جمعية علماء الاجتماعيات المسلمين في بريطانيا تدعو إلى حلول تساعد الجاليات على التعامل مع مشاكلها اليومية

TT

عقدت جمعية علماء الاجتماعيات المسلمين في بريطانيا مؤتمرها السنوي الخامس تحت عنوان «الفقه المعاصر والاقليات المسلمة» وذلك في قاعة بورتلاند في جامعة وستمنستر في لندن للفترة من 21 ـ 22 فبراير(شباط) الحالي. هذا وقد نظمت الجمعية المؤتمر بالتعاون مع المعهد العالمي للفكر الاسلامي مكتب لندن والكلية الاسلامية ومجلة «كيو نيوز». حضر المؤتمر جمهور غفير، كما شارك فيه وفد من الجالية المسلمة من سنغافورة، اضافة الى مشاركين من جنوب افريقيا والولايات المتحدة وبعض الدول الاوروبية ودول الخليج. وبعد تلاوة مباركة من الذكر الحكيم رتلها قارئ تركي، افتتح المؤتمر الدكتور أنس الشيخ علي رئيس الجمعية، مشيرا الى الاهمية القصوى للموضوع والى ضرورة التفاعل والتعاون بين علماء الشريعة وعلماء الاجتماعيات من اجل التوصل الى حلول تساعد الجاليات المسلمة المغتربة على التعامل مع مشاكلها المتتالية ومواجهة التحديات اليومية التي تتعرض لها.

واشار الى انه من الضروري جدا ان يتمتع من يتصدى لهذا الموضوع، سواء من علماء الشريعة والفقهاء او من علماء الاجتماعيات، بفهم كامل وتجربة مباشرة للواقع الذي تواجهه هذه الجاليات، حيث ان فهم الواقع واستيعاب مشاكله وتعقيداته شرط رئيسي واساسي لايجاد الحلول، لأنه من الصعوبة جدا ان ينظر اي انسان مهما كانت مقدرته لواقع لم يعشه او يتفاعل معه.

واعقب ذلك الكلمة الرئيسية للمؤتمر والتي قدمها الدكتور مصطفى سيرج رئيس العلماء في البوسنة، حيث أكد انه يرفض ان ينظر الى المسلمين كأقلية طارئة على اوروبا، وان مفهوم الاقلية للمسلمين في اوروبا هو مفهوم سياسي، وقال ان الكثير من المسلمين في اوروبا يعيشون في ظروف صحية ومالية تمكنهم من تأدية فريضة الزكاة والحج. وأكد ان الجالية المسلمة في الغرب لديها واجب مهم يفرضه عليها الاسلام للعمل على تعزيز علاقات سلمية مع الجاليات الاخرى وهذا ما تحتمه المصالح المدنية للجالية، التي سوف تتمكن في يوم ما من تقديم الدعم والمساعدة للأمة الاسلامية. كما شدد على ان الوقت قد حان كي يقوم المسلمون في اوروبا بتطوير فقه وفهم بديل يساعد الجالية على ان تلعب دورا اجتماعيا بناء.

بعد ذلك قام رئيس الجمعية الدكتور الشيخ علي بتقديم الجوائز التكريمية السنوية للجمعية، حيث منحت جائزة انجاز الحياة لعام 2003 للكاتب والمفكر الفلسطيني البروفيسور ادوارد سعيد لما حققه من انجازات فكرية مهمة جدا. وعرض الدكتور زكي بدوي رئيس الكلية الاسلامية وعضو اللجنة التنفيذية للجمعية، نبذة عن حياة وانجازات البروفيسور سعيد واشار بشكل خاص الى كتابيه «تغطية الاسلام» و«الاستشراق»، مشيرا الى التأثير الكبير والتغير الذي حصل بعد صدور الكتاب الثاني في النظر الى الاستشراق وفهم ابعاده واهدافه ومنهجيته، وقد تسلم الجائزة نيابة عن الجالية الفلسطينية وعائلة البروفيسور سعيد، المحامي ميشيل عبد المسيح مستشار الملكة للشؤون القانونية. كما منحت جائزة بناء الجسور لعام 2003 الى الكاتبة الشهيرة كارن آرمسترونك لدورها في تعزيز الحوار بين الاديان وتقديم فهم صحيح للاسلام من خلال كتاباتها والبرامج الاذاعية والتلفزيونية التي تشارك فيها، وقدمت فارينا علم محررة مجلة «كيو نيوز» التي تصدر في لندن نبذة عن حياة وانجازات المؤلفة آرمسترنك، مشيرة بشكل خاص الى كتابها الاخير عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وعن دورها الكبير في عرض الاسلام بشكل ايجابي، خاصة بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر( ايلول).

ثم بدأت اعمال المؤتمر، حيث توزعت على سبع جلسات قدمت خلالها 13 ورقة. في الجلسة الاولى تحدث الدكتور لؤي الصافي رئيس جمعية علماء الاجتماعيات المسلمين في اميركا عن «دور علماء الاجتماعيات في التفريق بين العام والخاص»، تلاه الدكتور محمد المستيري رئيس جمعية علماء الاجتماعيات في فرنسا بالحديث عن «فقه الاقليات ما بعد فقه المواطنة». وفي الجلسة الثانية تحدث الدكتور زكي بدوي رئيس الكلية الاسلامية في لندن عن «بديهيات فقه الاقليات»، مؤكدا ضرورة تطوير مثل هذا الفقه وعدم احتكاره من قبل بعض المجموعات او المجالس، مشيرا الى ان مصطلح الاقلية يعتمد على وضع الجالية، سواء كانت اقلية أم اغلبية» ومدى تأثيرها في مجتمعها او دولتها، حيث ان هنالك اقليات لديها تأثير فعال ضمن الاغلبية التي تعيش معها بينما تفقد الاغلبية وضعها وتصبح اقلية متى عجزت عن ان تلعب دورا فعالا وحين لا يكون لديها اي قوة او سلطة او تأثير. ولهذا فإن التفاعل مع المجتمع والتأثير الايجابي فيه هو الذي سيعطي اية اقلية موقعها ومكانتها ودورها. كما تحدث الدكتور طه جابر العلواني رئيس جامعة العلوم الاجتماعية والاسلامية من خلال تسجيل في موضوع «فقه الاقليات بين الفقه الاصغر والفقه الاكبر». اما في الجلسة الثالثة فتحدث الدكتور طاهر مهدي، دكتوراه في اصول الفقه وعضو المجلس الاوروبي للافتاء، حول «فقه الاقليات ومقاصد الشريعة»، حيث تطرق الى مشكلة الحجاب في فرنسا، مشددا على الدور الرئيسي الذي يمكن ان تلعبه المرأة المسلمة متى ما استعادت حقوقها ودورها الذي كفله لها الاسلام وغيَّبته بعض الممارسات. اعقبه الدكتور بسطامي خير استاذ الدراسات الاسلامية في جامعة برمنغهام حول «الرأي الشرعي في الوضع السياسي والقانوني للمسلمين في البلدان غير الاسلامية».

وفي اليوم الثاني عقدت الجلسة الرابعة التي تحدثت فيها الدكتورة سمية برنيلا اويس في موضوع «استراتيجيات الزواج بين الشباب المسلم في اوروبا»، تلاها المؤلف احمد الكاتب بالحديث عن «مشاكل العلاقات الجنسية لدى الشباب المسلم في الغرب والحلول المختلفة لها».

وقد اثارت هاتان الورقتان نقاشا مثيرا، حيث أكد كثير من الحضور ان هذه الحلول المطروحة، سواء كانت الزواج المؤقت او ما يعرف بزواج المتعة او الزواج بنية الطلاق تخلق اشكالية اجتماعية واخلاقية تؤثر بشكل كبير على الجالية ومصداقية ابنائها، اضافة الى ما تخلفه من آثار نفسية سلبية لا تتماشى مع روح الاسلام والمودة والرحمة والمصداقية التي يجب ان تحكم العلاقة بين اي زوجين. اما في الجلسة الخامسة فقد تحدث الدبلوماسي الانجليزي والمؤلف المسلم الشهير تشارلس ايتن، عن «الخطوات المطلوبة لتطوير فقه الاقليات». وفي الجلسة السادسة تحدثت السيدة عصمت علي والتي تعد لشهادة الدكتوراه في الدراسات الاسلامية في جامعة لندن حول «فقه الاقليات والتعددية: اشكالية التعريف»، اعقبها ديلوار حسين الذي يعد للدكتوراه حول «الاسلام في اوروبا»، متحدثا عن ضرورة تطوير فقه الاقليات المسلمة في اوروبا. وفي الجلسة السابعة الختامية قدم المحامي الانجليزي المسلم احمد تومسن ورقة حول «ادخال قوانين الاحوال الشخصية الاسلامية في القانون البريطاني»، اعقبه الدكتور احسان يلماز المدرس في جامعة لندن والحائز شهادة الدكتوراه في القانون حول «الشباب المجتهد وتطبيق فقه الاقليات»، حيث حذر بقوة من خطورة قيام عدد كبير من الشباب المسلم في الغرب بالتخير والتنقل بين المذاهب والمدارس الفقهية للتوصل الى حلول للمشاكل اليومية التي يواجهونها بحيث اصبح كل منهم مفتيا ومجتهدا يشرع لكل صغيرة وكبيرة تواجهه. وأكد مسؤولية المؤسسات الاسلامية والقيادات المدنية والشرعية بضرورة التنبه الى الامر ومعالجته بسرعة.

وقدم الدكتور انس الشيخ علي في كلمته الختامية شكره الجزيل للمتحدثين والمشاركين في المؤتمر، مؤكدا ان الجمعية لا تشجع فقط الافكار والنظريات، بل تعمل من أجل ايجاد حلول وتطبيقات عملية للمشاكل التي تطرحها في مؤتمراتها السنوية، ولهذا انهت الجمعية بعد مؤتمرها السنوي الرابع حول التعليم الاسلامي في اوروبا دراسة تعتبر الاولى من نوعها حول واقع التعليم الاسلامي في بريطانيا وحول سياسات التعليم المتبعة وانعكاسها على ابناء الجالية وذلك لاستخدامها في اي مناقشات مستقبلية مع ادارة التعليم والمهارات.