د. عز الدين عمر موسى: مواكبة العصر تعني الإبقاء على الأصل بصورة منفتحة غير جامدة

الكاتب الإسلامي الحائز جائزة الملك فيصل العالمية : العنف يورث الأمة الخبال والحوار مع الآخر يتطلب أولا حوارا مع النفس

TT

الدكتور عز الدين عمر موسى، الكاتب الإسلامي والمحاضر بجامعة الملك سعود في التاريخ الإسلامي، والحائز أخيرا جائزة الملك فيصل العالمية، التقته «الشرق الأوسط» في الرباط وتناولت معه في هذا الحوار العديد من القضايا التي تشغل العالم الاسلامي في الوقت الراهن.

* مع تزايد المناداة والمطالبة بإعادة النظر في مناهجنا التعليمية والتربوية لمواكبة العصر، ما الدور المنوط بالعلماء والباحثين في الدول الاسلامية القيام به من وجهة نظركم؟

ـ ليس الدافع هو مواكبة العصر فحسب، وإنما الابقاء على الأصل بصورة منفتحة غير جامدة، وبصورة تستصحب الرباني وتسترشد بالبشرى من التراث، وهذا التزاوج بين الاصل والعصر ما ينبغي ان نلتفت اليه في إعادة النظر في مناهجنا التعليمية والتربوية، ألا يكفينا المثل من اليابان؟!

* ما مسؤولية المؤرخ المسلم لتصحيح بعض المفاهيم المغلوطة التي وردت في السرد التاريخي للحقب الاسلامية؟

ـ أحسب أن هناك مفاهيم كثيرة مغلوطة وانطباعات اكثر خطأ وسم بها التاريخ الاسلامي من قبل ابنائه واعدائه معا. يريد ابناؤه تمجيد الماضي، فاستحوذ عليهم وانكفأوا عليه. ويهدف اعداؤه مسخ هويتهم والابقاء على قابلية الاستعمار فيهم للسيطرة عليهم او الاستمرار فيها.

هذا وذاك يستوجبان اعادة قراءة الماضي، بحيث يبقى على ما يجب المحافظة عليه، والتحرر من المتغير الذي لا بد من التخلص منه، فالماضي ليس كله خيرا، كما انه ليس كله شرا، وفي تاريخنا ومضات مضيئة، وبؤر اخرى وضيعة، شأن كل مجتمع.

* ما صحة الادعاء القائل إن التاريخ الاسلامي حافل بأحداث جسام تتسم بالغلو والتطرف، وهي مجرد احداث عابرة؟

ـ مثل هذا القول يفضح قائليه لانه صادر من اعداء الامة، والغلو والتطرف حالات تواجه وواجهت كافة المجتمعات الانسانية عندما يعجز اهلها عن حل المشكلات، التي تواجهها فيحدث الاحباط ردة فعل هدامة، وعلى هذا فإن الظاهرة ليس مخصوصة على امة دون غيرها، ومثل هذا الحديث يصرف الابصار عن تبين جذور الازمة المعاصرة، والبحث عن علاجها.

* هل اصبحت العولمة قدرا بالنسبة للعالم الاسلامي لا يمكن الفكاك منه؟

ـ من ينادي بذلك يدعو الى استمرار ضعفنا، وهذا القول يمثل تيارا استلابيا يظن ان العولمة ستظل على حالها في الوقت الذي افرزت نقيضها وستستمر في إفرازه، كما انه لا يعقل ان نعتبر ان العولمة كظاهرة كونية، مضادة لذاتنا وتهدف الى طمس هويتنا المتميزة، وبالتالي يجب مقاومتها، فللعولمة محاسن فهي قد فتحت للهويات المتعددة افاقا ارحب.

* شاركتم في العديد من الملتقيات الاقليمية والدولية حول الحوار بين الثقافات خاصة بين الاسلام والغرب.. هل نجحت هذه الملتقيات في تصحيح بعض الصور السلبية عن الاسلام؟

ـ أولا إن تصحيح الصورة لا يكون بالكلام، اذا كان واقع حالنا مناقضا لما ندعي أنه مثلنا المتجسدة في ديننا. وقديما قيل إن فاقد الشيء لا يعطيه. ثانيا كيف نحاور الاخر ونعجز عن حوار النفس. وحوار الاخر في مجتمعنا نفسه. ثالثا هذا الحوار غير مجد اذا كان ذلك الاخر لا يقبل الا ان نكون مثله؟ اليس هذا حوار الطرشان . عموما لست مع التيار الذي يرفض مقولة صراع الحضارات، ويقدم البديل بالاكثار من المؤتمرات والندوات المحلية والاقليمية والدولية ويتخم الناس بالكتب والمقالات والبرامج المرئية والمسموعة، فيملأ الدنيا ولكنه يدور حول نفسه، مواصلا الحوار في الاسلام، ومعطيا نماذج من التطبيقات في الماضي، ساعيا لتصحيح صورة الاسلام في الغرب، حتى غدا الحوار مع الحضارات مع متبني هذا الاتجاه كأنه هروب من واقعه التعيس الى ماضيه المجيد، فهذا انكفاء وهروب.

* وما هو الوجه الصحيح لهذا الحوار؟

ـ اعتقد أن الحوار مع الآخر يكون ايجابيا اذا كان هناك أولا حوار مع النفس، ثم محاولة معرفة هذا الاخر، وهذا لا يتم الا من خلال نهضة باسقة وترجمة راشدة للامم الاخرى، ولا سيما المتقدمة منها، ولا يعقل ان ما ترجمناه في النصف الاول من الثمانينات لا يتجاوز كتابا واحدا لكل مليون عربي، وبلغ المترجم على سبيل المثال عند المجر 519 كتابا، واسبانيا 920 كتابا، وأن انتاج الكتب في البلاد العربية لم يتجاوز 1% من الانتاج العالمي رغم ان العرب يمثلون 5% من سكان العالم، والمنتج من الكتب الادبية والفنية اقل مما انتجته تركيا.

* حرف البعض مفهوم الجهاد وحصره في نطاق، هل لهذا انعكاس على واقع المسلمين اليوم؟

ـ نعم هذا وجه من أوجه الظاهرة التي نعيشها اليوم، وهي مشكلة قراءة الثابت قراءة مستبصرة، تتبين الثابت القرآني او الحديثي في اسباب نزوله، ومعرفة علة احكامه، وهذا مما لا يتيسر لاحداث اغرار او مثقفين يجهلون الاحكام، أو متحمسين يريدون التمسك بظاهر النص من دون دراية بطرق تنزيله على أرض الواقع، من ضمن هؤلاء من يلجأ الى العنف حتى داخل بلده، بحجة ممارسات العدو الصهيوني الغاشمة ضد الفلسطينيين، او بسبب ظلم استعماري واقع او هيمنة عصبية يمينية متطرفة تحكمت في الساحة الدولية، فهذا لا يعطي المبرر لجماعة متطرفة لكي تعتبر نفسها معدن الحق والخير والفضيلة، والاخر باطلا محضا ومصدر الشر والرذيلة يسد الطريق أمام حلم يقظته، فتقوم هذه الجماعة باعمال متطرفة وعنف وتخريب يورث الامة في نهاية المطاف الخبال والوبال.