رئيس جامعة الأزهر: الإسلام لا يتعارض مع التطور الحضاري

د. أحمد الطيب: الحوار الإسلامي مع الغرب لا بد أن يراعي الخصوصيات في كل حضارة

TT

أكد الدكتور أحمد الطيب رئيس جامعة الأزهر ومفتي مصر السابق، ان الاسلام لا يتعارض مع التطور الحضاري بل ان الاسلام هو الباعث والمحرك القوي وصاحب الفضل الأعظم في بناء الحضارة العربية والاسلامية. واضاف ليس من الموضوعية التاريخية ان يستبعد الاسلام من تأثيره في حياة المسلمين، كما انه ليس مسؤولا عن تخلف العالم الاسلامي.

وأوضح الدكتور الطيب في حديث لـ«الشرق الأوسط» ان الاسلام يدعو الى التعاون بين الحضارات والتكامل ويرفض الصراع ويؤمن بالتعددية والتعايش. مؤكدا ان بعض الأبواب الدعائية الاعلامية الزائفة في الغرب تصطنع منهجا عدائيا من أجل فرض نموذجها الحضاري على شعوب العالم.

* عمدت بعض المنابر الاعلامية في الغرب خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر (ايلول) 2001 الى الترويج لمقولة المحلل السياسي الاميركي صموئيل هنتنجتون بحتمية حدوث تصادم وصراع بين الحضارة الاسلامية والحضارة الغربية. فماذا تقول للذين يقولون ان الاسلام عدو للحضارة الغربية؟

ـ الاسلام يرفض صراع الحضارات ويؤمن بالتعاون بينها ويدعو الى التعايش السلمي، وللأسف نجد بين الغربيين الذين تأثروا بكتابات المستشرقين غير المنصفين وأسلوب الدعاية المضللة والحملة التي تشن ضد الاسلام في الغرب نجدهم يجحدون فضل الحضارة الاسلامية على أوروبا ونهضتها الحديثة ويناقضون الحقائق التاريخية، ويصطنعون منهجا عدائيا تلفيقيا للحط من مكانة الحضارة الاسلامية، فهم لا يجدون حرجا حين ينفون عن الحضارةالاسلامية خاصة التفاعل مع الحضارات الأخرى والادعاء بأنها ليست إلا خليطا من حضارات مجاورة، بل يزعمون انها حضارة الارهاب ورفض الآخر والغائه مع أن العكس هوالصحيح لأن حضارتنا الاسلامية تدعو الى التعارف والتعاون بين الشعوب وترفض الصراع والصدام والعدوان والدين الاسلامي وهو المكون الأساسي للحضارة لا يجنح للحرب اذا أمكن تفاديها بأية صورة من الصور ولكن السلام هو الخيار الوحيد وهو الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم من الأمم والشعوب. والحضارة الاسلامية قادت مسيرة العلم والمعرفة في القرون الوسطى وقامت على علومها الحضارة الغربية المعاصرة وكانت هي حضارة العالم دون منازع لقرون طويلة كما ان واقع الحضارة اليوم لا يعبر عن المكانة التي ينبغي ان تتبوأها الأمة الاسلامية، لكن ذلك لا يعني ان الحضارة الاسلامية قد انهارت أو اضمحلت بتراجع الأمة عن مواصلة اداء دورها في اغتناء الحضارة الانسانية الحديثة.

* من وجهة نظركم لماذا يسعى الغرب بقوة لفرض نموذجه الحضاري على شعوب العالم؟

ـ الغرب يكرس جهوده من أجل فرض نموذجه الحضاري على شعوب العالم ويتجاهل الاعتراف بالاخر وحضارته ويهدف الى تصدير النمط الغربي الليبرالي الذي تقدمه الولايات المتحدة الاميركية، هذا من ناحية، أما من الناحية الأخرى فنجد ان الحضارة الغربية اصابت الغربيين بالغرور وغرست فيهم نزعة استعلائية وتبني ثقافة الحرب والهيمنة العسكرية والحضارية واستغلال الشعوب واستعمارها والسيطرة عليها وعلى ثرواتها ومقدراتها.

* يدور حاليا حوار مع الغرب على عدة مستويات سواء من خلال المؤسسات الدينية في العالم الاسلامي والعالم الغربي أو الحوار الذي تتبناه جامعة الدول العربية. من وجهة نظركم ما الجدوى من وراء هذا الحوار؟

ـ الحوار بين الثقافات أو بين الاسلام والغرب أمر مهم جدا لصالح الجميع من أجل خير الانسانية والقرآن الكريم مليء بالحوار مع المخالفين ولابد أن يعرف الجميع ان الاسلام دين عالمي جاء كل للحوار مع الآخر لكن لابد أن يقدم هذا الحوار على أسس واضحة تحترم خصوصية كل طرف ولا بد ان يعرف الغرب ان الاسلام دين سماحة وتراحم وجعل حرية الاعتقاد مكفولة لمن يعيشون في ظله باعتبار ان الجميع مشتركون في الانسانية فلا اكراه في الدين، وهذا مبدأ الاسلام الذي يحكم علاقة المسلم بغير المسلم.

* لا شك ان احداث 11سبتمبر عمقت الصورة السلبية التي تبثها وسائل الاعلام في الغرب عن الاسلام والمسلمين، كيف يمكن تصحيح هذه الصورة؟

ـ لا شك ان حملات تشويه صورة الاسلام في الغرب ما هي الا محاولات فاشلة لحجب ضوء الشمس في السماء وهذه الاحداث أدت بالغرب الى الاهتمام بدراسة الحضارات الأخرى والاسلام بصفة خاصة، فالترجمات الموجودة لمعاني القرآن الكريم نفدت تقريبا بمختلف الطبعات من كل المكتبات في الولايات المتحدة الاميركية وأوروبا وقد تزايدت اعداد المعتنقين للدين الاسلامي حديثا بعد أحداث 11 سبتمبر. ويجب على المسلمين التركيز على الجانب الاعلامي في شتى أرجاء العالم ويجب ان يتجه الاعلام الى شرح مفاهيم الاسلام ومبادئه للعالم الغربي وبيان حقيقة الاسلام ليجد الرجل والمرأة في أوروبا والغرب صورة الاسلام الحقيقية. كما يجب التركيز على القضايا التي توجه اليها الانتقادات مثل حقوق المرأة في الاسلام والفرق بين الارهاب والدفاع المشروع عن النفس وحقوق الانسان في الاسلام ..الخ.

* كثر هذه الأيام الحديث عن فقه الواقع الذي يراعي واقع المسلمين الذي يعيشون فيه اليوم، فما المقصود بفقه الواقع؟

ـ فقه الواقع ببساطة شديدة: النزوع الى واقع الناس للتعرف على مشكلاتهم التي يعانون منها والبحث عن الأحكام التي تعالج هذه المشكلات في الواقع واستيعابه لهذه الاحكام وايضا معرفة ما يمكن تطبيقه من هذه الاحكام وما لا يمكن نظرا للظروف المحيطة أو عدم الاستطاعة، وبعبارة مختصرة هو الفهم العميق لمشكلات الناس وتنزيل الحكم الشرعي عليها بقدر استيعاب الواقع لهذا الحكم.

* ولكن هل ترى ان مجتمعنا الاسلامي الآن وبصورته التي هو عليها في حاجة الى فقه من هذا النوع! ـ لو ان المجتمع الاسلامي سار في المنهج النبوي الذي ربط حيوية الدين بالتجديد لما احتجنا الى فتوى وفقه واقع، غير ان ما صارت اليه المجتمعات الاسلاميةحاليا من ضعف بسبب توقف الاجتهاد ومنذ القرن الخامس الهجري وبسبب الغزوات الاستعمارية واكتساح الحضارة الغربية بأنماطها وسلوكياتها للمجتمع الاسلامي بسبب كل ذلك تسلطت ثقافات لا اسلامية على المجتمع وأثرت في سلوكه اليومي وفي علاقته الاجتماعية بحيث استقرت هذه الأنماط السلوكية وأصبحت جزءا من حياته وتسببت في شعوره بصراع دائم بين ثقافة تجري في دمه وثقافة أخرى تحكمه في تصرفاته. هنا فعلا نحتاج الى فقه واقع يأخذ في اعتباره أولا هذه التناقضات ويتحرى مجالات التغيير والتطبيق وأولوياتها حسب درجة التطور الاجتماعي الذي يعيشه الناس الآن.