د. محمد حبش: نحن بحاجة إلى منطق تجديدي يقبل الجميع ولا يكفر أحدا من المسلمين

مدير مركز الدراسات الإسلامية في دمشق: هناك خيارات في الفقه الإسلامي تم تغييبها تاريخيا

TT

الدكتور محمد حبش مدير مركز الدراسات الاسلامية في دمشق والمسؤول عن موقع التجديد الاسلامي عبر الانترنت الذي يتحدث فيه عن رؤية وبعض أنشطة أصحاب الفكر التجديدي في هذه المقابلة يتحدث عن مفهوم الفكر التجديدي وما هي الأشياء التي يتطرق لها هذا الفكر ولماذا تعمد الجهات الدينية الرسمية على محاربة هذا التيار الجديد. وأكد الدكتور حبش أن التيار التجديدي سيعقد مؤتمراً في دمشق تحت عنوان تجديد الخطاب الاسلامي قريباً، سيضم نخبة من أقطاب هذا التيار من مختلف دول العالم الاسلامي.

في هذا اللقاء نحاوره عن مفهوم التجديد والهدف منه وغاياته ومقاصده وأمور أخرى.

* بداية ما هو مفهوم التجديد الذي تدعون له؟

ـ التجديد غاية نبيلة أصل لها النبي صلى الله عليه وسلم. والتجديد باختصار فك الاشتباك بين العقل والنقل ومحاولة إيجاد أرضية مشتركة لهما وهو موجود في أصل الدين. وأوضح مثال على ذلك ظاهرة النسخ في الشريعة، التي بدأت منذ بداية الرسالة وحتى وفاة النبي، صلى الله عليه وسلم، المؤلم أننا نتعاطى مع آلية النسخ على أنها انتهت بموت الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا ليس صحيحا، والفقهاء المسلمون كانوا يتعاملون بالتجديد وكانوا يتعاملون مع النصوص الدينية بآليات تحت مسميات أخرى مثل (تقييد المطلق ـ تخصيص العام ـ تأويل الظاهر ـ الوقف في النص ـ تحقيق المناط وتخريجه) وهذه تسميات ترمي لفك الاشتباك بين العقل والنقل ومحاولة اشراك الجميع في بناء الحياة ودفع الأوهام التي تصور الاسلام بأنه أجوبة جاهزة على كل المسائل التي تجد في الحياة. السنة المطهرة ضمت نصوصاً واضحة تغري الأمة بالاجتهاد والبحث عن التجديد، والفقهاء وضعوا آلية مضيئة للاجتهاد لو طبقت لما وجدنا هذا الجدل الموجود حالياً بين المحافظين والتجديدين، للاسف يعتبرون مصادر التشريع توصيفية للحكم الشرعي وان المصدر الوحيد هو الكتاب والسنة وهذا فيه اجهاض للعقل الاسلامي.

* هل التجديد يشمل كل شيء في الاسلام؟

ـ هناك بعض الأمور العقدية لا يجوز الاقتراب منها وكلمة الشهادة وأن الله موجود وأنه رب العالمين وأمور أخرى، أما ما سوى ذلك من أمور الدين فاستخدام العقل فيه جائز. ويهدف التجديد الى مسايرة التطورات الحاصلة في العالم بما يتوافق مع خصوصية الدين الاسلامي، والسلف الصالح كان يعتمد قاعدة تغير الاحكام بتغير الازمان وهو كلام جريء جداً وقد اختاره الأقدمون وهذه قراءة صحيحة ومواكبة لكل زمان ومكان.

* الا تعتقد بأن التجديد الذي ينحو اليه بعض علماء التيار التجديدي يقسم الأمة ويزرع الفرقة بين أفرادها؟

ـ نعم أوافقك الرأي لكن دعنا نقول بكل وضوح ان مشكلة تشرذم الأمة لم تبدأ منذ ظهور الفكر التجديدي بل هي قديمة، فقد انقسمت الأمة الى سنة وشيعة متحاربين تاريخيا، ثم انقسمت الى ظاهرية ومؤولة، ثم الى صوفية وسلفية، وأخيراً الى اصولية وعلمانية، في الاصل كل هذه الفرق يجب ان تعيش في جوها الجماعة الاسلامية، وهذا التقسيم الجديد الذي يصنف علماء الأمة الى تيارين تجديدي ومحافظ أحد اشكال التوصيف في الأمة الاسلامية، لكن لا خيار، وأنا أقول ان مقتضى التجديد هو اعذار الآخرين وادخال الجميع تحت مظلة التجديد اذا كان الآخرون يرفضون هذا الاتجاه فعلى الحريصين على وحدة الأمة الاسلامية أن يقولوا قولتهم في هذا المجال.

* لماذا تعمد جهات الفتوى الرسمية الى محاربة التيار التجديدي؟

ـ جهات الفتوى الرسمية هي نتاج طبيعي للمؤسسة التعليمية الشرعية، وللأسف هذه المؤسسة هي ما نتوجه لاصلاحه، وهم لا يرحبون بهذا الاصلاح مما أساء الى التيار التجديدي، فإن أميركا دخلت على هذا الخط ووضعت كل أصحاب التجديد في موقف حرج، ولا استطيع القول الا ان كل ما تطالب به أميركا كلمة حق أريد بها باطل، نحن في الواقع نلتفت الى مقاصد اميركا فنرى أنها منغمسة تماماً في المقاصد الأهوائية ونوازع التسلط، ولكن علينا ان نقول ان ما تدعو له هي مطالب رجال التجديد، منذ أيام محمد عبده ورفاعة الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني وما ذنبنا اذا كانت اميركا تدعو للتجديد وهي تظن انها تحسن للتيار التجديدي وهي في الحقيقة تسيء لنا لأنها متهمة في كل مقاصدها، نحن بالتأكيد لن نعتقد ان ما ندعو له هو الباطل باعتبار أن اميركا أصبحت تستخدم شعاراتها، نحن لا نتفق معهم في دعواهم لأنها كما قلت دعوى حق أريد بها باطل.

* بعض دعوات التجديد يقال انها تخالف النصوص الشرعية! كيف تردون على هذه الاتهامات؟

ـ دعوة إصلاح الفقه الاسلامي واجبة، يجب تصحيح الاخطاء، والمسائل التي يتجه اليها التجديد، هي ما يتصل بالفقه الاسلامي وفقه المعاملات، تجربتي الخاصة كلها تهتم بالفقه الاسلامي، ان النص القرآني واسع يحتمل عدة أوجه وكذلك النص النبوي. وتاريخيا تعاطت الأمة بمنتهى المرونة مع هذين النصين، ولولا ذلك لما قامت دولة تحكم بالاسلام خلال 1400 سنة الماضية وهذه المرونة في النص الديني منحت الفقهاء افقاً واسعاً بالاجتهاد، انا اعتقد بأن اي مسألة تطرح على لسان المجددين هي مسألة تنمي الفقه الاسلامي ولكن للأسف هذه الخيارات الموجودة في الفقه الاسلامي تم تغييبها تاريخياً، فقد كان السلف الصالح يتعاطى مع النص الديني على أساس وجود راجح ومرجوح وعلى أساس ان النص الراجح عادة هو الذي ينبغي روايته وأن المرجوح هو الذي ينبغي تجاهله، لكن من وجهة نظري المسألة ليست بهذه الطريقة فما تم ترجيحه بفترة معينة لا يلزم التاريخ والمستقبل، هو خيار واحد أخذ به الفقهاء، لقد كتبت كتابي «المرأة بين الشريعة والحياة» وكنت أتجه فيه لاصلاح فقه المرأة وفي الواقع كتبت آرائي بمنتهى الحرية، عندما ذهبت للفقه الاسلامي لأرى من أيد ما ذهبت اليه في الواقع لم أر أني انفردت فيه، ما من رأي إلا وهو منسوب إلى إمام كبير في التاريخ الاسلامي وهذا لم يقنع المتشددين لأنهم قالوا ان هذه الآراء مرجوحة وهذه النقطة التي خالفتهم فيها ليست صحيحة فمن الذي قال بأن رأي الامام ابو حنيفة بهذه المسألة قوي وفي الاخرى ضعيف. أنا أرى بعض الآراء الضعيفة في الماضي هي أنسب لزماننا ولو عرضت على مجلس للتصويت لحظيت بالأغلبية. اذاً علينا أن نتعاطى مع كل الفقه الاسلامي باحترام وليس مع بعضه دون الآخر وننتقي منه ما يناسب زماننا وعندها لن نرى رأياً يخرج من عباءة الفقه الاسلامي.

* نلاحظ تقاربا بين بعض أفراد التيار التجديدي وبعض الأقطاب العلمانية فما السب في ذلك؟

ـ هذه ظاهرة صحية، فمن قال ان من مهمة المسلم أن يكون عدوا للآخرين، من وجهة نظري أنا أرفض قسمة الأمة إلى اسلاميين وعلمانيين لأن الجميع مسلم وليس بالضرورة ان يكون العلماني معاديا للدين ولست مبتهجاً بسلوك بعض التيارات الاسلامية المتشددة التي تشطب وتكفر الناس في الجماعات ولم يسلم من تكفيرها حتى بعض أئمة المسلمين، هذا خطأ كبير ومفسدة للأمة وما يحدث للعالم الاسلامي سواء في الرياض أو في الرباط، أو ما حدث في تركيا من أعمال عنف وتفجير وقتل للأبرياء من هذه التيارات المتشددة قد ساهم في تشويه الاسلام ومعاداة الآخرين له وباعد الهوة بين المسلمين وبين هذه الجماعات التي كفرت أغلبية المسلمين في السابق.

* ما هي حاجة الأمة للتجديد في هذه الفترة بالذات؟

ـ بالتأكيد لدينا تيار محافظ استعدى العالم كله ضدنا كما استعدى شرائح كبيرة من العالم الاسلامي، واذا مضى هذا التيار التقليدي في اطاره سيزداد تشرذم الأمة، نحن بحاجة الى منطق تجديدي يقبل الجميع ولا يكفر احداً من المسلمين، نحن نبحث عن مكان للجميع تحت مظلة الاسلام.

* هل هناك تعاون بين أقطاب الفكر التجديدي والتيارات التجديدية في العالم الاسلامي؟

ـ نعم هناك تعاون وتشاور مستمران، وقريباً سوف نقيم ندوة في دمشق نهدف من خلالها الى دعوة رجال التجديد في العالم الاسلامي، ستقام في فبراير (شباط) الحالي وستتم فيها مناقشة تجديد الخطاب الديني في الاسلام وهناك محاور نقدية لمعالجة الخطاب الحالي وكيفية تطويره نحو الأفضل.