الإسلام يمنح المسنين حقوقا إضافية بمقتضى حاجتهم للرعاية الأخلاقية والاجتماعية

TT

في اطار نشر «الشرق الأوسط» لبعض الأبحاث المختارة ضمن رصيد دورات مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، تستعرض حلقة اليوم قضية مهمة من قضايا المستجدات الفقهية المعاصرة، وهي قضية حماية حقوق المسنين في الاسلام. وقد قدم في ذلك الشيخ محمد علي التسخيري الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية في ايران بحثا حول مسألة حماية المسنين في الشريعة الاسلامية.

* الشيخ محمد علي التسخيري*

تعد مسألة حماية حقوق المسنين الذين يزداد عددهم باستمرار احد التحديات الكبيرة لمختلف الدول النامية منها والمتقدمة، الأمر الذي يتطلب اهتماماً خاصاً بالموضوع. وفي عام 1982 وفي اجتماع لمندوبي 124 دولة اعلنت الأمم المتحدة العقد التاسع من القرن العشرين عقد المسنين، ورفعت منظمة الصحة العالمية عام 1983 شعار (فلنضف الحياة الى سنين العمر) وطلبت من فروعها في مختلف المناطق ان تقدم مشروعها العملي الجامع لتحقيق هذا الشعار.

وتذهب تخمينات الأمم المتحدة الى ان عدد المسنين في العالم عام 1950 بلغ 250 مليون انسان وتصاعد الى 350 مليونا عام 1975 كما بلغ عام 1995 (590) مليونا وسوف يتجاوز حد المليار ومائة مليون سنة 2025 مما يعني زيادة بنسبة %224في حين يتوقع ان يرتفع عدد النفوس في العالم من 1/4 من المليار سنة 1975 الى 2/8 من المليار عام 2025 بمعدل %102 مما يعني ان نسبة ازدياد المسنين تتجاوز نسبة ازدياد السكان في العالم.

ووفقاً لهذا التوقع فإن فرداً من كل احد عشر فرداً من سكان العالم كان يبلغ الستين عاماً عام 1995 وسيصل هذا الى واحد من كل سبعة اشخاص عام 2025 و 3/2 من هذا المعنى يتعلق بالاقطار الاسيوية واقطار جنوب شرقي آسيا.

وهذا الارتفاع في النسبة يعني ما يلي:

أولاً: هبوط نسبة الافراد المنتجين الذين يجب ان يتفرغوا لمراقبة الافراد المستهلكين.

ثانياً: ارتفاع نسبة الطاعنين في السن مما يتطلب خدمات أكبر في المجالات الصحية والاجتماعية.

ثالثاً: ان الاتجاه السني لدى السكان نحو التعمير يؤدي الى هبوط نسبة الاطفال وخصوصاً في الاقطار المتقدمة مما يؤدي الى ارتفاع نسبة السأم والقلق والاختلالات النفسية للمعمرين بسبب احساسهم بالوحدة والوحشة.

وهكذا نجد ان العمر الطويل الذي يعد حتى اوائل القرن الحاضر نعمة كبرى صار يشكل تحدياً للمسيرة البشرية عموماً.. وعادت هذه الظاهرة المطلوبة تصحبها متطلبات جديدة.

فالأقطار النامية من خلال ظواهر الاتجاه نحو مجتمع المدن، والمجتمع الصناعي والتحديث بما يصحبه من تغيرات اقتصادية واجتماعية تتعلق بها وتغير من عاداتها الاجتماعية، والعلاقات القائمة بين الجيل الماضي والجيل الحاضر والتي تحولت من مرحلة المطلق الى مرحلة الفتور والنسبية، ومشكلة السكنى والهجرة، ودخول المرأة الى ميادين العمل الرسمي... كل ذلك ادى الى الشعور بضرورة التخطيط لمواجهة هذا التحدي الكبير ومواجهة الآثار السلبية الاقتصادية والاجتماعية لانماط الامراض والضعف، والضغط العائلي بين ملايين الرجال والنساء الذين يصلون الى هذه السن مع التأكيد على الوقاية والسمو الصحي وحفظ السلامة البدنية في السنين الاولى من هذه الحالة مع دعم العوائل والتقاليد التي تحتضن المسن وتقوم على اشباع رغباته.

ويؤكد تقرير الأمم المتحدة على ضرورة توفير الحماية للمسنين بأوسع من مسألة الاتجاه نحو علاجهم وضرورة الاتجاه نحو توفير ابعاد رفاههم خصوصاً من خلال ملاحظة العلاقة بين السلامة الجسمية، والنفسية، والاجتماعية، والبيئية. وان الهدف الاساسي في هذا المجال توفير الخدمات الصحية للمسنين ـ من خلال الاحتفاظ بمستوى قيامهم بوظائفهم البدنية ـ على التمتع بكيفية اعلى من الحياة الفردية ومشاركتهم الفعالة في النشاط الاجتماعي، والوقاية من الأمراض. وأسلوب التعامل مع هذه المسألة يجب ان يكون اسلوباً جامعاً تنموياً يشمل كل جوانب الحياة التي تعين كيفية سلوك الانسان المسن بما في ذلك مشاركته في عملية التنمية: والجوانب الحياتية المهمة هي: أ ـ الأمن الاقتصادي والمالي للمسنين. ب ـ حفظ سلامتهم. ج ـ تعليمهم المستمر لمواجهة مشكلات الحياة. وقد اثبتت الدراسات التي جرت في نقاط متعددة من انحاء العالم ان الافراد في السنين الاولى المشرفة على الشيخوخة اذا كانوا مستعدين لمرحلة الشيخوخة يمكنهم ان يظلوا الى سنين مديدة (من المسنين الشباب) ومواطنين نشطين منتجين وهذا بالضبط ما ادركته الاقطار المتقدمة وخططت له مما منحها نتائج جيدة. وان الاحصائيات لتؤكد ان قطاعاً مهماً من المسنين ما زال سالماً جسمياً وفعالاً اقتصادياً مما يشكل رأسمالاً قيماً للبلد الا ان النظام البيروقراطي الاداري للتقاعد لا يمنحهم في اكثر الموارد فرصة الدخول في ميدان العمل رغم ما يملكون من غنى في التجربة وحصافة في العقل وعلاقات متنوعة تسهل تحقيق الوظائف الكبرى، الأمر الذي نجده مؤثراً في القطاع الخاص في اصناف من قبيل الاطباء والحقوقيين، والعلماء، والمهندسين والمديرين التجاريين بل وحتى الفلاحين في المناطق الريفية. اننا عبر تخطيطنا لهؤلاء نستطيع ان ندخل هذه القوة الكبرى الى ميادين العمل المنتج، والهداية الاجتماعية، والبناء الروحي للمجتمع. ان دخولهم في مختلف الميادين يخلق لديهم الاحساس الدائم بحاجة المجتمع اليهم ويقيهم الكثير من اعراض الوحدة والوحشة والعزلة. وقد اكد المؤتمر الدولي في فيينا عام 1988 على قواعد المشروع العملي المتعلق بالمسنين على ان هدف التنمية هو تحسين رفاه وسلامة كل المجتمع على اساس المشاركة الكاملة في مسيرة التنمية والتوزيع العادل للنتائج الحاصلة، وان على مسيرة التنمية ان تعمل على رفع مقام الافراد وتحقيق المساواة من خلال توزيع المصادر والحقوق والمسؤوليات الاجتماعية بين كل الفئات من شتى الاعمار.

أما المؤتمر الدولي للسكان والتنمية والذي انعقد في القاهرة عام 1994 ونال شهرة واسعة فقد ذكر في البند «ج» من الفصل السادس للنمو السكاني ان على الدول ان تستهدف مسألة تعزيز الاعتماد على الذات لدى المسنين وتعزيز نوعية الحياة بتمكينهم من العمل والعيش بصورة مستقلة لأطول وقت ممكن، ووضع نظم للرعاية الصحية علاوة على نظم للضمان الاقتصادي والاجتماعي عند الشيخوخة حسب الاقتضاء، مع ايلاء اهتمام خاص بالمرأة (لكونها تعمر أكثر من الرجل ـ في معظم المجتمعات ـ ولذلك فإنها تشكل الاغلبية من المسنين وهي في الغالب ضعيفة للغاية فتستحق العناية الأكبر)، ووضع نظام للدعم الاجتماعي على الصعيد الرسمي وغير الرسمي بغية تعزيز قدرة الاسرة على رعاية كبار السن داخل الأسرة.

وأكد على ضرورة ان تكفل الحكومات تهيئة الظروف اللازمة لتمكين المسنين من ان يعيشوا حياة صحيحة ومنتجة يحددونها بأنفسهم، واستغلال مهاراتهم وقدراتهم التي اكتسبوها في حياتهم استغلالاً كاملاً بما يعود بالفائدة على المجتمع، وينبغي ان تحظى المساهمة القيمة التي يقدمها كبار السن للأسرة والمجتمع ـ وخاصة كمتطوعين ومقدمين للرعاية ـ بالاعتراف والتشجيع. ودعا الى تعزيز نظم الدعم وشبكات الامان الرسمية وغير الرسمية والقضاء على كل اشكال العنف والتمييز ضدهم مع التركيز على المسنات.

اما المؤتمر الذي عقده قادة الدول في مجال (التنمية الاجتماعية) عام 1995 في كوبنهاغن فقد اوصى الدول ببذل مساع خاصة في حماية المسنين، خصوصاً المعلولين منهم من حيث تقوية نظام الحماية العائلية وتحسين مكانتهم الاجتماعية وضمان وصولهم الى الخدمات الاساسية الاجتماعية، وضمان الامن المالي وايجاد الجو الاقتصادي المساعد لتأمين صناديق التوفير لمرحلة الشيخوخة. تعريف المسن: المتعارف عليه هو الفرد البالغ 65 عاماً الا ان الشيخوخة ظاهرة ترتبط بأبعاد كثيرة، بيئية ونفسية واجتماعية. وقد دعت مسألة اطالة عمر الانسان الى ان يقترح البعض جعل سن الـ 75 أو الـ 80 بداية للشيخوخة ورويت رواية عن الامام الصادق تقول: «اذا زاد الرجل على الثلاثين فهو كهل، واذا زاد على الأربعين فهو شيخ» والظاهر ان الامر يختلف من منطقة لاخرى ووضع لآخر بل من شخص لآخر. الاسلام وحقوق المسنين: للاسلام رأيه الشامل في حقوق الانسان وهو يطرح حقوقاً لا تعرفها القوانين الدولية المتقدمة من قبيل (الحقوق الاخلاقية) وهي بطبيعة الحال تشمل كل الاعمار ولن ندخل في تفاصيلها، الا ان الاسلام يمنح المسنين حقوقاً اضافية بمقتضى حاجتهم للرعاية الاخلاقية والاجتماعية كما يؤكد تماماً ـ والى اقصى حد ـ على عنصر الرعاية العائلية لهم وهذا ما يبدو في نصوص قرآنية رائعة بهذا الصدد وهي كما يلي: أ ـ النصوص العامة حول الوالدين من قبيل قوله تعالى، «واذا اخذنا ميثاق بني اسرائيل لا تعبدون الا الله وبالوالدين احساناً وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا واقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم الا قليلاً منكم وانتم معرضون». «واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين احساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجُنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم ان الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً». «قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم واياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون».

وقد تعددت الآيات التي توصي الانسان بوالديه بأعظم الوصية: بالبر والاحسان وتذكره بالمصائب التي واجهتهما.

ب ـ النص الذي يذكر مرحلة الكبر ويشدد على الانسان التسليم لاوامرهما وعدم الرد عليهما مطلقاً: وهو قوله تعالى: «وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احساناً. اما يبلغن عندك الكبر احدهما أو كلاهما فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا». وهذه النصوص تظهر بما لا يحتاج الى توضيح مدى اهتمام الاسلام بموضوع الوالدين وخصوصا عند بلوغهما مرحلة الكبر والشيخوخة.

ويبدو هذا التأكيد من خلال:

أ ـ مجيء التوصية بذلك في المواثيق الالهية المقدسة عبر التاريخ.

ب ـ اقتران الاحسان الى الوالدين بأهم موضوع في خلد المسلم وهو عدم الشرك بالله تعالى.

ج ـ النهي عن التأفف وهو أول مراحل التضجر والأمر بالقول الكريم وخفض جناح الذل (وهو أروع تشبيه) وطلب الرحمة من الله تعالى.

والملاحظ ان الوالدين عندما يبلغان مرحلة الكبر وتزداد اعباؤهما على الفرد تتوفر ارضية التضجر والبرم احياناً وهنا ينبري القرآن الكريم للانذار والنهي ليؤكد عنصر الاحترام المتواصل والرحمة والذل امام الوالدين المسنين، فهي اذن طاقة دفع جديدة لضمان الاحترام المستمر.

هذا والملاحظ ان المجتمع الاسلامي لم يعرف مسألة قيام العوائل بتسليم شيوخها ومسنيها الى دور العجزة الا في مراحل متأخرة جداً وذلك نظراً لانتشار ثقافة احترام الوالدين ورعايتهما انتشاراً واسعاً.

أما بالنسبة لحقوقهم بصورة عامة فالذي يلاحظ في النصوص الشريفة التأكيد على ما يلي: أولاً: منح الشيوخ المسنين غاية الاحترام.

والنصوص هنا كثيرة نختار منها ما يلي: 1 ـ روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: ما اكرم شاب شيخا الا قضى الله عند سنه من يكرمه. وقوله (ص) (البركة مع اكابركم) وقوله (ص) (من اكرام جلال الله اكرام ذي الشيبة المسلم) وكذلك قوله (ص) (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا).

2 ـ وروي عنه (ص) قوله (ان الله تعالى جواد يحب الجود ومعالي الامور ويكره سفاسفها. وان من عظم جلال الله إكرام ثلاثة: ذي الشيبة في الاسلام، والامام العادل، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه).

3 ـ عن الصادق ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من اجلال الله اجلال ذي الشيبة المسلم.

4 ـ وذكر الامام زين العابدين ان حق الكبير توقيره لسنه واجلاله لتقدمه في الاسلام قبلك، وترك مقابلته عند الخصام، ولا تسبقه الى طريق، ولا تتقدمه ولا تستجهله، وان جهل عليك احتملته واكرمته لحق الاسلام وحرمته.

5 ـ وذكر الامام الرضا عن آبائه عن رسول الله (ص) وقد خطب استقبالاً لشهر رمضان المبارك والاعمال المستحبة فيه انه (ص) قال «وقروا كباركم وارحموا صغاركم».

والروايات في هذا المورد كثيرة جداً عن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام واهل البيت.

ثانياً: ضمان ما يحتاجه: وهو من القواعد المسلمة لدى المسلمين.

ثالثاً: المنع من مسهم بأذى في حالة النزاعات المسلحة ولقد كانت عادة الرسول صلى الله عليه وسلم والقادة المسلمين انهم اذا بعثوا سرية او كتيبة حربية خصوها بالتعليمات اللازمة. فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا بعث سرية دعا اميرها فأجلسه الى جنبه واجلس اصحابه بين يديه ثم قال «لا تغلوا ولا تمثلوا به ولا تغدروا ولا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا صبياً ولا امرأة».

رابعاً: الاحكام التخفيفية والفقهاء المسلمون مجمعون على انواع التخفيف عن الشيخ بالنسبة للاحكام التكليفية فإنه اذا عجز أو كان الأمر شاقاً عليه خففت عنه بعض الاحكام.

فإذا كان شيخاً كبيراً سقطت عنه صلاة الجمع. وسقط عنه الصوم وجاز له التعجيل بطواف الحج وغير ذلك.

الانحراف: هذا وقد استقبحت النصوص الانحراف من الشيخ الكبير غاية الاستقباح فنلاحظ مثلاً:

1 ـ ما جاء عن رسول الله (ص) من قوله (لشاب مرهق في الذنوب سخي احب الى الله من شيخ عابد بخيل).

2 ـ ونقل عن الحسين بن علي قوله حين سئل ما اقبح شيء قال: (الفسق في الشيخ قبيح).

3 ـ وروي عن رسول الله (ص): «ان ريح الجنة توجد من مسيرة الف عام، ما يجدها عاق ولا قاطع رحم، ولا شيخ زان..».

* الشيخ محمد علي التسخيري الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية في ايران