتها بعد الحادي عشر من سبتمبر؟

ـ طبعاً. كان يجب ان يأخذ حذره منذ زمن. الولايات المتحدة تبنت الجميع للقيام بالحرب ثم تساءلت كيف أصبحوا أقوياء وهدموا بناء؟

* يتبادر إلى أذهاننا بين الحين والآخر أن الحوار بين مختلف الأديان أسهل من الحوار بين الدين نفسه؟

ـ صحيح. في هذا الصدد أحيي مبادرة المجلس الأعلى للشوون الإسلامية في مصر عندما أقام حواراً بين السنة والشيعة فذهب فيه بعيداً للرد على هذه النقطة.

=