د. عبد الوهاب المسيري لـ«الشرق الأوسط»: لست قلقاً من وضعي في السياق مع سيد قطب والمودودي لكوني أدعو إلى مركزية الإنسان

أبحث عن قاعدة أخلاقية مشتركة بين الديانات والاتجاهات الإنسانية في الغرب * الحضارة الغربية تتجه بالبشرية نحو الكارثة وتحول الإنسان إلى جسد يبحث عن إشباع المتعة والرغبة

TT

كان قدرنا ذاك المساء أن نتناول طعام الغداء في مطعم للوجبات الأميركية السريعة في القاهرة بالقرب من منزل الدكتور المسيري.. قلت لصديقي: أكان لائقاً أن نرتبط بأبرز تجليات الحضارة المادية الغربية قبل دقائق من زيارتنا لبيت عدوها الأول.

حين دخلنا إلى منزل الدكتور عبد الوهاب المسيري كان أكثر ما لفت انتباهنا طريقة تصميم المنزل المعتمدة على الطراز الأندلسي في الأثاث والديكور.. حالة من المفاصلة مع كل ما يمت للحضارة الغربية بصلة.. وحين تحدثنا معه عن ذلك أشار إلى غرفة الطعام وقال : تعمدت أن تكون مصممة على الطراز الإنجليزيي لكي أشير إلى أن في الغرب حضارة إنسانية أيضاً.

ارتبط اسم المسيري بموسوعته التي أصدرها عام 1998م في ثمانية مجلدات بعنوان «اليهود واليهودية والصهيونية» وكانت عملاً غير مسبوق في المكتبة العربية استهلكت في إعدادها قرابة عشرين سنة من العمل الجاد الدؤوب، لم تعرقله حتى رسائل التهديد بالاغتيال المتعددة التي طالت حتى سكرتير المسيري الشخصي والقادمة من جهة مجهولة. وأثارت الموسوعة حين صدرت دوائر الثقافة العربية والصهيونية والعالمية وفتحت جدلاً ثقافياً استمر لسنين حتى بعد نفاد الطبعة الأولى من الموسوعة بشكل سريع رغم قيمتها المرتفعة والتي تعادل 300 دولار.

يعد المسيري من أبرز منظري فكر «الأسلمة» الذي تتبناه عدد من المؤسسات الثقافية في العالم، يقف على رأسها «المعهد العالمي للفكر الإسلامي» ومقره في فرجينيا بالولايات المتحدة الأميركية، الذي أصدر في سبعة مجلدات «موسوعة التحيز» التي اشرف عليها الدكتور المسيري وحرر بعض فصولها. وهي تعتمد على قراءة ظاهرة التحيز في الإنتاج المعرفي الغربي في العلوم الإنسانية والعمرانية والطبيعية.

في عام 2002 أصدر الدكتور المسيري آخر إنتاجاته الثقيلة وهي موسوعة «العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة»، صدر منها الجزء الأول والثاني وبقي الجزء الثالث والرابع قيد الإعداد. وقام المسيري بتفكيك البنية المعرفية للمنظومة الثقافية الغربية ودراسة سياقاتها الفلسفية وظروفها المحيطة التي أدت إلى اندفاعها باتجاه النزعة المفرطة في المادية وسيطرت حالة من العلمانية الشاملة على كل الأنساق المعرفية السائدة، الأمر الذي أدى إلى «تشييئ» و«تسلع» و«حوسلة» الإنسان في الغرب بشكل أفقده إنسانيته وحوله إلى مجرد «شيء» و«سلعة» و«وسيلة» تلهث وراء إشباع نزعاتها الجسدية والرفاه المادي دون أي اعتبار للمنظومة القيمية والأخلاقية.

عن موسوعة «العلمانية»، وعن الاتجاهات المادية والإنسانية في الغرب، والموقف من الحضارة، وعن فكرة الأسلمة.. دار معه هذا الحوار.

* عند المسيري نزعة موغلة في الاتجاه الإنساني في مقابل تبخيس لقيمة المادة وضرورتها في العمران البشري والتطور الحضاري.. هناك نزعة للتقليل من قيمة الحضارة ومركزيتها في الحياة البشرية.. أحد أصدقائي قال مرة: من يقرأ للمسيري عن المادية ربما سيختار أن يعيش بكوخ في الريف أو خيمة في الصحراء مستحضراً كل قيمه الإنسانية والروحية، راضياً براحة الضمير والانسجام مع الذات، ومبتعداً عن كل مرهقات الحضارة؟

ـ في هذا الحديث اختزال لرؤيتي عن المادية، أنا أصدر في دراستي من منطلق إسلامي يرتكز في رؤيته للحياة البشرية على الثنائية، ثنائية الجسد والروح، وهو ما يتميز به الإسلام عن سائر الديانات الأخرى كونه لا ينزع منزعاً مادياً وحسب، ولا ينزع منزعاً روحياً وحسب، وإنما هو يعتمد على التوازن في رؤيته للكون بين المادة والروح.. أما إن كان الهجوم على المادية و«التسلع» و«التشيء» واضحا في كتاباتي بشكل أكبر من اللازم فهذا يعود إلى أن التشييء قد سيطر علينا. بمعنى أن أهمية السلع باتت محورية ومركزية في حياتنا، لذا أحببت أن أشير في كل ما أكتب وبدرجة عالية من الوضوح أن المركز يجب أن يكون الإنسان وليس المادة. وعندما أتحدث عن مركزية الإنسان فأنا اقصد الإنسان ككائن حضاري لا ككائن طبيعي. بل إنني أرى أن فكرة الإنسان الطبيعي هي في أساسها فكرة مادية، لأن الإنسان فيها يُرد إلى الطبيعة ويرد إلى المادة. أما أنا فأرى أن الإنسان كائن متميز عن الطبيعة متميز عن المادة. وأنا في معجمي الفلسفي أتحدث عن «الطبيعة» و«المادة» ككلمتين مترادفتين.. أنا لا أطالب بالعودة إلى الطبيعة ولا أطالب بالعودة إلى الحياة المادية البسيطة، وإنما أطالب بالتوازن. وما حصل في العصر الحديث هو أن النموذج المادي قد اكتسحنا جميعاً في جميع مناحي الحياة، لذا يجب أن نتروى قليلاً في اندفاعنا نحو المادية..

«ثم أضاف ضاحكاً»: كما ترى أنا لا أعيش حياة بدائية على الإطلاق، بل أهتم بالفنون، وأهتم بالموسيقى وأهتم بالغناء، ولكن باعتبار أنها جميعاً أعمال فنية لا بد أن تعبر عن إنسانية الإنسان وليس عن ماديته.

* ولكن كتابك «العلمانية» وبعض كتبك الأخرى تصيب بحالة إحباط كل الذين يحلمون بالنهضة والحضارة والتقدم العمراني، لكونك سلطت الضوء على الجانب المظلم في المجتمعات الحضارية المتقدمة.. وفي ما تكتب هناك ربط وثيق بين «المادية» وبين «العلمانية» وبين التطور الحضاري، بحيث توحي للقارئ أن الفكاك بينها صعب جداً، وأن الحضارة «المادية» لا بد أن تكون علمانية بالضرورة.. أليس في ذلك دعوة مضادة للتقدم تحمل نَفساً روحانياً صوفياً، وإن كان صيغ بلغة عقلانية فلسفية؟

ـ لا طبعاً لكوني ميزت أولاً بين «العلمانية الجزئية» و«العلمانية الشاملة»..

* أنا أتحدث عن العلمانية الشاملة.

ـ نعم العلمانية الشاملة مغرقة في المادية، وهي دين يؤمن بالمادة ورؤية شاملة تعبر عن نفسها في كل مناحي الحياة. وأنا قلت في كتابي إن الجانب المادي في حياة الإنسان شيء حتمي، حتى أنني أشرت إلى طريقة بناء المسجد، بحيث أنه لو عُرض علينا مهندس علماني جيد ومهندس إسلامي سيئ فسنختار بالطبع العلماني.. ولكن في النهاية، عندما يقام المسجد فهناك شعائر وطقوس دينية لا بد أن تُقام وهي تستبعد هذا المهندس العلماني.. أي أن المسألة من جديد مسألة توازن بين البعد المادي والبعد الإنساني..

وأنا أرى أن الحضارة الغربية الحديثة لا تقوم على هذا التوازن بل هي حضارة تهدد الإنسان. تهدده على مستوى المصادر الطبيعية، بحيث نرى لأول مرة في تاريخ الإنسانية أن الإنسان يُنفق على أسلحة الدمار أكثر بكثير مما ينفق على وسائل الإنتاج. وترى في أهم القطاعات الاقتصادية ممارسة لغسيل الأموال، المخدرات، الأزمة البيئية التي تهدد الإنسان تهديداً شاملاً، تقلبات المناخ غير الاعتيادية.. والمسألة ليست من اختراعي. وأنا غير مسؤول عن الإحباط والتشاؤم الذي يصيب الإنسان. لأن كل ما أفعله هو أنني أركز على مجموعة من المعلومات يحاول النموذج المادي تهميشها، وأنا أرى أنها مركزية.

* ولكن السؤال المهم هو كيف يمكن أن تقوم حضارة غير «مادية» غير «علمانية».. أنت لا تتحدث عن هذا الموضوع؟

ـ أولاً يجب الفصل بين التقدم المادي وبين العلمانية، بحيث يمكن أن تقوم حضارة مادية غير علمانية كما حصل في الحضارة الإسلامية التي أحرزت تقدماً مادياً كبيراً، وهي لم تكن بالطبع حضارة علمانية بل كانت مرجعيتها مرجعية إسلامية. حتى الحضارة التي قامت في أوروبا في القرون الوسطى التي يسمونها «العصور المظلمة»، وهي في حقيقتها لم تكن كذلك، بل كانت مزدهرة بالفن والمسرح وكان فيها كاتدرائيات، وهي لم تكن حضارة علمانية. والحضارة الرومانية القديمة كانت تؤمن بآلهة وثنية ولكنها لم تكن حضارة علمانية. الحضارة في التاريخ البشري هي في حقيقتها نتاج توق الإنسان إلى ما وراء المادة وليست نتاج رضا الإنسان بالسقف المادي.

* وفي حالتنا المعاصرة هل يمكن تجاوز آلية التقدم الحضاري المادي كما في الغرب أم أنه بات طريقاً قسرياً.

ـ لا بالطبع ليس قسرياً وليس هو الطريق الوحيد نحو التقدم. نعم هو الأوضح اليوم لكون الإعلام يروج له صباح مساء، ولكن الإعلام لا يتطرق إلى كم من الخسائر سنجني من جراء هذا الطريق.. في اعتقادي أنه حان الوقت كي نفتح ملف التقدم، لأن الغرب يبرر كل مشكلة تحصل على الصعيد الإنساني على أنها نتائج حتمية للتقدم. والنتيجة أن الخسائر باتت في هذه الحضارة أكثر من الأرباح. ولكن الإعلام اليوم يروج فقط للمظاهر الإيجابية للحضارة ويغض النظر عن الكوارث الإنسانية الناتجة عنها. لذا يجب على الإنسان ككائن متحضر واجتماعي أن يقيس هذه المعادلة ولا ينجر وراء الترويج الإعلامي.

* تحدثت عن وجوب فتح ملف التقدم والتطور الحضاري بمنحاه الإيجابي.. ولكنك أنت مع كل حديثك المطول في العديد من مؤلفاتك عن الجانب السلبي السوداوي في الحضارة المادية الغربية لم تفتح هذا الملف.. مع أن أكبر إشكالات المجتمعات العربية والإسلامية هي حالة التخلف الحضاري والثقافي التي تعانيها، إلا أنك لم تطرح أي حلول لمواجهة هذا التخلف وتجاوز الكارثة الحضارية، وإقامة مجتمعات مدنية نهضوية متقدمة. وفي الوقت ذاته تطرح رؤية مرعبة عن الحضارة الغربية بمضامينها التطورية المادية والإنسانية. ألا يكون مشروعاً الاستنتاج أنك تساهم في صد أي اندفاع ورغبة في التقدم الحضاري في العالم العربي والإسلامي، وأنك تسهم في تكريس حالة التخلف؟

ـ في كتابي «العالم من منظور غربي» يوجد فصل كامل أتحدث فيه عن ملامح لهذه الرؤية الإسلامية البديلة في النهوض والتقدم. وجوهر هذه الرؤية هو أن نسقط مفهوم التقدم المستمر واللانهائي، لكون هذه الفكرة فكرة مدمرة، وهي تنبني على أساس أن المصادر الطبيعية لا تنفد. وهذا مخالف لما هو سائد علمياً من أن هذه الموارد قابلة للنفاد. لذا أنا أطالب بإحلال مصطلح «التوازن» بدل مصطلح «التقدم»، لكون فكرة التقدم اللانهائي تعني تزايد معدلات الاستهلاك، وهو ما سيُنتج في نهاية الأمر حالة من الفوضى، أبرز تجلياتها اليوم الاحتلال الأميركي للعراق الذي لا شك أن من أهم أهدافه هو الحصول على «الطاقة»، لكون الإنسان الأميركي يستهلك ما يعادل استهلاك ألف إنسان هندي مثلاً.. لذا لا بد من تجاوز مفهوم التقدم الذي يعني حالة لا نهائية في الاستهلاك، وهو مفهوم مدمر للإنسانية وفق محدودية الموارد، والاستعاضة عنه بمفهوم «التوازن» الذي يحقق جوهر الإنسان ويجعله في حالة توازن مع نفسه ومع الطبيعة. هذه هي الحضارة الحقيقية.

* ولكن يا دكتور فصل واحد في كتاب مقابل العديد من المؤلفات؟ ألا تعتقد أن هناك حالة تهميش لمنحى هو غاية في الأهمية؟

ـ لا تطالبني أن أقول كل شيء كلما فتحت فمي. لا بد أن يكون هناك توزيع للأدوار وتقسيم للعمل في الدوائر الثقافية في العالم العربي. وإن كنت أطمح أن يكون هذا المنحى المتعلق بالتحضر والتطور المبني على فكرة «التوازن» وفق أبعاد إنسانية إسلامية جزءاً من مشروعي المستقبلي. ثم لا تنس أن كل نقدي للحضارة الغربية الحديثة هو ينطوي على نموذج بديل. فحين أنقد مفهوم التقدم اللانهائي في الإطار المادي فأنا أطرح مفهوم التقدم المؤدي إلى التوازن. وأنا حين أتحدث من أن مفهوم التقدم بالمعنى الغربي فأنا أشير إلى أنه تقدم إلى لا هدف، لكون فكرة التقدم في أساسها تنطوي على الوصول و«التقدم» لهدف ما. ولكن هذا الهدف غائب في الحضارة الغربية..

* مقاطعاً.. الهدف هو زيادة التطور العلمي والرفاه للجنس البشري؟

ـ لا تستخدم كلمات عامة.. عندما تتحدث عن الرفاه هل تقصد الرفاه المادي أم الروحي.

* المادي طبعاً.

ـ معنى ذلك أن هذا التقدم والرفاه سينتج آخر الأمر حضارة مدمرة، لأن هدفها هو إشباع رغبات الإنسان، وفي حالة غياب القيم تنتج هذه الحضارة الشذوذ الجنسي وتنتج إعلاماً تافهاً وتنتج جماهير تندفع لإشباع غرائزها ورغباتها الجسدية، وهو ما نتج عنه مزيد من البحث عن الرفاه المادي ولو على حساب الشعوب الأخرى، وهذا ما حصل في فترات الاستعمار للعالم الثالث التي كانت تهدف بشكل رئيسي إلى نهب ثروات الشعوب الأخرى من أجل مزيد من الرفاه، وهو ما يتمثل اليوم في الحرب على العراق والسيطرة الغربية على اقتصادات الدول النامية من أجل أكبر قدر من الاستغلال.

* في مقطع من كتابك «العلمانية» تقول «حين يلبس الإنسان التي شيرت، ويسكن في منزل وظيفي بني بطريقة البريفاب» الكتل الصماء سابقة الإعداد «ويأكل الهمبورجر، ويشرب الكوكاكولا، وينام على سرير وظيفي، ويشاهد الإعلانات التجارية، ويعيش في مدينة شوارعها فسيحة عليه أن يجري بسيارته المستوردة بسرعة مائة ميل في الساعة.. هذا الإنسان يتحول إلى إنسان وظيفي متكيف لا توجد في حياته خصوصية أو أسرار. إنسان قادر على تنفيذ كل ما يصدر إليه من أوامر دون أن يثير أية تساؤلات أخلاقية أو فلسفية.. تلك حالة من العلمنة البنيوية الكامنة».. أليس في هذا الكلام حالة صارخة من القلق من مظاهر مدنية حديثة حملتها أكثر مما تحتمل؟

ـ بل أرى أنها تستحق هذا القلق. أنت عندما تأكل الهمبورغر فإن هذا الأمر يعيد صياغة وجدانك.. والمعمار وطريقة البناء قضية رئيسية في صياغة وجدانك، فنحن لا نرى في مدن إسلامية أي مظاهر أو آثار للرؤية الإسلامية إلا في المسجد.. أصبح المعمار والطعام والرداء وكل مظاهر حياتنا ليس لها ارتباط بالمنظومة الفكرية الإسلامية، مما يعني ان الإسلام أصبح اليوم في حالة شعورية خاصة جداً يمارسها الإنسان لوحده. بينما أرى أن الإسلام يطرح رؤية كاملة للكون هي رؤية بديلة للسعار الاستهلاكي الذي نعيش فيه.

* ولكن هذا الخوف من مظاهر مادية محدودة هي في النهاية نتاج تطور البشرية ومن الصعب جعلها مكتنزة بمنظومة فلسفية ومشبعة بدلالات قيمية وثقافية.. هي مشتركات إنسانية يمكن أن تنتجها أي حضارة؟

ـ لا بد أبداً كل ما ذكرته في المقطع السابق كالهامبورغر والكوكاكولا هي نتاج خاص للحضارة المادية الغربية وليست مشتركات إنسانية.. في تاريخ الحضارات دائماً الناس هي التي تُعد طعامها بنفسها، وهو ما كان سائداً في العالم، وحتى في الغرب إلى الستينات من القرن العشرين، أما ظاهرة أكل طعام قد تم إعداده من قبل، وتأكله أنت كمستهلك وأنت تسير أو تجري، فهذا ظاهرة جديدة على الجنس البشري، لابد أن نتنبه إلى الفلسفة الكامنة فيها والتي تعتمد على السرعة، والكفاءة، والفردية، وتحويل الإنسان إلى ما يشبه الآلة.. وأنا عندما أتحدث عن الحضارة المادية لا أعني بالضرورة أنها الوحيدة التي أنتجتها المنظومة الغربية، لأن في الغرب كثيرا من المظاهر الإنسانية، ففي الغرب موتزارت وبيتهوفن والطعام الفرنسي وكثير من المظاهر المحتفظة بأصالتها وخصوصيتها. أما هذه المنتجات المادية الحديثة فهي تتميز بكونها معادية للخصوصية. للخصوصية الغربية وللخصوصية الإنسانية. كموسيقى الدسكو في مقابل الموسيقى الكلاسيكية، وكالتي شيرت في مقابل رداء الإنسان الغربي. ستجد أن منتجات هذه الحضارة المادية التي يطلق عليها بعض فلاسفة الغرب «ضد الحضارة» أنها حضارة غير منتمية. صحيح هي بدأت في أميركا لكنها ليست أميركية، لأن الحضارة الأميركية حضارة لها ميزاتها وهناك تقاليد حضارية راسخة ولكن المشكلة أن كل هذه التقاليد وكل هذه الخصوصيات آخذة في التآكل بسبب المد الجارف للحضارة المادية. لذا فهذه الحضارة المادية ليست معادية للشرق بل هي معادية للإنسان.

* ولكن هناك معطى جديدا على البشرية وهي الزيادة السكانية الكبيرة في العالم التي تستدعي بالضرورة البحث الجاد عن حلول إنتاجية لهذه المشكلة وهو ما قد يستدعي قيما جديدة كقيمة السرعة وقيمة الفردية وانتهاك الخصوصية.

ـ القيم التي تتغير باستمرار ليست بقيم، لأن القيم الإنسانية والأخلاقية لا بد أن تتسم بقدرٍ عالٍ من الثبات، وإن تغيرت لم تصبح قيماً بقدر ما تصبح آليات للتعامل مع ما ينشأ في الواقع، وهذه هي إشكالية الحداثة في الإطار المادي، لكونها سقطت في النسبية، لذا لم يعد لها مرجعية، وأصيبت بحالة من السيولة الفلسفية، نزعت عن الإنسان إنسانيته، وسيطرت بدلاً عنه وسائل الإعلام والاحتكارات الرأسمالية. وعندما ترى اليوم الإنسان الأميركي الذي يعيش في قمة الحداثة والعلمانية تجده إنساناً مفرغاً من الداخل، لأن ليس له مرجعية ولا يستطيع أن يحكم على شيء، فتتخذ كل قراراته عن طريق توجيهه من قبل فئة محددة مستنفعة عن طريق وسائل الإعلام وبقية منتجات الحداثة.. بعض الناس يظن أن النسبة ستؤدي إلى حرية الفكر والإنطلاق، ولكنها في الحقيقة تُقوض مقدرة الإنسان على الحكم واتخاذ موقف ورأي في كل ما يدور حوله في العالم. لذا أنا لا أدعو إلى رفض الحداثة ولكنني أرفض الحداثة المادية وأدعو إلى إنشاء حداثة وحضارة تعيد الإنسان إلى مركز الكون، كما فعل الإسلام، وكما فعلت الديانات السماوية التي جعلت الإنسان مركز الكون لكنه في الوقت نفسه لا يمتلك هذا الكون، بل هو يحمل الرسالة ويسخر هذا الكون لخدمة البشرية جمعاء والأجيال القادمة أيضاً.

* كيف يمكن أن نفسر وسط هذا الاطراد في النزعة المادية في المنظومة الأوروبية منذ عصر الأنوار إلى المجتمع الحديث خروج التيارات الإنسانية الهيومانية التي كان لها حضور في عصر الرومانسية الاشتراكية والتي نلمس بعض تجلياتها اليوم في بعض الاتجاهات والتيارات الفلسفية وبعض حركات مناوئة العولمة وأحزاب الخضر وسواهم.

ـ المادية نمت باطراد ولكنها لم تكن أساساً في عصر النهضة، بل كانت الفلسفة الإنسانية هي السائدة في الغرب، ولكنها أخذت في التآكل بسبب اجتياح القيم المادية التي قامت بعلمنة القيم المسيحية. وأنا أعتقد أن سر تقدم الغرب أنه حافظ نسبياً في عصور النهضة على معادلة تتسم بسيطرة القيم المادية على الحياة العامة مع بقاء الحياة الخاصة محكومة بالمنظومة القيمية المسيحية المعلمنة التي نسميها العلمانية الإنسانية. لذا كان الإنسان الغربي في غاية الالتزام لكون المنظومة القيمية هي التي تحركه، ولكن هذه المنظومة القيمية بدأت بالتآكل، واجتاحتها المادية التي طغت بشكل مفرط في الغرب منذ عام 1965م بسبب سطوة الإعلام وسطوة الدولة، وباتت العلمانية والمادية الشاملة هي السائدة في الغرب، وثارت مشكلة الحداثة المادية، وظهرت أزماتها ومفعولها التدميري على المجتمعات الغربية، وتنامت ظاهرة الشذوذ، وباتت العذرية مثار سخرية وضحك، وأصبح مجرد التفكير في إرجاء الإشباع الجنسي أمراً مرفوضاً، وازداد التسامح مع ظاهرة انتشار المخدرات، وتآكلت الأسرة، وصار كل المجتمع يلهث وراء الإشباع والمتعة والترفيه دون اعتبار لأي منظومة قيمية.. هذه الظواهر لم تكن بهذا التأزم قبل عام 1965م. وأنا ذهبت إلى أميركا قبل هذا التاريخ وكان المجتمع الأميركي لا زال يحوي الكثير من القيم والتقاليد.

* ولماذا عام 1965.. ما هو المنعطف في هذا التاريخ؟

ـ هذه قضية كبيرة وأنا عندي دراسة موسعة عن هذا الموضوع. ولكن يمكن أن ألخص لك أنه بعد عام 1965 بدأت بالبروز كل ظواهر ما بعد الحداثة. خذ مثلاً الزي، فقبل هذا التاريخ كان لبس المرأة في الغرب يميل نسبياً إلى الاحتشام، أما بعد هذا التاريخ فتنامت ظاهرة العري حتى باتت الفتاة اليوم في الغرب تضيق ذرعاً بالملابس، وخذ مثلاً انتشار كل الظواهر التي ذكرتها سابقاً كالشذوذ الجنسي وانتشار المخدرات وتآكل الأسرة والسيطرة الطاغية للإعلام بنزعته التتفيهية المرتكزة على إشباع المتعة عند الإنسان.

* إذاً كيف ظهرت الاتجاهات الإنسانية في الغرب وسط هذا الطغيان المادي؟

ـ كل الظواهر إذا وصلت إلى حدها الأقصى تستدعي بروز وتشكل القوى المعارضة لها. ورفض هذه الظواهر قضية مرتبطة أساساً بالفطرة الإنسانية، وهو ما استدعى تشكل تيارات رافضة لهذه المنظومة المادية، حتى أن كثيراً من أفراد الطبقة الوسطى في أميركا باتوا يضيقون ذرعاً بهذه الأجواء المادية التي باتت تتزايد بشكل يومي، حتى غدت هناك حالة من تطبيع للجريمة وتطبيع للشذوذ بشكل مذهل. وحتى ظاهرة الأصولية المسيحية التي ظهرت مؤخراً في الغرب وفي أميركا بالذات هي تشكل نوعاً من الاحتجاج على هذه المظاهر.

* وماذا عن المدارس الفلسفية ؟

ـ هناك حالات احتجاج في المدارس الفلسفية كبيرة وواضحة ضد الفلسفة المادية المعادية للإنسان، ولكن هذه المدارس بسبب نخبويتها لازالت مهمشة وغير فاعلة في الشارع الغربي. ومع أمنياتي بتقلص هذه الظواهر المادية في الغرب إلا أنني أرى أنها بازدياد، وذلك بسبب السيطرة المخيفة للإعلام لهيمنته وجاذبيته وإبداعه في أنماط الإخراج واللغة السينمائية التي أصبحت تسيطر على المجتمع الأميركي بشكل مخيف.

* كثير من الباحثين يرون أن النموذج «الماركسي السوفياتي» هو الأكثر تكريساً للمنظومة المادية في مجتمعه. إلا أنك تتحدث عن النموذج الأميركي بكونه يتجاوز في نزعاته المادية كل المجتمعات الأوروبية بما فيه المجتمعات الماركسية السوفياتية.. أليس في المجتمع الأميركي حضوراً كبيراً للعاطفة الدينية والاتجاهات الإنسانية. بعكس النموذج السوفياتي الذي تعامل بجذرية في رفضه لكل مظاهر الدين والاتجاهات غير المادية.. هل تقيس هنا على النزعة الاستهلاكية أم ماذا؟

ـ في الماركسية كنظرية اتجاهان رئيسيان، أحدهما غارق في المادية، والآخر اتجاه إنساني يتحدث عن مركزية الإنسان، وعن العدالة، وعن ضبط السوق، وعن الإنتاج من أجل الإنسان وليس الإنسان من أجل الإنتاج. صحيح أن الاتجاه المادي هو الذي انتصر على يد ستالين، وكان حاداً في رفضه لكل مظاهر الدين وللمنظومة الأخلاقية، ولكن على مستوى التطبيق بقيت في المجتمع السوفياتي حتى مراحله الأخيرة حالة من المحافظة الأخلاقية والحفاظ على القيم الإنسانية. وهو ما جعل المجتمع الروسي بعد سقوط الاتحاد السوفياتي يحوي مؤسسات دينية قوية وفاعلة وذات جماهيرية وتأثير على الشارع الروسي، بعكس ما هي عليه في المجتمع الأميركي الذي لا تُشكل فيه المؤسسات الدينية حضوراً كبيراً، وهناك حالة من الاضطراب في التعامل مع القيم، ففي الوقت الذي توجد فيه اتجاهات تدافع عن الأسرة إلا انها تؤيد النموذج الرأسمالي والسوق الحر الذي يقوض الأسرة، وتدافع عن الأخلاق المطلقة وفي نفس الوقت تؤيد الغزو الأميركي للخارج، يريدون تحسين الأوضاع الصحية ولكنهم لا يتحدثون عن تضخم ميزانية الدفاع التي ساهمت في تقليص كل البنود الأخرى. لذا تجد أن المجتمع الأميركي تسيطر عليه بشكل مخيف حالة الفردية والتنافس وأن السوق هو الذي يقرر، وهذه هي التبديات الحقيقية للمادية على مستوى الممارسة.

* البعض يُرجع نزعتك الإنسانية الطاغية إلى حالة من الموقف أو «رد الفعل» من التجربة الماركسية التي عشتها في الخمسينيات حين كنت عضواً في الحزب الشيوعي المصري.. هل أصابتك الماركسية بماديتها الطاغية بحالة من التأزم تجاه النزعة المادية؟

ـ ليس الأمر بهذا الشكل، بل العاطفة والانتماء الديني القوي لي ولأسرتي هو الذي أسس ميلي للاتجاه الإنساني، لكون الدين يؤسس أن الإنسان ليس كائناً مادياً. حتى عندما انتميت للحزب الشيوعي كنت قد تبنيت الاتجاه الإنساني في الماركسية التي كنت أراها أقرب الفلسفات لنشأتي الدينية. ولكن عندما اقتربت من هذا الاتجاه الإنساني ورأيت كيف يُقوض ويتضاءل داخل الاتحاد السوفيتي وعند كل الاتجاهات الماركسية في العالم، كان هذا دافعاً لي نحو الابتعاد وتجاوز الفكرة الماركسية والعودة إلى الدين.

* لننتقل إلى موضوع آخر.. القارئ للدكتور المسيري يجد أنه على معرفة عميقة وموغلة في الاتجاهات الفكرية والفلسفية الأوروبية بتنوعاتها ودقائقها ولكنه ليس بهذا القدر في معرفته وإطلاعه على التراث والفكر الإسلامي بمذاهبه واتجاهاته السياسية والفلسفية. لذا فهو يدعو إلى «الأسلمة» من منطلق رفضه للفلسفة الأوروبية المادية لا من بحثٍ مستوفٍ في الرؤية الإسلامية.. أي أن المسيري يمارس نقد الآخر الغربي، ولكنه لا يبحث في طبيعة وكنه الفكرة الإسلامية التي يطرحها كبديل، خاصة في ظل غياب رؤية إسلامية متشكلة وناجزة تقابل الرؤية الفلسفية الغربية. وهو ما قد يحمل نزعة شعاراتية كتلك التي يتبناها بعض السياسيين الإسلاميين في قولهم «الإسلام هو الحل».

ـ قد اتفق معك في أن الرؤية الإسلامية لازالت غير متشكلة ولم تتضح كثير من معالمها. ولكن لا تنس أن مشروع الحداثة الغربي قد أخذ أربعة قرون حتى تشكل بصورته الحالية. في الوقت الذي لم يُلتفت إلى مشروع الحداثة الإسلامية الإنسانية إلا في منتصف الستينيات من القرن العشرين، وقبل ذلك كان حتى المفكرون والدارسون الإسلاميون ـ فضلاً عن الليبراليين ـ يعتقدون أن مشروع الحداثة الغربي مناسب لثقافتنا مع إدخال بعض التعديلات الطفيفة والشكلية، وكانوا يعتقدون أن الحلال بيِّن والحرام بيِّن، لكونهم لم يستوعبوا الأسس الفلسفية التي نشأت عليها الحضارة الأوروبية، خاصة وأن هذه الحضارة في بدايات القرن العشرين كانت تبعث على الإعجاب بشقيها الرأسمالي والاشتراكي لكونها لم تتغول كما هي عليه الآن، ولم يتبد وجهها الصارخ في السلبية إلا في مرحلة ما بعد عام 1965. لهذا لم ينشأ الحراك الفكري والفلسفي الإسلامي إلا متأخراً، حيث بدأت تُطرح رؤى للتجديد الفقهي، ورؤى في التعامل مع التاريخ، ورؤى في العلاقات الدولية، وإدراك لدور الدولة، وفهم أعمق للإشكالات الحديثة. لذلك الرؤية الإسلامية في مرحلة التشكل، وهي تتشكل بسرعة، ولكن مشكلتها الرئيسية عدم وجود مركز يقوم بعملية تكثيف للمحاولات، لكونها محاولات فردية موجودة بشكل متفرق في أنحاء العالم الإسلامي، مما يجعل عملية الوصول لها أمراً صعباً لعدم توفر المعلومات وعدم تواصل الباحثين، مما سيؤدي إلى انخفاض قيمة هذه الدراسات الحديثة في الأسلمة بسبب صعوبة الوصول لها.

* ما الذي يميز نقدك للمنظومة الحضارية والقيمية المادية في الغرب عن النقد الداخلي الذي مارسته مدارس واتجاهات داخل المنظومة الغربية، كاتجاه مفكري وفلاسفة اليسار، ومدرسة ما بعد الحداثة، وأعمال مدرسة فرانكفورت، وإنتاجات ماركوز، وكاربور، وهابرماس، وسواهم.. البعض يشير إلى أن المسيري استفاد كثيراً من هذه الاتجاهات النقدية في رؤيته للحضارة الغربية الحديثة. بل يذهب البعض إلى أبعد من ذلك ويتحدث عن كون انتاجات المسيري الناقدة للحضارة الغربية ما هي إلا ترجمات «بتصرف» عن تلك المدارس النقدية ربما بإضافات محدودة؟

ـ أولاً أنا أكتب للقارئ بالعربية، لأن الخطاب الحداثي في العالم العربي والعالم الإسلامي هو خطاب تبشيري بالحداثة وغير مدرك لجوانبها المظلمة، إضافة إلى أن لي تجربتي ورؤيتي الخاصة تجاه المنظومة المادية في الغرب، وأما مسألة ما يميز نقدي عن نقد الاتجاهات الإنسانية التي ذكرتها فهذا يجيب عنه النقاد. ولكن يمكن أن أشير إلى أن من إضافاتي الأساسية هو أن الحداثة الغربية تتجه إلى شكل من أشكال الواحدية لكونها تدور في إطار مادي، وبالتالي يكمن الحل في العودة إلى ثنائية الإنسان كجسد وروح، وتجاوز مفهوم التقدم اللانهائي.. أعتقد أيضاً أن من إضافاتي الأساسية تعريف الحداثة، لأن التعريف السائد أن الحداثة هي «استخدام العلم والتكنولوجيا والعقل»، وأنا أختلف معهم في ذلك وأُعرف الحداثة بأنها «استخدام العلم والتكنولوجيا والعقل المنفصلين عن القيمة والغاية»، لأن هذا هو البعد المعرفي المهم الذي أدى إلى الحداثة الداروينية كما أسميها، ولذلك أدعو إلى العودة لا إلى مركزية الإنسان الغربي بل إلى مركزية الإنسان كإنسان وإلى الجنس البشري ككل، وإننا جميعاً شركاء في هذا الكوكب، نستطيع أن نوجد آليات لحل مشاكلنا وصراعاتنا دون السيطرة المفرطة للقوي على حساب الضعيف. لأن بعض ناقدي الاتجاه المادي في الغرب يتحدثون عن مركزية الإنسان ويقصدون الإنسان الأوروبي فقط.

* وما موقع الرؤية الإسلامية في هذا النقد؟

ـ أنا أعتقد أنه توجد قاعدة أخلاقية مشتركة بين الأديان وعلى رأسها الإسلام وبين الفلسفة الإنسانية في الغرب، وأن علينا القيام بعملية اكتشاف وتعزيز لهذه القاعدة الأخلاقية المشتركة التي هي في حقيقتها أساس للتعامل بين البشر، ونقوم بتأسيس عقد اجتماعي مبني على هذه القاعدة، وهو ما يهمنا هنا. أما الاختلافات الفلسفية العميقة بين الإسلام والمسيحية واليهودية فهذه يمكن أن تناقش في مؤتمرات وندوات خاصة.

* ألا تشعر بالقلق من أن تُقرأ خطأ من جانب بعض الاتجاهات الإسلامية التي ترى فيك وجه الناقد الجذري للحضارة الغربية، وتضعك في السياق مع سيد قطب والمودودي، وتستخدم نقدك كشعار سياسي لا كرؤية معرفية فلسفية؟

ـ لا. لا أظن أن كلامي يمكن أن يُفهم في هذا السياق، لأن ما أدعو إليه واضح جداً ويعتمد على مركزية الإنسان كإنسان في هذا الكون. وأنني كمسلم ليس عندي إشكال مع العلمانية الجزئية، وإنما إشكاليتي الرئيسية مع العلمانية الشاملة التي تُسقط القيمة وتتمحور حول المادة. إضافة إلى دعوتي لاكتشاف القاعدة الأخلاقية المشتركة بين الأديان والاتجاهات الإنسانية في الغرب التي تتمثل في حركات مناهضة العولمة وأحزاب الخضر وبعض الاتجاهات الإنسانية الفلسفية، الذين اكتشفوا أن الكرة الأرضية غير قادرة على تحمل الحداثة الداروينية التي تقودها أميركا.