الشيخ الراحل عبد الحميد السائح كان مرجعا في آرائه وكتاباته وترك بصمات لا تمحى

TT

فقدت فلسطين والأمتان العربية والإسلامية الإسبوع الماضي علماً من أعلام الفكر والجهاد من أجل عروبة القدس وتحرير فلسطين برحيل المفكر الإسلامي والمجاهد الشيخ عبد الحميد السائح رئيس المجلس الوطني الفلسطيني السابق الذي توفي في أحد مستشفيات عمان في الثامن من الشهر الحالي.

وقد تلكأت إسرائيل في الموافقة على نقل جثمانه الى القدس ليدفن بجوار الأقصى الذي دفع من أجل الدفاع عنه الكثير من الجهد والعرق وواجه من أجل ذلك العنت والمشقة طوال المحنة التي تعرضت لها فلسطين منذ بداية هذا القرن وأخيراً وافقت السلطات الإسرائيلية على أن يدفن في القدس بعد تدخل مباشر من الحكومة الأردنية والسلطة الفلسطينية واللجنة الدائمة للصليب الأحمر الدولي. وقد نقل جثمان الفقيد من عمان الى جسر الملك حسين ومنه الى القدس حيث ووري الثرى في مقبرة باب الزاهرة وسط آلاف من المشيعين الفلسطينيين والمقدسيين وكبار المسؤولين الفلسطينيين فيما جرى للجثمان استقبال رسمي على معبر الكرامة في مدينة أريحا وصلى الآلاف عليه صلاة الجنازة في المسجد الأقصى المبارك بمشاركة كبار العلماء.

وقد ولد عبد الحميد السائح في مدينة نابلس بالضفة الغربية عام 1907 وحصل على شهادة العالمية من جامعة الأزهر وعمل مدرساً للغة العربية والدين في مدينة نابلس بعد تخرجه ثم عمل قاضياً في كل من نابلس والقدس حتى أصبح رئيساً لمحكمة الاستئناف في القدس قبل الاحتلال الإسرائيلي للمدينة في شهر يونيو (حزيران) عام .1967 وعرف عن السائح منذ بداية شبابه غيرته على وطنه وتصديه لقوات الاحتلال واعتقل لأول مرة عام 1927 إبان الانتداب البريطاني على فلسطين وعزل من القضاء ونفي آنذاك من نابلس الى رام الله.

وبعد الاحتلال الإسرائيلي للقدس عام 1967 وتصديه للاحتلال وتحريضه للمواطنين على مقاومته من خلال الخطب والدروس التي كان يلقيها في المسجد الأقصى مما حدا بسلطات الاحتلال الإسرائيلي الى إبعاده الى الأردن في 22 سبتمبر (أيلول) عام 1967، حيث ما لبث أن عين قاضياً للقضاة ثم وزيراً للأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في الأردن في حكومة بهجت التلهوني عام .1969 وكان السائح أول فلسطيني تبعده إسرائيل من الأراضي الفلسطينية اثر احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة عقب حرب يونيو 1967 ولم توافق على عودته عقب اتفاقيات الحكم الذاتي الفلسطيني عام .1993 وانتخب الشيخ السائح رئيساً للمجلس الوطني الفلسطيني خلال اجتماعاته في عمان عام 1984 إلا أنه استقال من رئاسة المجلس في شهر مايو (أيار) عام 1993 اثر خلافه مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات على خلفية مفاوضات السلام مع إسرائيل التي كان يعارضها بشدة ويطالب بحشد الطاقات العربية والإسلامية لتحرير فلسطين.

وللسائح مؤلفات عديدة منها: مكانة القدس في الإسلام، وماذا بعد إحراق المسجد الأقصى، وعقيدة المسلم وما يتصل بها، والقانون الدولي والشريعة الإسلامية، ومحاضرات حول الفقه والاقتصاد الإسلامي. كما أسهم في تأليف الكتب المدرسية في منهاج التربية الإسلامية وفق المنهاج الأردني.

وحظي الشيخ السائح على الدوام باحترام الأوساط الفلسطينية والأردنية كما اشتهر بلقب «الشيخ الأحمر» بسبب مواقفه التقدمية كما حظي باهتمام رجال الفكر والدين والسياسة على حد سواء الذين افتقدوا برحيله مفكراً إسلامياً بارزاً ومجاهداً صلباً لا تلين له قناة.

قال كامل الشريف رئيس المؤتمر الاسلامي لبيت المقدس ونائب رئيس الهيئة الاسلامية للاغاثة التي تتخذ من القاهرة مقرا لها والمفكر الاسلامي المعروف ان الشيخ السائح كان المناضل الذي عايش القضية الفلسطينية منذ البداية ورافق تطورات العدوان على وطنه.. يظهر ذلك في مقالاته ومحاضراته وكتبه التي تتبعت جذور الوجود العربي الاسلامي في القدس قبل خمسة الاف سنة مما يشكل رصيدا علميا زاخرا يمكن ان يرجع اليه كل باحث يتحرى الحق ويبحث عن الحقيقة.

وكان هذا الشيخ يمثل روح القدس الصلبة المستعلية على الواقع المفروض بالتآمر وقوة السلاح وينتمي لجيل من العلماء المجاهدين ارتبط باصول القضية الثابتة .. وكان امتدادا للشيخ القسام وامين الحسيني ورفاقهم الذين قضوا وهم يقولون لا للمساومات والتنازلات وكانوا يعتقدون ان محنة القدس كفيلة بايقاظ العالم الاسلامي في المدى الطويل.

وأضاف الشريف: ان قادة اسرائيل حين ادركوا خطورة دور الشيخ السائح وتأثيره ارغموه على مغادرة وطنه فحمل قضيته معه بنفس الصفاء والوضوح. وأخذ يدعو اليها في كل منبر يتاح له وفي مرحلة وقتية اجتازها النضال الفلسطيني وبرزت فيها مدارس مختلفة كان الشيخ السائح هو داعية الوحدة ورمز التماسك فاتجهت اليه الابصار ليرأس المجلس الوطني الفلسطيني وعندها اصبح لديه منبر وساحة يطل منها على الجماهير الواسعة من العرب والمسلمين ليذكّر بالمبادئ التي آمن بها ويحذر من اخطار التهاون والاستسلام.

وقال: اننا اذ نودع الشيخ عبد الحميد السائح فإنما نذكر بالتقدير والاجلال عالما مجاهدا ترك بصمات لا تمحى كما نذكر رائدا بارزا من رواد الحركة الوطنية الفلسطينية في تآلفها وصفائها ولا نشك ان مواقفه القائمة على الايمان والالتزام سوف تظل مصدرا لالهام اجيال كثيرة من الشباب على امتداد العالم الاسلامي وسوف يظهر تأثيرها الحاسم في مسيرة النضال الفلسطيني وانتصاره الاكيد على الاستعمار الصهيوني وحلفائه.

وقال الدكتور عبد اللطيف عربيات رئيس مجلس النواب الاردني الاسبق والامين العام لحزب جبهة العمل الاسلامي، وهو من اقطاب الحركة الاسلامية ورموزها في الاردن عن الشيخ السائح انه كان من العلماء الذين جمعوا العلم والعمل وكانت له نظرة ثاقبة في الامور كما جمع بين السياسة والاسلام وبين الخلق والاصرار والثبات على الحق. وحرص الشيخ السائح على تطبيق ما يؤمن به بكل جرأة ووضوح واضطلع بدور كبير في تصحيح الكثير من الاخطاء التي لازمت العمل الوطني. فقد كان ذا مبدأ وهدف ووسائله مشروعة وجريئة في الدفاع عما يؤمن به ووصل الى اعلى المراتب في القضاء والتربية والتعليم والسياسة. وكان مجتهدا في العديد من هذه القضايا، وعرّضه اجتهاده للكثير من العنت سواء من علماء الاسلام او من الذين لا يؤمنون بشرع الله ممن يسمون انفسهم باليساريين الا ان هؤلاء وهؤلاء اقروه على ما هو عليه.

وأضاف الدكتور عربيات ان الشيخ السائح وضح طريقه لنفسه ولغيره ووقف موقفا جريئا عندما لم يقره الذين نادوا بعملية السلام وحل الصراع العربي ـ الاسرائيلي سلميا فاستقال من منصبه كرئيس للمجلس الوطني الفلسطيني وهو اعلى منصب يمكن ان يتطلع اليه شخص. وكانت له مؤلفات عديدة في الدين والسياسة وكان يشارك في تأليف كتب التربية الاسلامية، بالاضافة الى كونه قاضيا ورئيس محكمة فكان مرجعا في آرائه وكتاباته وكان ينظر اليه كمرجع يعتمد في التربية الاسلامية.

=