مفتي الجمهورية اللبنانية: الحوار مع الغرب ضرورة حتمية وواجب تمليه علينا المصلحة العليا للمسلمين

الشيخ محمد رشيد قباني لـ«الشرق الأوسط»: يجب أن نضع في أولويات الحوار مع الغرب تعريفه بقضايانا العادلة على حقيقتها

TT

أكد الشيخ محمد رشيد راغب قباني مفتي الجمهورية اللبنانية أن الحوار مع الغرب ضرورة حتمية وواجب تمليه علينا المصلحة العليا للمسلمين في الوقت الراهن مشيرا الى أن الحوار المقصود هو حوار مع الشعوب والمفكرين في الغرب لمخاطبة تلك الشعوب وتعريفها بقضايانا على حقيقتها وعلى جوهر الإسلام وحقيقته.

واشار مفتي لبنان في حديث لـ«الشرق الأوسط» على هامش المؤتمر الإسلامي الدولي السادس عشر الذي نظمه المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة أخيرا الى أهمية دور العلماء والمفكرين في الأمة الإسلامية لتوحيد هذه الأمة وجمعهم للمسلمين على كلمة سواء. كما تطرق الشيخ قباني في حديثه الي عدد من القضايا الإسلامية الراهنة في فلسطين والعراق وقضية الإصلاح والتطوير الذي تريد الولايات المتحدة الاميركية أن تفرضها على العالم العربي والإسلامي وفيما يلي تفاصيل اللقاء:

* ما هي رؤيتكم للتطوير والاصلاح الذي ينبغي أن يتم في العالم الإسلامي ويكون نابعا من الذات وليس مفروضا علينا؟

ـ طبعا التهديدات الاميركية لبعض الدول العربية مثل سورية وغيرها بضرورة إجراء الاصلاح الديمقراطي وتغيير المناهج الدينية لم تعد خافية على أحد.

فهل يجوز لدولة أن تفرض على الشعوب تغيير قيمها ومناهجها الدينية وغير ذلك من طلبات لا تتعلق بالسيادة، واتساءل أين الديمقراطية الاميركية ودعاوى حقوق الانسان التي يتشدق بها الاميركيون في ظل الممارسات اللاإنسانية التي قام بها الجنود الاميركيون في العراق خاصة سجن أبو غريب والتي شاهدها العالم كله على شاشات التلفزيون وادعائها بحيازة العراق لاسلحة دمار شامل لتبرير اخلالها له، الكذب والديكتاتورية هما شعار سياسة الولايات المتحدة الاميركية وليس الديمقراطية كما تدعي.

وخلاصة القول إننا نحن العرب ادرى ببيتنا العربي وشعوبنا أدرى بمصالحها ولا نقبل أي اصلاحات تفرض من الخارج، لأن هذه الدعوة للاصلاح من قبل اميركا ترمي لاحداث الصراع في كل بلد عربي ما بين الشعب والقادة ونظام الحكم، اميركا لا تهدف من دعوتها للاصلاح الحقيقي، فالاصلاح لا بد أن تطبق أميركا أولا على نفسها.

* الاحداث الأخيرة في القضية الفلسطينية تسارعت وتيرتها وهناك من الأحداث ما عجل باعمال العنف المسلح، بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي مثل اغتيال بعض القيادات في حركة حماس أمثال الشيخ أحمد ياسين والدكتور الرنتيسي، كيف ترى الأمور الآن بعد أن فشلت كل مفاوضات السلام؟

ـ ليس هناك طريق أمام الشعب الفلسطيني سوى مقاومة الاحتلال والعمل على تحرير أرضه كسائر شعوب الأرض لأن مقاومة المحتل أمر واجب ومكفول في المواثيق العالمية لأنه ما ضاع حق وراءه مطالب مهما طال الأمد.

* لكن بعد اغتيال رموز «حماس» هل يمكن أن يؤدي هذا الأمر إلى إضعاف روح المقاومة لدى أبناء الشعب الفلسطيني؟

ـ هذه الاغتيالات سوف تركز روح المقاومة لدى الفلسطينيين لأنهم يشاهدون إبادة إسرائيل لابنائهم وكيانهم، فكيف تضعف روح الجهاد والمقاومة فيهم، روح المقاومة والجهاد سوف تتصاعد، وهذا صراع لن ينتهي الا بزوال هذا الكيان اليهودي الأجنبي من فلسطين مهما طال الزمن، فلن يكون هناك أمن ولا استقرار في المنطقة العربية اطلاقا الا بزوال أسباب اضطراب المنطقة الذي تسبب فيه قيام هذا الكيان الأجنبي على أرض فلسطين.

* الحديث عن الحوار مع الغرب أصبح من المسلمات عند علماء المسلمين الذين يطالبون بالحوار مع الغرب ليكون بديلا عن الصراع في الوقت الذي يتصارع فيه الغرب معنا ويحتل بلادنا كيف تري هذا الطرح؟

ـ هذا الحوار يتم مع المفكرين ومع الشعوب وهذا ضروري وواجب أما على الصعيد السياسي فإن المؤتمرات التي تعقد لأجل الحوار لا يلتفت اليها السياسيون في الغرب ولا يكترثون بها وانما هم ماضون في تنفيذ خططهم الاستعمارية وبسط السيطرة على شعوب الشرق العربي، ومؤتمرات الحوار مع الغرب إنما تكون لمخاطبة الشعوب الغربية وتعريفها بقضايانا على حقيقتها وبتعريفها على جوهر الاسلام وحقيقته حيث تعمل الدوائر الصهيونية الاعلامية على تشويه صورة الاسلام لدى الشعوب الغربية.

* قضية بدء صوم رمضان وتحديد الاعياد والمواسم من القضايا التي تثور كل عام وتسبب اختلاف بين المسلمين، كيف يمكن حسم هذا الخلاف من وجهة النظر الفقهية؟

ـ القضية الآن ليست في بدء صوم رمضان في بلد في يوم وبداية صوم رمضان في بلد آخر في يوم آخر لندع الحديث في هذا الموضوع وغيره من الموضوعات التي لا تشكل انقساما في حياة المسلمين ولا بد ان نلتفت الى قضايانا التي تشكل اخطارا حاضرة وفي المستقبل على كياننا كأمة.

* هل تؤيد الدعوة التي تطالب بتأسيس مجلس عالمي ليكون بمثابة ادراة واحدة للفتوى في العالم الاسلامي لحسم بعض الخلافات التي تدور حول بعض القضايا الهامة في حياة المسلمين؟

ـ ليس المهم توحيد الفتوى وانما المهم التزام الدول بها ولا أرى مشكلة اطلاقا في قضايا الفتوى لندع هذا ولتصدر فتوى عن العلماء بحسب علمهم وقدرتهم على الاجتهاد والرأي السليم سوف يلتزم به جمهور المسلمين، ولم يأت عصر يخلو من تعدد الآراء فلم نشغل أنفسنا بهذه القضايا واسرائيل تقرع الابواب العربية بشدة.

* وماذا عن الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني خاصة أن هذه الدعوة جاءت بعد اتهام الاسلام بالارهاب والتطرف؟

ـ هذه اصطلاحات لا معني لها، خطابنا الديني معتدل وهو الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ولم نسمع عن أي حرب في أي بلد عربي شنتها طائفة ضد أخري بسبب الدين.

* هناك دعوة اميركية تطالب بخروج سوريا من لبنان، فما تأثير الوجود السوري في لبنان؟

ـ الوجود السوري في لبنان أولا وأخيرا لصالح الشعب اللبناني ولولا وجود سورية في لبنان لانقلب الوضع في لبنان الي صراع كبير، سورية اليوم هي التي تتعاون مع الدولة اللبنانية لحفظ أمن واستقرار لبنان في هذه الظروف الصعبة التي تواجهها المنطقة العربية عموما، سورية في لبنان بقرار من الدولة اللبنانية والشعب اللبناني، والحديث عن الوجود السوري في لبنان هو من سياسة اميركا التي تكره سورية وتحرض على خروج سورية من لبنان ثم تمكين اسرائيل ثم تطويق سورية في المرحلة التالية.

الشعب السوري واللبناني شعب واحد في دولتين وما بين سورية ولبنان ليس بين أي بلد آخر تاريخيا وحاضرا ومستقبلا لذلك نحن نتمسك بالوجود السوري في لبنان في ظل هذه الظروف الصعبة والدقيقة التي تمر بها الأمة العربية، في الوقت الذي تحتاج فيه لبنان لدعم سوريا في مواجهة المخططات الاسرائيلية والمخططات الاميركية.

* منذ تولي آرييل شارون رئاسة الوزراء في اسرائيل والنزاع العربي الإسرائيلي وصل الي طريق مسدود وتوقفت جميع مفاوضات السلام، فما الحل من وجهة نظركم؟

ـ هناك حقيقة لا يختلف عليها اثنان وهي ان فلسطين أرض عربية كلها ولم تكن هناك مشكلة قبل عام 1948 في فلسطين بين المسلمين العرب والمسيحيين العرب وإنما المشكلة كلها مع اليهود الأجانب الذين جاءوا من بلدان مختلفة في العالم وأسسوا وطنا في أرض ليست لهم، واحتفت الأمم المتحدة بقيام دولة اسرائيل التي قامت على احتلال فلسطين والأمم المتحدة خالفت قراراتها التي أصدرتها وتنص على عدم احتلال أرض الغير بالقوة، نحن رفضنا الاحتلال من عربي ومسلم وهو العراق لدولة الكويت الشقيق، فكيف نقبل باحتلال اليهود الأجانب لفلسطين، إذن الأن لابد أن يعمل العرب والمسلمون من أجل استرداد أرضهم المغتصبة بالقوة مهما طال الزمن، فلسطين في التاريخ تعرضت لاحتلالات عدة، احتلها الرومان وحررها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ثم احتلها الصليبيون وحررها صلاح الدين، وفي أوائل القرن العشرين احتلها اليهود الأجانب وسوف يحررها العرب والمسلمون من المحتل اليهود الأجنبي، أن التاريخ لم يتوقف عند الاحتلال اليهودي الأجنبي لفلسطين عام 1948، لذلك فإن ما صدر عن الرئيس بوش من وعود جديد للدولة اليهودية في فلسطين ليس بمستغرب مطلقا، فإذا كنا نستغرب هذا من الرئيس بوش فيجب أن نعترف بأننا قد خدعنا في السابق، وإذا خدعنا في السابق فسوف ننخدع في المستقبل.

ـ لقد لدغنا من الولايات المتحدة ومن روسيا ومن دول أوروبية عدة عام 1948، حينما ساعدوا اليهود الأجانب على احتلال فلسطين العربية فكيف نثق بهم، أن دعوة الرئيس بـوش للفلسطينيين بخصوص التخلي عن حق العودة الي وطنهم فلسطين، من وجـهة النظر السياسية المتعارف علـيها، فضيحة للتفكير الأمـيري، وإذا كان الرئيس بوش قد فضح بعض المخططات الاميركية بما صرح به عن تخلي الفلسطينيين عن حق العودة لوطنهم، فهذا قليل من كثير، كل ذلك يؤكد أن إسرائيل ماضية في خطتها لإقامة دولتها الكبرى من النيل الي الفرات وأميركا تدعمها.

* قضية اللاجئين الفلسطينيين من القضايا الشائكة في إدارة الصراع العربي الإسرائيلي فما الذي يجب فعله للتوصل الي حل هذه القضية؟

ـ أولا يبغي عدم الوثوق بوعود الولايات المتحدة الاميركية إطلاقا لأنها لا تعمل لمصلحة العرب ولا المسلمين وإنما يهمها فقط مصلحة اليهود الذين يحكمون اليوم في الإدارة الاميركية فهم الذين يسوسون سياستها اليوم، أما على صعيد الدول العربية فإن أدني شيء يجب أن يكون هو وجود شكل من أشكال الوحدة يجعل قرارها واحدا وأن تكون هذه الوحدة عملية بحيث تضع استراتيجية للمستقبل وتعمل على تحقيقها حتى يدرك الشعب العربي من المحيط إلى الخليج بأنه ليس في حالة ضياع وأنه ليس مهددا.