عبد القادر أرنؤوط: أعداء الدين طعنوا الإسلام من ناحية الحديث النبوي

عالم الحديث لـ«الشرق الاوسط»: يجب الحذر من الذين يدعون لتحكيم العقل في نصوص الشرع

TT

عبد القادر ارنؤوط احد أعلام الحديث في عهدنا الحاضر يعود في أصوله الى منطقة كوسوفو، درس الحديث في الشام وحفظ عشرات الآلاف من الاحاديث النبوية وهو في العاشرة من عمره، ويعتبر احد أبرز ثلاثة علماء في علم الحديث وهم الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، والشيخ شعيب ارنؤوط، والشيخ عبد القادر ارنؤوط. ودراساته تعتبر مرجعا لطلاب الحديث والسنة في العالم الاسلامي، جمع عبد القادر ارنؤوط بين علمي الفقه والحديث، بدأ منذ عام 1951، بتحقيق الكتب على المذهبين الحنبلي والشافعي فحقق العديد من الكتب اهمها جامع الأصول في احاديث الرسول (لابن الأثير الجزري)، وهو جامع لكتب الحديث الستة، وعكف على العمل به ثلاثين عاما، واضاف له سنن ابن ماجة، كما أنجز كتاب شذرات الذهب في تاريخ من ذهب ، وهو تاريخ ألف عام مضت، وكتاب المنهج الأحمد في تراجم رجال اصحاب الإمام احمد .

استطاع الشيخ عبد القادر ارنؤوط خلال نصف قرن مضى تحقيق معظم أمهات الكتب في علم الحديث، وهي تزيد حاليا على الخمسين كتابا، مما أهله كما يسميه بعض دارسي علم الحديث بأن يكون اعلم أهل زمانه في مجال علم الحديث، ولأن هذا العلم يتعرض لشبهات خطيرة ولأنه الركيزة الثانية التي يستقي منها المسلمون امور دينهم التقينا به في هذا الحوار لنستجلي منه بعض ما يخص هذا العلم.

* يقال إن معظم كتب المذاهب تحوي أدلة ضعيفة وموضوعة، فهل هذا صحيح? ـ كونها تحمل أدلة موضوعة فهذا غير صحيح، أما ضعيفة فنعم، وهذا يعود لأن معظم علماء الفقه جاهلون في علم الحديث وقليلو العلم به، فمثلا كتاب الهداية في الفقه الحنفي للمرغيناني، وشرحه يسمى فتح القدير، يحوي الكثير من الاحاديث الضعيفة، وكذلك تلخيص الخبير في تخريج الرافعي الكبير ، وهو كتاب في فقه الشافعية، ويحوي احاديث ضعيفة، اما الفقه المالكي فلم يوجد بين علمائه من قدم له ادلة لآرائهم. و المدونة للامام مالك خرجت حديثا، وكذلك كتاب مثل منار السبيل ، حوى احاديث ضعيفة خرجها حديثا احد العلماء المحدثين، فطالب العلم عندما يدرس ويقرأ الكتب لا يعرف درجة احاديثها، لكن لله الحمد خرجت معظم الكتب وبين الضعيف من الصحيح.

* الأحاديث الموضوعة، هل تم إحصاؤها? ـ لا نستطيع الحكم بانتهائها، لأنه لا يزال هناك الكثير من المخطوطات التي لم تحقق بعد، وهي موجودة في مكتبات أوروبا، لكن بشكل عام علم الحديث خدم بشكل جيد افضل من العلوم الاخرى، وألفت العديد من الكتب لجمع الاحاديث الموضوعة للتنبيه على خطرها. والعلماء منذ بداية الاهتمام بعلم الحديث حرصوا على تبيين الصحيح من الضعيف لعامة المسلمين حتى لا يقعوا فيها، فابن الجوزي ألف في هذا المجال كتاب الموضوعات ، والسيوطي وضع كتابا تحت عنوان اللآلئ المصنوعة في الاحاديث الموضوعة ، وافضل ما يرجع اليه لمعرفة الاحاديث الموضوعة كتاب تنزيه الشريعة المرفوعة من الاحاديث الشنيعة الموضوعة لابن عراف الكناني. ويوجد ما يعرف بالأحاديث المشهورة على ألسنة الناس وهي موضوعة، لكنها منتشرة ومشهورة على انها صحيحة وهي ضعيفة، وقد وضعها السقاوي في كتاب باسم المقاصد الحسنة في ما اشتهر من الحديث على الألسنة ، كحديث يوم صومكم يوم نحركم ، فهذا الحديث لا اصل له من السنة، وهو موضوع.

* هناك جهود قام بها المستشرقون في مجال علم الحديث، فما هي ابرز الاعمال التي قاموا بها? ـ المستشرقون خدموا علم الحديث، هذا لا احد ينفيه، لكن هل خدموه لسواد عيوننا نحن المسلمين طبعا لا!، لكنهم أول من صنف وفهرس علم الحديث، فهؤلاء أتوا بكتب الحديث وقاموا بفهرسة الاحاديث وقسموا الكتاب المعجم المفهرس لألفاظ الحديث، حيث رتبوها على طريقة المعاجم. يقول المحدث المصري الشيخ احمد شاكر يرحمه الله، عندما ظهر المعجم المفهرس لألفاظ الحديث: لو انه ظهر في اول طلبنا للعلم لوفر علينا وقتا طويلا، وعملهم هذا وفر على طلاب العلم ودارسي الحديث الوقت الكثير، والان لم يبق كتاب في علم الحديث الا وفهرس، اما في الكتب، وحديثا عن طريق الحاسب الآلي، فجهود المستشرقين كانت كبيرة في خدمة هذا العلم، وهذا كان بسبب حاجتهم لمثل هذه الفهرسة لكي تسهل عليهم دراسة الحديث ومحاولة الوصول بسهولة لمآخذ عليه، لكن السحر انقلب على الساحر والحمد لله هذا التصنيف كان لمصلحة طلاب العلم، فأفادهم كثيرا بينما خسر هؤلاء مجهودهم ولم تبق لهم مداخل شيطانية ليدخلوا علينا من خلالها ظلما وبهتانا.

* ما هو منهج السلف الصالح في فهم ودراسة الحديث الشريف? ـ السلف الصالح كانوا يقرأون الحديث ويسمعونه ومن ثم يحفظونه ويطبقون أوامره ويجتنبون نواهيه، وكانوا لا يتجاوزون الحديث حتى يفهموه. ولم يفتحوا على الأمر والتعبدية بابا حتى لا يغيروا في الدين، وكانوا حريصين على الاقتداء بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، في كل قول وفعل، وكانوا كما قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ، فكانوا هم العدول الذين لم يحرفوا ولم ينتحلوا ولم يؤولوا حديث الرسول على غير الوجه الصحيح، بل كانوا هم المشاعل تمسكوا بقول الرسول: من احدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد ، وقال: كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ، والخليفة عمر بن عبد العزيز كان يقول: قف حيث وقف القوم، فإنهم عن علم وقفوا وبصر نافذ كفوا . وكانوا يسافرون لشهور طويلة حبا للحديث ولصاحب الحديث، فهم نجوم لن يعاود الزمان الظهور بمثلهم.

* هناك من يدعو لتفسير الاحاديث بما يلائم العصر بحجة تفتق معان جديدة لها، وتطور المفاهيم بما قد يخالف تفسير السلف الصالح لها، فما هو رأيكم بذلك? ـ ديننا فيه امور تعبدية لا تتغير كالصلاة والزكاة والحج والصوم وغيرها من الأمور التي لا تتغير ولا تتطور، لكن ما الذي يتغير? الوسائل في تطور دائم، فالإسلام جاء بعقائد تنقذ العقل من رق الوهم وعبادات تهذب النفوس ومعاملات مبنية على العدل والانصاف. والمسلمون اجتهدوا في جانبي العبادات والعقائد فدرسوها وكتبوا بها وهي محددة وواضحة لديهم. أما المعاملات فهي لا تزال ناقصة والسبب نحن وتقصيرنا فحتى الآن لا توجد لدينا كتب درست دراسة صحيحة جيدة هذا الجانب المهم في الاسلام، خاصة ان الرسول الكريم وضع قاعدة هي الدين المعاملة ، فنحن مقصرون لأننا وجهنا جهودنا لجانب واهملنا جانبا آخر، فنحن ركزنا جهودنا في جانب العبادات وهي ثابتة لا تتغير واهملنا المعاملات التي تتغير وتتبدل ونحن يجب ان نواكبها بما لا يتنافى مع ديننا الحنيف، وتفسير الحديث بما يناسب الهوى لاثبات فكرة ما أو لدعوى تطويعها لملاءمة العصر، لا يجوز لأن المعاني نوعان: نوع ادركناه وعرفنا مراده، ونوع اثبته العلماء المعاصرون بما يعرف بالاعجاز العلمي، فالمسلمون جهلوا المراد منه لانهم لم يكونوا يعرفون المقصد من الحديث أو حتى ما فسره العلم الحاضر، ودائما نقول ديننا يواكب كل زمان ومكان.

* يردد دائما بعض الادعياء بأن هناك صراعا بين العقل والنص في الحديث الشريف، فما ردكم على مثل هذه الاقوال المغرضة? ـ من يقول هذا الكلام الصراع في عقله هو، ونحن نعلم ان العقل محدود والمعتزلة ضلوا من هذه الناحية وكان واصل بن عطاء من تلاميذ الحسن البصري ذكيا جدا وبدأ بتحكيم عقله في كل شيء، في الشرع والاصل هو ان نحكم عقولنا الى الشرع، فالشرع لا يتغير وانما عقولنا هي التي تتغير والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين . لذلك عندما حكم واصل عقله في النصوص اعتزل أهل السنة والجماعة وضل عن الصواب. والآن هناك موجة من المتعلمين يرون رأي المعتزلة بتحكيم الشرع للعقل ويقوم على هذه الفكرة بعض المتفلسفين من هم ليسوا من المختصين بالعلوم الشرعية، وانما هم من العقلانيين وهؤلاء يحاولون تطوير الاسلام كما طور الشيوعيون الشيوعية وهذه بنيت على المادة. أما ديننا فهو مبني على الروح والعقل والاخلاق والنصوص الشرعية ولا يقبل تبديلا إلا في ما يقبل التطوير والتبديل منه، والاسلام لا يتطور في جوهره وانما يواكب كل زمان ومكان، أما الأمور الأخرى كالمعاملات والوسائل فهي تتطور فلا بد من البحث فيها. وأنا احذر من الجيل الذي سار على درب واصل بن عطاء في تحكيم العقل في نصوص الشرع والحقيقة، انه لا صراع بين النصوص أو بينها وبين العقل، ولكن العقول مريضة وواهمة والاحاديث واضحة وصريحة ومتروكة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.

* هناك من يثير بعض الشبهة حول كتابة الحديث، كيف يمكن الرد على مثل تلك الشبهة? ـ حقيقة لا يحق لهؤلاء اثارة أي شبهة حول كتابة علم الحديث، ففي زمن الصحابة كانوا يحفظون الاحاديث ولا يكتبونها لذلك قالوا:

ليس بعلم ما حوى القمطر ما العلم إلا ما حزاه الصدر فكانوا حفظة يحفظون الحديث ويعملون به ولما رأى عمر بن عبد العزيز وهو من التابعين علماء الحديث من الصحابة يموتون واحدا تلو الآخر خشي على الحديث من الضياع، لذلك جاء بأبي شهاب الزهري وأمره بجمع الحديث وأمر أبا بكر بن حزم بكتابته فبدأت بعصره كتابة الحديث، حيث جمع من افواه الصحابة والتابعين ممن لا يزالون على قيد الحياة. وفي عصر الأئمة اصحاب المذاهب كأبي حنيفة ومالك والشافعي واحمد لم تكن السنة قد اكتمل تدوينها بعد واكتفوا بما علموه من الحديث فاجتهد كل منهم بما لديه، وكان مذهبهم اذا صح الحديث فهو مذهبي و ما خالفه فأضربوا به عرض الحائط . ولما اكتملت السنة أي دونت، كان الكثير من علماء الاسلام اذا صح الحديث ووجد انه خلاف النص ترك عمله وسار وراء النص، لذلك قام الكثير من العلماء بتعديل آرائهم نحو الاصوب عند سماع القول الصحيح وهؤلاء الذين يطعنون بكتابة السنة هم حقيقة يبغون الطعن بالاسلام والقرآن، إذ ان السنة والحديث هما الموضحان لاحكام القرآن الكريم والقرآن الكريم يقول: وأنزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم . والطعن بالسنة هو محاولة خبيثة للطعن بالدين الاسلامي.

* ما دور الخصومات السياسية والشعوبية في وضع الاحاديث? ـ يقول عبد الله بن المبارك رحمه الله: الاسناد من الدين ولولاه لقال من شاء ما شاء ، ويقول عليه الصلاة والسلام: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين . وقد حاول الكثير من اعداء الدين الطعن في الاسلام من ناحية الحديث النبوي الشريف ووضعوا احاديث لا اصل لها، لكن علماء الدين والحديث ومخرجوه بينوها فبطل كيدهم، ونحن في علم الحديث لا نقبل حديثا بدون اسناد، فنحن ندرسه ونعرف مستوى الحديث وفي الحديث هناك ما يعرف بعلم مصطلح الحديث ومن علمائه الكبار الامام الشافعي والراما هرمزي والحاكم الاصفهاني والنووي وابن حجر العسقلاني وهؤلاء بعلمهم وعملهم وقفوا حاجزا امام الواضعين بتأصيلهم لاصول وقواعد لضبط الحديث الشريف، والآن غربلت الاحاديث وصنفت وحفظت بحفظ الله لها.

* لماذا يركز دائما على حديث حاطب بن ثعلبة وما المقصود من ذلك? ـ يركز على هذا الحديث لتشويه سيرة الرسول وصحابته الكرام وللتنفير منهم. وثعلبة هو الرجل المظلوم وقصته مكذوبة في اصلها ومختلقة وتروي القصة انه طلب من الرسول ان يدعو ربه ان يرزقه مالا فلما رزقه الله مالا لم يعد يصلي الجمعة، فقال الرسول ويح ثعلبة وقالوا انه تاب وجاء ليدفع زكاة ماله للنبي فرفضها منه وبعد وفاة النبي رفضها منه ابو بكر ومن بعده عمر وفي زمن عثمان هلك على النفاق. فكيف نصدق هذه الرواية وقد قبل الرسول توبة من هم اكثر منه عصيانا، كيف نصدقها وهي تخالف النصوص التي تدعو دائما للتوبة، فالقرآن يقول: وهو الغفور الرحيم وتوبوا الى الله جميعا ، والرسول الكريم يقول باب التوبة مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها، وهذه القصة مختلقة وقد علقت عليها في كتاب زاد المسير في علم التفسير وفي كتابتي عن سورة التوبة قلت: ان القصة مختلقة وفي اسنادها من هم غير عدول، لذلك القصة غير صحيحة.

* بعض المعاصرين طعن في صحيحي البخاري ومسلم كالشيخ محمد رشيد رضا والشيخ محمد الغزالي، فكيف قام اولئك العلماء بفتح باب للطعن في احادث الصحيحين? ـ هذا العالمان طعنا في احاديث الصحيحين وليس في الصحيحين وهما عموما فقيهان وليسا بمحدثين ولا عالمين بالحديث، والشيخ الغزالي رحمه الله وغفر له كان من الذين حكموا العقل في فهم الحديث، لذلك كانت له آراء غريبة في بعض الاحاديث خالفت الاجماع وتبنت رأي الظاهرية، وتساهلا في امر الدين واخذا بالتراخيص فطعنهما بالحديث لا يعتد به لجهلهما في علم الحديث.

* ما دور العقل في فهم الحديث الشريف? ـ لا يجوز تفسير الاحاديث حسب مفاهيمنا، ويوجد في علم الحديث ما يعرف بصحة النص وهذا من عمل المحدثين، وهناك ما يسمى بفهم النص فينبغي اولا التأكد من صحة النص وسنده ومن ثم نفهمه. والاعتماد على العقل في فهم الحديث مخالف لما كان عليه سلفنا الصالح، فمثلا بعض الفقهاء ـ هداهم الله ـ شرع في تحليل الغناء وله رأي في حديث ليكونن في امتي من يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف هذا الحديث صحيح عند ابن الصلاح والنووي وابن حجر العسقلاني والسخاوي، لكن من علماء العصر من ترك رأي كل هؤلاء ليتبع رأي ابن حزم في تضعيف هذا الحديث، وهذا لا يجوز لان الاجماع لا يكون على خطأ ابدا ويد الله مع الجماعة والعقل لا بد له في فهم الحديث من اتباع تفسير السلف له وعدم مخالفتهم تبعا للهوى، كما ان للمذاهب اي لاصحابها دورا في فهم الحديث، فهم في آرائهم في بعض المسائل اعتمدوا على فهمهم للنص ومن ثم اجتهادهم فيه، لكنهم لا يخالفونه.

* عمد المستشرقون الى تشويه سيرة بعض رواة الحديث بهدف الطعن والتشكيك في احاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام، كيف الرد عليهم? ـ نعم، هم دائما يبحثون عن مدخل ليشوهوا الاسلام منه والحديث كان نصيبه الاكبر من هذا الهجوم وركزت هجمتهم على رواة الحديث، خصوصا ابا هريرة، ذلك الصحابي المظلوم الذي رموه بالكذب والاختلاق وهو حقيقة صادق في ما حدث ونقل عن النبي الكريم وكان رضي الله عنه يروي الحديث فيقول له الصحابة ما سمعنا به فيقول لهم انتم عافستم الازواج والاولاد وانا صحبت رسول الله سفرا وحضرا. صحيح انه لم يصاحب الرسول سوى 7 سنوات، لكنه لازمه فيها، لذلك جمع ما لم يجمعه غيره حتى بلغ عدد ما رواه من الاحاديث اكثر من غيره بكثير، وكان يقول: حفظت عن رسول الله وعائين من العلم، اما الاول بثثته بين الناس واما الآخر فلو بثثته لقطع مني هذا البلعوم ، وهذا الحديث في صحيح البخاري، والمقصود منه باعتبار انه ملازم للرسول صلى الله عليه وسلم فقد علمه واخبره بأخبار لم يعرفها غيره كمعرفته باخبار الحوادث والفتن التي ستحدث بعد وفاة النبي. وكان ابو هريرة من كتام سر الرسول في ما سيحصل من الفتن. وعموما مدة 7 سنوات كانت كافية لان يروي ما رواه وزيادة عن ذلك، ومن الافضل ترك هؤلاء المستشرقين وعدم الرد عليهم، لكنهم مفلسون في آرائهم واتهاماتهم وكلها ضدهم ولن تضير هذا الدين ولا رجاله.

* ظاهرة التصحيح والتضعيف هل انتهت? ـ هذه مسألة لا تنتهي فنحن مع البحث والتحقيق الدائم نكتشف ما هو صحيح وما هو ضعيف، عموما اكثر الكتب شيوعا عند المسلمين حققت الا ما قل وندر، لكن توجد احاديث ضعيفة واخرى صحيحة ونحن دقيقون جدا في الحكم على الحديث بالصحة او الضعف.

* بعض الضالين يدعو لهجر السنة والاكتفاء بالقرآن بدعوى ان السنة معرضة للتحريف والتغيير، ما ردكم على مثل هذه الدعاوى? ـ هذ الجماعة التي تسمى بالقرآنيين تدعو لفهم الاسلام من القرآن دون سواه بحجة انه محفوظ. واما السنة فتغيرت وهم تناسوا ان الاحكام والعبادات والمعاملات كلها مأخوذة من السنة ومشروحة منها وهذه الدعوى باطلة وغير صحيحة وهي تلغي الشطر المكمل للقرآن الكريم، ونحن نعلم ان القرآن محفوظ والسنة محفوظة وقد وصلت لنا بأسانديها ورواتها بدقة بالغة. وقال الرسول الكريم: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين . ولو نظرنا لتوراة موسى ولانجيل عيسى لماذا حرفتا لعلمنا لأنهما تواترتا بلا اسانيد فسهل التلاعب بهما، اما ديننا فمحفوظ لان الله تكفل بحفظه اولا ولانه ثابت بأسانيد ثانيا، ولولا الاسانيد لقال من شاء ما شاء، لكن والله الحمد ديننا واضح ونقي لا زيادة فيه ولا نقصان، ومن هجر السنة كأنه هجر القرآن وكذبه وهذا لا يجوز وهو سبب الضلال وباب المروق من الدين.

* البعض يرد احاديث بدعوى مخالفتها للعلم او لاحتوائها على خوارق للعادة ويحاولون التوفيق بين النصوص وبين بعض النظريات الانسانية والفلسفية فما تعليقكم على مثل هذه الاعمال? ـ الاحاديث الصحيحة لا يمكن ان تخالف العقل او العلم ومن ثم فإن الكثير من نظريات العلم الحديث جاءت نصرا للنصوص الدينية من قرآن وحديث، لكن العقل المريض يرى دائما ان العلم مخالف للنصوص لجهله بالنص ولقصور عقله عن فهمه.

والاسلام جاء بأمور لا تتبدل ولا تتغير وان تغير الزمان وتبدل المكان، والذين يتلاعبون بالنصوص لخدمة اهوائهم هم وعملهم غير جائز، وهؤلاء قد يسيئون لفهم الاسلام وان قصدوا الاحسان له فقد تتبدل النظرية وبهذا يكونون قد اساءوا لفهم نصوص الدين ولا يجوز لنا ان نقوم باعمال لتكييف النصوص، كما نريد، نعم ديننا فيه يسر ويواكب العصر، لكن هذا لا يقتضي تحريف وتبديل معاني نصوصه حسب الهوى وافهام الغير بأن ديننا يقبل كل ما لديهم من غث وسمين، بل ديننا لا يقبل الا ما يوافق نصوصه ولا يعارض مقاصد الدين الحنيف، وللاسف فقد تنطع للقيام بهذا الامر رجال لا علاقة لهم بالعلوم الشرعية اخذوا يصهرون النصوص ليصيغوها، كما ارادوا لخدمة مصالح بشرية بحتة فأسخطوا المعبود لارضاء العبيد.