الإسلام أوجد حلول حاسمة لمشكلات الأقليات في العالم

TT

ان من مشاكل واقعنا المعاصر التي لم تكن معروفة من قبل هي وجود أقليات اسلامية بصفة مستمرة في بلاد لا تدين بالاسلام، ولكن مع مرور الايام بدأت تعاني هذه الاقليات من وجود مشكلات عسيرة، وكذلك واجه الاسلام الاتهامات بأنه دين يعادي غير المسلمين ويكرههم على اعتناقه وان المسلمين لديهم مفهوم للانسانية ولكنه مشروط بسيادة الاسلام أي انه بعيد عن التنوع أو التعددية في المجتمع الانساني واستجلاء الحقيقة.

طرحت «الشرق الأوسط» هذا التساؤل على مائدة العلماء ما هو موقف الاسلام من غير المسلمين في المجتمعات الاسلامية وموقف المجتمعات الغربية من المسلمين؟

وقال الدكتور صوفي أبو طالب استاذ الشريعة الاسلامية بكلية الحقوق جامعة القاهرة وعضو مجمع البحوث الاسلامية بالأزهر: ان الاسلام أعطى لغير المسلمين في المجتمع الاسلامي حقوقا أهمها حرية العقيدة والمساواة بين المسلمين وغير المسلمين في الحقوق والواجبات طبقا للمبدأ الاسلامي في المساواة «لهم ما لنا وعليهم ما علينا».

واضاف الدكتور ابو طالب انطلاقا من المبدأ الاسلامي في التسامح الديني، اعترف الاسلام بالديانات السماوية السابقة عليه وكفل حرية العقيدة وممارسة موجباتها، كما انه انفرد بين الديانات السماوية بالسماح بتطبيق ما تأمر به الديانة السماوية التي يعتنقها غير المسلم ولو خالفت هذه الاحكام تلك التي يأمر بها الاسلام.

واوضح ابو طالب ان الخطاب القرآني جرى على وصف النصارى واليهود بأنهم من «أهل الكتاب» وجرت الاحاديث النبوية على استعمال تعبير «أهل الذمة» أي ذمة الله ورسوله ان كانوا يقيمون بين المسلمين في دار الاسلام وجري الفقهاء في العصور التالية على استعمال التعبيرين كتعبيرين مترادفين وأطلقوا تعبير «المستأمنين» أو «المعاهدين» على من يدخلون دار الاسلام من الاجانب بإذن ولي الأمر أو بمقتضى معاهدة أو عرف دولي، وظل الفقهاء المسلمون يستعملون هذه المصطلحات حتى بعد ان أًصبح المسلمون أغلبية داخل دار الاسلام بعد الفتوحات بحوالي قرنين من الزمان ولم يستعملوا تعبير الاقلية الدينية لوصف النصارى واليهود.

وقال ابو طالب ان الجانب التطبيقي لحرية العقيدة، وهو من أهم حقوق الانسان، يقتضي السماح للمسلمين في بلاد الغرب باقامة المساجد والمراكز الثقافية الاسلامية وتعليم دينهم في المدارس الحكومية وادائهم لشعائرهم الدينية حسبما تقضي به ديانتهم من صلاة وصوم وحج وخلافه ومراعاة اعيادهم واحترام أحكام دينهم في المأكل والملبس.

واشار ابو طالب الى انه لا يجوز التعلل بأن أكثر الدول الغربية تسودها العلمانية التي تترك الدين دخيلة للنفوس، فهذا القول مردود لأن احترام حرية العقيدة يقتضي ضرورة التمكين من ممارستها واعمال مبدأ المساواة بين المسلمين الذين يعيشون في البلاد المسيحية مع غيرهم من أبناء هذه البلاد يقضي بضرورة السماح للمسلمين بما يسمح به لغيرهم في خصوص أمور العقيدة.

واوضح ابو طالب ان المظلة الحقيقية تظهر في خصوص ما تأمر به الديانة الاسلامية من احكام دنيوية في القانون والسياسة والاقتصاد. اذا ان المسيحية لا تنظم الأمور الدنيوية باستثناء بعض مسائل الاحوال الشخصية من زواج وطلاق سواء في الانجيل أو قرارات المجامع الدينية وتركت ما عدا ذلك للدولة تنظمه كيفما تشاء. والدول الغربية يسودها الاتجاه العلماني، فهي من ناحية التزمت احكام القانون الروماني وهو قانون يفصل بين الدين والاخلاق والقانون ـ على خلاف الشريعة الاسلامية التي تجمع بينها ـ سواء في مجال الاحوال الشخصية أو المعاملات.

وقد أثار هذا الوضع عدة مشاكل في المجتمعات الغربية المعاصرة بعدما تكاثر عدد الجاليات الاسلامية فيها، كما ان الانسان المسلم لا بد ان يخاطب باحكام الاسلام حيثما وجد ولا يجوز له مخالفتها الا لحاجة أو ضرورة.

ومن جانبه قال الدكتور نشأت عبد الجواد الاستاذ في كلية الدراسات الاسلامية والعربية بجامعة الازهر«ان الاسلام أكد على كثير من الحقوق التي يتساوى فيها المسلم مع غيره كحق الحياة وحق الأمن وحق التعليم وحق الجوار وحق رد الظلم وحق تبادل الهدايا والتزاور والتهاني بالمناسبات السارة كالزواج والولد وغير ذلك من سائر الحقوق التي أقرها الاسلام». ويتابع الدكتور نشأت ان الاسلام أباح حرية الاعتقاد وحافظ عليها وحرص على حمايتها فليس لأحد ان يقهر واحدا من الناس على عقيدة الاسلام لقول الله تعالى: «لا اكراه في الدين» وقوله سبحانه «وقل الحق من ربك فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» والاسلام لم يجبر أحدا من غير المسلمين على ترك دينه من أجل اعتناق الاسلام، ولم يوجد على مر التاريخ ان أكره أحد على اعتناق الاسلام لأن الاسلام بطبيعته دين الفطرة ودين العقل وان الاكراه على الاسلام لا يأتي بمسلمين خالصين ولكن يأتي بمسلمين منافقين.

وقال الدكتور اسامة السيد عبد السميع استاذ الفقه المقارن في كلية الشريعة والقانون ان الاسلام أعطى الانسان الحرية المطلقة في الاختيار ما بين اتباع الحق المبين أو الميل عنه واتباع الباطل، قال الله تعالى: «لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي». اضاف ان مبدأ حرية العقيدة لغير المسلمين في المجتمعات الاسلامية مبدأ مسلم به لأن هذا المبدأ أقره وارتضاه الله رب العالمين.

واضاف الدكتور عبد السميع ان الاسلام أول دين سماوي وضع اساسا للتعايش بين المسلمين وغير المسلمين، وذلك يتمثل في القاعدة الاسلامية الذهبية «لهم ما لنا وعليهم ما علينا»، وهذه القاعدة لم تكن مجرد شعار يرفع بل تم تسجيلها فــــــي أول وثيقة مكتوبة في تاريـــخ الاسلام وهي الوثيقة التي حررها النبي صلى الله عليه وسلم وهـــــو يرى اسس المجتمع الاسلامي في المدينة والتي عرفت باسم «صحيفة المدينة».