دراسة: الديمقراطية الغربية تختلف في أصولها ومبادئها عن الديمقراطية في الفكر الإسلامي

TT

شغلت قضية الديمقراطية في الحضارة الغربية ومقارنتها بنظام الشورى الاسلامية بال كثير من المفكرين والعلماء المسلمين في هذه الآونة بالذات، خاصة بعد أن طرحت الولايات المتحدة الأميركية مشروعها الاصلاحي المعروف بمشروع الشرق الأوسط الكبير والذي يبشر بنشر الديمقراطية الغربية في البلاد العربية والاسلامية لتغيير كثير من المبادئ والمفاهيم التي يعتقدون أنها تحض على عدم التعاون مع الآخرين وتكرس للرجعية والتخلف.

وفي ضوء هذه المتغيرات نستعرض في التحقيق التالي مفاهيم الشورى وتطبيقها في الاسلام وبيان مدى امكانية التعايش بين الشورى والديمقراطية رغم اختلاف الأسس التي تقوم عليها الحضارتان الاسلامية والغربية.

يرى المفكر الاسلامي الدكتور صوفي أبوطالب رئيس البرلمان المصري الأسبق وأستاذ الشريعة الاسلامية بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، أن أوجه الشبه والتلاقي بين الشورى الاسلامية والديمقراطية أكثر من أوجه الاختلاف، وأن هذا يختلف عن تلك التي تقوم عليها الحضارة الغربية، كما أنه لكل منها غايات وأهداف قد تتطابق وقد تختلف. ونتيجة لذلك اختلفت الأدوات والآليات ومعاني المصطلحات.

وأضاف الدكتور أبو طالب : يعترف النظامان الاسلامي والغربي بمجموعة من المبادئ أهمها : المساواة أمام القانون في الحقوق والواجبات، وكفالة مجموعة من الحريات والحقوق العامة، ويختلف النظامان في أصل هذه المبادئ والحريات والحقوق، فالنظام الغربي يستنبطها من ضمير الجماعة ومن مبادئ العدالة والقانون الطبيعي، أما الفكر الاسلامي فيردها إلى فروض الكفاية أو فروض العين ويعتبر بعضها من حقوق الله وبعضها الآخر من حقوق العباد وهناك نوع ثالث يدخل في عداد الحقوق المشتركة بين الله والعباد.

وقال الدكتور أبوطالب إن النظام الغربي يسلم بمبدأ السيادة للأمة ويرد كل سلطات الدولة للأمة سواء في ذلك السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية أو السلطة القضائية.

أما الفكر الاسلامي فإنه لايعرف هذه المصطلحات ويعرف شبيهاً بها هي فروض الكفاية ويدخلها في الحقوق المشتركة بين الله والعباد وأناط بها الخليفة وغيره من أصحاب الولايات بصفتهم نواباً عن الأمة، وفي كلا النظامين تتميز شخصية الحاكم عن شخصية الأمة وتنفصل ذمته المالية عن ذمتها.

وقال الدكتور أبو طالب إن العلاقة بين الدولة والفرد في الفكر الغربي تقوم على أساس العقد الاجتماعي، وهو عقد تصوري لا وجود له في الواقع. أما في الفكر الاسلامي فإنها تقوم على عقد حقيقي هو البيعة كما يتم اختيار الحاكم في النظامين الاسلامي والغربي بالانتخاب مع اختلاف طريقته فيهما. وقد نظم الفكر الغربي مسؤولية الحاكم أمام الشعب ووضع له ضوابط، والفكر الاسلامي يقر بمبدأ مسؤولية الحاكم أمام الأمة ولكن ظروف المجتمع الاسلامي تقتضي وضع ضوابط أكثر دقة فضلاً عن أن مسؤولية الحاكم تقتصر على الشؤون الدنيوية والجزاء الدنيوي.

أما الفكر الاسلامي فإنه أناط بالحاكم مسؤولية رعاية الشؤون الدينية والدنيوية معاً وجزاء المخالفة مزدوج دنيوي وأخروي. ويقول الدكتور أبو طالب إن النظام الغربي قام على أساس الديمقراطية النيابية وقد عرف الفكر الاسلامي نظاماً شبيهاً هونظام الأنابة أو التفويض.

وأكد الدكتور أبو طالب في دراسة له بعنوان «الشورى والديمقراطية» أنه يوجد اختلاف جذري بين الفكر الاسلامي والديمقراطية الغربية في خصوص المقاصد والغايات، فالنظام الغربي يحدد أهداف النظام الديمقراطي بسعادة الفرد في الحياة الدنيا، ولذلك لاتدخل في اعتباره الأمور الدينية ويتركها للكنيسة، كما أنه يترك الجوانب الأخلاقية للفرد وضمير الجماعة. أما النظام الاسلامي فإنه يدخل في فروض الكفاية التي يتولاها الخليفة نيابة عن الأمة أموراً دينية وأخلاقية بجانب الأمور الدنيوية.

وذكرت الدراسة أن نظام الشورى الاسلامي يستطيع أن يتعايش في سهولة ويسر مع النظام الديمقراطي الغربي في ظل العولمة التي بدأت تجتاح العالم، خاصة وأن العالم الغربي يشكو الآن من الطغيان المادي وماصاحبه من خواء روحي، ولعله يفيد من نظام الشورى الاسلامي الذي يعتمد على الجانبين الروحي والمادي.

أما الدكتور محمد رأفت عثمان عميد كلية الشريعة والقانون السابق بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الاسلامية، فيؤكد أن النظام السياسي الاسلامي نظام ديمقراطي نظراً لأن الاسلام هو الشريعة الخاتمة التي لن تجيء بعدها شريعة من الله عز وجل. فلابد أن تكون أحكاماً صالحة صلاحية كاملة لتنظيم دنيا الناس في كافة مناحيها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغير ذلك من ألوان النشاط الانساني إلى أن تنتهي الدنيا، وإلا كانت البشرية محتاجة إلى دين جديد يفي بمتطلبات العصور المتجددة، وهو ما لن يكون لأن محمد بن عبد الله هو خاتم الأنبياء والرسل لقول الله تعالى : «ما كان محمد أباً أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين».

وأضاف الدكتور رأفت عثمان، كون محاسبة الديمقراطية متحققة في النظام الاسلامي فإن النظامين الاسلامي والغربي مختلفان في عدة أمور منها أن الشعب في ظل النظام الديمقراطي الغربي له السيادة الكاملة وبرأيه توضح القوانين وتغير، فكل قانون يرفضه عقل الشعب فباستطاعته إلغاؤه وسن قانون جديد يتلاقى مع أهدافه وأمانيه، وهذا ما يفتقد في النظام الاسلامي، إذ أن السيادة هي لأحكام الله تبارك وتعالى التي ثبتت ثبوتاً قطعياً ولاتستطيع جماهير الشعب ـ على أنه لا يجوز لها بحكم شريعة الاسلام ـ أن تضع من القوانين إلا ماكان متفقاً مع القانون الاسلامي الذي بينه الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.

وقال الدكتور عثمان بينما نجد أن الشورى لاتكون إلا فيما لا نص فيه أو فيه نص لكن هذا النص يحتمل أكثر من معنى، فسلطات المجالس النيابية في الديمقراطية المعاصرة سلطات مطلقة ومع التسليم بأنها مقيدة بأحكام الدستور إلا أن الدستور نفسه يمكن تغييره.