رئيس الفيدرالية العالمية لمسلمي فرنسا: نطالب المجامع الفقهية في العالم الإسلامي بإنشاء مجمع فقهي يهتم بشؤون الأقليات بعيدا عن الانتماءات القطرية

TT

اوضح الدكتور محمد بشاري رئيس الفيدرالية العامة لمسلمي فرنسا وأمين عام المؤتمر الاسلامي الأوروبي «ان المسلمين في فرنسا قطعوا شوطا كبيرا في تنظيم أنفسهم وتكوين الجمعيات والاتحادات الاسلامية التي ترعى شؤونهم كي يكونوا جزءا من النسيج الاجتماعي الفرنسي مع الحفاظ في نفس الوقت على هويتهم الثقافية وسماتهم الحضارية».

وقال بشاري في حديث لـ«الشرق الأوسط» على هامش مشاركته في المؤتمر الاسلامي العالمي السادس عشر، الذي نظمه المجلس الأعلى للشؤون الاسلامية بالقاهرة اخيرا، ان المسلمين في فرنسا تعلموا كيف يتعاملون مع المؤامرات والحملات المعادية للاسلام تعاملا حضاريا.

وقال اننا استطعنا التوصل الى حل وسط في قضية حظر ارتداء الحجاب، حيث تمت الموافقة من المسؤولين في الحكومة الفرنسية بارتداء غطاء الرأس «البندانا» بدلا من الحجاب. واضاف ان قضية الحجاب لا تمنعنا من الاشادة بالدور الريادي والايجابي، الذي يقوم به الرئيس الفرنسي جاك شيراك وحكومته في مناصرة القضايا العربية العادلة في فلسطين والعراق. وقال الدكتور بشاري ان فتوى شيح الأزهر الخاصة بالحجاب سببت لنا صدمة لأنها كانت بمثابة تزكية لمشروع قانون ظالم للمسلمين، ولذلك نحن ندعو جميع المجامع الفقهية الاسلامية في العالم الاسلامي بتكوين مجمع فقهي اسلامي يهتم بشؤون الاقليات الاسلامية بعيدا عن الانتماءات القطرية.

* كيف واجهتم المشكلة التي أثيرت أخيرا بشأن القانون الذي أصدرته الحكومة الفرنسية لمنع الحجاب في المدارس الفرنسية، وما هي الخلفيات التي أدت لطرح هذه القضية في هذا الوقت بالذات؟

ـ قضية الحجاب في الحقيقة تقع ضمن المؤامرة الموجهة ضد الوجود الاسلامي المتميز في الغرب بوجه عام وفي فرنسا بوجه خاص. وقد ظهرت أولى قضايا الحجاب في عام 1989 وعولجت على نحو مرضي للمسلمين وأصدر المجلس الأعلى للدولة في فرنسا حكما قضائيا بأنه لا يمنع الحجاب في ذاته ما دام الحجاب لا يتحول الى حركة دعوية استفزازية، وفي كل عام كان أمام البرلمان الفرنسي مشاريع قانون لحظر الحجاب في المدارس، وقد ظهرت وطرحت هذه المشاريع في عام 1994 من قبل اليمين الذي أراد ان يثير القضية من جديد الى أن وصلنا الى عام 2003 ، وأعيد طرح القضية في ثوب جديد على خلفيات صراع داخل الحزب الحاكم وما زال بين رجلين قويين هما نيكولا ساركوز، وزير الداخلية السابق ووزير المالية الحالي ويعد من أعمدة الحكم في اليمين الحاكم والرجل يعتبر الوارث الشرعي والروحي للرئيس جاك شيراك، وبدأ النقاش بينهما واحتدم حول عدة قضايا كانت من بينها قضية الحجاب واحتدم النقاش بين الرجلين عمن هو الأحرص من الأخر في حمايته للعلمانية وقوانين الجمهورية، هذا هو السبب الأول وراء طرح هذه القضية في الوقت الراهن. أما السبب الثاني فيتضح انه بعد استقراء الرأي العام الاوروبي وجد ان 59 في المائة من الاوروبيين يعتقدون ان اسرائيل مهددة للسلام العالمي وعلى إثر ذلك قام رئيس الوزراء الاسرائيلي شارون بالتحرك في العواصم الاوروبية محذرا مما سماه بخطر الاسلام وليس خطر التطرف الاسلامي، وهنا بدأت تتحرك عملية المؤامرة ضد المسلمين من خلال الاعلام المضاد واللوبي اليهودي بافتعال قضايا معاداة السامية وان اليهود مهددون في أجسامهم ومعابدهم وحياتهم، والسبب الثالث هو ان الولايات المتحدة الاميركية ارادت ان تجعل فرنسا تدفع الثمن غاليا لمناصرتها للقضايا العربية في العراق وفلسطين، فقامت بالترويج اعلاميا بإن حقوق الاقليات في فرنسا مهضومة والتقى قادة العمل الاسلامي في فرنسا بجميع ممثلي الاحزاب السياسية والنواب ورؤساء الطوائف الدينية والجميع أعلن تضامنه معنا لكن القضية كانت أكبر منا وتم اقرار هذا القانون.

* لكن بعد اقرار القانون بحظر الحجاب، كيف سيكون الموقف بالنسبة للمسلمات. هل سيطبقون القانون أم لا؟

ـ هناك عدة قضايا أمام المحاكم الفرنسية ونحن نأمل أن تعالج قضية الحجاب بشىء من اللين، وقد قمنا بطرح حل وسط في القضية وهو اقتراح يقضي بالسماح للمسلمات بارتداء غطاء للرأس مثل القبعة أو «البندانا»، وهذا الطرح لم يحظره القانون لأنه يحظر الحجاب الكبير لكنه لم يحظر غطاء الرأس، وأنا شخصيا طرحت هذا أثناء لقائي بوزير التعليم الفرنسي فيو الاسبوع الماضي، أيضا قمت بطرح هذا الحل على وزير الداخلية الحالي دومينيك دوفيلبان أثناء اجتماعي معه بقصر الاليزيه منذ ايام.

* لكن وافق الوزيران على هذا المقترح؟

ـ اتفقنا على انه لا يسمح بالعزل أو الفصل السيتستامتيكي للمسلمات ولكن يسمح بارتداء «البندانا»، وأرى ان هذا الطرح مناسب للمسلمات، خاصة ان الحجاب ليس حجابا واحدا، وانما الحجاب هو الذي تتوافر فيه المواصفات الشرعية في لباس المرأة، وهذه المواصفات انه لا يصف ولا يشف وان يكون ساترا فما دامت هذه المواصفات متوافرة في أي لباس نحن نقبله فليس هناك شكل موحد لهذا الحجاب، فالشكل الموحد للحجاب أو لأي لباس معناه الانتماء السياسي أكثر مما هو تطبيق ديني.

وبالطبع فإن هذا القانون الذي يحظر ارتداء الحجاب قانون ظالم ومميز، لكن لا تمنعنا قضية الحجاب عن الاشادة بالدور الريادي والايجابي الذي يقوم به الرئيس جاك شيراك وحكومته في مناصرة القضايا العربية العادلة سواء في فلسطين أو في العراق.

* نفهم من حديثكم ان قضية الحجاب ليست من القضايا الجوهرية في فرنسا بالرغم من أن الحجاب من الأصول الثابتة التي لا يجوز فيها الاجتهاد فيها؟

ـ نعم الحجاب أصل من الأصوال الثابتة التي لا يجوز فيها الاجتهاد وأنا عندما أقول إن قضية الحجاب قضية يجب ان نلتزم بالمرونة ازائها فأنا أعني بذلك النظر العميق الى مغزى وجودنا وهل هو مجرد ديكور أم أننا نذهب الى حد بعيد في توطيد العمل الاسلامي هنا في الغرب من خلال مؤسسات عاملة ثابتة قادرة على أن تستوعب وجودها وحاضرها وتستشرف مستقبلا زاهرا.

* بعد تأسيس المجلس الاسلامي الفرنسي، هل حدث تضارب في الاختصاصات بينه وبين الفيدرالية العامة لمسلمي فرنسا؟

ـ المجلس عندما انتخب في السنة الماضية في 13 ابريل(نيسان) 2003 ، كانت الفيدرالية أحد مكونات هذا المجلس، وقدمنا لوائح انتخابية وحصلنا على 44 في المائة من أصوات المجلس، والمجلس في اختصاصاته لا يلغي الفيدرالية ولا يلغي المؤسسات التي تشارك في تأسيسه أو في تحريك أنشطته ولكن المجلس له اختصاصاته ومنها النظر في القضايا المتعلقة بعلاقة ممارسات الشعائر التعبدية الاسلامية مع الدولة الفرنسية ومؤسساتها، ولكن في ظل وجود هذا المجلس فإن الفيدرالية تطرح وجودها وأنشطتها على الأقل التي يجب ان تكون المؤسسات الاسلامية والدولة الفرنسية كدولة علمانية ومجتمع غير اسلامي، فليس هناك تناقش بين عمل المجلس الاسلامي الفرنسي وعمل الفيدرالية العامة لمسلمي فرنسا، بل تكامل. فالفيدرالية وهي بداخل المجلس تقوم بأعمال ليست من صلاحيات المجلس مثل تأصيل العمل السياسي في فرنسا وأوروبا.

* ولكن هذا قد يؤدي الى تشتيت العمل الاسلامي؟

ـ هذا المجلس هو حديث العهد وهو وليد المجهودات التي قامت بها المؤسسات وعلى رأسها الفيدرالية، حيث أننا رغم حصولنا على الأغلبية المطلقة داخل المجلس تركنا رئاسته لدليل أبو بكر، وبالتالي كان لزاما على المؤسسات المشاركة ان تسير على نفس النهج وقد حدث بالفعل تشتيت للعمل الاسلامي ولكن هناك مواقف نسير عليها بحكم الوحدة والعمل الوحدوي، فلا يمكن أن نبيع مواقفنا ومبادئنا الاسلامية.

* بالنسبة لفتوى شيخ الأزهر حول قضية الحجاب في فرنسا كيف استقبلها المسلمون الفرنسيون؟

ـ المجلس الاسلامي الفرنسي لم يقبل بهذه الفتوى ولا الفيدرالية أيضا، انما الذي قبلها فقط هو الدكتور دليل أبو بكر ونحن في الفيدرالية كان لنا رأينا وقلنا نحترم مقام شيخ الأزهر الذي قال إن الحجاب فريضة دينية في الاسلام وكان يجب عليه ان يقف الى هذا الحد فلا أحد من المسلمين في فرنسا استفتاه في هذا الموضوع، فالذي طرحه الشيخ الدكتور سيد طنطاوي يندرج تحت بند فقه الضرورات، والمسلمون في فرنسا ليسوا في مرحلة فقه الضرورات، فالضرورة تكون عندما تكون هناك حرب معلنة ضد الاسلام في فرنسا، ونحن لسنا في هذه الحالة، وللاسف فإن فتوى شيخ الأزهر جاءت تزكية لمشروع قانون ولم يكن هناك قانون، وتقبل المسلمون في العالم الاسلامي والغربي هذه الفتوى باستياء شديد. ونحن نقبل بالأزهر كمرجعية دينية بجانب المرجعيات الأخرى الدينية في العالم الاسلامي التي تجتهد وتعمل على تطوير وفتح باب الاجتهاد بشرط ان يكون اجتهادا يتماشى مع مقتضيات العصر. فالواقع الآن تغير فلأول مرة يعيش المسلمون كأقليات دينية في مجتمعات غير اسلامية وبالتالي لا بد ان يكون هناك تطوير في الفقه الاسلامي، وكما قال ابن القيم الجوزي «الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان». وبالتالي يجب على المجامع الفقهية الاسلامية بالعالم الاسلامي سواء الأزهر أو مجمع الفقه الاسلامي بجدة، أو بالزيتونة أو بالقرويين وغيرها من المجامع الفقهية الموجودة بعالمنا الاسلامي، ان تتضافر جهودها لتزكية وتطوير مجمع فقهي اسلامي يهتم بشؤون وقضايا الاقليات الاسلامية بعيدا عن الانتماءات السياسية والقطرية في عالمية الدين الاسلامي.